دور الإعلام في تحريك أو إخماد الثورات
وليد السعيد
بدأت الثورات في البلاد العربية ذاتية عفوية لم تخطط لها قوى خارجية ولا حتى داخلية، ثارت فيها الشعوب وتحركت تعبيرًا عن رفضها للظلم والاستبداد والفساد، دون أن تملك هذه الحركة العفوية مشروعًا واضحًا لمستقبلها، بل بدأت دون أن تعرف إلى أين ستصل أو ماذا ستحقق، لكن حديثنا هنا عن دور الإعلام في تحريك أو إخماد الثورات، وإنه وإن خفي على البعض دور الإعلام في توجيه هذه الثورات نحو شعارات الديموقراطية والتعددية السياسية والمشاركة الحزبية وإبعادها عن المضامين الإسلامية، فإنه لم يخفَ على أحد دورها في احتضان هذه الثورات وتحريكها أو دورها في إخمادها وإطفاء نارها.
إن مواقف الأجهزة الإعلامية وعلى رأسها الفضائيات من الثورات يمكن تقسيمها إلى التالي:
1- إعلام تبنّى الثورات وتلقفها وبدأ يبث أخبارها بشكل مباشر ومكثف ومكبر، ويمكن أن نضرب محطة الجزيرة مثالًا على ذلك في الثورة المصرية، فقد تبنت القناة التحرك الشعبي في ميدان التحرير، وأصبحت تصف هذا التحرك بالثورة وتنقل بالبث الحي المباشر ما يحصل ويقع هناك، بشكل حوّل المحطة إلى غرفة عمليات لتحريك وتوجيه الثورة، وبشكل أظهر الجزيرة بأنها منحازة للناس وفي صف الشارع، غير آبهة بردات فعل النظام الذي منعها من البث وأغلق مكاتبها ثم شوش على بثها بشكل كبير، والجزيرة لا تبالي بكل ذلك لأن ذلك لفت نظر الشارع إليها وجعل الناس تزداد رغبة في متابعتها مما أعطاها فرصة أكبر في تحريك الناس وإثارتهم ضد النظام ورموزه، فنالت الجزيرة أعلى نسبة مشاهدة، بل بلغ تأثيرها أن يكون أحد كبار موظفيها ضمن لجنة التنسيق في قلب الميدان، وجعل القائمين على الثورة يطمحون بل ويطالبون أيام الجُمَعِ بحشد الملايين، ثم ارتفع سقف المطالب عندهم إلى حد جعلهم لا يقبلون بأقل من إسقاط رأس النظام. وهكذا كان، فلم تقلع خيام الاعتصام من الميدان حتى غادر الطاغية مبارك كرسيه الذي أعده ليبقى عليه هو وأبناؤه من بعده، هذا الأمر تعدى تأثيره ميدان التحرير ليضع باقي طواغيت الأنظمة أيديهم على رؤوسهم ويشعروا بأن أجلهم قد اقترب وأن أنظمتهم أوهى من بيوت العنكبوت، بل وأدركوا بأن الإعلام أقوى حضورًا وتأثيرًا من الجيوش بل من أجهزتهم الأمنية التي أعدوها لقمع شعوبهم.
لقد بلغ نجاح الجزيرة في تأجيج حركة الناس حدًا جعل أميركا على لسان وزيرة خارجيتها كلنتون، تجد نفسها مجبرة على أن تقول عن الجزيرة إنها المحطة الملك التي قادت وغيرت أفكار الناس وتوجهاتهم، وقالت سواء أعجبنا هذا أم لم يعجبنا، ففاعلية الجزيرة قوية وعدد مشاهديها في ازدياد... هذا بعد أن كادت أميركا زمن الرئيس بوش أن تقصف المحطة لحنقها منها، وكذلك نشرت مجلة «فورين بوليسي» الأميركية مقالًا عن الرابحين والخاسرين من الثورات فكانت قناة الجزيرة في المركز الثاني في قائمة الرابحين، حيث اعتبرت «فورين بوليسي» أن الجزيرة تفوقت على جميع القنوات الفضائية بما فيها القنوات الغربية في تغطية أحداث مصر ومن قبلها تونس، مشيرة إلى أنه إذا اعتبرنا راديو القاهرة هو الجناح الإعلامي لثورة عبد الناصر فإن قناة الجزيرة هي الجناح الإعلامي للثورة العربية.
وهذا الدور للجزيرة تكرر مع الثورة في ليبيا واليمن وتونس من قبل وإن كان بتأثير أقل.
ومثال الجزيرة هذا ينطبق على إعلام الدول الغربية عمومًا لكن بتأثير أقل، وذلك مثل «بي بي سي» و «فرانس24» وغيرها، التي أدركت مبكرًا بأن الشعوب يكمن فيها بركان جارف، فتملقت هذه الفضائيات الناس وتبنّى إعلامها الثورات وحركة الشارع نفاقًا، وفي نفس الوقت كانت سفاراتها تعمل على إجهاض الثورات من خلال ترتيب الأوراق داخل هذه البلاد حتى لا تخسر نفوذها فيها.
2- في مقابل هذا النوع من الإعلام نجد الإعلام الرسمي الباهت التافه، الذي حاول يائسًا مساندة الأنظمة المتهاوية، ووجدت الأنظمة المتهاوية به سلاحًا لبث أكاذيبها للناس، ولأن القائمين على هذا الإعلام يعلمون أن سندهم ليس الأمة، وأنهم في نظر الناس «كذابون» فقد بدا عليهم الارتباك والخوف الشديدين، حتى إن الحكومة البعثية في سوريا أقالت رئيسة تحرير «صحيفة تشرين» لمجرد مسايرة قليلة خلال لقاء مع محطة الجزيرة، وكانت هذه الحكومة في وقت سابق قد افتتحت محطة فضائية جديدة أطلقت عليها اسم «الإخبارية السورية» أطلقتها وأعطتها شيئًا قليلًا من «الحرية» لتمنحها بعضًا من المصداقية التي فقدتها المحطة الرسمية القديمة، لكن الحكومة السورية لما اشتعلت الثورة وأحست بخطرها، ألغت هذه الحرية وجعلت هذه المحطة بوقًا قذرًا يقدس النظام، ويسب الناس ويسفه أحلامهم، ويوسع دائرة التهم لكل من يتحرك ضد النظام، فمرة يصفهم بالخارجين على القانون ومرة بالمندسين أو القلة، أو غير ذلك من النعوت التي زادت هذه الإعلاميات بعدًا عن الناس أو التأثير فيهم، بل زادت الناس نفورًا وبحثًا عمن ينقل صوت الناس ويذيعه.
3- إعلام متردد يتبع دولًا غير مبدئية ولا تفهم حتى المصلحة بالمفهوم الغربي الميكيافلي.
ويمثل هذا الخط الإعلام الروسي ومثله الصيني، فالإعلام الروسي ومن وراءه لم يدرك بأن التحرك الشعبي هو تحرك ذاتي وأنه أقوى من الأنظمة ذاتها، ففي البداية كان الإعلام الروسي قد ركز من خلال المحللين السياسيين التابعين له على التحذير من هذه التحركات والتشكيك فيها ومحاولة بيان أن الدول الغربية الاستعمارية تقف وراءها أو تستغلها، وأن «المتطرفين» قد يقفزون على الحكم من خلالها. ثم لما أدركت أن النظام في مصر ساقط لا محالة تحول إعلامها كي يقترب من الحقيقة والشارع أكثر فأكثر، لكنه بقي مترددًا خائفًا لا يعلم المجهول، ولكنهم كرروا هذا الخطأ مع باقي الثورات في ليبيا وسوريا، مما جعل هذا الإعلام ضعيف الأثر في الناس وتحركهم.
4- إهمال الحدث بشكل مقصود تبعًا لأجندات مفروضة على هذه الأجهزة الإعلامية، ومثال ذلك الجزيرة وأسلوب تعاطيها مع قضية البحرين، فأحداث البحرين تعاملت معها الجزيرة بأسلوب الإهمال وبالأخص بعد دخول قوات درع الجزيرة إلى أرض البحرين، أما ما هو السبب في ذلك فهل هو فتوى القرضاوي أن الموضوع هناك موضوع طائفي، أم أن الموضوع أبعد من ذلك بكثير، والحقيقة التي لا مراء فيها أن الإعلام إنما يعمل لصالح الجهة التي أوجدته وتقف وراءه وتموله ليحقق أهدافها ولا يحيد عنها، والفارق بين هذه الفضائيات أن بعضها قد منح مساحة من الحرية أوسع من غيرها لتكسب من خلال هذه الحرية ثقة الجمهور والناس، هذه القضية أي قضية البحرين لفتت نظر بعض الناس لكن التغطية الواسعة من الإعلام ومنه الجزيرة لما يجري في سوريا واليمن وليبيا جعل أكثر الناس لا تلتفت لهذا الإهمال الإعلامي لما يجري في البحرين.
لكني أعود لأختم بما قلته من أن هذا الإعلام إنما هو إعلام موجَّه يعمل لصالح الجهات التي تدعمه وبالتالي الدول الكبرى التي وراءه.
المصدر : مجلة الوعي
http://www.al-waie.org/issues/special/arti...d=1057_0_81_0_C