تطلعات الشعب المصري وعقبات التغييربسم الله الرحمن الرحيم
أهل مصر ككل الشعوب التي تئن تحت وطأة الرأسمالية وهيمنة الغرب وأدواته من الحكام العملاء يتطلعون لحياة كريمة، وقد مورست ضدهم سياسات تجهيل وإفقار على مدار عقود طويلة كانت غايتها أن يفقد الشعب الرابط بينه وبين العقيدة وتصبح العاطفة والمشاعر هي فقط التي تحركه حتى يسهل انقياده بواسطة الأفكار المضللة والدعاوى الباطلة التي حُرص على غرسها والترويج لها ومحاولة جعلها مفاهيم لدى الناس، كالوطنية والقومية وتقديس حدود سايكس بيكو الضيقة، وحتى لا يفكر الناس بحقوقهم التي يسلبها الغرب في حراسة وحماية الحكام العملاء، وحتى لا يخرجوا مطالبين بحقوقهم المسلوبة تحت وطأة الأزمات الاقتصادية وموجات الغلاء المتلاحقة.
ما تواجهه مصر من أزمات اقتصادية وموجات غلاء هي نتاج طبيعي لتطبيق النظام الرأسمالي بأبشع صوره في ظل وجود الحكام الخونة العملاء الذين لا يرقبون في أهل مصر إلا ولا ذمة ولا تعنيهم أزماتهم، بل ما يعنيهم هو فقط رضا سادتهم في البيت الأبيض والحفاظ على مصالحهم وإبقاء البلاد في ربقة تبعيتهم إلى ما شاء الله.
كل المعالجات المطروحة لأزمات مصر كانت وستظل بلا فائدة طالما بقي النظام الرأسمالي وأدواته في الواجهة وطالما بقيت لهم الكلمة وفي يدهم سياسة البلاد، فقد اتسع الخرق على الراتق والرأسمالية لم تعد تمتلك أي معالجات، وما قد تطرحه من معالجات كلها سم زعاف يزيد الأزمات اشتعالا، فهي السبب الحقيقي لكل المشكلات وهي الضامن الوحيد لبقاء الغرب مهيمناً على بلادنا ناهبا لثرواتنا وخيراتنا، فالقروض وما يتبعها من سياسات لم ولن تكون حلا بل هي أزمة جديدة، والأولى هو استغلال ثروات البلاد، والتعويم ليس حلا ولا علاجا بل هو تضييع لجهود الناس وثرواتهم وتمكين للغرب وشركاته من سرقتهم بورق لا قيمة له في ذاته، والواجب أن تكون النقود ذهبا أو فضة أو ورقة نائبة عنهما، حينها لن يكون هناك تضخم وستكون أموال الناس وأرزاقهم محفوظة بما لها من قيمة في ذاتها لا تتأثر بالنوائب ولا الأحداث، وفتح الأسواق على مصراعيها أمام منتجات الغرب والاعتماد عليه في استيراد السلع والزراعات والصناعات الاستراتيجية كالقمح والسلاح والدواء والمعدات الثقيلة وآلات التصنيع، كل هذا يجعل البلاد رهينة في يد الغرب، والواجب والأولى أن نستغني عن الغرب وسلعه ودوائه وصناعته وزراعته خاصة الاستراتيجية منها والتي يجب أن تزرع وتصنع في البلاد حتى لا يتحكم الغرب في أقوات الناس وسلاحهم ودوائهم، فالقمح يجب أن يزرع بكميات كبيرة تكفي وتعطي فائضا يمكن تصديره، والدواء يجب أن يصنع في بلادنا ولا تكون يد الغرب فيه أعلى من يدنا وتفتح من أجل ذلك المصانع ومراكز البحث التي تطور هذه الصناعات لأعلى مستوى ممكن، وأبناء الأمة منتشرون في العالم وكلهم شوق ليكون علمهم وعملهم لخدمة أمتهم، أما سياسة التصنيع فيجب أن تقوم على أساس جعل البلد صناعيا، ولهذا تجب صناعة الآلات أولا حتى نؤسس بها باقي الصناعات، أي البدء في إنشاء المصانع التي تصنع الآلات من صناعة البلاد ثم تأخذها وتصنع باقي المصانع، ولا توجد طريقة أخرى لجعل البلاد بلاداً صناعية إلا بالبدء بصناعة الآلات أولاً وقبل كل شيء، ثم عدم القيام بإيجاد أي مصنع إلا من الآلات المصنوعة في البلاد.
إن الدولة الحقيقية لا تعتمد على عدوها وعدو دينها بل تعمد هي إلى امتلاك أسباب القوة في يدها وإلى دعم زراعة وتصنيع كل ما قد تحتاج إليه، فتكون كل الصناعات في البلاد أساسها الصناعات الثقيلة والمغذية حتى ما كان مملوكا للأفراد، ثم تعمل على فتح الأسواق لبيع منتجات تلك المصانع ودعم أصحابها، بكل السبل حتى لا يبقى في البلاد عاطل واحد.
إلا أن هذا كله يستحيل تنفيذه في ظل تلك الرأسمالية الحاكمة وأدواتها التي أسلمت نفسها وإرادتها وانقيادها للغرب الكافر، وجعلت من نفسها راعية لمصالحه في بلادنا وحائلا بين الشعوب والانعتاق من تبعيته، فهي التي تضع السياسات التي تمنع الناس من زراعة ما يغنيهم عن الغرب وتمنعهم من تصنيع ما يكفيهم ويحميهم، وهي نفسها التي تعطل الطاقة البشرية الهائلة القادرة على تحريك الجبال لو أرادت وتجبر الشباب على الهجرة بحثا عن الرزق، بعد أن ضيقوا عليهم كل سبل العيش الكريم نهبا وسرقة وذلاً وامتهاناً لكرامة الناس تحت ظل رأسمالية جشعة، إن هذا كله وزيادة يحتاج دولة مبدئية سيادتها ذاتية، ولا يتحقق ذلك إلا من خلال الإسلام ودولته وأحكامه التي تضع أحكاما شرعية ملزمة للراعي والرعية توجب العدل وتوجده وتعطي للناس حقوقهم وتكفل رعاية شؤون حياتهم مسلمين وغير مسلمين متساوين في الحقوق والواجبات، نعم فهي دولة العدل التي أقامها وأرسى دعائمها وأورثنا إياها رسولنا ﷺ وواجبنا أن نعيد هذا الميراث الأصيل ونعيش في ظل عدله من جديد.
إن أولى خطوات الإصلاح الحقيقي لأزمات مصر والأمة يبدأ باقتلاع الرأسمالية وأدواتها ورموزها وكل منفذيها وما يتعلق بها وتنظيف البلاد من كل قذاراتها حتى تتطهر الأرض وتربتها من موروثات الفساد الطبيعي للتربة الرأسمالية، وهذا ما يتطلع إليه أهل مصر ويطمحون إلى تحقيقه ومن أجله قامت ثورتهم حتى وإن لم يدركوا ذلك حتى الآن، لكن من خلال ما شاهدناه وكنا شهودا عليه ومن خلال ما نعلم من تعلق أهل مصر بالإسلام وثقتهم في أنه وحده الذي ينصفهم ويأتي لهم بحقوقهم فستبقى مصر حالتها الثورية تلك تنتقل بها من طور إلى طور ومن مرحلة إلى أخرى حتى يحمل أهل مصر مشروع الإسلام الحضاري الحقيقي وتكون ثورتهم من أجل تطبيق الإسلام في دولته الخلافة الراشدة على منهاج النبوة، وستظل ثورة حتى يتحقق موعود الله سبحانه وتقام تلك الدولة من جديد.
وهذا قطعا يحتاج نظاما جديدا بديلا مغايرا قادرا حقا على إصلاح المجتمع والنهوض به نهوضا حقيقيا يلمسه الناس ويشعرون بالفارق من اليوم الأول لوضعه موضع التطبيق، وهذا لا يملكه إلا الإسلام بنظامه الرباني العدل الخلافة الراشدة على منهاج النبوة، نظام يراعي حاجات الناس جميعا ويرعى شؤونهم ويحفظ عليهم حقوقهم ولا يتربح منهم بل يكفلهم كفالة كاملة في مأكلهم وملبسهم ومسكنهم، ويوفر لهم أمانا حقيقيا لا إرهاب فيه ولا خوف، ورعاية صحية حقيقية، وتعليما صحيحا على أعلى مستوى ممكن ودون تحميلهم أية أعباء.
هذا هو الإسلام ودولته التي تحافظ على ثروات الناس وتؤدي إليهم حقوقهم بلا فضل ولا منة، دولة ترعى وتعطي وتمنح ولا تتربح من رعاياها بل تطعم جائعهم وتكسو عريانهم وتكفل صغيرهم وكبيرهم، ورغم أن سعينا لتطبيق الإسلام نرجو من خلاله فقط إبراء ذمتنا أمام الله وابتغاء نيل رضوانه إلا أن نظرة بسيطة لما يقدمه الإسلام من معالجات تبين قوته كنظام وقدرته على النهوض بالبلاد، فيكفينا من الإسلام اعتماده الذهب والفضة كقاعدة للنقود ما يجعل لها قيمة ذاتية ويقضي على أي احتمالات للتضخم، كما وضع الملكية العامة وفرق بينها وبين الملكية الخاصة وملكية الدولة وجعلها تشمل كل الموارد الدائمية وشبه الدائمية ومنع الدولة من التصرف في منابعها بالبيع أو الإقطاع أو الهبة أو منح حق الامتياز، وإنما أوجب عليها أن تنتج الثروة من منابع تلك الموارد بنفسها أو بمن تستأجره لذلك مقابل أجرة محددة وتعيد توزيع الثروة الناتجة عن هذه الموارد على الناس جميعا على حد سواء لا فرق بين غني وفقير ولا بين مسلم وغير مسلم، فكلهم رعايا لدولة الإسلام ونظرتها لهم واحدة. وهذا غيض من فيض ما نسعى في حزب التحرير لإيجاده وتطبيقه في واقع الحياة، إننا نريد دولة نحيا بها وتحيا بنا ونعيش فيها وتعيش فينا، دولة تطبق الإسلام علينا وتحمله بنا للعالم بالدعوة والجهاد رسالة هدى ونور تخرج الناس من الظلمات إلى النور، وإن ما نريده هو نفسه ما يتطلع إليه الشعب المصري، وهو نفسه ما أخرجهم قبل سنوات وما جعل ثورتهم مستمرة، وأي فصل بين الناس وبين دينهم لن يجدي نفعاً وسيولد من خلاله حراك فاشل أو مسروق حتى تكتمل الصورة وتتحقق المعادلة بشكلها الصحيح وتعانق الثورة عقيدة الإسلام ويحمل الثائرون مشروعه الحضاري ويحتضنون العاملين لتطبيقه في دولته الخلافة الراشدة على منهاج النبوة.
وإننا ندرك يقينا أنه لا ينقصنا في هذا السبيل إلا أنصار كأنصار الأمس يغضبون لله فتكون غضبتهم دولة تعز الإسلام وأهله؛ خلافة راشدة على منهاج النبوة، اللهم عجل بها واجعل مصر حاضرتها اللهم آمين.
أيها المخلصون في جيش الكنانة: إنكم وحدكم من يستطيع التغيير، وخير مصر لا يخرج من بوتقة النظام الذي تعطونه ولاءكم بل هو أصل كل بلاء، ومن يريد الخير لمصر وأهلها يجب أن يقطع كل حبال تصله بهذا النظام ويحمل معنا مشروع الإسلام ليطبق على الناس بمعالجاته التي أشرنا إلى قليل منها والتي توجد العدل وتمنح الحقوق وتعيد للناس الكرامة والحرية، وإن خطابنا لكم خطاب الناصحين، فالنظام مهما أعطاكم إنما يعطيكم سحتاً لن ينفعكم، ووالله إن حقوقكم الحلال من ثروات مصر أكبر بكثير من الفتات الذي يلقى رشوة إليكم لشراء ذممكم وضمان صمتكم وحمايتكم للنظام وخياناته، وما أنتم فيه مهما طال فإلى زوال وزينة الدنيا ونعيمها مهما طال وكثر لا يساوي غمسة واحدة في نار جهنم! بل ندعوكم إلى خيري الدنيا والآخرة ونعيمهما، عيش في ظل دولة الإسلام وعدلها في الدنيا وجنة عرضها السماوات والأرض في الآخرة، ثمنها قليل، وفي أيديكم ثمنها؛ نصرة صادقة مخلصة لله عز وجل تعيدون بها سيرة أنصار الأمس نصرة لله ورسوله ودينه، وإقامة للدولة التي تطبق الإسلام من جديد وتجعل أحكامه واقعا عمليا يراه الناس فيدخلون في دين الله أفواجا؛ خلافة راشدة على منهاج النبوة، اللهم عجل بها واجعل جند مصر أنصارها.
﴿وَالَّذِينَ آمَنُواْ وَهَاجَرُواْ وَجَاهَدُواْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ آوَواْ وَّنَصَرُواْ أُولَـئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقّاً لَّهُم مَّغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ﴾