منتدى الناقد الإعلامي

السلام عليكم , للمشاركة اختر ( دخول | تسجيل )



ملتيميديا

مقتطفات فيديو من انتاج الشبكة

 
Reply to this topicStart new topic
> دراسة الوثائق الدولية اتفاقية السيداو
مريم عبد الله
المشاركة Jan 2 2021, 02:59 PM
مشاركة #1


ناقد نشط
***

المجموعة: الأعضاء
المشاركات: 96
التسجيل: 30-December 20
رقم العضوية: 2,452



السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،،

منقول للفائدة:
هكذا يدس السم في العسل

دراسات إجتماعية‏ > ‏دراسات و أبحاث إجتماعية‏ >

دراسة الوثائق الدولية اتفاقية السيداو
دراسة الوثائق الدولية من جوانبها المختلفة اتفاقية القضاء على كافة أشكال التمييز ضد المرأة (سيداو)


نموذجا مقدم في المؤتمر الدولي أحكام الأسرة بين الشريعة الإسلامية والاتفاقيات والإعلانات الدولية


أ.هدى عبد المنعم

المحامية بالنقض والدستورية والإدارية العليا

وعضو اللجنة الإسلامية العالمية للمرأة والطفل

مقدمة:

منظمة الأمم المتحدة تعمل على حماية بعض الفئات التي ترى أنها تحتاج الى حماية خاصة، وذلك من خلال عقد المؤتمرات العالمية، وصك الإعلانات والاتفاقيات والوثائق الدولية، التي تكرس حقوقًا خاصة بتلك الفئات. وسنحاول من خلال هذه الدراسة تسليط الضوء على بعض تلك الجهود، نحو إحدى هذه الفئات وهي المرأة، وذلك من خلال اتفاقية دولية أصدرتها الأمم المتحدة عام 1979، وخرجت الى حيز التطبيق عام 1981، بعد أن وقعت عليها خمسين دولة، وهي اتفاقية "القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة"

The Convention on the Elimination of All Forms of Discrimination against Women CEDAW


أهمية الموضوع:

1- إن قضايا المرأة تكاد تكون القاسم المشترك في أغلب المؤتمرات التي تعقدها الأمم المتحدة.

2- إن الهيئة الدولية لا تكتفي بهذا، وإنما عقدت للمرأة سلسلة من المؤتمرات الدولية والاقليمية الخاصة بها.

3- أن الإشكالية التي تثار دائمًا، أن هذه المؤتمرات والمواثيق الصادرة عنها يفترض أنها عالمية ومن ثم ينبغي أن تعكس تلك المواثيق كافة ثقافات العالم.

4- الصفة القانونية الإلزامية لتلك المواثيق وما يترتب عليها من تبعات قانونية على الدول التي صدقت عليها، ومن ثم ينعكس أثرها على الشعوب ونظمها السياسية والاقتصادية والاجتماعية، بما فيه من المساس بعقائدها وأعرافها وتقاليدها.

و سوف يتناول البحث ما يلي:

الفصل الأول :

1- إطلالة تاريخية على الوثائق الدولية المعنية بالمرأة بصفة عامة.

2- إطلالة على اتفاقية السيداو بصفة خاصة.

3- استعراض لاتفاقية السيداو.

الفصل الثاني : ( دراسة تحليلية لاتفاقية السيداو من جوانبها المختلفة):

1- من المنظور الفلسفي.

2- من المنظور الاجتماعي.

3- من المنظور القانوني.

4- من المنظور الشرعي:

- ما يتفق مع الشريعة.

- ما تجاوزت فيه الشريعة.

- ما تعارض مع الشريعة.

الفصل الثالث :

1- موقف البلاد العربية من الاتفاقية.

2- آليات تنفيذ الاتفاقية.

خاتمــــــة

الفصل الأول

أول:إطلالة تاريخية على الوثائق الدولية المعنية بالمرأة بصفة عامة


بدأ اهتمام هيئة الأمم المتحدة بالمرأة منذ عام 1946 حيث أنشئت لجنة مركز المرأة، وقد ركزت الهيئة الدولية في اتفاقياتها وصكوكها ومؤتمراتها على قضية المساواة بين المرأة والرجل بالمفهوم الغربي كقيمة مطلقة، واستخدمت قضية المساواة هذه في تمرير كثير من القضايا التي تنادي بها الأمم المتحدة؛ لعولمة النموذج الغربي للمرأة في جميع مجالات الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والأخلاقية والثقافية والإعلامية.


أولاً- الاتفاقيات الدولية المعنية بالمرأة:

وأهم تلك الاتفاقيات:


(1) اتفاقية حقوق المرأة السياسية سنة 1952م:

في 20 ديسمبر 1952م أقرت الجمعية العامة للأمم المتحدة (القرار رقم 640 د-7)، الاتفاق الخاص بالحقوق السياسية للمرأة. وهي أول معاهدة ذات نطاق عالمي تتعهد فيها الدول الأطراف بالتزام قانوني يتعلق بممارسة مواطنيها للحقوق السياسية. وأصبحت هذه الاتفاقية نافذة المفعول منذ 7 يوليه 1954.


(2) المعاهدة الخاصة بجنسية المرأة المتزوجة 1957:

تتمتع كل دولة – استنادًا إلى مبدأ السيادة – بحقها في وضع قوانين الجنسية الخاصة بها إلا أنه في سنة 1949 قامت هيئة الأمم المتحدة بالدعوة إلى ضرورة إبرام معاهدة دولية بشأن جنسية المرأة، تكفل للمرأة المساواة مع الرجل في تمتعها بحقها في الجنسية، وتمنع حرمانها من الجنسية عند الزواج أو الطلاق، وقد أقرت الجمعية العامة للأمم المتحدة هذه الاتفاقية في 29 يناير سنة 1957.


(3) اتفاقية منظمة العمل الدولية المتعلقة بالتمييز في العمل وشغل الوظائف سنة 1958م:

ويعرف التمييز – في الاتفاقية – بأنه "ما ينطوي على أي تفرقة أو استبعاد أو تفضيل على أساس العنصر، أو اللون، أو الجنس، أو الرأي السياسي أو الأصل الوطني أو المنشأ الاجتماعي، ويسفر عن إبطال أو انتقاص المساواة في الفرص أو في المعاملة على صعيد العمل وشغل الوظائف، أو أي نوع آخر من أنواع التمييز أو الاستثناء أو التفضيل يكون من أثره إبطال أو انتقاص المساواة في الفرص أو المعاملة على صعيد العمل".


(4) اتفاقية الرضا بالزواج، والحد الأدنى لسن الزواج، وتسجيل عقد الزواج سنة 1962م و 1965م :

تطلب الاتفاقية – وفقًا للمادة الثالثة منها – تسجيل كافة عقود الزواج في سجل رسمي مناسب على يد السلطة المختصة. وعلى خلاف الاتفاقية – التي تركت للدول الأطراف تحديد الحد الأدنى لسن الزواج – فإن التوصية التي تكمل الاتفاقية تنص تحديدًا على أن سن الزواج لا يجوز أن يقل بحال عن 15 عامًا.


(5) العهدان الدوليان لحقوق الإنسان: (الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، والحقوق المدنية والسياسية) سنة 1966م:

وافقت الجمعية العامة للأمم المتحدة في 16 ديسمبر سنة 1966م على الاتفاقية الدولية للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وعلى الاتفاقية الدولية للحقوق المدنية والسياسية والبروتوكول الاختياري الملحق بالاتفاقية الأخيرة، وقد حظرت هاتان الاتفاقيتان التمييز على أساس الجنس، وجعلته من بين أسس التمييز الأخرى المحظورة كالعنصر والدين واللغة.


(6) إعلان القضاء على التمييز ضد المرأة 1967م:

صدر الإعلان العالمي الخاص بالقضاء على التمييز ضد المرأة 1967م الذي ينص على: "حق المرأة الدستوري في التصويت للانتخابات والمساواة مع الرجل أمام القانون، وعلى حقوقها في الزواج والتعليم وميادين الحياة الاقتصادية والاجتماعية. وقد أقرته الجمعية العامة في 7 نوفمبر 1967 بالإجماع."[1]

ونظرًا لأن الإعلان لم يتخذ شكل اتفاقية تعاقدية – فإنه وبالرغم من هيبته الأدبية والسياسية – لم يضع أمام الدول التزامات واجبة التنفيذ. ومن هنا، فإن اللجنة الخاصة بوضع المرأة أخذت في عام 1972 بدراسة الإمكانات لإعداد اتفاقية تجعل من الإعلان قوة ملزمة للمنضمين إليه.


(7) إعلان الجمعية العامة للأمم المتحدة سنة 1974م أن عام 1975م سيكرس لخدمة قضايا المرأة:

أقر المؤتمر العالمي للعام الدولي للمرأة الذي انعقد في مدينة مكسيكو سيتي عام 1975م أهداف (العام الدولي للمرأة)، وخطة العمل الدولية التي يمكن عن طريقها تنفيذ هذه الأهداف. وكان أحد هذه الأهداف هو وجوب منح المرأة حقوقًا وفرصًا متساوية مع الرجل قانونًا وواقعًا في الاقتراع والمشاركة في الحياة العامة، وفي الحياة السياسية على المستويات الوطنية والمحلية وعلى مستوى المجتمع المحلي.


(8) اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة سنة 1979م والمعروفة بـ (سيداو/ CEDAW)

وسوف نتحدث تفصيليًا عن هذه الاتفاقية في الفصل اللاحق.


ثانياً- المؤتمرات الدولية الخاصة بالمرأة :

عقدت الأمم المتحدة العديد من المؤتمرات الدولية؛ للضغط على الحكومات، والرأي العام والمنظمات غير الحكومية لتحقيق ما جاء بالاتفاقيات والعهود والإعلانات الدولية، ومن تلك المؤتمرات:

- عام 1975م أول مؤتمر دولي للمرأة في مكسيكو سيي بالمكسيك تحت شعار "المرأة: المساواة والتنمية والسلم" . وعدَّ ذلك العام، العام العالمي للمرأة.

- عام 1980 المؤتمر الدولي الثاني عن المرأة في كوبنهاجن بالدنمرك؛ وذلك لتقويم ما أنجز في تنفيذ توصيات مؤتمر المكسيك.

- عام 1984م المؤتمر العالمي الثاني للسكان في المكسيك.

- عام 1985م المؤتمر الدولي الثالث عن المرأة في نيروبي بكينيا، لاستعراض وتقويم منجزات (عقد الأمم المتحدة للمرأة).

- عام 1994م المؤتمر الدولي الثالث للإسكان والتنمية في القاهرة، وأثار المراقبون حينذاك الكثير حول هذه المؤتمرات الدولية وما تطرحه من تغيير نوعي تدريجي. فقد لفت الانتباه الأطروحات التي تداولتها جلسات ومقررات هذا المؤتمر، كالدعوة إلى حرية الجنس للمرأة، وتغيير وحدة المجتمع الأساسية من الأسرة إلى العلاقة بين أي طرفين، ونادت بقانونية الإجهاض، ولم تعد المنطقة العربية والإسلامية بعيدة عن تلك الأطروحات، فالمؤتمر عقد في عقر دارها.

- عام 1995م المؤتمر العالمي الرابع للمرأة في بكين، ولقد اشتهر هذا المؤتمر؛ نظرًا للتغطية الإعلامية التي حظي بها، ولطبيعة النقلة النوعية في المطالب والدعوات التي قدمت فيه.

- تعقد لجنة مركز المرأة CSW اجتماعًا سنويًا؛ لمتابعة تطبيق وثيقة بكين، واتفاقية سيداو.

- عام 2000م مؤتمر في نيويورك تحت عنوان (بكين+5).

- عام 2005، عقدت لجنة مركز المرأة جلستها السنوية تحت عنوان (بكين+10).


ثالثاً: بعض المؤتمرات والإعلانات الدولية الخاصة بقضايا مختلفة لها صلة بالمرأة:

عقدت عدة مؤتمرات دولية خاصة بقضايا مختلفة، ولكنها تبنت نفس قضايا المرأة التي طرحتها مؤتمراتها المتخصصة، مثل مؤتمر الطفل بنيويورك عام 1990م، ومؤتمر البيئة والتنمية في ريودي جانيرو في عام 1992، وفي عام 1994 صدر الإعلان العالمي بشأن حماية النساء والأطفال في حالات الطوارئ والنزاعات المسلحة. ومؤتمر التنمية الاجتماعية بكوبنهاجن عام 1995م، ومؤتمر اسطنبول للمستوطنات البشرية "Habitat" عام 1996م، ومؤتمر الإنسان والثقافة في استكولهم عام 1998م. ثم مؤتمر قمة الأرض في جوهانسبرج- جنوب افريقيا 2002


نبذة تاريخية عن اتفاقية السيداو:

بدأت مفوضية حركة المرأة بالأمم المتحدة في عام 1973 في إعداد معاهدة القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة وأكملت إعدادها في عام 1979.

وفي يوم 18 ديسمبر 1979 اعتمدت الجمعية العامة للأمم المتحدة الاتفاقية باعتبارها إحدى الاتفاقيات الدولية لحقوق الإنسان.

وفي يوم 3 ديسمبر 1981 أصبحت الاتفاقية سارية المفعول بعد توقيع (50) دولة عليها طبقًا لأحكام المادة 27 التي تنص على مبدأ نفاذ الاتفاقية بعد شهر من تصديق أو انضمام الدولة رقم عشرين عليها وكانت تونس هي الدولة العربية الوحيدة التي وقعت على الاتفاقية قبل نفاذها.

وفي هذا الإطار تعد اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة هي المتن الذي كتبت على هامشه جميع أعمال الأمم المتحدة من مؤتمرات (قمة دولية) في مجال المرأة.


عرض الاتفاقية:

تدعو الاتفاقية -كما سنعرض فيما بعد- إلى المساواة المطلقة في الحقوق بين المرأة والرجل في جميع الميادين السياسية والاقتصادية والاجتماعية والمدنية وتعد الاتفاقية بعد المصادقة عليها ملزمة قانونًا للدول بتنفيذ بنودها وقد انضممت إلى عضوية الاتفاقية 11 دولة عربية وإن تحفظت على بعض البنود وهي (الأردن والعراق والكويت وليبيا وتونس والجزائر ولبنان ومصر واليمن و جزر القمر ومن الدول الإسلامية التي صادقت على الاتفاقية اندونيسيا وباكستان وبنجلاديش وتركيا وماليزيا).

تحدد هذه الاتفاقية المتضمنة 30 مادة، بصيغة ملزمة قانونًا، مبادئ وتدابير لتحقيق مساواة المرأة بالرجل داخل وخارج الأسرة، وفي جميع الميادين: السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والمدنية، وتدعو أيضًا إلى استنان تشريعات وطنية لحظر ما اعتبرته تمييزًا ضد المرأة، وتوصى باتخاذ تدابير خاصة مؤقتة للتعجيل بالمساواة بين الرجل والمرأة، وباتخاذ خطوات لتعديل الأنماط الاجتماعية والثقافية التى تجعل من التمييز أمرًا مقبولاً.


مواد الاتفاقية:

المادة الأولي : وبها تعريف لمصطلح التمييز ضد المرأة.

المادة الثانية : تدور حول التزام الدول الأطراف بشجب جميع أشكال التمييز ضد المرأة، واتخاذ جميع التدابير المناسبة -دون إبطاء- التي تستهدف القضاء على التمييز ضد المرأة وكفالة المساواة بينها وبين الرجل في التمتع بكافة الحقوق والحريات الواردة في الاتفاقية.

المادة الثالثة : تدور حول التزام الدول بكفالة تطور المرأة وتقدمها الكاملين (تمكين المرأة).

المادة الرابعة : تتعلق بالتمييز الإيجابي.

المادة الخامسة: تتعلق بالتزام الدول الأطراف بتغيير الأنماط الاجتماعية والثقافية التقليدية لسلوك الرجل والمرأة.

المادة السادسة : تتعلق بالتزام الدول الأطراف بمكافحة جميع أشكال الاتجار بالمرأة واستغلال بغاء المرأة.

المادة السابعة : تتعلق بمشاركة المرأة في الحياة العامة على المستوى الوطني.

المادة الثامنة : تتعلق بمشاركة المرأة في الحياة العامة على المستوى الدولي.

المادة التاسعة : تتعلق بحق الجنسية.

المادة العاشرة : تتعلق بالتعليم ومحو الأمية.

المادة الحادية عشرة : تتعلق بالعمل.

المادة الثانية عشرة : تتعلق بالخدمات والرعاية الصحية.

المادة الثالثة عشرة : حق المرأة في الاستحقاقات العائلية والتمتع بالأنشطة الترويحية والألعاب الرياضية والخدمات الثقافية.

المادة الرابعة عشرة : تتعلق بالمرأة الريفية.

المادة الخامسة عشرة : تتعلق بالشئون القانونية.

المادة السادسة عشرة : تتعلق بالأحوال الشخصية.

المادة السابعة عشرة: تتعلق بالنواحي الإجرائية، كما سنوضح في السطور اللاحقة.


آلية تنفيذ الاتفاقية:

دارت المواد من 17 - 22 حول لجنة القضاء على التمييز ضد المرأة من حيث الشكل والاختصاصات، ونصت المادة (18) بالتحديد على أن تتعهد الدول الأطراف برفع تقرير للأمين العام للأمم المتحدة عما اتخذته من تدابير تشريعية وقضائية وإدارية وغيرها من أجل إنفاذ أحكام هذه الاتفاقية في غضون سنة واحدة من التوقيع على الاتفاقية، وتقرير آخر كل أربع سنوات أو كلما طلبت لجنة CEDAW ذلك. ويحتوي التقرير على وصف مفصل لهيكل البلد القانوني والسياسي ووضع المرأة فيه، وترفع التقارير من الحكومة والمنظمات غير الحكومية ووكالات الأمم المتحدة بالبلد المعني.


الفصل الثاني

دراسة تحليلية لاتفاقية السيداو من جوانبها المختلفة


أولا: من المنظور الفلسفي:

لعل أهم عناصر الفلسفة الكامنة خلف اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة CEDAW هي نظرتها للإنسان باعتباره كائنًا ماديًّا بسيطًا (غير مركب، وغير متجاوز للمادة) يستمد معياريته من نفس القوانين الطبيعية المادية، ويخضع لنفس الظروف المادية وللحتميات الطبيعية.

ومن ثم فإن الحقوق الإنسانية للمرأة التي تتحدث عنها الاتفاقية هي حقوق لإنسان عبارة عن امرأة، أية امرأة يمثل وحدة كمية مستقلة ،أحادية البعد، لا علاقة لها بأسرة أو مجتمع أو دولة أو مرجعية تاريخية أو أخلاقية.

وهناك عدة مفاهيم أساسية تمثل منظومة المفاهيم الحاكمة لاتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة، وهى في مجملها تمثل جوهر مفاهيم الحضارة الغربية، ونظرتها للإنسان والكون والحياة، وتصوراتها للخالق أبرزها:

- مفهوم القانون الطبيعي Natural Law

المرتبط بذاتية الإنسان من الناحية الطبيعية، بغض النظر عن فكره ومنهجه وعقيدته، وهوليس قانونًا بالمعنى الدقيق، ولكنه مجرد (افتراض) أن هناك قواعد عقلانية منطقية سابقة على وجود الجماعة البشرية، وأن هذه القواعد تلقى قبولاً عامًّا من الإنسان، وأنها هي مرجع القوانين الوضعية ومعيارها، وأنها تحتوي على (حقوق طبيعية) للإنسان، تولد معه وتظل لصيقة به، ومن ثَمَّ فهي تحدّ من سلطة الدولة في علاقتها بالأفراد، في الوقـت الذي لا تفـرض فيه على الفرد أية واجبات مـقابل تمـتعه بــهذه الحــقوق وممارسته لها.

لذلك يكون الإنسان في هذا التصور الكلى مُشَرِّعَ نفْسِه، ضابطَ حَقِّه، رافضًا أن يكون شرعه مُنَـزَّلاً، أو أن ينبثق من الطبيعة الموجودة، الاجتماعية أو البيولوجية الحسية، الإيمان الوحيد هنا بالإنسان، وليس ما فوق الإنسان، ومصدره العقل النظري.

والمساواة المطلقة بين الرجل والمرأة بما يقربها من درجة التماثل أو التطابق التام، تلك المساواة التي تشمل جميع مناحي الحياة كحلٍ أوحد وأساس، تقوم على رفض حقيقة وجود تمايز في الخصائص والوظائف بين الرجل والمرأة.

- الفردية:

بمعنى النظر للمرأة كفرد، وليس كعضو في أسرة يتكامل فيها الزوجان، والترحم بين الآباء والأبناء، ذلك أن الحضارة الأوربية تقوم على الفرد والفردية، ولذلك ذهب أصحاب تحرير المرأة إلى النظر إليها باعتبارها فردًا وإنسانًا، وهذا ما يتعارض مع نظرية الإسلام الذي وإن اعترف للمرأة بما توجبه إنسانيتها من حقوق، فإنه لا يقوم - أصلاً - على نظرية الفردية، وله نظرة وسطية متوازنة بين الفردية والجماعية، ويحترم الفطرة الإنسانية التي فطر الله الناس عليها، وتظهر في مجال المرأة، باعتبارها إنسانًا وأنثى، وأنها والرجل صنوان في الحقوق الإنسانية العامة وفى خطاب التكليف وفى الثواب والعقاب ووضع قيمًا وضوابط لتنظيم العلاقة بينهما.

- حتمية الصراع وديمومته:

وذلك كى تنال المرأة حقوقها، فالخطاب المتمركز حول الأنثى هو خطاب يعلن حتمية الصراع بين الذكر والأنثى، وضرورة وضع نهاية للتاريخ الذكرى الأبوي، وبداية التجريب بلا ذاكرة تاريخية، وهو خطاب يهدف إلى توليد القلق والضيق والملل وعدم الطمأنينة في المرأة، عن طريق إعادة تعريفها، بحيث لا يمكن أن تحقق هويتها إلا خارج إطار الأسرة، بما نتج عنه إعطاء ضمانات قانونية وإجراءات رقابية لحقوق النساء خاصة وترك حقوق الرجال دون ضمانات الأمر الذى يخل بالمساواة بين الجنسين بحيث تصبح المرأة في مركز قانوني وعملي متميز عن الرجال.


ثانيا: من المنظور الاجتماعي:

(1) تقليل النمو السكاني:

يعاني الغرب حاليًا من خطورة تدني النمو السكاني حتى سادت مقولة أن أوربا تذوب كالجليد، وفشلت محاولات تحفيز نساء الغرب وحثهن على الإنجاب عن طريق تقديم الإعلانات المادية لهن وإجازات الوضع .. إلخ.

هذه السياسة لم تؤتِ أُكُلها لأسباب متعددة منها التفكك الأسري والاجتماعي والعزوف عن الزواج أو تأخره وازدياد معدل الطلاق في الغرب.

هذا في الوقت الذي تنعم فيه مجتمعات الجنوب بزيادة مطردة في النمو السكاني فكان لابد من العمل على تقليل سكان الدول النامية وهو ما جاء في دراسة قدمها صندوق الأمم المتحدة للسكانUNFPA لمناقشتها في اجتماع خبراء تنظيم الأسرة الذي عقد في بانقلور بالهند عام 1992م ونشر موجزها في مجلة المرأة عام 2000 الصادر عن قسم النهوض بالمرأة بالأمم المتحدة تناول فيها الصندوق استقلال المرأة الاقتصادي عن الرجل ومساواتها به من أجل تقليل الزيادة السكانية وذكر أن السبب في ذلك يكمن في أن عدم حصول المرأة على الموارد المالية دائمًا ما يجعلها في حاجة مادية للزواج لتأمين المعيشة في الحاضر وإنجاب الأولاد الذكور لتأمين المستقبل ثم يحوجها ضغط الأعباء المنزلية لولادة البنات لمعاونتها في المنزل.

أما الورقة التي أعدها قسم النهوض بالمرأة لتناقش في نفس الاجتماع فتقول بأن برامج تنظيم الأسرة الحالية لا تؤدي دورًا فعالاً في تقليل النمو السكاني وإنه إذا أراد القائمون على هذه البرامج تقليل النمو السكاني على المدى البعيد فعليهم التركيز على تغيير دور المرأة الحالي في الأسرة والمجتمع وعليهم الحرص على تعليمها وتوظيفها في إعمال مأجورة وأن الإرادة السياسية لرفع مكانة المرأة هي العامل الهام في تقليل الخصوبة على المدى البعيد.

وجاء في كتاب نساء العالم 1995م الذي أصدرته الأمم المتحدة أن تعليم المرأة وتوظيفها واستخدامها لموانع الحمل بالإضافة إلى تأخر الزواج أسهم فى تدني الخصوبة على نطاق العالم، وجاء في نفس الكتاب يتعارض العمل مع الأمومة من النتائج الواضحة في كل الدراسات أن العمل خارج البيت دائمًا ما يتعارض مع الأسرة الكبيرة ويشجع على تخفيض الخصوبة.

وورد في صفحة 19 من نفس الكتاب أن تقليل الخصوبة هو أحد نتائج المساواة بين الجنسين؛ فالنساء العاملات خارج البيت أكثر تحكمًا في خصوبتهن لأن الرجال لا يساهمون معهن في العمل المنزلي ورعاية الطفل وبسبب تدني الخدمات الاجتماعية تقضي المرأة في سن الخصوبة من 15 – 49 عامًا 9 سنوات إلى 21 عامًا على الأقل في رعاية طفل يقل عن 5 أعوام وترتفع هذه النسبة في إفريقيا جنوب الصحراء حيث متوسط ما تنجبه المرأة 6 أطفال.

وقد جاء في دراسة من مائتي صفحة أعدها هنري كيسنجر مستشار الرئيس الأمريكي الأسبق عام 1974م عرفت ب 2000 – NSSM وأزيحت عنها صفة السرية ونشرت في مجلة EIR الأمريكية ركزت على 13 دولة من بينها 6 دول مسلمة هي مصر ونيجريا وبنغلادش وباكستان وتركيا وإندونيسيا ووصفتها بأنها دول ذات كثافة سكانية عالية وللولايات المتحدة فيها مصالح سياسية وإستراتيجية وانه لابد من تنفيذ سياسات لخفض سكانها حتى لا تصبح أكثر قوة مما هي عليه الآن.


تنظيم الأسرة في اتفاقية السيداو:

جاء تنظيم الأسرة في أربع من مواد الاتفاقية مما يدل على محورية هذه القضية في أذهان واضعيها إذ تنادي المادة 10 الخاصة بالتعليم في البند (ح) بإدخال معلومات تنظيم النسل في مناهج التعليم كذلك تنادي المادة 12 في البند (أ) الخاصة بالصحة بضرورة توفير خدمات تنظيم الأسرة ضمن الخدمات الصحية وجاء في تفسير هذه المادة ما يلي:

تعتبر قدرة المرأة على التحكم في خصوبتها أمرًا أساسيًا لتمتعها بكامل حقوق الإنسان، بما في ذلك الحق في الصحة ويجب أن يعطي كل من الرجل والمرأة الحق في تنظيم أسرتيهما ويتعين بذلك على الدول الأطراف إن توفر لهما المعلومات والتوعية بأساليب تنظيم الأسرة المناسبة والمعتمدة طبيًا وتكون للقوانين المتصلة بتقييد حصول المرأة على خدمات تنظيم الأسرة أو استخدامها لها على سبيل المثال اشتراط الحصول على إذن سابق من الزوج أو القريب كشرط أساسى لتقديم الخدمات أو المعلومات منافية لهذه المادة ويجب بالتالي تعديلها وعلى الدول الأطراف أن تتأكد من أن العاملين في مجال الطب، وكذلك المجتمع على علم بأن مثل هذا الإذن غير مطلوب وبأن مثل هذه الممارسة منافية لحقوق المرأة.

وحول هذه المادة يمكن ملاحظة أن المادة جعلت تقديم موانع الحمل في الريف والحضر والترويج لها في الريف في مناهج المدارس أمرًا قانونيًا وملزمًا للدول الأطراف في الاتفاقية، وبذلك فهمي تقنن حق المنظمات الأجنبية العاملة في هذا المجال في توزيع موانع الحمل في الأرياف كما أن إدخال المعلومات الخاصة بمنع الحمل ضمن مناهج التعليم سيشجع المراهقات على تناولها دون خوف من عواقب الحمل الغير مشروع وقد لعبت هذه الموانع دورًا كبيرًا في انتشار الإباحية في الغرب، ومن ناحية أخرى فإن عد اشتراط موافقة الزوج أو القريب الذي جاء في تفسير الاتفاقية صفحة 39 يشجع غير المتزوجات أيضًا على تناولها وتجعل الاتفاقية تحديد النسل أمرًا مشروعًا.

اجتماع الخبراء الذي عقد في بتسوانا عام 1992م للترتيب لعقد مؤتمر السكان العالمي الذي عقد بالقاهرة عام 1994م أوصى ضمن توصياته بأن حصول المرأة على مورد رزق مستقل خارج الأسرة يوفر لها التحرر الاقتصادي وأن اشتراك النساء في القوى العاملة هو العامل الأساسي في تقليل الخصوبة وأن العمل يشجع المرأة على الشعور بعدم الحاجة للزواج، ولوحظ في الدول الصناعية أنه كلما كثر عدد النساء العاملات قل معدل الخصوبة؛ بسبب قيمة وقت الأم وأهدافها الشخصية وطموحاتها.


(2) إلغاء دور الأمومة، ومن ثم تفكك الأسر وانهيار المجتمع:

تنادي المادة 5 (ب) بضرورة أن تتضمن التربية الأسرية تفهما سليمًا للأمومة بوصفها وظيفة اجتماعية، الاعتراف بالمسئولية المشتركة لكلٍ من الرجال والنساء في تنشئة أطفالهم.

تصف هذه الاتفاقية الأمومة بأنها وظيفة اجتماعية يمكن أن يقوم بها أي إنسان آخر، ولذا نادى تفسير الأمم المتحدة للاتفاقية بضرورة وضع نظام (إجازة آباء) لرعاية الطفل، وبضرورة توفير شبكات من دور رعاية الطفل حتى تتفرغ الأم لمهمتها الأساسية وهي العمل بأجر خارج البيت.

إن تعريف الأمومة بأنها وظيفة اجتماعية ينفي اختصاص الأم بها ويساوى عطفها وحنانها بغيرها، بحيث يمكن أن يقوم بهذا الدور غيرها بنفس النجاح.[2]

ونجد صدى هذا واضحًا في المادة 10(ج) الخاصة بالتعليم حيث نادت بضرورة إزالة أي مفاهيم نمطية عن دور الرجل والمرأة في جميع مراحل التعليم.

وفي صفحة 23 الفقرة الثانية الخاصة بتفسير هذه المادة جاء ما يلي:

"يجب على الدول الأطراف القضاء على الأنماط الجامدة غير المتغير لدور الجنسين في النظام الدراسي، وعن طريق الكتب المقررة المستخدمة في النظام الدراسي التي كثيرًا ما تقوي الأنماط الجامدة غير المتغيرة والتقليدية المنطوية على عدم المساواة، وبخاصة في مجال العمل والمسئوليات الأسرية".

إن ديباجة الاتفاقية قد حددتها بأدوار المرأة في المجتمع والأسرة، ونادت المادة الخامسة من الاتفاقية بالقضاء على هذه المفاهيم في الأسرة. كل هذه النصوص تؤكد أن المعنى بالإلغاء هو دور الزوجة والأم، وذلك يتفق مع تركيز الاتفاقية على تلقي المرأة لنفس التعليم والتدريب وتوظيفها في جميع المهن التي يقوم بها الرجل، ويتفق مع المناداة بتعميم استخدام موانع الحمل من أجل التفرغ لأعباء الوظيفة خارج البيت. ومما يؤكد هذا المفهوم ما جاء في إحدى إصدارات الأمم المتحدة بعنوان تغير القيم في العائلة العربية حيث ورد:

"وقد تزامنت الدعوة لخروج المرأة للعمل مع الخطاب الأيدلوجي الذي يؤكد الدور التقليدي للمرأة كأم وزوجة، فالمدرسة لا تعكس صورة حقيقية للمرأة كإنسان نشط وفعال اجتماعيًا واقتصاديًا بل غالبًا ما تصورها كامرأة ملتزمة بـ (الإنجاب والأمومة). ولا يسلم التشريع هو الآخر من التناقضات. ويتضح عدم المساواة في قوانين الأحوال الشخصية التي ترسخ وتقنن تبعية المرأة للرجل في مسائل الزواج والطلاق والسفر، ويبلغ إرث المرأة نصف إرث الرجل ويحدث كل هذا في الوقت الذي وقعت فيه الحكومات العربية على مواثيق حقوق الإنسان وحقوق المرأة والطفل وغيرها من الاتفاقيات الدولية. وفي مخالفة واضحة للدساتير التي تقر موادها بالمساواة الكاملة بين الرجل والمرأة في كافة المجالات)". [3]

(3) الاتفاقية والعدالة الاجتماعية للمرأة:

إذا ما نظرنا إلى الحلول التي طرحتها الاتفاقية لتحصين وضع المرأة عالميًا وإزالة الظلم الواقع عليها، فإننا نجدها قد طرحت المساواة المطلقة التي تشمل جميع مناحي الحياة كحل أوحد وأساسي، مساواة تقوم على رفض حقيقة أن لكل من الرجل والمرأة خصائصه، مساواة تجعل كلاهما يدور في حلقة تنافسية صراعية وليست تكاملية وتأليب النساء على الرجال، مما يؤدي إلى التفكك الأسري والذي تكون المرأة هي أولى ضحاياه.

ويرى د. أنيس أحمد في كتابه "المرأة والعدالة الاجتماعية" أن الإنتاج الاقتصادي لا يقتصر على المجال الصناعي أو التنمية الحضرية، وأنه فى المجتمعات الزراعية تسهم الزراعة في التنمية الاقتصادية ورفاهية الناس بدرجة أكبر من إسهام التنمية الصناعية أو التقنية. وأن السعي إلى فرض نموذج التنمية الصناعية الغربي دون دراسة لحاجة المجتمع وموارده مع غياب خطط التنمية يقود إلى هجرة غير ضرورية من الريف للحضر، وتدهور للإنتاج الزراعي كمًا وكيفًا، وبالتالي لن يؤدي لزيادة العائد الاقتصادي؛ لأن العمال الذين انتقلوا من الريف إلى الحضر كانوا غير مؤهلين، وهكذا يستمر التدني في الإنتاج.

إن المرأة الريفية التي تعمل أحيانًا اثنتي عشرة ساعة يوميًا لا تعتبر عاطلة، فهي تجلب الماء والوقود من مسافات بعيدة وتعمل في مزرعة الأسرة وتعد الطعام وترعى الصغار وتصنع مختلف الصناعات اليدوية. أما في المدن فتقل مساهمة المرأة ولكنها تقوم بعمل اقتصادي مثل توفير رواتب الخدم ومخصصات الأساتذة إذ تقوم بالشرح والمتابعة للتلاميذ من أبنائها وبناتها، كما أنها تعد الطعام وترعى الصغار فإذا اعتبر كل ذلك عملاً غير اقتصادي فإن ذلك يعني خللاً في الاقتصاد. إن ما تقوم به الأم أو ربة البيت من رعاية لأطفالها ورفاهية أسرتها وإسعادها لهي فوق القياس المادي، وأنه مهما بذل من مال للخدم أو لدور رعاية الأطفال فإنها لا يمكن أن توفر الإخلاص والتفاني الذي تقوم به والذي يحتاج إلى اعتراف أعظم بدورهن الاقتصادي المنتج). [4]


ثالثا: من المنظور القانوني:

هل اتفاقية "السيداو" ملزمة للدول الأطراف؟ بمعنى آخر هل الدول الأطراف بمجرد التصديق على هذه الاتفاقية يصير لزامًا عليها الالتزام بأحكام تلك الاتفاقية وإلا تعرضت للمساءلة القانونية الدولية؟ هناك رأيان في هذا الصدد:

الرأي الأول:

يذهب جانب كبير من الفقهاء إلى أن "المعاهدات الدولية ومن بينها (الاتفاقيات) -حتى لو كانت جماعية- لاتلزم قانونًا إلا الدول الأطراف فيها ومن ثم لا تصلح كمصدر من مصادر القواعد الدولية العامة والمجردة عملاً بقاعدة (نسبية آثار المعاهدات)".[5]

الرأي الثاني:

أن الاتفاقيات الدولية الخاصة بحقوق الإنسان، تصلح كمصدر للقواعد القانونية الدولية العامة، ومن ثم تكون ملزمة ليس فقط للدول التي وقعتها أو صادقت عليها، ولكن تمتد طبيعتها الإلزامية إلى باقي دول العالم غير الأطراف في تلك الاتفاقيات[6]

وقد اختلف فقهاء القانون الدولي المؤيدين لوجهة النظر الأخيرة في تحديد أساس القوة الإلزامية لنصوص المعاهدات الدولية بالنسبة للدول غير الأطراف منها، حيث يرى بعضهم أن أساس القوة الإلزامية لاتفاقية حقوق الإنسان بالنسبة للدول غير الأطراف فيها، إنما يكمن في نص المادتين 55 ، 56 من ميثاق الأمم المتحدة، حيث أن تلك الدول – شاءت أم لم تشأ – تعيش الآن في ظل نظام قانوني دولي، يقوم على معايير للسلوك وقيم عليا مستهدفة ما ترتبط بواقع المجتمع الإنساني واستنادًا إلى نص المادتين المذكورتين على الدول أن تعمل على تحقيق هذه القيم [7]

الخلاصة:

رغم الخلاف بين الفريقين، إلا أن الجدل الدائر بينهما إنما يدور حول مدى إلزامية الاتفاقية في مواجهة الدول غير الموقعة عليها، أي غير الطرف فيها، لكن الثابت أن الدول الأطراف في الاتفاقيات، إنما اتفقت إراداتهم وارتضوا هذه الاتفاقيات، ومن ثم صار لزامًا عليهم الالتزام بما ورد فيها؛ تحقيقًا للهدف الذي تسعى الاتفاقية لتحقيقه وعلى هذا فإن (اتفاقية إلغاء كافة أشكال التمييز ضد المرأة) تتمتع بقوة قانونية إلزامية بالنسبة للدول الأطراف فيها، ومن ثم يتعين على تلك الدول الالتزام بأحكام تلك الاتفاقية، وتقديم التقارير السنوية المؤكدة لهذا التعهد، فهي إحدى اتفاقيات حقوق الإنسان.

لذا فقد جاءت المادة الثانية[8] من الاتفاقية، التي تعتبر بمضمونها العام ونطاق الالتزام الواردة فيها وبالمعايير التي اعتمدتها لتقييم مدى احترام الدول الأطراف لمقتضياتها، بمثابة (القاعدة الأساس) بالنسبة لاتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة. فمن حيث المضمون العام لهذه المادة، نجد أنها قد تضمنت الالتزام الرئيسي للدول الأطراف والذي يتمثل في "شجب جميع أشكال التمييز ضد المرأة، والقضاء عليه، وذلك بكافة الوسائل الدستورية وغيرها من الوسائل والتدابير المناسبة الأخرى".

البنود السبعة المكونة للمادة الثانية من الاتفاقية تشتمل على وصف الإجراءات القانونية المطلوب من الدول الأطراف أن تتعهد بالقيام بها لتضمين مبادئ المساواة بين الرجل والمرأة في دساتيرها وتشريعاتها، وأن تتضمن التشريعات عقوبات للرجوع عن التمييز ضد المرأة، وأن تتيح للمرأة فرصًا للتظلم من التمييز، وإنشاء نظام لتقديم الشكاوى أمام الهيئات القضائية، ولا يكفي الاجتهاد لتحقيق مساواة رأسية للمرأة تجاه السلطات العامة بل على الدول الأطراف أن تعمل على ضمان عدم التمييز على "المستوى الأفقي"، أي داخل الأسرة.

ومن بين البنود السبعة في المادة الثانية من الاتفاقية، فإن البندين (و) و (ز) يدعوان إلى اتخاذ جميع التدابير، بما في ذلك التشريع لإبطال كافة الأحكام واللوائح والأعراف التي تميز بين الرجل والمرأة في قوانينها واستبدالها بقوانين تؤكد القضاء على هذه الممارسات، سواء أكانت صادرة عن أشخاص أو ناتجة عن تقاليد أو أعراف.[9]

"ثم جاء منهاج وخطة عمل (بيكين) الذي اعتبر العنف ضد المرأة من مجالات الاتهام الحاسمة واعتبر أن انتهاك الحقوق الإنسانية للمرأة هو انتهاك لحقوق الإنسان تحاسب الدول على ارتكابه".[10]


الاتفاقية وسيادة الدولة :

المادة السابعة تخول الاتفاقية الأمم المتحدة حق إلغاء التشريعات الوطنية وفي ذلك مساس بسيادة الدول علمًا بأن هذه الاتفاقية الدولية لم تشارك فيها غالبية الدول ولم يراع فيها اختلاف الثقافات والأديان في العالم إذ تطالب هذه المادة الدول بإبطال قوانينها وأعرافها وتقاليدها دون استثناء حتى لتلك التي تقوم على أساس ديني .

مثال ذلك تمنح المادة 15 المرأة أهلية قانونية مماثلة لأهلية الرجل وتعاملها على قدم المساواة مع الرجل في جميع مراحل الإجراءات القضائية وتندي بإبطال كافة الصكوك التي تحد من أهلية المرأة القانونية كى ما يتساوى الرجل والمرأة في قوانين السفر واختيار محل السكن .

وينص البند 3 من هذه المادة على ان تعتبر الدول الإطراف أي صك يحد من أهلية المرأة القانونية باطلاً ولاغيًا.

أما البند 4 من المادة 15 فقد جاء في تفسير الأمم المتحدة للاتفاقية بأن القانون الذي يجعل مسكن المرأة الدائم متوقفًا على مسكن زوجها يعتبر قانونًا تمييزيًا وبذاك يتعارض هذا البند مع قوامة الرجل في الأسرة ويؤدي العمل به إلى النزاع داخل الأسر وفصم عرى الزوجية وإثارة المشكلات داخل الأسرة .

ومثال آخر، تركيز المادة 14 على شغل المرأة الريفية بالعمل المأجور خارج البيت وغلبته على الأمومة ومسئوليتها والتي وصفها التفسير بالأدوار التقليدية التي يدعوا لإخراج النساء منها بمنحهن القروض .

والاتفاقية إذ تقنن لذلك فإنها تطلق يد المنظمات الأجنبية للعمل في الريف من أجل تحقيق أهداف سياسات سكانية عالمية بالدول النامية.


رابعا: من المنظور الشرعي:

أ- ما يتفق مع الاتفاقية:

يوجد في هذه الاتفاقية بعض الإيجابيات فهي تنص على إجراءات وتدابير تحمي حقوق الإنسان مثل المادة 3 التي تعمل على كفالة تطور المرأة وتقدمها وضمان ممارستها لحقوق الإنسان والحريات الأساسية ومثل المادة ( 5/أ ) التي تهدف إلى تحقيق القضاء على المتحيزات والعادات العرفية وكل من الممارسات الأخرى القائمة على فكرة دونية أو تفوق أحد الجنسين.

ويحمد لهذه الاتفاقية نص المادة (10) على ألا يحول دون حق المرأة في التعليم حائل مبني على التفرقة بسبب الجنس أو الدين وكذلك في المادة (11) على العمل على تساوي حقوق النساء مع الرجال في ميدان العمل فمن العدل الذي ننادي به استحقاق أجر مساوٍ لعمل مساوٍ.

ب- ما تجاوزت فيه الشريعة:

مواد وبنود تجاوزت فيها الشريعة الاسلامية الاتفاقية في عطاءها للمرأة، تأصيلاً لحقوقها وحماية لها من منطلق رؤية كلية، فالفلسفة العامة التي تحكم الحياة والسلوك الإنساني خاصة بين الرجل والمرأة فقد قامت على المساواة في الحقوق والواجبات وليس التماثل أو التطابق بين الرجل والمرأة " النساء شقائق الرجال" كنوعين لجنس واحد خلقا من نفس واحدة لهما مهمات مشتركة كجنس (كــنفس) ومهمات مختلفة كنوعين (ذكر ، أنثى) وهي تفرقة في الأدوار أو الوظيفة الموكلة لكل منهما مع التساوي في الحقوق والمسئوليات، والمساواة هنا لا تعني التماثل فالرجال والنساء يجب أن يكمل كل منهما الآخر داخل منظومة متعددة الوظائف بدلاً من أن يتنافس كل منهما الآخر داخل مجتمع أحادي الجانب.

وقد أعطى الإسلام النساء حقوقًا كاملة في أكثر المجالات:

ففي المجال الإنساني: اعترف بأن إنسانيتها كاملة لجعلها والرجل سواء بسواء (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ واحِدَةٍ) [النساء:1]، وقال النبي صلى الله عليه وسلم :" النساء شقائق الرجال "

وفي المجال الاجتماعي وفي المجال الاقتصادي والقانوني: فتح لها باب العمل الاجتماعي من جميع جوانبه، كما أعطاها الإسلام الأهلية الكاملة والمساواة الكاملة مع الرجل على مختلف المستويات فيما لا دخل للفوارق الفطرية فيه.

وفي المجال الأسري: اعتنى الإسلام -أيما عناية- بالبنت قبل الزواج فأوجب على الأب رعاية ابنته وحمايتها وتعليمها والإنفاق عليها إلى أن تتزوج وأعطاها حق اختيار زوجها واشترط موافقة الولي أو علمه عند زواجها لأول مرة مساعدة لها في التأكد من صلاحية الزوج وقدرته على القيام بمسؤولياته لغلبة عاطفتها وعدم تجربتها الزواج من قبل ..

وبعد الزواج أولى الإسلام عناية كبيرة بمؤسسة الأسرة باعتبارها الوحدة الأساسية للمجتمع التي تحقق استقرار وتعاون أفراده فوضع لها من الأحكام ما يكفل لها ذلك الاستقرار ويحقق مقاصده فجعل عقد الزواج عقدًا رضائيًا لا يصح إلا برضاء المرأة الحر الكامل واعتبر الأسرة شركة أو مؤسسة ولذا لابد لها من رئيس أو قائد يتحمل مسئوليتها وحمايتها وتحقيق مصالحها فقد كلف الإسلام الرجل بتلك المسؤولية التي عرفت باسم القوامة وهي مسئولية تمارس في إطار من التراضي والتشاور كما حمله وحده مسئولية الإنفاق على الأسرة ولو كانت الزوجة غنية.

وجعل إنهاء هذه الرابطة حقا للطرفين على السواء فإذا أنهي الرجل تلك العلاقة الزوجية سمي ذلك طلاقًا وتحمل تبعاته وإذا قامت بإنهائها المرأة سمي خلعًا وأعادت لزوجها ما قد كانت أخذته منه من مهر للزواج ولها أيضًا أن تنهي تلك العلاقة عن طريق طلب الطلاق إمام القاضي للضرر ويمكنها أيضًا إنهاؤها إذا اشترطت أن تكون العصمة بيدها عند عقد الزواج وبالإضافة لكل هذا وضع الإسلام عددًا من الخطوات الإصلاحية بين الزوجين إذا وصلا إلى حافة الطلاق منها الصلح والتحكيم .

ج- ما تعارض مع الشريعة:

إن الاتفاقية لا ترمي إلى المساواة المطلقة في التعليم والعمل والمجالات العامة فقط، بل تمتد لتشمل قوانين الأسرة أيضا. (وبمقتضى هذه المادة[11] تصبح جميع أحكام الشريعة المتعلقة بالمرأة لاغيه وباطلة ولا يصح الرجوع إليها أو التعويل عليها ويبدو أن الأمر كما لو نسختها هذه الاتفاقية الدولية) ومن الثابت أن قوانين الأسرة في الإسلام ليست من وضع البشر، فضلاً عن أن السعي الدولي لإبطال هذه القوانين الشرعية يتعارض مع ميثاق الأمم المتحدة نفسه الذي نص على احترام التنوع الثقافي والديني في الدول.[12]

وكذلك مخالفة الاتفاقية للطبيعة البشرية والفوارق البيولوجية بين الذكر والأنثى، تلك الفوارق التي عززتها الشريعة لاختلاف أدوار كلاً منهما في المجالات التي تخضع لتأثير تلك الفوارق، فنجد المادة الرابعة تحظر وضع أي أحكام أو معايير خاصة بالمرأة أي ليكون للرجل والمرأة نفس القوانين، وفي هذه المادة تجاهل للاختلافات الفسيولوجية بين الرجل والمرأة ولدور المرأة في الأمومة والنظر للجنسين باعتبارهما شيئًا واحدًا. ويعبر ذلك عن فكر الحركة الأنثوية الراديكالية (Feminism) التي شككت في مضمون الذكورة والأنوثة واعتبارها راجعة للبيئة والتنشئة لا لحقيقة قدرات الطرفين. ونادى هذا التيار بتفكيك الأسرة باعتبارها مؤسسة مصطنعة وليست طبيعية، وانتقدت حصر دور المرأة في الأمومة والإنجاب واعتبرت أن قيم العفة والأمومة وضعت لتزييف وعي المرأة لتقنع بالمجال الخاص. ونادت باعتماد المرأة على نفسها اقتصاديًا وطرحت الشذوذ والتلقيح الصناعي كأحد البدائل.

وبذلك انحازت الحركة الأنثوية للعام على حساب الخاص وهو الاستقرار الأسري وإشباع رغبة المرأة للأمومة. واعتبرت الذكورة هي المثال الذي يجب أن تحتذي به الأنوثة.

لذا نجد أن المادة (10/ز) تنادي بنفس الفرص للرجل والمرأة على أساس المساواة في المشاركة النشطة في الألعاب الرياضية والتربية البدينة.

لا شك في أهمية الرياضة للذكور والإناث، ولابد من توفيرها للجنسين على أن تكون للنساء ميادين رياضية خاصة بهن لا يسمح فيها بالاختلاط بين الجنسين وأن تكون أنواع الرياضة مناسبة للنساء ولا تقود إلى تحويلهن إلى جنس ثالث بارز العضلات لا هو بذكر ولا أنثى (مثل المصارعة والملاكمة وكرة القدم..إلخ) وألا ترتدي النساء فيها أزياء غير شرعية.


الفصل الثالث

موقف البلاد العربية من الاتفاقية


قامت البلاد العربية والإسلامية التي صدقت على الاتفاقية بالتحفظ على بعض مواد الاتفاقية. والتحفظ : إعلانا رسميًا بأن الدولة لا تلزم نفسها بجزء ما أو بمواد بعينها من الاتفاقية. وقد تحفظت كثير من الدول العربية والإسلامية على المواد التي تخالف الشريعة الإسلامية وسيادة البلاد، كالمادة (2) التي تتعلق بحظر التمييز في دساتير الدول وتشريعاتها، والمادة 7 والمتعلقة بالحياة السياسية والمادة 9) التي تتعلق بقوانين منح الجنسية للمرأة والإقامة والمادة (15) وتتعلق بالمساواة بين الرجل والمرأة في الأهلية للقانونية وقوانين السفر والمادة (16) والتي تتعلق بقوانين الزواج والأسرة والمادة (29) والتي تتعلق برفع الخلاف في تفسير الاتفاقية وتطبيقها بين الدول الأطراف إلى محكمة العدل الدولية.

ونستعرض أبرز تحفظات مصر -على سبيل المثال- :

- تحفظت مصر على المادة ( 2 ) من الاتفاقية والتي تنص على: "تشجب الدول الأطراف جميع أشكال التمييز ضد المرأة وتوافق على أن تنتهج بكل الوسائل المناسبة ودون إبطاء سياسة القضاء على التمييز ضد امرأة وتحقيقًا لذلك تتعهد بالقيام بما يلي :

§ تجسيد مبدأ المساواة بين الرجل والمرأة في دساتيرها الوطنية أو تشريعاتها المناسبة الأخرى إذا لم يكن هذا المبدأ قد أدمج فيها حتى الآن وكفالة التحقيق العملي لهذا المبدأ من خلال القانون والوسائل المناسبة الأخرى .

§ اتخاذ المناسب من التدابير التشريعية وغيرها بما في ذلك ما تقضيه الأمر من جزاءات لحظر كل تمييز ضد المرأة.

§ إقرار الحماية القانونية لحقوق المرأة على قدم المساواة مع الرجل وضمان الحماية الفعالة للمرأة عن طريق المحاكم الوطنية ذات الاختصاص والمؤسسات العامة الأخرى من أي عمل تمييزي.

§ الامتناع عن الاضطلاع بأي عمل أو ممارسة تمييزية ضد المرأة وكفالة تصرف السلطات والمؤسسات العامة بما يتفق بهذا الالتزام.

§ اتخاذ جميع التدابير المناسبة للقضاء على التمييز ضد المرأة من جانب أي شخص أو أي منظمة أو أي مؤسسة.

§ اتخاذ جميع التدابير المناسبة بما في ذلك التشريع لتعديل أو إلغاء القوانين والأنظمة والأعراف والممارسات القائمة التي تشكل تمييزًا ضد المرأة.

§ إلغاء جميع أحكام قوانين العقوبات الوطنية التي تشكل تميزًا ضد المرأة.


ملاحظات عامة حول المادة (2):

1- هذه المادة (2) تشكل جوهر الاتفاقية وموضوعها وغرضها الأساسي.

2- هذه المادة وإن شاب صياغتها كثير من التكرار والإلحاح على نفس فكرة فرض التماثل وإن عبرت عنه بلفظة المساواة إلا أنها تعمل على مستوى كل الثنائيات الممكنة مثل مستوى الدستور والقانون، ومستوى الممارسة ومستوى النص، ومستوى الدولة ومؤسساتها ومستوى المجتمع بمكوناته وقواه وهياكله، ومستوى المؤسسات العامة والمنظمات ومستوى الأفراد، ومستوى الجانب الإيجابي (سن التشريعات) ومستوى الجانب السلبي (حظر التشريعات).

3- إن الاتفاقية تعمل على شكل طبقات تسد كل طبقة لاحقة ثغرات الطبقة السابقة وتتكامل الطبقات في النهاية مع بعضها البعض.

4- تتكامل هذه مع سابقتها وهي أن الاتفاقية تعمل بالتدريج أي تنتقل من نطاق إلى نطاق بتدرج ونظام فهي تبدأ من مستوى العام إلى مستوى الأفراد وتختم بمستويين متكاملين:

§ أولهما: تعديل أية تشريعات تعتبر تمييزيه من وجهة نظر الاتفاقية طبعًا.

§ ثانيهما: إلغاء جميع أحكام قوانين العقوبات الوطنية باعتبار الاتفاقية ناسخة لغيرها من التشريعات والأحكام.


ملاحظات تفصيلية حول بنود المادة (2):

تشكل تلك المادة (2) ببنودها حزمة أو منظومة تقوي بعضها بعضًا وتسلم بعضها إلى بعض بل وتسد بعضها ثغرات بعض وهو ما يجعلنا نطلق عليها (المادة المنظومة) ونرى أن البند (أ) في هذه المادة يفرض على الدول العمل على مستويين:

§ الأول : مستوى الدساتير وهو القانون الأعلى أو مصدر القوانين والمحدد للمعالم الأساسية لها.

§ الثاني : مستوى القوانين التفصيلية أو التشريعات.

ومن ثم فان قبول هذا البند معناه أن الاتفاقية تتدخل في إطار سيادة الدولة وما يحدده دستورها من معالم شتى تبني على أساها قوانينها وإذا كانت المساواة بمعنى التماثل التام جزء من دستورها انعكس هذا بلا شك على قوانينها بالإضافة إلى ما تفرض هذه المادة من العمل على مستوى تلك القوانين ذاتها.

ثم أن البند ( ب ) من هذه المادة يعمل أيضًا على مستويين :

§ الأول : مستوى إيجابي وهو التدخل بغرض تدابير تشريعية.

§ الثاني : هو المستوى السلبي ويعني وضع إجراءات (عقوبات) لمرتكبي فعل التمييز.

وهنا تأتي أهمية الملاحظة على المادة (1) من أن لفظ التمييز هو مصطلح قانوني له أثاره وتداعيات وليس مجرد كلمة أو لفظة فبعد أن فرضت الاتفاقية رؤيتها للمصطلح تفرض تداعي من حيث الآثار القانونية المترتبة على اقتراف فعل التمييز.

البند (ج) :هذا هو المستوى الثالث من محاولة تقنين الاتفاقية داخل الأنظمة القانونية للدول، أو ما نسميه (استنبات اتفاقية السيداو) وذلك عبر عمل المحاكم الوطنية، فبعد الحديث عن المستوى الأول (الدستور) والمستوى الثاني (سن القوانين) بشقيه الإيجابي بفرض تشريعات تفرض التماثل، أو السلبي بحظر التمييز، ووضع عقوبات عليه، تأتي الاتفاقية إلى هذا المستوى حيث يخلق عمل المحاكم الوطنية شبه اليومي وقائع لا حصر لها تكرس مفهوم التماثل وتخلق له- كذلك- سوابق قانونية تطبيقية، سواء لمواد دستورية أو مواد قانونية، فإن لم يوجد هذان الأمران تكفل عمل المحاكم بوضع السوابق التشريعية.

البند (د): يعمل هذا البند على مستوى السلطات والمؤسسات العامة، وهو المستوى الواقعي في فرض الاتفاقية، حيث تملك المؤسسات دولاب العمل الحكومي اليومي، وهي ضرورية لفرض نمط الاتفاقية ليس من خلال النصوص والمواثيق فقط، وإنما أيضًا من خلال ممارسات يومية تفرض نمط حياة، وليس الأمر مجرد معاهدة دولية بين الدولة والمنظمة الدولية (الأمم المتحدة) وإنما نمط الحياة وطريق العيش هما أخطر مجلات التأثير، لأنهما يفرضان تغييرًا في البنية الذهنية للأفراد، وتصوراتهم للإنسان والكون والحياة.

البند (هـ): يعمل على مستوى الأفراد، الوحدة الأساسية.

البند (و): بمقتضى هذه المادة تتعهد الحكومات بتعديل أو إلغاء ليس فقط القوانين وإنما الأنظمة والأعراف والممارسات، وبذلك تصبح الاتفاقية أعلى من مصادر القانون عند أغلب المجتمعات (الدين- العرف- التقاليد).

بندي (و)، (ز) يدعوان إلى اتخاذ جميع التدابير بما في ذلك التشريع لإبطال كافة الأحكام واللوائح والأعراف التي تميز بين الرجل والمرأة في قوانينها وأن تستبدل بقوانين تؤكد القضاء على هذه الممارسات، سواء أكانت صادرة عن أشخاص أو ناتجة عن تقاليد أو أعراف دون استثناء من تلك التي تقوم على أساس ديني، ومخالفة هذه المادة للشريعة الإسلامية تأتي من كونها (أي الاتفاقية) لا ترمي فقط إلى المساواة المطلقة والتماثل التام في التعليم والعمل والمجالات العامة، بل تمتد لتشمل قوانين الأسرة أيضاً، أو ما يسمى بقوانين الأحوال الشخصية، وهي أخص خصائص المجتمعات والشعوب لاعتماد هذه القوانين على أسس دينية وخصوصيات حضارية وثقافية وبمقتضى هذه المادة تصبح جميع الأحكام الشرعية المتعلقة بالنساء لاغيه وباطلة ولا يصبح الرجوع إليها أو التعويل عليها ويبدو الأمر كما لو أن أحكام الشريعة نسختها هذه الاتفاقية (الدولية).

بمعنى إذا كان المجتمع الإسلامي مرجعيته الإسلام، فإن خطورة الاتفاقية تحديدًا في هذين البندين (و، ز) تنتج من أنهما يجعلان الاتفاقية (مرجعية) في ذاتها، وهي مرجعية ذاتها، أي لا تستمد معياريتها إلا من ذاتها بمعنى أنه لا يُحتج عليها بشيء خارج عنها، ويحتج بها على كل شيء (أعراف- تقاليد- أديان- ثقافات- قوانين).


التحفظ على المادة (16):

1- تتخذ الدول الأطراف جميع التدابير المناسبة للقضاء على التمييز ضد المرأة في كافة الأمور المتعلقة بالزواج والعلاقات الأسرية، وبوجه خاص تضمن - على أساس تساوى الرجل والمرأة:

أ. نفس الحق في عقد الزواج.

ب. نفس الحق في حرية اختيار الزوج، وفى عدم عقد الزواج إلا برضاها الحر الكامل.

ج. نفس الحقوق والمسئوليات أثناء الزواج وعند فسخه.

د. نفس الحقوق والمسئوليات كوالدة، بغض النظر عن حالتها الزوجية، في الأمور المتعلقة بأطفالها، وفى جميع الأحوال تكون مصالح الأطفال هي الراجحة.

هـ. نفس الحقوق في أن تقرر بحرية وبشعور من المسئولية عدد أطفالها، والفترة بين إنجاب طفل وآخر، وفى الحصول على المعلومات، والتثقيف، والوسائل الكفيلة بتمكينها من ممارسة هذه الحقوق.

و. نفس الحقوق والمسئوليات فيما يتعلق بالولاية والقوامة والوصاية على الأطفال وتبنيهم، أو ما شابه ذلك من الأنشطة المؤسسية الاجتماعية، حين توجد هذه المفاهيم في التشريع الوطني، وفى جميع الأحوال تكون مصالح الأطفال هي الراجحة.

ز. نفس الحقوق الشخصية للزوج والزوجة، بما في ذلك الحق في اختيار اسم الأسرة، والمهنة، والوظيفة.

ح. نفس الحقوق لكلا الزوجين فيما يتعلق بملكية وحيازة الممتلكات، والإشراف عليها، وإدارتها، والتمتع بها، والتصرف فيها، سواء بلا مقابل أو مقابل عوض ذي قيمة.

2- لا يكون لخطوبة الطفل أو زواجه أي أثر قانوني، وتتخذ جميع الإجراءات الضرورية - بما فيها التشريع - لتحديد سن أدنى للزواج، ولجعل تسجيل الزواج في سجل رسمي أمرًا إلزاميًّا.

الملاحظات: هذه المادة الخاصة بالأسرة تدعو إلى منح المرأة والرجل نفس الحقوق على قدم المساواة في عقد الزواج وفى أثنائه وعند فسخه، وكذلك في القوامة والولاية على الأبناء، وذلك يتعارض مع قاعدة ولى الزوجة عند عقد الزواج، ومع المهر، وقوامة الرجل على المرأة في الأسرة، وتعدد الزوجات، ومنع زواج المسلمة بغير المسلم، وأحكام الطلاق والعدة، وعدة الوفاة، وحضانة الأولاد.

وهذه المادة من أخطر مواد الاتفاقية على الإطلاق، وهى تمثل مادة - حزمة، تضم مجموعة بنود تعمل على مستوى (الأحوال الشخصية) زواج - طلاق - قوامة - وصاية - ولاية - حقوق وواجبات الزوجين - حقوق الأولاد، باختصار: كل ما يمس الأسرة كمؤسسة ونظام قيم ونمط حياة.

كما أن هذه المادة تمثل نمط الحياة الغربي، وهى تتجاهل معتقدات شعوب العالم ومنظوماتها القيمة وأنساقها الإيمانية.

فالبند (أ) يتجاهل مسألة الولاية على البنت التي لم يسبق لها زواج، وكثير من الآراء الشرعية - استنادًا على حديث "لا زواج إلا بولي" - تشترط موافقة الولي لتحرير عقد الزواج، حتى يكون شرعيًّا، والقاضي ولى من لا ولى له.

والبند (ب) يتجاهل موافقة الولي - في حالة البنت التي لم يسبق لها زواج - وتطلق حرية البنت في اختيار من ترضاه، إلا أنه تبعًا لهذه (الرؤية النقدية) فإن الزواج محصلة توافق آراء بين البنت ووليها، الذي هو أكثر خبرة وتجربة منها ومعرفة بمصلحتها، وعليه تعود عواقب فشل الزواج؛ لذا يشترط أن يكون له رأى في إقرار الزواج، ذلك أن الرؤية الإسلامية تفرق بين البِكْر والثَّيِّب، فالبكر لا يصح تزويجها إلا بعد استئذانها، ولا يمكن بحال إجبارها على الزواج بأحد ترفضه، إذ ينظر الإسلام إلى الزواج بوصفه عقدًا يشترط لصحته أن يكون العاقد بالغًا راشدًا راضيًا بالعقد، ولقد أعطى الرسول صلى الله عليه وسلم الحرية لفتاة شكَت إليه أن أباها أجبرها على الزواج من ابن أخيه.

يقول شيخ الأزهر السابق الشيخ جاد الحق -عليه رحمة الله-: (إذا اختلفت المرأة بِكْرًا كانت أم ثيبًا مع عصبتها، ورضيت لنفسها زوجًا ولم يقبله ولى أمرها بل رفضه وحظره عليها، فلها أن تلجأ للقاضي؛ ليتولى عقد نكاحها من هذا الزوج الذي اختارته شريكًا لها في حياتها بمحض إرادتها).

البند (ج) يتجاهل ما يفرضه الإسلام على الزوج من تقديم مهر، وتأثيث منـزل الزوجية، وتكفُّل بالنفقة، وتحمل الخسائر كاملة إذا فصم عُرَى الزوجية، من تأثيث منـزل للحاضنة، ومن متعة، ونفقة، وكفالة أبناء، في حين أن المرأة لو فصمت عُرَى هذه الزوجية (بالخُلْعِ) فليس عليها أكثر من رد ما أخذته مهرًا، ومن ثَمَّ فإن اختلاف الالتزامات والواجبات ينتج اختلاف المسئوليات والحقوق، ومن هنا ينشأ حق القوامة للرجل على زوجته في إطار الأسرة وشئونها وقراراتها، وينشأ حق المرأة في المشاورة، وأن تخرج قرارات الأسرة معبرة عن توافق وجهتي نظر الزوج والزوجة، لتسود (ثقافة السفينة)* التي على ظهرها كل منهما، وإذا غرقت تغرق بالجميع، وإن نجت نجت يهما معًا.

البند (د) يفصل بين مسئولية الأم كوالدة ووضعها كزوجة، والشريعة الإسلامية تتفق مع هذا البند فيما يختص بالرعاية الإنسانية والصحية للأم والطفل، وتضع أحكامًا خاصة بثبوت النسب وغير ذلك، في حالة ما إذا كان الحمل نتيجة زواج أم لا.

البندان (هـ) و (و) يتجاهلان وضع الأسرة كمؤسسة مكونة من زوجين، للزوج قوامة فيها (أي الأسرة) (الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ) [النساء: 34] ، كما أن له أيضًا الولاية على الصغار، رغم أن هذا لا يعنى انفراد الزوج بتحديد القرارات دون رأى الزوجة، فالأمر شورى ومحصلة توافق آراء، مع ترجيح رأى الزوج الذي لا يسيء استعمال حقوقه، أو يتعسف في استعمالها.

البند (ز) الخاص باسم العائلة حيث تطالب الاتفاقية بإعطاء المرأة حق اختيار اسم عائلتها على قدم المساواة مع الرجل، فإن الإسلام لا يجيز نسبة الأولاد لغير آبائهم (ادْعُوهُمْ لآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِندَ اللَّهِ) [الأحزاب: 5]، كما أن الشريعة تقرر انتساب الزوجة نفسها إلى عائلتها وليس إلى عائلة الزوج.

البند (ح)، هذا البند هو تعبير عن نموذج لتصدير المشكلات الاجتماعية، فبأثر من انتفاء الذمة المالية للزوجة في الغرب قرونًا طويلة، ظلت المرأة الغربية تناضل لاسترداد ذمتها المالية المستقلة؛ لذا تنص على هذا الحق في كل المعاهدات واتفاقات وإعلانات حقوق الإنسان الخاصة بالمرأة، أما الشعوب والحضارات التي ظلت فيها النساء محتفظات بذمتهن المالية، فلا يشعرن بحاجة للدخول في معركة من هذا النوع، ونحن نقبل هذا البند دفاعًا عن كل نساء العالم، وحقهن في أن يسترددن ذمتهن المالية المستقلة تعبيرًا عن حق من حقوق الإنسان/البشر، الذي كرمه الله.



الخاتمة


حاولنا في هذا البحث، الاجابة على سؤال في غاية الأهمية، هل حقًا تحمي بنود الاتفاقية محل الدراسة، حقوق المرأة؟ وقد توصلنا الى نتيجة نهائية.. أن جل بنود تلك الاتفاقية إنما تؤدي للعكس وذلك من خلال الإصرار على محو كافة الفوارق بين المرأة والرجل، تلك الفوارق الفطرية التي فطر الخالق كل منهما عليها، وهي ليست تمييزًا ضد أي منهما .. بل هي تمثل عوامل مساعدة تساعد كل منهما على أداء أدواره بشكل متكامل.. ويكمل كل منهما الآخر..

أما ما جاءت به الاتفاقية، من أحكام ما أنزل الله بها من سلطان، فمن شأنها أن تسلب المرأة الحقوق التي كفلتها لها الشريعة الإسلامية الغراء .. ولا نعلم لمصلحة من يتم هذا؟! بالتأكيد ليس من مصلحة المرأة أن تسلب حقها في الرعاية والحماية والحياة الكريمة، ويصير لزامًا عليها - إذا ما طبقت بنود تلك الوثائق تطبيقًا كاملاً- أن تعمل لتعيش To make her living، ويتساوى واقعها- الذي تحسدها عليه بنات جنسها في المجتمعات الغربية كما أسلفنا آنفًا- مع هؤلاء النسوة اللاتي لا تجد إحداهن مفرًا من العمل الشاق جنبًا إلى جنب مع الرجل لتنفق على نفسها، وإلا فلن تجد من يطعمها.

وهل من مصلحة الفتاة، إذا ما فتح لها المجال لتتحدى رغبة الوالدين، والأب بشكل خاص، وتختار من تشاء ليكون لها زوجًا، وهي الفتاة منعدمة الخبرة في الحياة، هل من مصلحتها حرمانها من دعم الأب لها، والذي يمثل مصدر حماية لها في بيت زوجها. هل في هذه الحالة، تغيير القوانين لتضمن للفتاة مطلق الحرية في اختيار الزوج بدون الرجوع للأب، تكون الاتفاقية قد اضافت لها حقًا كانت في حاجة اليه؟

وهل من مصلحة الأسرة بشكل عام، أن تختفي المودة والرحمة والسكينة بين أفرادها، ليحل محلها التصارع والتنافس.. حيث تصير مكاسب كل طرف هي خسائر لباقي الأطراف، والعكس؟

إن إعادة النظر مرة أخرى في بنود الاتفاقية -من منطلق الحقوق الحقيقية وليست الوهمية للمرأة- يطرح أمامنا تساؤلاً في غاية الأهمية .. وهو: لصالح من تصاغ تلك الاتفاقيات الدولية؟ ولماذا تمارس الضغوط على الحكومات لرفع تحفظاتها التي وضعتها على الاتفاقية .. إذا كانت تلك الاتفاقية تراعي كل ثقافات العالم ودياناته.. ولا تتعارض معها؟ ولماذا نخضع لتلك الضغوط؟

لابد أن يكون معلومًا أن الشعوب لن تغفر هذا التفريط، ولن يمحى من ذاكرة التاريخ ما تتسبب فيه الموافقة على تلك الاتفاقيات من ظلم للشعوب من جراء تلك الاتفاقيات التي تتدخل في كل تفاصيل الحياة بين المرء وزوجه، وبين الآباء وأبناءهم .. بالترغيب تارة والترهيب تارة أخرى ..




[1] - فؤاد عبد الكريم، قضايا المرأة في المؤتمرات الدولية رسالة دكتوراه ، جامعة الإمام محمد بن سعود، السعودية 4234هـ ص 176

[2] - لمعرفة المزيد من التفاصيل حول المقارنة بين الأمومة ودو رالرعاية الأخرى أنظر د/ محمد رمضان أبو بكر، الطفولة في المواثيق الدولية والمحلية، دراسة تقويمية، رسالة دكتوراه، جامعة الأزهر، كلية الدعوة الإسلامية، القاهرة، 2003، ص 259: 273.

[3] - رؤية تأصيلية لاتفاقية القضاء على جميع أشكال التميز ضد المرأة، عواطف عبد الماجد إبراهيم، مركز دراسات المرأة

[4] - عواطف عبد الماحد ، مرجع سابق ، ص

[5] - محمد طلعت الغنيمي " الغنيمي في قانون السلام، منشأة المعارف، الإسكندرية، 1973، ص 269.

[6] - عبد الواحد الفار، قانون حقوق الإنسان في الفكر الوضعي والشريعة الإسلامية، دار النهضة العربية، 1991، ص 12

[7] - محمد الغمري، واقع المرأة المصرية في ضوء اتفاقية السيداو، مركز قضايا المرأة المصرية، 2003 ،ص66.

[8] - نصت المادة الثانية من الاتفاقية على: "تشجب الدول الأطراف جميع أشكال التمييز ضد المرأة، على أن تنتهج، بكل الوسائل المناسبة دون إبطاء، سياسة تستهدف القضاء على التمييز ضد المرأة، وتحقيقا لذلك تتعهد بالقيام بما يلي:

‌أ- إدماج مبدأ المساواة بين الرجل والمرأة في دساتيرها الوطنية أو تشريعاتها المناسبة الأخرى، إذا لم يكن هذا المبدأ قد أدمج فيها حتى الآن، وكفالة التحقيق العملي لهذا المبدأ من خلال القانون والوسائل المناسبة الأخرى.

‌ب- اتخاذ التدابير التشريعية المناسبة وغيرها من الإجراءات الضرورية بما في ذلك ما يقتضيه الأمر من جزاءات لحظر أشكال تمييز ضد المرأة.

‌ج- فرض حماية قانونية لحقوق المرأة على قد المساواة مع الرجل وضمان الحماية الفعالة للمرأة من أي عمل تمييزي، عن طريق المحاكم الوطنية ذات الاختصاص والمؤسسات العامة الأخرى.

‌د- الامتناع عن الاضطلاع بأي عمل أو ممارسة تمييزية ضد المرأة وكفالة تصرف السلطات والمؤسسات العامة بما يتفق وهذا الالتزام.

‌ه-اتخاذ جميع التدابير المناسبة للقضاء على التمييز ضد المرأة من جانب أي شخص أو مؤسسة أو منظمة.

‌و- اتخاذ جميع التدابير المناسبة، بما في ذلك التشريعية، لتعديل أو إلغاء القوانين والأنظمة والأعراف والممارسات القائمة التي تشكل تمييزًا ضد المرأة.

‌ز- إلغاء جميع أحكام قوانين العقوبات الوطنية التي تشكل تمييزًا ضد المرأة.

[9] - عواطف عبد الماجد – مرجع سبق ذكره ص

[10] - واقع المرأة المصرية في ضوء إتفاقية السيداو، محمد الغمري، مركز قضايا المرأة المصرية، 2003

[11] - نص المادة 16 من الاتفاقية ص ملحق كتاب السيداو.
[12] - عواطف عبد الماجد ، مرجع سبق ذكره
Go to the top of the page
 
+Quote Post
مريم عبد الله
المشاركة Jan 2 2021, 06:47 PM
مشاركة #2


ناقد نشط
***

المجموعة: الأعضاء
المشاركات: 96
التسجيل: 30-December 20
رقم العضوية: 2,452




الآليات الاجتماعية لتحديد النسل


في عصر العولمة الذي نعيشه لا يخفى على عاقل محاولتها المستميتة لإعادة تشكيل المفاهيم الأساسية في الحياة، والاستعاضة عنها بمفاهيم غربية يروج لها ثقافياً وفكرياً. هذه المفاهيم تهدد العقيدة والشريعة والأخلاق الإسلامية بل تهدد العالم أجمع، ومن المفاهيم البارزة التي يسعى الغرب لترويجها مفهوم «تحديد النسل»، وقد ابتكروا لذلك أساليب متنوعة وآليات مختلفة سياسية كانت، أو صحية، أو اجتماعية، وغيرها لتطبيع الفكرة في أرجاء المعمورة.

ومن الآليات الاجتماعية لتحديد النسل:

1 - فرض سن للزواج ومنع الزواج المبكر:

- تعريف الزواج المبكر:

يقصد بالزواج المبكر الزواج في أول الوقت. ففي اللغة: البِكْرُ من كل أمرٍ أوله، يقال أرضٌ مِبْكَارٌ، إذا كانت تنْبِتُ في أول نبات الأرض[1]. وهذا يعني أنه زواج الشباب والشابات وليس المقصود به الزواج قبل البلوغ[2].

- علاقة الزواج المبكر بتحديد النسل:

نصت الأمم المتحدة على تعيين سن أدنى للزواج في «اتفاقية الرضا بالزواج والحد الأدنى لسن الزواج وتسجيل العقود» عام 1962م[3]، ثم تتابعت الدعوات عبر الاتفاقيات والمؤتمرات الدولية مثل: مؤتمر مكسيكو 1975م، واتفاقية سيداو 1979م، ومؤتمر نيروبي 1985م، ومؤتمر السكان في القاهرة 1994م، ومؤتمر بكين 1995م، والتي تنص جميعها على أنه ينبغي رفع سن الزواج والتقنين لذلك، وإنفاذ تلك القوانين بصرامة[4]. كما أن وثيقة «عالم جدير بالأطفال» الصادرة عام 2002م اعتبرت الزواج المبكر من الممارسات الضارة والتعسفية، وفي عام 2007م صدر قرار من لجنة مركز وضع المرأة في الأمم المتحدة يؤكد أن الزواج قبل سن الثامنة عشرة هو شكل من أشكال العنف ضد المرأة وينبغي تجريمه، وتكرر ذلك في أحد عشر موضعاً في ذلك التقرير[5].

والعجيب في الأمر أن المنظمات الأممية تذكر الزواج المبكر كأحد الوسائل المكافحة للأمراض الجنسية وخصوصاً الإيدز، وفي الوقت نفسه تصدر نشرات تحذر فيها من الزواج المبكر لأنه يترتب عليه حمل مبكر، ويمنع من تعليم المرأة وعملها[6]! كما أنها تنفر من الزواج المبكر وتعده نوعاً من أنواع العنف بينما تلتزم الصمت تجاه العلاقات الجنسية المحرمة حتى وإن كانت في سن مبكرة[7]!

إن المتتبع للأسباب الكامنة وراء الدعوة للحد من الزواج المبكر، وما يترافق معها من حملات شرسة على هذا النوع من الزواج باعتباره يشكل خطراً على حياة المرأة والطفلة على حد سواء يجدها تنحصر في أمرين اثنين:

أ - تقليل عدد المواليد في العالم بشكل عام وعند المسلمين بشكل خاص، وذلك مقارنة بالدول الغربية التي تتقلص فيها نسبة الولادات بسبب عزوف الشباب عن الزواج[8]، ففي الوقت الذي تضاعف فيه عدد سكان العالم إلى ستة بلايين نسمة في غضون أربعين عاماً، توقفت الشعوب الأوربية عن التكاثر. وهناك أمة واحدة فقط لا تزال تحتفظ حتى عام 2000م بعدد مواليد كاف ليبقيها حية، وهي ألبانيا المسلمة، أما بقية أوربا فقد بدأت تموت[9].

كما أجرى الرئيس الفرنسي السابق «ديستان» مقارنة بين سكان فرنسا وسكان الجزائر والمغرب فقال: «سنة 1960م مقابل 52 مليون ساكن في فرنسا كان سكان الجزائر 10 ملايين، والمغرب 11,6 مليون، أي في المجموع أقل من سكان فرنسا! وفي عام 1990م تعداد الجزائر 25,4 مليون ساكن، والمغرب 25,1 مليون، أي في مجموع فرنسا! وفي عام 2025م يكون في الجزائر 50 مليون ساكن، وفي المغرب أكثر من 45 مليون، أي ما يعادل فرنسا مرتين! وحسبما أوضح لي علماء السكان فإن شعوب المغرب العربي بتجاوزها 110 ملايين نسمة تفوق قدرة استيعاب أرضها ومواردها». وهذا الكلام السابق ناضح بمدى تخوف الإدارة الفرنسية من النمو السكاني الإسلامي على الشاطئ الآخر للبحر المتوسط خشية أن يتمدد المسلمون نحو أوربا[10].

ب - تفكيك المجتمعات الإسلامية عن طريق نشر الفاحشة والرذيلة ووضع العقبات أمام طرق العفة والطهارة[11].

2 - إشاعة العلاقات الجنسية المحرمة:

لم يعد الجنس قبل الزواج أمراً مستهجناً في المجتمعات الغربية، ولذا أصبح العيش سوياً دون زواج أمراً يتزايد قبوله اجتماعياً، بل لا يعد الزنا أو الشذوذ إذا كان بالتراضي جريمة أبداً مهما كان نوع الجنس أو الميول أو الحالة الزوجية كما نصت على ذلك منظمة العفو الدولية[12]. وقد أثر الانفلات الجنسي على النسل من خلال:

• استغناء ضعاف الإيمان بالزنا أو الشذوذ عن الزواج، لأنه يمكنهم من قضاء شهوتهم مع التخلص من تحمل مسؤولية الأبناء وتربيهم.

• إجهاض حمل السفاح فراراً من العار، بينما المقرر في الشريعة أن جنين الزانية مخلوق محترم يحرم الاعتداء عليه، وحديث الغامدية خير شاهد على معالمة الرسول # لمن حملت من الزنا.

• كثرة استخدام حبوب منع الحمل من الزانية قد يعرضها لخطر عدم الولادة فيما لو تزوجت لاحقاً زواجاً شرعياً، فعند التوقف عن تناول هذه الحبوب تعود الخصوبة إلى ما كانت عليه في السابق وأحياناً تطول هذه المدة لتسبب ظاهرة عقم ثانوي، ويرتبط ذلك بنوعية الحبوب ومدة استعمالها وبنوع رد فعل جسم المرأة لها.

• فوات مرحلة الخصوبة للزناة وهم منغمسون في تلك الرذيلة، حتى إذا انتبهوا، وأرادوا أن يكون لهم أبناء، إذا بالوقت قد فات، وهذا أكثر في الإناث منه في الذكور.

• انتشار الأمراض الجنسية الفتاكة والمعدية بين أصحاب العلاقات المحرمة، ولا شك أن هذه الأمراض تنفر من الزواج بمن أصيب بها، كما أن بعض الأمراض تسبب العقم كالزهري، والسيلان، والكلاميديا، والبعض الآخر يسبب الوفاة كالإيدز[13].

ويزيد الشذوذ عن الزنا بالآتي:

أ- انصراف اللوطيين عن النساء، واستغناؤهم بالرجال الأمر الذي قد يصل إلى حد العجز عن مباشرة المرأة، وانصراف السحاقيات عن الرجال واستغناؤهن بالنساء، وهذا أمر له أثره السلبي على التناسل المرجو من الزواج.

ب- يضعف اللواط مراكز الإنزال الرئيسية في الجسم ويعمل على القضاء على الحيوانات المنوية.

ج- إفساد الناشئة من الصغار والأحداث الذين لا يعرفون مدى الجرم الواقع من هذه الرذيلة؛ حيث يغويهم المرضى من الكبار فإذا ما أصبحوا رجالاً أصبحت الرذيلة عادة فيهم ومرضاً متحكماً، وخُلقاً ذميماً لا يستطيعون منه فكاكاً. ثم لا تلبث الضحية التي وقعت في الغواية أن تكرر التجربة مع الأحداث الصغار بدافع الانتقام من المجتمع وفساد الفطرة ونشر الفساد بين الناس حتى لا يكون ذلك الشخص الضحية وحده الموسوم في المجتمع بالانحراف، ومثل هذا يتحمل وزرين: وزر العمل الشائن المستقبح؛ ثم وزر الإفساد للآخرين ودفعهم إليه كرهاً وطوعاً حتى تعم الظاهرة في المجتمع الذي يفقد بذلك مقومات استمراره وبقائه، وحضارته وقوته[14].

وقد عبرت الكاتبة سوزان غللر عن قلقها لانتشار ظاهرة الشذوذ بين الرجال، والتهرب من مسؤولية بناء الأسرة بسبب الاختلاط الفاحش، فقالت: «لقد أدى انتشار الشذوذ بين الرجال أن أخذ شكل الرجل يتغير فأصبح يهتم بزينته كما تهتم المرأة، ويرتدي الملابس الملونة الزاهية، ويكوي شعره، حتى أصبح من الصعب التفرقة بين الرجل والمرأة، وزادت شقة الخلاف بينهما فهو يبحث عن متعته الخاصة الشاذة، ويضحي بالحياة الأسرية في سبيل فرديته وأنانيته، ثم زاد الطين بلة انتشار الإيدز بين الشواذ من الرجال أولاً، ثم انتقل المرض اللعين من الرجل إلى المرأة شيئاً فشيئاً... وهكذا يغرق المجتمع الأمريكي في مستنقع رهيب من رجال فقدوا القدرة على تحمل مسؤولياتهم، ونساء وحيدات يتسلل إليهن شعور الكراهية نحو الرجال؛ لتحطيمهم حصن الأسرة التي هي عماد المجتمع»[15].

3 - المباعدة في الولادات:

إن الحملة الإعلامية غير العادية للمباعدة بين المواليد، إلى مدد تتراوح من 4-٥ سنوات بين كل ولادتين، والذي معناه وبطريق ملتوٍ تحديد النسل بثلاثة أولاد أو ولدين، فالزواج قبل سن 18 سنة ممنوع وعنف ضد الفتاة، وبعده يتم حث للفتاة على مواصلة التعليم الجامعي، وتأخير الزواج حتى تنتهي الفترة الجامعية وبناء المستقبل، فلا تتخرج من الجامعة إلا وعمرها ثلاث وعشرون سنة على أقل تقدير، ومن ثم إذا تزوجت وأنجبت فعليها أن تباعد بين كل مولودين أربع سنوات بحسب نصائحهم؛ لتكون الحصيلة في النهاية مولودين فقط؛ لأنهم يعتبرون الإنجاب بعد الثلاثين يعرض الأم لبعض الأمراض والمضاعفات، وإن تزوجت الفتاة بعد الثامنة عشرة وأنجبت كل أربع سنوات فثلاثة مواليد فقط[16].

4 - تعليم المرأة وعملها:

إن من وسائل تحديد النسل الاجتماعية الدعوة إلى تعليم المرأة وتقديمه على الزواج، بل عد الباحثون تعليم المرأة وخاصة العالي منه أكثر تأثيراً في تقليل خصوبة المرأة من عامل استخدام وسائل تحديد النسل. فبدلاً من أن تنجب الفتاة في سن مبكرة أصبحت تقوم بتأخيره نتيجة انشغالها بالدراسة، مما أدى إلى تقليل أفراد الأسرة[17]. كما أن إشغال المرأة بالوظيفة، ودمجها في سوق العمل على حساب الزواج والإنجاب أثر في النسل، فكلما تقدمت المرأة في السن كلما قلت وانخفضت نسبة الخصوبة عندها، وبذا قل عدد المواليد، حيث أثبتت الدراسات العلمية أن عمل المرأة خارج المنزل يقلل من مستوى نسبة الخصوبة لديها، ولذا فإن عمل المرأة خارج المنزل يعد أقوى وسيلة لتحديد النسل، وتقليل الإنجاب، بخلاف عمل المرأة في محيط أسرتها، وضمن أنشطة العائلة الاقتصادية[18].



Go to the top of the page
 
+Quote Post
مريم عبد الله
المشاركة Jan 2 2021, 06:50 PM
مشاركة #3


ناقد نشط
***

المجموعة: الأعضاء
المشاركات: 96
التسجيل: 30-December 20
رقم العضوية: 2,452




ما يقال عن الخطط العالمية لتحديد النسل

تعتمد الدعوة العالمية لتحديد النسل على الانحلال الأسري باعتباره وسيلة من وسائل تحديد النسل . وقد رأينا مصداق ذلك في وثيقة المؤتمر الدولي للسكان الذي انعقد في القاهرة عام 1994 الذي انعقد منذ سنوات قليلة إذ كان هناك تركيز على أساليب الممارسة الجنسية خارج نطاق الزواج وتشجيع عليها مع محاربة الزواج المبكر . ولم يأت ذلك عفوا أو اتفاقا ، ولكنه جاء باعتباره وسيلة لمنع النسل بقدر الإمكان ، فإذا كان هؤلاء – في العالم المتقدم – قد تورطوا في هذه الممارسات ولم يعودوا راغبين أو قادرين على الامتناع عنها فلا أقل من أن يصدروها إلينا لتفعل فعلها في تحديد النسل في العالم الثالث ..
يقول الأستاذ نورمان بريل مؤلف كتاب ” بزوغ العقل ” خطر سياسة : ( إن أية جماعة تمارس تحديد النسل ستقضي على نفسها ويحل محلها أولئك الذين يحتفظون بغريزة التناسل غير المقيد ) أنظر كتابه : بزوغ العقل البشري ترجمة ونشر مؤسسة فرانكلين عام 1964ص 251- 252
يقول السيد عمرو موسى وزير الخارجية المصرية في تعليقه على هذا المؤتمر: ( اتضح لنا أن المسألة ليست صياغة فقرات عن الجنس والزواج ، بل كان هناك نوع من الفكر تؤمن به مجموعة من الدول مقابل فكر آخر لدول أخرى ، يعني كان هناك حوار وصدام وتنافس فكر ديني وحضاري ، وكل مجموعة تحاول أن تسيطر وتفرض رأيها خاصة في مثل هذا المؤتمر) جريدة الخليج 24\9\ 1994
يقول الأستاذ فرانك نوتشتين – وقد كان مديرا لمركز البحوث السكانية في جامعة برنستون ، ثم رئيسا للجنة الإسكان في الأمم المتحدة – في لحظة صدق : أنه يجب ” إعداد برامج للحد من النمو السكاني في نصف الكرة الجنوبي ، وإلا فإن التقدم الاقتصادي في هذه الأصقاع سيؤدي إلى قيام عالم في المستقبل تتحول فيه الدول المسيطرة حاليا إلى أقلية يتضاءل وزنها باطراد ، ويقل بالتالي باطراد نصيبها من ثروة العالم ، وتقل قدرتها على التحكم فيه . إن تحديدنا لسياستنا القومية نحو المناطق المتخلفة يجب أن يتحقق في ضوء هذه الحقيقة ”
يقول جان كلود شسنيه – مدير المعهد الوطني للدراسات السكانية باريس – ” إن أوربا تواجه غلبة المسلمين عليها والأفارقة ، مع اتساع الفجوة السكانية والاقتصادية بين شمال البحر المتوسط وجنوبه ، فمع تركز الثراء في الشمال الأوربي سيتحرك الناس من الجنوب إلى الشمال .. وفي الجنوب ستبزغ قوى فتية بفضل الزيادة في حجم سكانه التي تبعث الحيوية ، وفي المقابل فإن قوى الشمال الهرمة ستذوي مع النقص في عدد السكان ” )
الأستاذ عادل حسين رحمه الله قائلا : ( إنهم يخشون إذن من زيادة البشر في بلادنا ،لا لأنها تضرنا ، ولكن لأنها تضرهم ، لأنها تحاصرهم وتقضي على ظلمهم لنا واستغلالهم. فالزيادة السكانية في البلاد المقهورة – مع الانخفاض المتواصل في الدول الصناعية – تؤدي بالفعل إلى ” تأثير عميق في النظام السياسي الدولي ،وفي توازن القوى العالمي ” كما جاء في بحث لمؤتمر نظمه الجيش الأمريكي عن التخطيط طويل الأجل 1991
والصهيوني هنري كيسنجر قد عبر عن هذا المعنى قبل ذلك فى بحث أعده عندما كان مستشارا للأمن القومي في الولايات المتحدة حين اعتبر زيادة السكان في العالم الثالث تهديدا للأمن القومي الأمريكي ، ووصل في هذا إلى ضرورة التركيز بشكل خاص على تخفيض النمو السكاني في ثلاث عشرة دولة ، حددها ، منها سبع دول إسلامية ، على رأسها مصر ، أو فيها أقلية مسلمة كبيرة مثل الهند ، وقد كانت مذكرة كيسنجر هذه nssm – 200 ممنوعة من التداول والنشر حتى عام 1990جريدة الشعب 12\ 8\ 1984
الأستاذ فهمي هويدي في هذا الاتجاه يقول: ( منذ عدة عقود وعلماء السياسة والاجتماع في أوربا والولايات المتحدة يحذرون من المصير الذي ينتظر نفوذ القارتين ومكانتهما في العالم ، إذا ما استمرت معدلات النمو السكاني في الكرة الأرضية كما هي عليه دون ضبط أو تعديل يقول جون بورجوا بيشا أحد مسئولي مركز الأبحاث السكانية الدولية في باريس ” إذا استمر الوضع كما هو عليه فالمستقبل ينذر بكارثة كبيرة ” إذ في حين تتدهور الأوضاع السكانية في الغرب من جراء تدني معدلات الإنجاب بصورة غير مسبوقة في تاريخه ، فإن الخصوبة العالية الحاصلة في العالم النامي تكاد تحدث ” انقلابا في خريطة العام السكانية على حد تعبيره” ) .
كتب نورمان ستولتنبرج المفوض السابق لشئون اللاجئين بالأمم المتحدة مقالا في صحيفة ” كريستيان سيانس مونيتور ” سنة 1990 قال فيه بوضوح : إن هذه الزيادة المطردة في سكان العالم الثالث والدول الأفريقية خاصة : ” تهدد أمن الدول الأوربية بشكل مباشر ” .
ويسرد الدكتور محمد البهي عوامل انحسار الإسلام في القرن العشرين ، فيذكر من بينها : ( دور الصليبية الجديدة باسم تنظيم النسل ، وتنظيم النسل عملية قصدت بها الصليبية الجديدة الحد من عدد المسلمين في العالم ، إذ المعروف أن المسلمين مكرمون عند الله بالخصوبة الجنسية التي يراها الآخرون من أعدائهم خطرا عليهم إذا انضمت إلى الإيمان بالإسلام ، ولذا يحذر هؤلاء الأعداء البلاد الإسلامية مما يسمى الانفجار السكاني ) رسالة ” مستقبل الإسلام والقرن الخامس عشر الهجري ) للدكتور محمد البهي ص 11
وقد جاء في مجلة سويسرية كما جاء في جريدة الاتحاد 25\2\1998– أن سكان الدول الإسلامية يتزايدون بمعدل يفوق معدل ازدياد سكان الدول الأخرى في شتى أنحاء العالم ، وقالت مجلة ليبدو أنه مع حلول عام 2020 فإن واحدا من كل أربعة أشخاص في العالم سيكون مسلما . وأضافت : أن العالم الإسلامي يشهد نموا في ولادة الأطفال المسلمين الأمر الذي سيترتب عليه مضاعفة عدد المسلمين في الثلاثين سنة المقبلة بحيث يصبح عدد المسلمين بليوني نسمة. .
لهذا كان لابد من أساليب ” الدعاية السوداء ” فأنت إذا أردت أن تقنع مجموعة من الناس بدعوة تخالف ما يؤمنون به ، وتعارض مصالحهم ، فخير طريقة لذلك أن تستخدم نفرا من بين هؤلاء الناس ، وتبعد الأجانب الذين قد يكونون محلا للشبهة )
ومن هنا يأتي استغلال بعض الأقلام والشخصيات الإسلامية في الدعاية لتحديد النسل ، ومن هنا أيضا يأتي السبب في انعقاد المؤتمر الدولي للسكان بالقاهرة في سبتمبر 1994 في عاصمة من أهم العواصم الإسلامية.
ويقول الفيلسوف الفرنسي المسلم روجيه جارودي : ” يأتي الأغنياء إلى القاهرة تحت غطاء الأمم المتحدة ليقولوا للفقراء : لا تنجبوا بعد الآن أطفالا كي نستطيع الاستمرار في نهبنا وإفراطنا ” ونقلت صحيفة ” الحياة ” اللندنية عن جارودي قوله : ” إذا كنتم تزعمون أن الأرض لا تستطيع إطعام جميع الناس فلماذا تجبر الولايات المتحدة أوربا على تبوير 15 % من أراضيها الصالحة للزراعة لولا أنها تريد الإبقاء على صادرات وأسعار القمح الأمريكي على مستواها على حساب الجياع من الناس ”
وتقول الدكتورة جيرمين جرير : أن الفزع من الانفجار السكاني إنما خططت له حركة أعطت مصانع وسائل منع الحمل أسواقا جديدة ، وقد بدأ الفزع من الانفجار السكاني أول ما بدأ عام 1954 عندما ظهرت نشرة صغيرة تحمل اسم القنبلة البشرية أصدرها هيو إم مور ، وهو مخترع إحدى وسائل منع الحمل ، وبحلول عام 1960 قامت مؤسسة مور بحملة أسمتها حملة الطوارئ الخاصة بسكان العالم ، وهي الحملة التي نجحت بعد ست سنوات في الحصول على دعم حكومة الولايات المتحدة لها ، وقد رسمت الحملة صورة للعالم وقد اجتاحته جحافل الجياع كثيري النسل ، من الشعوب السمراء والصفراء ، وهم يستنزفون موارد الغربيين – حسب زعمهم – الذين التزموا بتحديد النسل ، وهكذا على حد تعبير جيرمين جرير أصبحت جموع الباحثين حسني النوايا مجرد أدوات لنظريات فجة يمينية .
هذا وتشير الباحثة – وهي إحدى نصيرات الحركة النسائية في القرن العشرين – إلى بعض الجوانب اللاأخلاقية واللاإنسانية لمنع الحمل في العصر الحديث ، وقد جاء ذلك في كتاب لها بعنوان ( الأنثى الخصي
The Female Eunuch) وتقصد: النسوة اللواتي اندفعن وراء حبوب منع الحمل ، وأصابهن العقم وتقدمت بهن السن. وتظهر الدكتورة جرير نوعا من الاشمئزاز وهي تدين نزعة الناس في الغرب إلى ” المتعة العقيمة ” ، وهي تقصد بذلك متعة الجنس المحصنة ضد الإنجاب بوسائل منع الحمل ، وهي نفس المتعة التي يسميها القرآن الكريم ( سفاحا ) .
ويقول الله جل وعلا فى القرآن الكريم بين الانحراف الأخلاقي في العلاقات الجنسية وبين مفهوم ” المسافحة ” يقول تعالى ( وأحل لكم ما وراء ذلكم أن تبتغوا بأموالكم محصنين غير مسافحين ) 24 النساء . والمسافحة مأخوذة من السفح ، وهو إهدار الشيء بإلقائه بعيدا عن غرضه المقدر له ، مما يعتبر ربطا بين الانحراف الأخلاقي في هذه العلاقات وبين الممارسات العصرية التي تتيحها وساءل منع الحمل السفاحية .
والنتيجة النهائية لذلك أن ضرب عقيد المسلم في ضمان الله للأرزاق : يتضمن ضربا لمنظومته الخاصة بالأسباب والمسببات : التي تجمع بين الأسباب الظاهرة والأسباب الباطنة.
يقول الله سبحانه وتعالى : ( قل من يرزقكم من السماء والأرض ، أمن يملك السمع والأبصار ، ومن يخرج الحي من الميت ويخرج الميت من الحي ، ومن يدبر الأمر ؟ فسيقولون الله ، فقل أفلا تتقون ؟ فذلكم الله ربكم الحق فما ذا بعد الحق إلا الضلال ؟ فأني تصرفون ، كذلك حقت كلمة ربك على الذين فسقوا أنهم لا يؤمنون ) 30-33- يونس .
على ضوء هذه الحقائق كيف يكون الجواب على السؤال التالي :
ما مدى وطنية السياسات المحلية في البلادنا عندما تتبنى نفس سياسات التخريب التي يضعها العالم المتقدم ويصدرها إلينا ؟
ما مدى جهلهم ، إن لم نقل ما مدى وطنيتهم وولائهم لمجتمعاتهم خصوصا ، وللمجتمع الإسلامي عموما ؟
الله أعلم
Go to the top of the page
 
+Quote Post
مريم عبد الله
المشاركة Jan 2 2021, 06:52 PM
مشاركة #4


ناقد نشط
***

المجموعة: الأعضاء
المشاركات: 96
التسجيل: 30-December 20
رقم العضوية: 2,452




الأزمة السكانية والحلول الغائبة


التفريغ النصي الكامل
قد ينزوي الحق في فترة من الفترات كأنه منهزم، وقد ينتفخ الباطل وينتفش كأنه غالب، إلا أن الحقيقة الكبيرة التي يقررها الله: أن الحق غالب ظاهر، وأن الباطل زاهق زائل. وما الأزمة السكانية التي يتغنى بها الغرب اليوم إلا أزمة مفتعلة ينطوي تحتها حقد دفين على العالم الإسلامي، وخوف شديد من زوال سيادتهم في السنوات القادمة كما قرره خبراء الغرب. وقد عقد الغرب المؤتمرات تلو المؤتمرات لإيجاد حل لهذه المشكلة، إلا أن الجمل تمخض فأولد فأراً، فإذا بها حلولاً تنطوي على عداء سافر، وغيظ شديد على العالم الثالث وأما من خالجه خوف من تزايد العدد السكاني، فإن هناك حلولاً تبدد هذا الخوف، وتبعث فيه الطمأنينة.



الصراع بين الحق والباطل
بسم الله الرحمن الرحيم إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله تعالى من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ [آل عمران:102]. يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا [النساء:1]. يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا [الأحزاب:70-71]. أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشرَّ الأمور محدثاتُها وكلَّ محدثة بدعة، وكلَّ بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار. فحيا الله هذه الوجوه الطيبة المشرقة، وزكى الله هذه الأنفس، وشرح الله هذه الصدور، وطبتم جميعاً أيها الأحبة الكرام! وطاب ممشاكم وتبوأتم منزلاً من الجنة، وأسأل الله جل وعلا أن يجمعني وإياكم في هذه الدنيا دائماً وأبداً على طاعته، وفي الآخرة مع سيد الدعاة وإمام النبيين في جنته، ومستقر رحمته، إنه ولي ذلك والقادر عليه. أحبتي في الله! الأزمة السكانية والحلول الغائبة: هذا هو عنوان لقائنا مع حضراتكم في هذا اليوم الكريم المبارك، فأعيروني القلوب والأسماع، فإن هذا اللقاء في هذه الأيام بالذات من الأهمية بمكان، وسوف ينتظم حديثي مع حضراتكم في العناصر التالية: أولاً: صراع بين الحق والباطل. ثانياً: أزمة مفتعلة وحقد دفين. ثالثاً: حلول مقترحة. وأخيراً: الحلول الغائبة. فانتبهوا معي جيداً أيها المسلمون الكرام! وأسال الله جل وعلا -بداية- أن يجعلني وإياكم ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه: أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُوْلَئِكَ هُمْ أُوْلُوا الأَلْبَابِ [الزمر:18]. أولاً: الصراع بين الحق والباطل. أيها الأحبة الكرام! إن الصراع بين الحق والباطل.. بين الإيمان والكفر.. بين الفضيلة والرذيلة.. بين الخير والشر صراع دائم مستمر لا تهدأ معاركه، ولا تخبو جذوته، وقد ينزوي الحقُ في فترة من الفترات كأنه منهزم، وقد ينتفخُ الباطلُ وينتفش في تلك الفترة كأنه غالب، ولكن المؤمنين الصادقين لا يخالجهم الشك أبداً في أنه مهما انتفخ الباطل وانتفش، ومهما بدا للعيان أن الحق ضعيف، لا يخالجهم الشك أبداً في هذه الحقيقة الكبيرة التي يقررها الله جل وعلا بذاته، ويؤكدها بصيغة التوكيد، ألا وهى أن الحق غالب ظاهر، وأن الباطل زاهق زائل. يقول الله عز وجل: وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا [الإسراء:81]، ويقول الله عز وجل: بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ وَلَكُمُ الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ [الأنبياء:18]. أقول: تلك حقيقة وسنة ثابتة قامت عليها السموات والأرض وقام عليها أمر المعتقدات والدعوات إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها: بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ وَلَكُمُ الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ . أيها الحبيب الكريم! أقدم لموضوعنا اليوم عن الأزمة السكانية والحلول الغائبة التي كثر حولها الجدل في أروقة المؤتمرات والقاعات والمجالس طيلة الأيام الماضية، أقدم لهذه الأزمة -على حد تعبيرهم- بهذه المقدمة الموجزة؛ لأننا نشهدُ الآن مرحلةً من أخطر مراحل الصراع بين الحق والباطل، انتفخ في هذه المرحلة الباطلُ وانتفش، بل وعصفت رياح القنوط واليأس بكثير من قلوب شباب الأمة المخلص المتحمس ويتولى كبر هذه المرحلة من مراحل الصراع العالم الغربي الذي تقدم الآن لقيادة البشرية على حين غفلة من أمة القيادة والحق الذي من أجله خلق الله السموات والأرض والجنة والنار، ومن أجله أنزل الله الكتب وأرسل الله الرسل. يتولى كبر هذه المرحلة العالم الغربي الآن، فلقد شهدنا في هذه الأيام القليلة الماضية هذه الضجة الإعلامية، وهذه الأزمة المفتعلة والتي يسمونها بالأزمة السكانية أو الانفجار السكاني. فانتبه معي أيها الحبيب! لتتعرف على حقيقة هذه الأزمة، وعلى حقيقة هذا الحقد الدفين الذي شاء الله عز وجل أن يظهره لكل غافل، وقد غط طيلة السنوات الماضية في السبات والرقاد. إنها أزمة مفتعلة وحقد دفين!
أزمة مفتعلة وحقد دفين
لقد أثار الغرب في الأيام الماضية ضجة إعلامية كبيرة عما يسمونه بالأزمة السكانية أو الانفجار السكاني، إذ تشير وثيقة المؤتمر الدولي للسكان والتنمية أنه بحلول عام (2050) يشير الإسقاطُ المنخفض للأمم المتحدة تعداداً سكانياً عالمياً يبلغ (7.8) بليون نسمة، ويشير الإسقاطُ العالي لخبراء الإسكان في الأمم المتحدة تعداداً سكانياً عالمياً يبلغ (12.5) بليون نسمة، وهذا على حد قولهم! يقولون: وهذه كارثة بكل المقاييس، إذ من المستحيل أن تفي الأرض باحتياجات هذه الأفواه الجائعة! يقولون هذا، وقد نسي هذا الإنسان المتبجحُ المغرور أنه لن يستطيع مؤتمر للسكان على ظهر الأرض أن يحدد السكان على ظهر الأرض إلا بالقدر الذي يريد رازق السكان جل جلاله. ونسي الإنسان المغرور أن من يأتي غداً إلى الحياة إنما سيأتي إلى هذه الحياة بأمر الله لا بأمر الهندسة الوراثية التي عبدها الغرب اليوم في الأرض من دون الله جل وعلا. أما هؤلاء المتبجحون الذين جلسوا على الكراسي ليشرعوا وليقترحوا الحلول العاجلة لتلك الأزمة السكانية، -واضحك معي بملء فمك، فقد جلسوا ليناقشوا ويجادلوا فيمن يأتي إلى الحياة غداً ومن لا يأتي، ومن يُخلق ومن لا يخلق، وهم أنفسهم لا يملكون أن يكونوا بين الأحياء أو الأموات، فالكل راحل رغم أنفه وإن طالت به الحياة! كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ [القصص:88] جل جلاله! ولابد أن نعلم -أيها الأحبة الكرام- وأن تستقر هذه الحقائق في قلب كل مسلم أن الغرب ما تحرك في هذه الأيام الماضية لحل هذه الأزمة المفتعلة والتي يسمونها بالأزمة السكانية من أجل سواد عيون الدول النامية، أو حرصاً على شعوبها، أو خوفاً على مطعام أهلها، كلا، فإن الغرب لا يزعجه مطلقاً أن تعيش هذه الأفواه أو أن تموت، بل إنه هو الذي يبيدها كل يوم بهذه الأسلحة الفتاكة المدمرة التي أعدت لتبيد البشرية جمعاء. أيها الأحباب! لا يتورع الغرب كل يوم عن أن يبيد العشرات -أو إن شئت فقل: المئات- بأسلحة الدمار التي اخترعها، بل وبحرمان الدول النامية -التي جاء الغرب اليوم ليتغنى بأنه ما جاء إلا لتنمية مواردها الاقتصادية- من هذا الفائض الكبير في موارده الإنتاجية، ويتعمد أن يلقي بهذا الفائض من تلك الموارد في البحر وهو يرى بعينه الآلاف المؤلفة من أبناء هذه الدول يموتون جوعاً ولا يقدم لهم شيئاً؛ لأنه لا يريد لأهل هذه البلاد الإسلامية أن ترفع رءوسها خفاقة عالية، بل تظل دول العالم الثالث -على حد تعبير الغربيين- قصعة مستباحة لهؤلاء المجرمين والموتورين. لابد أن نعلم يقيناً وأن تستقر هذه الحقائق في قلوبنا: أن الغرب الكافر ما تحرك اليوم لحل المشكلة السكانية في دول العالم الثالث -على حد تعبيرهم- إلا خوفاً على مصالحه، وخوفاً من أن يهتز ميزان القوى العالمية، وأن تتحول السيادة بعد ذلك إلى الشرق المسلم، وهذا الكلام لا أقوله تضميداً للجراح، ولا تسكيناً للآلام، ولا من باب الأحلام الوردية، كلا، ولكنها دراساتهم وأبحاثهم التي تأصل هذه الحقائق التي يغفل عنها المسلمون وحكامهم.
أهداف الأزمة السكانية المفتعلة
أيها الأحبة! إن هذه الخلفية العلمية التاريخية التي سأذكرها لكم الآن هي التي تبين خطورة هذه الهجمة الشرسة على العالم الإسلامي؛ لشل نسله ولإيقاف نموه: منذ عدة سنوات وخبراء السياسة والاجتماع يحذرون بشدة من مصير نفوذ أوروبا وأمريكا على مستوى العالم إذا ما استمرت معدلات النمو السكاني -على ما هي عليه الآن- دون ضبط أو تعديل، إذ تشير الدراسات لخبراء السكان في الأمم المتحدة -التي تعبد اليوم في الأرض من دون الله عز وجل- ويقرر خبراؤها أنه بعد انتهاء القرن الحادي والعشرين سيكون في مقابل كل فرد أوربي أو أمريكي ثمانية عشر فرداً من أبناء العالم الثالث وهذه كارثة بكل المقاييس. هذا على حد تعبير مسئول كبير في مركز الأبحاث السكانية الدولية في باريس. فرد واحد أوربي أو أمريكي سيقابله ثمانية عشر فرداً من أبناء العالم الثالث -أي: من أبناء الدول الإسلامية- وهذا على حد تعبيرهم كارثة بكل المقاييس. ويؤكد هذه الحقيقة أيضاً المفكر الألماني الشهير باول شمتز إذ يقول: تشير ظاهرة النمو السكاني في أقطار الشرق الإسلامي إلى احتمال وقوع هزة في ميزان القوى في العالم كله. يقول هذا المفكر الألماني: فإن ما لدى الشعوب الإسلامية من خصوبة بشرية تفوق ما لدى الشعوب الأوربية من هذه الخصوبة البشرية، وهذا الكم الهائل في الإنتاج البشري يهيئ الشرق إلى أن ينقل السلطة من الأوربيين إلى الشرق المسلم في مدة لا تتجاوز بضعة عقود. ويؤكد هذه الحقيقة أيضاً: المفوض السابق لشئون اللاجئين بالأمم المتحدة، إذ يقول: إن الزيادة السكانية المضطردة في دول العالم الثالث في الدول الإفريقية بصفة خاصة تشكل تهديداً أمنياً لجميع الدول الأوروبية بصور مباشرة. ويؤكد هذه الحقيقة أيضاً: مركز الدراسات الإستراتيجية في وزارة الدفاع الأمريكية، فلقد أجرى هذا المركز سلسلة من الدراسات طيلة السنوات الماضية، وانتهت هذه الدراسات إلى هذه الحقيقة المزعجة المرعبة لهم، إذ تقول هذه الدراسات: إن الزيادة المضطردة في النمو السكاني لدول العالم الثالث يهدد بصورة مرعبة المصالح الإستراتيجية الأمريكية بصورة مباشرة. ثم تقول الدراسة: فيجب على الولايات المتحدة أن تبذل الآن جهوداً كثيرة لوقف النمو السكاني للعالم الثالث بقدر ما تبذله الولايات المتحدة من جهود في إنتاج الأسلحة الجديدة المتطورة. هل انتبهت أيها المسلم؟! هل رأيت ما ذكرت لك؟! هذه حقائق يقررها هؤلاء أنفسهم!! إن النمو السكاني يهدد بصورة مباشرة مصالح الغربيين، وهذه أبحاثهم وتلك دراساتهم، ومن ثم فهم لا يهدأ لهم بال ولا يقر لهم الآن قرار، ويبذلون كل المحاولات لوقف هذا النمو السكاني في بلاد العالم الإسلامي لا من أجل سواد عيون هذه البلاد، ولا من أجل التنمية لموارد هذه البلاد -فهذه أضحوكة ضحكوا بها على كثير من المسلمين- ولا لمصلحة شعوبنا، ولا حرصاً على عافيتنا -لا ورب الكعبة!- بل ما جاءوا إلا خوفاً من اهتزاز ميزان القوى العالمية لصالح البلدان الإسلامية التي تتمتع الآن بخصوبة بشرية كبيرة. ومن ثم -أيها الأحبة الكرام- جاءت هذه الحملة الإعلامية تحت هذا الغطاء الذي يسمونه بـ(الأمم المتحدة) في هذا المؤتمر وقرر فيه المعونات الكبيرة لتحديد النسل بصورة خاصة في البلاد التي تشكو من كثرة عدد النسل، بل وحتى في البلاد التي تشكو من قلة النسل كسوريا، والعراق، والأردن، ولبنان، والسودان، ولم ينس الغرب هذه البلاد من هذه المعونات لوقف النسل وللحد من النمو السكاني، مع أن هذه الدول تشكو أصلاً من قلة عدد السكان، ومن ثم فهم لا يتورعون الآن من سن أي تشريع وأي قانون يصلون من خلاله لوقف هذا الزحف الهائل للنمو السكاني في بلاد العالم الثالث على حد تعبيرهم. وهذه الخلفية التي ذكرت لابد منها؛ لكي نفهم مراد هذه الصولة وهذا الإعلام الذي يشن من خلاله الآن تلك الحملة على النمو السكاني في بلاد العالم الإسلامي.
الحلول المقترحة من المؤتمرات الغربية لحل الأزمة
أيها الأحبة! ومن ثم جاءت الحلول المقترحة -وهي تضحك وتبكي في آن واحد، وهي: أولاً: خرج علينا جراح كبير في لندن يقترح حلاً جذرياً لمشكلة الانفجار السكاني، إذ يقول هذا العبقري الفذ: إنني أقترح حلاً لمشكلة الانفجار السكاني وهو تخليق فيروس عن طريق الهندسة الوراثية يصيب الرجال والنساء بالعقم جميعاً! ثم يقول هذا العبقري: وحتى نهتدي لتخليق هذا الفيروس يجب أن نعلن أنه لا يجوز لأحد أن ينجب إلا بتصريح رسمي من وزارة الصحة، وإذا تعدى واحد من الناس وأنجب بدون صك غفران من وزارة الصحة، يجب أن يعاقب وأن يحرم من التأمين الصحي، وأن تفرض عليه غرامة كبيرة. يقول: فإن تجاوز هذه العقوبات وأنجب بعد ذلك يجب أن يسجن وأن يعامل معاملة الشخصيات الخطرة!! ويخرج علينا عبقري آخر من جامعة (استانفورد) بأمريكا، يقول: إنني أقترح لحل المشكلة السكانية، أن يخلط القمح الذي يصدر إلى دول العالم الثالث بالعقاقير الطبية التي تمنع الحمل. وكأن هذه البلاد في نظر هذا الوقح وأمثاله مزرعة للدواجن أو حظيرة لفئران التجارب سبحان الله العظيم!. واقترح بعض المؤتمرين -إلا أن البعض الآخر قد اعترض على هذا الاقتراح- لحل المشكلة السكانية: الإجهاض، وممن اعترض أبناء الوفود الإسلامية التي شاركت في مثل هذا المؤتمر؛ لأنها قضية محسومة في شريعتنا وفي ديننا، ولست الآن بصدد بيان الحكم الشرعي في تلك المسألة الخطيرة. لكنه الإنسان في غلوائه ضلت بصيرته فجن جنونا ويحي لمنتحر كأن بنفسه من نفسه حقد الحقود دفينا اعتد أسلحة الدمار فما رعت طفلاً ولا امرأة ولا مسكينا واليوم مد يديه للأرحام تو تلعان منها مضغة وجنينا قد صيغ من نور وطين فانبرى للنور يطفئه ولبى الطينا ما أضيع الإنسان مهما قد رقى سبل العلوم إذا أضاع الدينا فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلا يَضِلُّ وَلا يَشْقَى * وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى * قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنتُ بَصِيرًا * قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنسَى * وَكَذَلِكَ نَجْزِي مَنْ أَسْرَفَ وَلَمْ يُؤْمِنْ بِآيَاتِ رَبِّهِ وَلَعَذَابُ الآخِرَةِ أَشَدُّ وَأَبْقَى [طه:123-127]. أَفَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا بَيَاتًا وَهُمْ نَائِمُونَ * أَوَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا ضُحًى وَهُمْ يَلْعَبُونَ * أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ فَلا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ [الأعراف:97-99]. واقترح المؤتمر اقتراحاً رابعاً وهو: تأخير سن الزواج، ولابد أن نعلم بداهة أن هذا الاقتراح إنما يفتح المجال بمصراعيه للبدائل الأخرى من الجنس الآخر، وليس هذا تعسفاً مني، وإنما قد صرحت الوثيقة للمؤتمر الدولي للسكان والتنمية بهذا، وهي عندي لمن أراد أن يطالعها، فقد قالت الوثيقة في الفصل الخامس في الصفحة رقم (30): ينبغي على الحكومات أن تتخذ الإجراءات الفعالة للقضاء على جميع أشكال الإكراه والتمييز في السياسات والممارسات التي تتعلق بالزواج أو بأشكال الاقتران الأخرى. اهـ والزواج معروف والحمد لله، لكن أشكال الاقتران الأخرى هي: زواجُ الرجل بالرجل، وزواج المرأة بالمرأة، وهذا يقطع النسل من أقصر طريق، ويؤدي إلى عدم التكاثر الجنسي. هذه بعض المقترحات التي اقترحها المقترحون لوقف نمو سكان العالم الإسلامي، ونسي هؤلاء الذين شاء الله أن يفضحهم على رءوس الأشهاد في الدنيا قبل الآخرة إن لم يتوبوا ويعودوا إلى منهج الله عز وجل، وأن يتعرف العالم على سفاهة عقول القلة المترفة التي تحكم وتقود العالم بأسره الآن، -نسي هؤلاء بعمد مفضوح أن المنجم الحقيقي للتنمية هو الإنسان، وليست المشكلة في الكثافة السكانية، ولا في قلة الموارد، كذبوا ورب الكعبة! إننا نرى الآن دولاً تسقط ثمارها الناضجة من غير فعل الإنسان على الأرض، ولا تجد من يأكلها! ففي بلاد السودان أكثر من سبعين مليون فداناً صالحاً للزراعة -سبحان الله!- ولا تجد هذه الأرض من يزرعها، بل ولا من يأكل ثمارها.. في العراق.. في سوريا.. في الأردن.. في لبنان.. ليست المشكلة في قلة الموارد وليست المشكلة في الكثافة السكانية، ولكن المشكلة في حكام متسلطين، وفي سياسات ديمقراطية مدمرة، وفيروس قاتل يدمر الموارد، ويبدد الطاقات فيما لا جدوى من ورائه ولا طائل منه. إنه التكاسل عن استثمار هذه الموارد واستغلالها! إنه الروتين القاتل! إنه غلق أبواب الإبداع والابتكار أمام هذه الطاقات الإنسانية الهائلة. ليست الكثافة السكانية هي المشكلة، بل إن أرض الله عز وجل واسعة، أمدها الله عز وجل بالخيرات، ولكنه تقاعس الإنسان، بل وإن شئت فقل: ظلم الإنسان، فها نحن نرى فائضاً في الموارد عند بعض الدول الغنية المترفة، ترمي به في البحر في كل عام، ولا تمد يد المعونة والمساعدة للدول الإسلامية التي جاء الغرب اليوم ليتغنى بأنه ما جاء إلا حرصاً على عافية شعوبها وتنمية مواردها. وأمامنا بعض الأمثلة تستحق الدراسة بعناية فائقة: اليابان -مثلاً- كدولة من الدول، يزيد عددُ سكانها عن مائة وعشرين مليوناً، ومع هذا فإن عدد السكان يعيشون على مساحة تقل عن مساحة أرض مصر، وبالرغم من هذا نرى فائضاً في الإنتاج، بل نرى فائضاً يفوق الفائض الأمريكي، بل وأصبحت أمريكا الآن تلوح بالتهديد المباشر -كما في الأيام والأشهر الماضية- لليابان إذا لم تفتح أسواقها أمام المنتجات الأمريكية. اليابان لا تملك البترول، ولا تملك الحديد، ولا تملك الفحم، ومع هذا فهي من أغنى دول العالم اليوم؛ لأنها تملك أغلى كنز ألا وهو الإنسان. استغلت هذا الإنسان استغلالاً علمياً مركزاً منظماً، فوصل الإنسان الياباني إلى ما نراه الآن، حتى أنه من آخر ما وصلوا إليه أنهم صنعوا مصعداً -الأصنصير- بالصوت -يستجيب بالصوت- دون أن تضغط على زر كهربائي أو غيره، فإذا ما جلست فيه تستطيع أن ترسل إشارة صوتية إلى هذا المصعد فينزل إليك في الحال. قالوا: وإذا كان هناك من هو أعلى ينادي ومن هو أسفل ينادي واضطربت الأصوات فحينئذٍ يبرمج هذا المصعد بأن لا ينزل إلا على من نادى عليه أولاً! سبحان ربي العظيم! إنه الإنسان الذي خلقه الله جل جلاله: وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَانَ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ طِينٍ * ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَكِينٍ * ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ [المؤمنون:12-14] إنه الإنسان! ومثل هذه التجربة تقال أيضاً عن هونج كونج.. سنغافورة.. كوريا.. عن هذه النمور الأسيوية التي بدأت الآن في الانطلاق. إذاً يا سادة! المشكلة لا تتمثل في كثافة السكان كما ادعى هؤلاء، ولا تتمثل في قلة الموارد التي وهب الله الأرض بها، وإنما تتمثل في سوء التوزيع وسوء الاستغلال في هذه الموارد، وعلى سبيل المثال: ففي مصرنا يعيش أكثر من (97.7) من مجموع السكان في شريط ضيق في وادي الدلتا والنيل ويحتشدون فيه احتشاداً رهيباً، وبقية المساحة التي تصل إلى مليون كيلو متر مربع، والتي يغلب عليها الطابع الصحراوي، إذ تمثل الصحراء من مجموع المساحة الكلية (96%)، وبالرغم من هذا لا يسكن هذه المساحة بأكملها إلا (671) ألف نسمة! والملايين المملينة الأخرى تحتشد إحتشاداً رهيباً في وادي الدلتا والنيل. إنه سوء توزيع وسوء استثمار، ومع هذا فإن هذه المشكلة لا تستلفت الأنظار ولا الانتباه، بقدر ما توجهت الاهتمامات لمشروع الحد من النسل أو تنظيم النسل. أيها الأحبة الكرام! القضية لا تتمثل في كثافة السكان ولا في قلة الموارد، ومن ثم نعرض سريعاً في العنصر الأخير من عناصر هذا اللقاء الحلول المقترحة ينبغي أن تسمع من الإسلاميين، وأسأل الله جل وعلا أن يوفقنا جميعاً إلى ما يحبه ويرضاه، وأن يتقبل منا وإياكم جميعاً صالح الأعمال.
Go to the top of the page
 
+Quote Post
مريم عبد الله
المشاركة Jan 2 2021, 06:54 PM
مشاركة #5


ناقد نشط
***

المجموعة: الأعضاء
المشاركات: 96
التسجيل: 30-December 20
رقم العضوية: 2,452



مسوغات الأمم المتحدة في تحديد النسل


خلق الله الإنسان واستعمره في الأرض ليكون خليفة فيها، وفي سبيل تحقيق هذه المهمة أحيط بالرعاية الربانية، وسخر الله سبحانه وتعالى له ما على الأرض من خيرات، وأرشده إلى السير على هدى التشريع المحقق لمصالحه وغاياته في العاجل والآجل، دفعاً لمفاسد السير بالهوى ومهالك الضرب على غير هدى. وجعل للنسل بالذات صلة وثيقة بالحفاظ على الجنس البشري وبقاء نوعه بالتناسل والتكاثر، وهو أمر لا مناص منه لاستمرار النوع البشري وبقاء الإنسان وذريته، وقيامه بالوظيفة المنوطة به، فلا ينقطع له نوع أو ينقطع التكليف إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها. ولتحقيق هذه الغاية شرع الله عز وجل الزواج وحث عليه[1]، قال تعالى: {يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً} [النساء: 1].

وقد جمعت في هذه الأسطر مسوغات الأمم المتحدة لتحديد النسل، التي تدعو إليها في وثائقها الدولية، وركزت على وثيقة وتقرير مؤتمر «السكان والتنمية» (القاهرة، ٣-٥ سبتمبر 1994م)، التي انبثقت منها الدعاوى لتحديد النسل بشكل أوضح وأوسع مما طرح في المؤتمرات السابقة.

وإذا تحدثنا عن الهدف الأساسي لهذا المؤتمر بعد استقراء الواقع الغربي وبنيته الثقافية وجدنا أنه يستهدف الدول العربية والإسلامية في مسألة تحديد النسل، فالشعوب الغربية لم ترقَ أعدادها السكانية للمستوى الذي يستدعي التقليل!

وقد ورد في نشرة للأمم المتحدة صدرت في العام 1989م تحت عنوان «سكان العالم في بداية القرن» تقرير عن موقع أوربا في الخريطة السكانية للعالم، جاء فيه صراحة أن أوربا تذوب الآن كالجليد تحت الشمس، حيث بين التقرير أن سكان القارة كانوا يمثلون نسبة 15٫6 في المائة من سكان العالم عام 1950م، وتراجعت هذه النسبة عام 1985م إلى 10٫2 في المائة فقط، وهذه النسبة ستصل عام 2025م إلى 6٫4 في المائة لا غير، وأن النقص السكاني تقابله زيادة سكانية في إفريقيا، لاسيما البلاد الإسلامية[2].

١. الانفجار السكاني[3]:

إن الدارس لنشوء فكرة تحديد النسل ومنعه، وتطورها إلى يومنا هذا؛ يدرك أنها فكرة غربية تعود إلى الراهب الإنجليزي توماس روبرت مالتوس سنة 1798م، حيث زعم أن الناس يتكاثرون بسرعة، وأن الزيادة السكانية أكثر بكثير من زيادة الموارد المعيشية. واستنتج من زعمه هذا أن العالم مهدد بالجوع والموت إذا استمرت الزيادة السكانية مطردة ومستمرة، وقال إنه لا بد من وقف هذا الخطر الذي يتهدد حياة الناس وأمنهم الغذائي، وأن الذي يوقف ما يتهدد الناس من جوع وموت نتيجة نقص الموارد المعيشية هو إنقاص السكان. لكن التاريخ كذّب مالتوس وزعمه فزادت عوامل الإنتاج ولم تحدث المجاعات في بلاده بل زادت الموارد الغذائية ولم تنقص في بريطانيا وفي اليابان وفي سويسرا[4].

إن هذه النظرية لا تتفق مع العلم، إذ أقل ما يقال عنها أنها بنيت على إحصائيات رياضية افتراضية معزولة تماماً عن رؤية التاريخ الطبيعي، والعوامل الغائبة، وصنع الله في الكون.

إن أصحاب نظرية الانفجار السكاني يهملون حقيقة أساسية في النمو الاقتصادي هي زيادة الإنتاجية التي تنجم عن قدرة الإنسان على الإبداع. يقول آدم سميث الذي يسمى في الغرب أبا الاقتصاد: «إن النمو السكاني سبب من أسباب التقدم الاقتصادي حيث إنه يزيد السوق اتساعاً، بالإضافة إلى أن زيادة السكان تخلق مجالاً لزيادة تقسيم العمل».

ومن حقنا هنا أن نستشهد بالتطور الاقتصادي الهائل الذي حققته دول آسيوية في الفترة من 1970-1990م برغم النكسة التي حصلت لها بعد ذلك نتيجة سوء الإدارة وعوامل أخرى ليس من بينها كثرة النسل. ففي غضون ثلاثة عقود فقط كما جاء في كتاب «آسيا الصاعدة» لمؤلفه البريطاني جيم روفر: حذت أربع دول آسيوية هي كوريا الجنوبية، وتايوان، وهونج كونج، وسنغافورة، حذو اليابان، فخرجت سريعاً من دائرة الفقر، وبدأت بمضاعفة اقتصادها مرة كل ثماني سنوات، بين عامي 1960 و1985، ثم ما لبثت أربع دول أخرى هي ماليزيا وتايلاند والصين وإندونسيا أن لحقت بالركب، وحققت نسبة نمو بين 8–21%، وإحدى النتائج الأساسية لهذه القفزات الهائلة - كما يقول جيم روفر - في هذه الدول التسع هي أنه بين عامي 1970 و1990 هبط عدد الفقراء من 400 مليون إلى 180 مليوناً، برغم أن عدد السكان ازداد بنحو 420 مليوناً في الحقبة نفسها، وهذا يعني أن الإنجازات الاقتصادية أنقذت 650 مليون نسمة من براثن الفقر.

إن هذا يعني أن نمو الموارد لا يأتي بحسب زعم مالتوس وأتباعه بمتوالية حسابية، ولا حتى بمتوالية هندسية، ولكنه يعني أن خزائن الله لا تنفد، وهو وحده الذي يملك مفاتيحها يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر وفقاً لمتوالية إيمانية مرتبطة بالعمل[5].

عدم اتفاق النظرية مع الدين:

تتضمن النظرية تكذيباً صريحاً للقرآن في قوله تعالى: {وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ 22 فَوَرَبِّ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ إنَّهُ لَـحَقٌّ مِّثْلَ مَا أَنَّكُمْ تَنطِقُونَ} [الذاريات: ٢٢، 23]، وفي قوله تعالى: {وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ} [النور: 38]، والقرآن الكريم يضعنا أمام ظاهرة الربط في نسق قرآني واحد بين صفات الجلال الإلهي وحركة الفلك والخلق والإحياء والإماتة والرزق: {تُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَتُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَتُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَتُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَتَرْزُقُ مَنْ تَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ } [آل عمران: 72]، ويقول جل جلاله: {إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ} [الذاريات: 85]، إنه لا يكون الإنسان مؤمناً مسلماً إلا إذا اعتقد اعتقاداً جازماً بصدق القرآن في أن كل دابة في الأرض من إنسان أو حيوان أو غيرهما على الله وحده رزقها بوصفه مالك الملك العليم الخبير القدير الغني الكريم.

والقرآن الكريم لا يضعنا أمام هذا الضمان فحسب ولكنه يؤكد على مفهوم العناية الإلهية بالخلق، ذلك الذي لا يرد في قاموس الماديين، يقول تعالى: {هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} [البقرة: 29]، ويقول سبحانه وتعالى: {أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلَا هُدًى وَلَا كِتَابٍ مُنِيرٍ} [لقمان: 20].

ومن هنا نفهم أن ضمان الرزق هو جزء من العناية الإلهية الشاملة للإنسان، وهي عناية أوضحها القرآن أيما إيضاح.

وعلى أساس من هذا الضمان والعناية كانت دعوته # أمته إلى التكاثر: روى أبو داود بسنده عن معقل بن يسار عن رسول الله # أنه قال: «تزوجوا الودود الولود فإني مكاثر بكم الأمم يوم القيامة»[6].

٢- الفقر[7]:

من أهم قضايا وثيقة مؤتمر السكان التي عرضت في التقرير الربط بين زيادة السكان وبين الفقر واستحالة التنمية، وأن الحد من النمو السكاني هو الطريق الأمثل للتنمية وتحقيق الرفاه الاجتماعي، والقضاء على الفقر[8].

هل يفسر الجوع بزيادة عدد السكان؟

الواقع أن غذاء العالم يكفي لإطعام جميع البشر، ومع ذلك فإن هناك 840 مليون جائع في العالم! 800 مليون منهم بالدول النامية، و11 مليوناً في الدول الصناعية! والخسائر الزراعية للعالم الثالث تبلغ 4.3 مليار دولار كل عام، وهذا المبلغ يكفي لإنقاذ حياة 330 مليون جائع! ومن المفارقات العجيبة أن العالم ينتج بالفعل غذاء يكفي لإطعام جميع البشر.. كما أن لديه القدرة على تحسين المنتجات الغذائية وزيادة فرص الحصول عليها»[9].

«وفي القسم الأكبر من البلدان التي تعاني أكثر من غيرها من قساوة الجوع، فإن الإنتاج الغذائي قد تدنى إلى ما دون الثلث... وإذا كان وضع هذه البلدان المرغمة على الاعتماد على الخارج في تغذية شعوبها، سواء عن طريق استيراد المواد الغذائية أو استجدائها، يمكن تفسيره بسبب الجفاف والحروب الداخلية، إلا أن القسم الأعظم منها كان بسبب إهمال الزراعة ولاسيما زراعة المواد الغذائية؛ ذلك أن قانون تقسيم البنك الدولي يفرض عليها زراعة حاجة اقتصاد الدول المسيطرة»[10].

«لكن أليس صحيحاً أن أكثر البلدان كثافة سكانية هي كذلك أكثر البلدان جوعاً؟

لا تبين الدراسات في كل أنحاء العالم مثل هذا النسق، فبعض الدول شديدة الكثافة السكانية لكل فدان لكن سكانها ينالون تغذية مناسبة، ففرنسا لديها العدد نفسه من السكان لكل فدان مزروع مثلما لدى الهند. والصين حيث تم استئصال الجوع خلال ما يزيد عن خمس وعشرين سنة، وهي لديها ضعف ما لدى الهند من سكان لكل فدان مزروع. ومن ناحية أخرى، فإن البلاد التي بها عدد قليل نسبياً من السكان لكل فدان مزروع هي عادة البلاد التي يكون فيها معظم الناس سيئي التغذية ففي إفريقيا، جنوب الصحراء الإفريقية، وهي إحدى أسوأ مناطق المجاعات في العالم، يوجد نحو فدانين ونصف من الأراضي المزروعة لكل إنسان»[11].

العلاقة بين زيادة السكان والتطور الاقتصادي:

من الملاحظ أن الزيادة السريعة في السكان لم تشكل عائقاً للتطورات الاقتصادية المتواصلة في العالم الغربي، ولا في بلدان العالم الثالث أيضاً. ففي العالم الغربي، ازداد عدد السكان بمعدل أربعة أضعاف عما كان عليه في القرن الثامن عشر. وقد ترافقت هذه الزيادة بمضاعفة الدخل بمعدل خمسة إلى ستة أضعاف عما كان عليه. وفي اليابان مثلاً، فإن كثافة السكان هي المصدر الرئيس، بل والوحيد تقريباً لثروة البلد. فمما لا شك فيه أن خصوبة الأرض وعطاءها منوطان بالدرجة الأولى بالجهود التي تبذلها الشعوب لاستغلال خيراتها، واستنباط المعارف والعلوم الذاتية التي تتماشى مع طبيعة هذه الأرض وترد بالتالي على تكييفها مع عدد السكان وزيادته.

كيف يمكننا قياس هذه الإمكانيات التي لم تستغل؟

إحدى الطرق هي ملاحظة الفروق بين الإنتاج الحالي والإنتاج الممكن، وطبقاً للجنة الرئاسية بالولايات في أواخر الستينات، ولدراسات علماء جامعة ولاية أيوا، مؤخراً، لا يزرع الآن سوى نحو 44 في المائة من الأراضي الصالحة للزراعة في العالم. وفي كل من إفريقيا وأمريكا اللاتينية لا يزرع سوى أقل من 25 بالمائة من الأراضي التي يمكن زراعتها. ويمكن لمحاصيل الحبوب في الدول النامية أن تفوق الضعف قبل أن تصل إلى متوسط المحصول في الدول الصناعية. وليس هناك من سبب يحول دون أن يفوق إنتاج الفدان في معظم البلدان النامية الإنتاج في الدول الصناعية. وفي عديد من البلدان النامية يمكن للأرض التي تقدم الآن محصولاً واحداً في السنة أن تقدم محصولين أو حتى أكثر.

والعقبات أمام تحرير هذه الطاقة الإنتاجية ليست في معظم الحالات فيزيائية بل اجتماعية، فحيثما كان هناك سيطرة غير عادلة على الموارد الإنتاجية فإن تطورها يعاق[12].

العلاقة الحقيقية بين الجوع وفقدان العدالة الاجتماعية:

الجوع إذن لا يمكن تفسيره إلا بفقدان العدالة الاجتماعية، والأمثلة على ذلك كثيرة منها أن 2.5% من المالكين للأراضي الزراعية ممن يستغلون ما يزيد على المائة هكتار يسيطرون على ما يزيد على ثلاثة أرباع الأراضي الصالحة للزراعة في العالم، 0.23% منهم فقط يختصون وحدهم بالنصف. وإذا ما علمنا أن هذه الإحصائيات كانت قد أجرتها المنظمة العالمية للأغذية FAO عام 1960، وعلمنا بأن تركيز الملكية في أيدي عدد قليل من المالكين قد استفحل منذ ذلك الحين، علمنا ضآلة النسبة التي تتحكم في لقمة الشعوب في العالم الثالث في الوقت الحاضر[13].

جاء في كتاب «الإنتاج الغذائي في الوطن الإسلامي» للدكتور أحمد عبد السلام أن الأرض الصالحة للزراعة في العالم الإسلامي هي 2200 مليون هكتار ولكن ما يزرع منها 242 مليون هكتار منها 40 مليون هكتار تعتمد على الري، باختصار إن الأرض المزروعة في العالم الإسلامي لا تزيد عن 11% من الأراضي الصالحة للزراعة.

وفي العالم الإسلامي مجموعة من أكبر أنهار العالم، من أشهرها النيل والفرات ودجلة والجانجيز ببنغلادش وجيحون وسيحون، والمياه الفائضة لا يستفاد منها في بعض هذه الأنهار بل تفيض فتقتل عشرات الألوف من الناس وتدمر بيوتهم وتقتل مواشيهم وتغرق الأراضي الزراعية وتتلف المزروعات[14].

إن الحلم في تحقيق عالم متحرر من الاسترقاق والاستعباد، عالم ينبذ الاستغلال من أجل أن يتسلق مكانة سامقة في عالم «العولمة» والمعرفة والتقدم - هو حلم يراود كل إنسان فقير ومهمش، وكل إنسان لديه همة عالية، ولكن الملاحظ بحسب تعبير الرئيس الجنوب إفريقي مبيكي: «العالم اليوم أصبح جزيرة أغنياء تحيط بها بحار من الفقراء».

إن الفقر والتخلف في حقيقة الأمر: هما الوجهة الأخرى لصور التمايز الاجتماعي واللامساواة وانعدام العَدالة بين دُول الشمال ودول الجنوب، ثم إن الربط بينها أمر غير مقبول؛ إذ نجد في الدول المتقدمة أرقاماً مهولة عن تفشي الفقر، بل هذه تظل تهمة لإلصاق وتكريس التخلف بالعالم الإسلامي[15].

كما أن الجوع والفقر ليس مرضاً عربياً بل عالمياً، سببه سادة العالم الجدد، عن طريق البنك الدولي وصندوق النقد الدولي والحروب المفتعلة والأنماط الحياتية الاستهلاكية. ولا تخلو منهما حتى الدول الرأسمالية وكذلك الحال أيضاً في بعض دول أوربا خاصة الشرقية منها، ولكن الجوع والفقر صارا من أبرز سمات دول الجنوب وخاصة في إفريقيا، فمناظر الجياع في إفريقيا صارت تغطي شاشات التلفزة في العالم، وكذلك حال فقراء الهند وسيرلانكا وإندونيسيا والفلبين وغيرها.

نتساءل: هل هذه المجاعات والأزمات الغذائية التي تجتاح العالم، وخاصة البلدان الفقيرة في إفريقيا وآسيا تأتي على حين غرة؟ إن الإفقار المنظم والسياسات التجويعية التي يتبعها الآن صندوق النقد الدولي، والبنك الدولي، ومنظمة التجارة الدولية هي إستراتيجية ممنهجة ومدروسة جيداً، وليست وليدة الساعة، فقد درج المستعمر الغربي على استخدام سلاح المجاعة والتجويع منذ القرن التاسع عشر لغايات اقتصادية وسياسية مفضوحة، وذلك:

أولاً: خوفاً من أن يؤثر تزايد عدد السكان في العالم على الموارد الطبيعية التي تحتاجها الدول الغربية في صناعاتها ورفاهيتها.

وثانياً: لإحكام السيطرة على العالم وشعوبه لتمكينهم من نشر سياسات النظام العالمي الجديد المزعوم.

لقد كان الأمريكيون يحذرون من ارتفاع عدد سكان المعمورة منذ زمن بعيد، وقد قال وزير الدفاع الأمريكي السابق والرئيس السابق للبنك الدولي في عهد كنيدي وجونسون روبرت مكنمارا وهو أيضاً من أكبر مؤسسي النظام العالمي الجديد في خطاب له أمام نادي روما عام 1979م: «إن الارتفاع الصاروخي لعدد سكان العالم يشكل أكبر عائق أمام التطور الاقتصادي والاجتماعي في العالم، لهذا ينبغي علينا الآن وليس غداً أن نمنع وصول عدد سكان الكون إلى عشرة مليارات نسمة»، كما قال: «إن الاكتظاظ السكاني العالمي هو أسوأ من نشوب حرب نووية عالمية». ويرى الوزير أن هناك طريقتين لتحقيق ذلك:

«إما بتخفيض معدل الولادات في أصقاع العالم، وهو ما تم تطبيقه الآن في كل أنحاء العالم بواسطة منظمة السكان والتنمية ومنظمة اليونيسيف التابعة لمنظمة الأمم المتحدة، وإما برفع معدل الوفيات للصغار والكبار والمسنين.
والطريقة الأخيرة يمكن أن تتحقق بعدة أساليب، ففي هذا العصر النووي يمكن للحروب أن تؤدي الغرض بسرعة فائقة وناجعة للغاية. وهناك طبعاً المجاعة والأمراض، وهما سلاحان ما زالا موجودين حتى الآن»[16].

الرد على من قال إن زيادة النسل تؤدي إلى الفقر من ناحية شرعية:

من مزاعم تحديد النسل خشية الفقر وعدم القدرة على الإنفاق: يزعم هؤلاء القائلون بتحديد النسل أن كثيراً من الناس حالتهم المادية والمعيشية لا تكفي للإنفاق عليهم وعلى من يعولون من زوجات وقريبات وغيرهن، وأن مجيء الأولاد يحتاج إلى مال للإنفاق مما يرهقهم ويجعلهم يقصرون في العناية والتربية لهؤلاء الأبناء الجدد؛ فالحالة هذه تستوجب تحديد النسل وإيقافه!

ويرد على هذا فنقول: إن الله تبارك وتعالى قدر أرزاق الناس وهم في بطون أمهاتهم، وخلق الأرض وقدر فيها كل ما يحتاج إليه الإنسان من لدن آدم عليه السلام إلى أن تقوم الساعة، قال تعالى: {وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا} [فصلت: 10]، ومعنى هذه الآية أن الله تعالى قدر أرازق أهلها ومعاشهم فخلق فيها أنهارها وأشجارها ودوابها.

وقال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ} [الذاريات: 85]، فالآية تنطلق بأن الله هو المتكفل بأرزاق العباد وحاجاتهم، وأكد الجملة بالضمير المنفصل لقطع أوهام الخلق في أمور الرزق، وليقوي اعتمادهم على الله.

وقال تعالى: {وَكَأَيِّنْ مِنْ دَابَّةٍ لَا تَحْمِلُ رِزْقَهَا اللَّهُ يَرْزُقُهَا وَإِيَّاكُمْ} [العنكبوت: 60]، كم من دابة ضعيفة لا تقدر على كسب رزقها ولكن الله يرزقها على ضعفها كما يرزقكم، وقد تكفل برزق جميع المخلوقات فلا تخافوا الفقر فالرازق هو الله.

يحلو لكثير من الناس التعنت والمغالطة والقول بتحديد النسل خشية الإملاق والفقر، وينكرون أن الضمان الإلهي لرزق الأولاد والآباء، وهو ما جاء واضحاً في قوله سبحانه: {وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلَاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ } [الإسراء: 31].

إن شاء جعل الوالد هو السبب في رزق الولد فلا حرج، وإن شاء جعل الولد هو السبب في رزق الوالد فلا حرج أيضاً: {إِنَّ رَبَّكَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ إِنَّهُ كَانَ بِعِبَادِهِ خَبِيراً بَصِيراً } [الإسراء: 30]. وهذا تنبيه حتى لا يطغى الوالد على حق البنوة ظناً منه بأنه المتكفل برزقها، ولا يطغى الولد على حق الأبوة ظناً منه بأنه المتكفل برزقها.

لهذا اقتضت حكمة الله تعالى، وتجلت عظمته، بالقول الفصل في هذا الشأن فقال وقوله الحق: {وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ 22 فَوَرَبِّ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ إنَّهُ لَـحَقٌّ مِّثْلَ مَا أَنَّكُمْ تَنطِقُونَ 23} [الذاريات: ٢٢، 23].

وفي قوله سبحانه: {وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ} إشارة لطيفة دقيقة، فقد عبر المولى عز وجل بقوله: {وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ} مع أن بادي الرأي يقتضي أن يكون التعبير بالقول: «وفي الأرض رزقكم»، حيث إنه سبحانه سخر لنا الأرض وذللها لنا، وأمرنا بالضرب في دروبها، والسعي في متاهاتها طلباً للرزق، وسعياً في ربوعها للبحث عنه، وفي العدول عن التعبير بـ: «وفي الأرض رزقكم» إلى التعبير بقوله تعالى: {وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ} دلالة قوية كما أشار إليها أهل الصفوة المختارة من المفسرين، على أنه سبحانه لو قال: «وفي الأرض رزقكم» لأفاد تمكن البخيل الحريص من الانتقام به من صاحبه، ولهذا جاء قوله تعالى في سورة أخرى: {قُلْ لَوْ أَنْتُمْ تَمْلِكُونَ خَزَائِنَ رَحْمَةِ رَبِّي إِذاً لَأَمْسَكْتُمْ خَشْيَةَ الْإِنْفَاقِ وَكَانَ الْإِنْسَانُ قَتُوراً } [الإسراء: 100]، فكان سر التعبير الإلهي بقوله: {وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ} هو إشعار الخلق بأن الله وحده هو الرازق وليس هناك رازق سواه[17].

٣- الحالة الاقتصادية[18]:

الجوع مع نقص السكان وزيادة المواد الغذائية:

إن الأموال الطائلة التي تغدق بكل سهولة ويسر على برامج الحكومات لإبادة النسل في بلدان آسيا، بينما لا يعار أي اهتمام أو مال للدراسات والأبحاث التي تهدف إلى توزيع عادل ومتساوٍ لموارد الحياة بين الشعوب وتأمين الاستقلال الغذائي لتلك البلدان، أليس فيها ما يدعونا للتساؤل والشك - على الأقل - في حقيقة ما تهدف إليه البلدان الغنية من تلك الإجراءات.

لندع للكاتبة الفرنسية «سوزان جورج» الجواب على هذه التساؤلات بعبارتها القصيرة التالية الواردة في كتابها «كيف يموت النصف الآخر من المعمورة من الجوع»: «إن من أولى أهداف الغرب تخفيض عدد السكان في بلدان العالم الثالث بشتى الوسائل: الحروب الداخلية والخارجية، التجويع، التهجير، التعقيم.. إلخ إنهم سيغلبون علينا يوماً ما بكثرة عددهم كما يقولون»، وهكذا فإن العلاقة بين زيادة السكان ونقص المواد الغذائية لا تفسر أسباب الجوع؛ فقد يزداد إنتاج المواد المذكورة وينخفض عدد السكان، ويزداد في الوقت نفسه عدد الجائعين، وما ذلك إلا لأن القسم الأكبر من الشعوب محروم من العمل والقدرة على شراء تلك المواد. فاستيراد أدوات الإنتاج من الغرب، والبذور، والأسمدة والمبيدات إلخ جعل كلفة الإنتاج الزراعي في بلدان العالم الثالث تفوق كلفتها في البلدان الغربية بأضعاف مضاعفة مع الفرق الشاسع في الدخول، مما يحرم الشعوب منها.

ويبدو هذا الوضع جلياً في الهند والبرازيل فقد سجلت البرازيل في الفترة الواقعة بين عامي 1965 و1975م زيادة في السكان لا تتجاوز 2.9%، بينما ازداد الدخل الزراعي والصناعي بمعدل وسطي قدره 6.3% ومع ذلك فإن عدد البرازيليين الذين يموتون من الجوع قد ازداد في الوقت نفسه بشكل مخيف.

أما الصين فقد قدمت المثل الأكثر وضوحاً على خطأ هذه العلاقة، فقد فتك الجوع بالشعب الصيني عندما كان عدده لا يتجاوز 500 مليون نسمة، بينما استطاع الفرد في عهد الزعيم «ماو» أن يحصل على ما يفوق 2500 وحدة حرارية في اليوم في الوقت الذي وصل فيه عدد السكان إلى ما يزيد على المليار نسمة[19].

وفي اليابان، حيث لا تكاد مساحتها تبلغ نصف مساحة باكستان، على أن 83% من مجموع مساحة اليابان لا يمكن استغلالها لما يمتد عليها من سلسلة جبال النار، فليست المساحة الصالحة للاستغلال فيها إلا 8% تقريباً من مجموع مساحة باكستان، ومع ذلك فقد حافظت اليابان على عدد سكانها الذين يزيدون على عدد سكان باكستان زيادة كبيرة، وارتفعت بنهضتها الاقتصادية إلى حيث تمكنت منتجاتها من السيطرة على كثير من أسواق أمريكا وأوربا، دون أن يعوقها عن ذلك تكاثف سكانها وضيق رقعتها بل كان عكس ذلك هو الصحيح[20].

فقدان العلاقة بين النمو السكاني واستفحال البطالة:

إن من المتفق عليه عند علماء الاقتصاد أن عوامل الإنتاج ثلاثة: الأرض والإنسان ورأس المال، وأن الإنسان هو أهم هذه العوامل الثلاثة، إذ هو الذي يبدع في العاملين الآخرين[21]. إلا أن هناك اعتقاد سائد أن الزيادة في معدل السكان في بلدان العالم الثالث هي السبب الرئيس في استفحال معدل البطالة في تلك البلدان. وهذا الرأي هو الذي يتبناه البنك الدولي، والمكتب الدولي للعمل. وهو لا يفترق عن الآراء السابقة في منافاته للحقيقة.

فمن الناحية النظرية، إن زيادة عدد السكان تزيد عدد المستهلكين الذين لا بد منهم لتغذية النظرية الاستهلاكية ولإنعاش الإنتاج، فالقسم الأكبر من الإنتاج في كل من الولايات المتحدة الأمريكية واليابان يمتصه المستهلكون في الداخل، وذلك بحسب برامج دقيقة جداً من المطابقة بين الدخول المحلية وأسعار المنتجات.

ومن الناحية التاريخية، فإن الزيادة الهائلة في عدد السكان في الدول الغربية خلال القرنين السابقين لم تتمخض عن أية ظاهرة من مظاهر البطالة، وعلى العكس فقد تجلت البطالة في هذه البلدان بأعنف مظاهرها في القرن العشرين حين أخذت معدلات النمو السكاني فيها بالانحدار وما زال هذان المؤشران يسيران بالاتجاه ذاته إلى يومنا هذا[22]، إن الاقتصاديين المدركين الفاهمين الذين لا يقلدون ولا ينحرفون يقررون أن النسل في ذاته ثروة، وأن أعلى مصادر الثروة هو القوى البشرية[23].

أما عن تغير المناخ العالمي.. يحذر لستر براون من أن «علامات جديدة على الإجهاد الزراعي تكاد تظهر يومياً في بنية الأرض الإيكولوجية، نظراً لأن الطلب المتزايد بحدة على الغذاء، الذي يدفعه النمو السكاني والدخول المتزايدة، يلقى بثقله على الطاقات النهائية للبنية الإيكولوجية.. وما من طريقة لحساب العلاقة التبادلية بين تزايد السكان وتحسين مستوى المعيشة، وهو الاختيار الذي لا بد أن نحسمه، لأننا نضغط على الحدود النهائية لنظامنا الإيكولوجي. مثل هذه التحذيرات تدفع الناس إلى الاعتقاد بأن الزيادة في إنتاج الغذاء سوف تدمر البيئة بالضرورة وتهدد مصدر غذائنا المستقبلي. إننا نوضع في موضع الخوف من أنه لا طريق للإفلات من الندرة إلا بأن نجعل أطفالنا يدفعون الثمن!

«أخلاقيات قارب النجاة» وهي الفكرة البسيطة، التي نشرها العالم جاريت هاردن، والقائلة بأن الأرض تشكل الآن قارب نجاة ليس فيه من الطعام ما يكفي الجميع.. أليس من المنطقي إذن أن يذهب الطعام إلى من يتمتعون بأكبر فرصة في النجاة، وألا نخاطر بسلامة الجميع بإحضار ركاب جدد؟ ماذا يحدث إذا اقتسمت المساحة في قارب نجاة؟ هكذا يسأل الدكتور هاردن، ويجيب: يغطس القارب، ويغرق الجميع، العدالة المطلقة، تعني الكارثة المطلقة. والعلاج الذي يقدم لتخفيف ألم صراعنا بسيط: كفوا عن الإحساس[24]!

«إن المتغيرات المناخية تلعب دوراً في إطلاق المجاعة وزيادة الأثر الاجتماعي للجفاف لكن الحقيقة أن المجاعات في عصر العولمة من صنع الإنسان، إنها ليست نتاج ندرة الأغذية بل نتاج هيكل من فائض العرض العالمي يقوض الغذائي، ويدمر الزراعة الغذائية الوطنية. فهذا الفائض - الذي تنظمه وتسيطر عليه بشدة المنشآت الزراعية الدولية - يؤدي في نهاية الأمر إلى ركود كل من إنتاج واستهلاك المواد الغذائية الأساسية، وإفقار المزارعين في العالم كله. وفضلاً عن هذا فإن لبرنامج التكييف الهيكلي لصندوق النقد الدولي علاقة مباشرة بعملية ظهور المجاعة، لأنه يقوض بانتظام كل فئات النشاط الاقتصادي التي لا تخدم مباشرة مصالح النظام السوقي العالمي»[25].

لماذا هذه الدعاوى والسعي الحثيث لتحديد النسل؟

يقول فرانك نوتشتين الذي عمل مديراً لمركز البحوث السكانية في جامعة برنستون، ثم رئيساً للجنة الإسكان في الأمم المتحدة إنه يجب «إعداد برامج للحد من النمو السكاني في نصف الكرة الجنوبي، وإلا فإن التقدم الاقتصادي في هذه الأصقاع سيؤدي إلى قيام عالم في المستقبل تتحول فيه الدول المسيطرة حالياً إلى أقلية يتضاءل وزنها باطراد، ويقل بالتالي باطراد نصيبها من ثروة العالم، وتقل قدرتها على التحكم فيه. إن تحديدنا لسياستنا القومية نحو المناطق المتخلفة يجب أن يتحقق في ضوء هذه الحقيقة».

وعلينا جميعاً أن نعي ما قاله الأستاذ نورمان بريل مؤلف كتاب «بزوغ العقل»: «إن أية جماعة تمارس تحديد النسل ستقضي على نفسها، ويحل محلها أولئك الذين يحتفظون بغريزة التناسل غير المقيد»[26].

الخاتمة

إن الناظر لكل هذه الدعاوى والحملات والمؤتمرات والوثائق التي تفرض تطبيقاتها بقوة على المجتمعات، يراوده السؤال الملح الذي يطرح نفسه بقوة: ما هي الغاية البعيدة لدى صانع القرار الغربي كي يضع قضية تنظيم الأسرة أو ما يطلق عليه السياسات السكانية كأحد المحاور المركزية في المؤتمرات الدولية، وما الذي يدفعه لهذا التمويل السخي لمشروعات تحديد النسل حيث من السذاجة تصور أن هذه مساعدات إنسانية لتنمية المجتمعات التي تأخرت حضارياً بسبب الاحتلال العسكري والاقتصادي وأن ضمير العالم الحر يحاول تعويض مثل هذه المجتمعات ومثل هذا الكلام الذي يردده البعض دون استحياء.

إن الحقيقة الواضحة أن الغرب لديه مشكلة حادة تهدد مستقبله الوجودي وأن السياسات السكانية الجديدة هي إحدى الأدوات التي قد تساهم في حل مشكلته أو تأخير وقوعها، فبينما كان عدد سكان أوربا بالنسبة لعدد سكان العالم نحو 15% في خمسينات القرن المنصرم فإن نسبتهم الحالية لا تتجاوز 10%، والأمر قابل للتصاعد فمن المتوقع أن يبدأ عدد سكان أوربا في التناقص بدءاً من العام 2020 حيث عجزت كل السياسات التي تدعو لزيادة عدد السكان الأوربيين لأسباب متعددة يأتي على رأسها الفردية التي هي نواة الفكر الليبرالي، وحيث المنافسة والمسابقة المحمومة في كل مجالات الحياة وتحطيم فكرة الأسرة والعائلة وحيث بلغ الفكر النسوي مداه المتطرف ولم يعد الرجل يعنيه أن ينفق على زوجته وأطفال ولم تعد المرأة قادرة على مثل هذه التضحية - أن تنجب أطفالاً! - حتى لا تتأخر في سلمها الوظيفي وطموحاتها الشخصية.

كما أن الرؤية الغربية الإستراتيجية البعيدة تدرك الخطر الحضاري المحدق بهم إذا استمر تناقص معدلات السكان بهذه الطريقة حيث أصبحت الشريحة العمرية الأقل من 15 عاماً هي الأقل على المستوى العالمي بينما أصبحت الشريحة العمرية الأكبر من 65 عاماً هي الأكثر على المستوى العالمي ومن ثم شاع وصف القارة الأوربية بالقارة العجوز.

إزاء ذلك فلا بد من أن الفراغ السكاني في أوربا سيملأ حتما بواسطة طوابير النازحين من شمال إفريقيا والشرق الأوسط وآسيا وشبه القارة الهندية، أو كما يقول الأستاذ فهمي هويدي نقلا عن جان كلود شيزنيز مدير المركز القومي للدراسات السكانية في باريس الذي قال بصراحة: إن أوربا مهددة بالأسلمة أو الأفرقة، من جراء زحف جيوش المسلمين والأفارقة إليها[27].

هذه الخلفية تفسر الضغوط الفكرية التي تمارسها الدول الغربية مستخدمة في ذلك الأمم المتحدة لمحاولة وقف نمو العالم الثالث بكل وسيلة، ليس قلقاً على عافيته، ولا سعياً إلى تنميته، وإنما دفاعاً عن نفسه ودرءاً للمخاطر التي يتخوف منها الغربيون إذا ما استمر نمو سكان العالم الثالث وتراجع سكان العالم الصناعي والمتقدم[28].



:: مجلة البيان العدد 351 ذو القعدة 1437هـ، أغسطس 2016م.
Go to the top of the page
 
+Quote Post

Reply to this topicStart new topic
1 عدد القراء الحاليين لهذا الموضوع (1 الزوار 0 المتخفين)
0 الأعضاء:

 

RSS نسخة خفيفة الوقت الآن: 28th April 2024 - 02:30 AM