كتبه بلال المهاجر الأربعاء, 08 كانون1/ديسمبر 2021
يعيش العالم هذه الأيام حالة من الفوضى السياسية والاقتصادية والاجتماعية والصحية وصلت عنان السماء، ولم تستثنِ هذه الفوضى أيّ بلد من بلدان العالم، في الشرق أو الغرب، في البلاد الإسلامية أو في الدول الغربية، وقد أعلن العالم مجتمعا عن عجزه وإفلاسه الحضاري، الحضارة الغربية الرأسمالية العلمانية، وقد أوجدت هذه الحالة غضباً عارماً بين شعوب العالم وعلى رأسها شعوب البلاد الإسلامية الثائرة، وأوجدت فراغاً حضاريّاً وسياسيّاً في العالم كبيراً، ولأن المبادئ العقدية الموجودة في العالم تنقسم إلى قسمين، مبادئ بشرية وهي حصراً الاشتراكية والرأسمالية، ومبادئ إلهية وهي حصراً الإسلام، وقد أخفقت المبادئ البشرية وأعلنت إفلاسها بعد أن أردت البشرية إلى وادٍ سحيق من البؤس، فالاشتراكية أعلنت إفلاسها وبان عوارها قبل عقود من الزمن، والآن تتصدر الرأسمالية الإفلاس الكبير الحاصل، فهي المسؤولة عن الكساد الحضاري العظيم الذي يعصف بالبشرية، لذلك أصبح من نافلة القول أن يكون الإسلام العظيم هو المرشح الوحيد لملء هذا الفراغ، لما فيه من مقومات حضارية لا ينافسه فيها أي مبدأ بشري، فهو عقيدة عقلية تقنع العقل وتملأ القلب طمأنينة، ونظام حياة شامل عادل لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه.
لا يكون ملء الإسلام للفراغ الحضاري العالمي إلا بكيان سياسيّ يَحكم بمجموعة من الأفكار والمفاهيم والمقاييس والقناعات الإسلامية، أي كيان سياسي يمتلك السلطة للحكم بما أنزل الله، ويتجسد هذا الكيان في دولة الخلافة التي آن أوان إقامتها، ومسألة قيامها مسألة وقت لا غير، وذلك من ناحيتين؛ فكرية عقدية وفكرية سياسية، أما من الناحية العقدية فإن إقامة الخلافة متحققة بإذن الله، تؤكدها حقيقتان:
أولاً: وعد الله سبحانه وتعالى للذين آمنوا وعملوا الصالحات بالاستخلاف في الأرض كما استُخلف الذين من قبلهم. يقول سبحانه: ﴿وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ ءَامَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ﴾.
ثانياً: بشرى من رسول الله ﷺ بعودة الخلافة الراشدة على منهاج النبوة بعد الملك الجبري الذي نحن فيه، يقول صلوات الله وسلامه عليه في الحديث الصحيح الذي أخرجه أحمد من طريق حذيفة بن اليمان: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «تَكُونُ النُّبُوَّةُ فِيكُمْ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ تَكُونَ، ثُمَّ يَرْفَعُهَا إِذَا شَاءَ أَنْ يَرْفَعَهَا، ثُمَّ تَكُونُ خِلَافَةٌ عَلَى مِنْهَاجِ النُّبُوَّةِ فَتَكُونُ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ تَكُونَ، ثُمَّ يَرْفَعُهَا إِذَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَرْفَعَهَا، ثُمَّ تَكُونُ مُلْكاً عَاضّاً فَيَكُونُ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَكُونَ، ثُمَّ يَرْفَعُهَا إِذَا شَاءَ أَنْ يَرْفَعَهَا، ثُمَّ تَكُونُ مُلْكاً جَبْرِيَّةً فَتَكُونُ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ تَكُونَ، ثُمَّ يَرْفَعُهَا إِذَا شَاءَ أَنْ يَرْفَعَهَا، ثُمَّ تَكُونُ خِلَافَةً عَلَى مِنْهَاجِ النُّبُوَّةِ» ثُمَّ سَكَتَ ﷺ.
أما من الناحية الفكرية السياسية، فإن استعداد الإسلام وقدرته على سد الفراغ الحضاري حاصل بكل جدارة، وذلك بوجود مُعطيين:
الأول: أمة حية فاعلة، تُقبل على العمل لإقامة الخلافة، وعلى تأييد هذا العمل، إلى أن يتحقق وعد الله، ثم من بعدُ ترابط لاحتضان الخلافة وحراساتها، حيث إن الأمة تتوجه بخطوات متسارعة نحو سيرتها الأولى التي أخرجها الله لها. يقول سبحانه: ﴿كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ﴾.
الثاني: حزبٌ مخلص لله سبحانه، صادقٌ مع رسوله ﷺ، يغذّ السير، واصلٌ ليله بنهاره، حتى يتحقق وعد الله وبشرى رسوله على يديه، لا يخشى في الله لومة لائم، لا تلين له قناة ولا تضعف له عزيمة بإذن الله، حتى يأتي أمر الله وهو كذلك، وكأنه مصداق قوله صلوات الله وسلامه عليه في الحديث الذي أخرجه مسلم من طريق ثوبان: «لَا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي ظَاهِرِينَ عَلَى الْحَقِّ لَا يَضُرُّهُمْ مَنْ خَذَلَهُمْ حَتَّى يَأْتِيَ أَمْرُ اللَّهِ وَهُمْ كَذَلِكَ...».
هكذا فإن مقومات النصر والتغيير متحققة في زماننا؛ أمة حية ثائرة، وحزب قوي، ومقدرات كبيرة، وعدو ضعيف - بل هو في أوهن حالاته - وفراغ حضاري؛ لذلك يجب علينا الوثوق بديننا، بأنه المبدأ الوحيد المرشح والقادر على ملء الفراغ الحضاري، والوثوق بأمتنا، بأنها خير أمة في الأمم العالمية، وذلك بشهادة خالق الأمم، ويجب الوثوق بقائد الأمة، حزب التحرير، الفقيه والسياسيّ والمفكر، القادر بإذن الله على الحكم وإدارة الأزمات ومواجهة التحديات بأحكام الإسلام. الأمر كله متوقف الآن فقط على أهل القوة والمنعة من جيوش المسلمين، بالسير على خُطا الأنصار الذين نصروا رسول الله ﷺ، فنصرهم الله إذ مكّنهم بعد ضعف وأعزهم بعد ذل، ولكن نصرة الإسلام لا تكون إلا بالمخلصين الأتقياء الأنقياء، فهو عمل الرجال من أولي العزم من الرجال، وهو شرف عظيم لا يستحقه إلا الأتقياء من أهل القوة والمنعة، ممن يستحقون الفوز بالجنة كما فاز بها الأنصار، والفوز بالدنيا بتسطير سيرة عطرة تجعلهم يلقون الله والأمة تدعو لهم بكل خير.
إن العالم اليوم كسفينة في بحر لجيّ يغشاه الموج من كل جانب، ولن يقر له قرار إلا على شاطئ دولة الخلافة على منهاج النبوة، ونحن مطمئنون أن العالم بأمس الحاجة إلى الإسلام وإلى أن يُطبق عليه، وهو الوحيد الذي يهديهم ويصلح بالهم، ومطمئنون بأننا على المسار الصحيح الذي سيوصلنا بإذن الله إلى بر الأمان، فلا نقول إننا ننتظر نصرة أهل النصرة، بل نقول إننا نعمل وندعو الله أن يهيئ لنا أهل نصرة ينصرون دينه، فيعز الإسلام والمسلمون ويذل الشرك والمشركون. عَنْ خَبَّابٍ قَالَ أَتَيْنَا رَسُولَ اللَّهِ ﷺ وَهُوَ مُتَوَسِّدٌ بُرْدَةً فِي ظِلِّ الْكَعْبَةِ، فَشَكَوْنَا إِلَيْهِ، فَقُلْنَا: "أَلَا تَسْتَنْصِرُ لَنَا أَلَا تَدْعُو اللَّهَ لَنَا"، فَجَلَسَ مُحْمَرّاً وَجْهُهُ، فَقَالَ: «قَدْ كَانَ مَنْ قَبْلَكُمْ يُؤْخَذُ الرَّجُلُ فَيُحْفَرُ لَهُ فِي الْأَرْضِ، ثُمَّ يُؤْتَى بِالْمِنْشَارِ فَيُجْعَلُ عَلَى رَأْسِهِ فَيُجْعَلُ فِرْقَتَيْنِ، مَا يَصْرِفُهُ ذَلِكَ عَنْ دِينِهِ، وَيُمْشَطُ بِأَمْشَاطِ الْحَدِيدِ مَا دُونَ عَظْمِهِ مِنْ لَحْمٍ وَعَصَبٍ، مَا يَصْرِفُهُ ذَلِكَ عَنْ دِينِهِ، وَاللَّهِ لَيُتِمَّنَّ اللَّهُ هَذَا الْأَمْرَ حَتَّى يَسِيرَ الرَّاكِبُ مَا بَيْنَ صَنْعَاءَ وَحَضْرَمُوتَ مَا يَخَافُ إِلَّا اللَّهَ تَعَالَى وَالذِّئْبَ عَلَى غَنَمِهِ، وَلَكِنَّكُمْ تَعْجَلُونَ» سنن أبي داود.