السلام عليكم و رحمة الله و بركاته ،،
جرعة وعي (8): أمة وسطاذكر ابن كثير في تفسير الآية:
"وَكَذَٰلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِّتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا" [البقرة: 143].
(والوسط هاهنا : الخيار والأجود ، كما يقال : قريش أوسط العرب نسبا ودارا ، أي : خيرها . وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم وسطا في قومه ، أي : أشرفهم نسبا ، ومنه الصلاة الوسطى ، التي هي أفضل الصلوات ، وهي العصر ، كما ثبت في الصحاح وغيرها ، ولما جعل الله هذه الأمة وسطا خصها بأكمل الشرائع وأقوم المناهج وأوضح المذاهب ، كما قال تعالى : ( هو اجتباكم وما جعل عليكم في الدين من حرج ملة أبيكم إبراهيم هو سماكم المسلمين من قبل وفي هذا ليكون الرسول شهيدا عليكم وتكونوا شهداء على الناس ) [ الحج : 78 ]
وقال الإمام أحمد : حدثنا أبو معاوية ، حدثنا الأعمش ، عن أبي صالح ، عن أبي سعيد الخدري ، عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله تعالى : ( وكذلك جعلناكم أمة وسطا ) قال : " عدلا) " .
===========
من الأساليب الخبيثة التي يستخدمها الغرب الكافر في حربه ضد الإسلام ومواجهة فكره السياسي الحضاري تمييع ثقافة الأمة من خلال الترويج لمصطلحات ومفاهيم ملتبسة تهدف نحو نفي حالة العداء المتأصِّلة بين الإسلام والكفر، وتَمهّد لقبول الأمة الإسلامية للغرب المستعمر ولمشاريعه وفرض ثقافته وإحلال أفكاره العلمانية محل الأفكار الإسلامية الصحيحة. ومن الأمثلة البارزة لتلك المصطلحات التي يروج لها الغرب بمساعدة الحكام العملاء وأدواته في العالم الإسلامي مصطلح الوسطية الذي يحاول مروجوه إبراز صورة الإسلام عـلى أنـه دين الوسط والتسامح، وأنـه دين لا يعرف الغلو ولا التشدد، بـل هو دين معتدل ويستدلون بآيات وأحاديث عديدة منها هذه الآية (وكذلك جعلناكم أمة وسطا) .
كتب رئيس المكتب الاعلامي لحزب التحرير – لبنان د.أحمد القصص في مقالة له في جريدة الراية:(وأما "الوسطية" - ويقابلونها بمصطلح "التطرّف" – فهما مصطلحان مستجدّان اعتُمدا لترويج قراءة جديدة للإسلام على ضوء الحضارة الغربية المعاصرة، فنسخة (الإسلام الجديد) التي تتعايش مع الحضارة الغربية ومفاهيمها وتتخلّى عن جملة من الثوابت الشرعية وتعتمد العقلية الغربية (البراغماتية) في إنتاج الأحكام الشرعية والتشريعات اصطُلح على تسميتها "بالإسلام الوسطي". وقد زعم مبتكرو هذه النسخة الجديدة من (الإسلام) أنّهم استمدوا مصطلحهم من قوله تعالى: ﴿وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ﴾! والمدقّق قليلًا في هذه الآية يجد أن عبارة (وسطًا) لم ترد في الآية وصفًا للإسلام، وإنّما هي وصف للأمّة الإسلامية بأنّها الأمّة الوسط، أي الأمّة المتّصفة بالعدالة، عَنْ مُجَاهِدٍ قال: "﴿جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا﴾ أَيْ «عُدُولًا» ﴿لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ﴾" عَلَى الْأُمَمِ كُلِّهَا: الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى وَالْمَجُوسِ". بمثل هذه الأساليب الماكرة أنزل الله تعالى: ﴿سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ سَمَّاعُونَ لِقَوْمٍ آخَرِينَ لَمْ يَأْتُوكَ يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ مِنْ بَعْدِ مَوَاضِعِهِ يَقُولُونَ إِنْ أُوتِيتُمْ هَذَا فَخُذُوهُ وَإِنْ لَمْ تُؤْتَوْهُ فَاحْذَرُوا وَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ فِتْنَتَهُ فَلَنْ تَمْلِكَ لَهُ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا﴾).
وقد فرض الحديث عن الوسطية بقوة في الآونة الأخيرة وعـقدت له مؤتمرات وندوات وحوارات تم نقلـها عبر وسائل الإعلام المختلفة. على سبيل المثال:
مؤتمر "الوسطية" بعمان يدعو لبلورة مشروع ثقافى إسلامى موحدمؤتمر دولي بمكة لتعزيز الوسطية والاعتدال وبلا شك فإن هذا الترويج لمصطلح الوسطية من قبل بعض الكتاب والمفكرين هو تضليل للمسلمين ويتم بدعم ومباركة ورعاية الحكومات العميلة للغرب الذين عمدوا إلى إتاحة المنابر للأقلام المأجورة ولبعض المشايخ والعلماء المفتونين بثقافة الغرب للترويج لأفكار الغرب ومعتقداته، ومهاجمة أفكار الإسلام وعقائده وأحكامه خدمة للمخططات والسياسات التآمرية التي ينتهجها الغرب ضد الإسلام وثقافة المسلمين وعقيدتهم. تلك السياسات التي تسعى لجعل الإسلام دينا كبقية الديانات الأخرى وليس دين الله الحقّ وما دونه باطل، وتفرض على المسلمين ثقافة الانفتاح على الديانات والثقافات الأخرى باسم التسامح والحرية وقبول الآخر، وتجعل من عقيدة الغرب الرأسمالية، عقيدة فصل الدين عن الحياة، هي الأساس المشترك بين الثقافات، وتنعت كل من يأبى ذلك ويرفض ما عدا الإسلام من ثقافات بالتطرف والإرهاب.