احتفاظ ترامب بوثائق سرّية قد تعرضه للسجن تنذر بتعميق الانقسامات في أمريكا وتقريبها من الحرب الأهلية (مترجم)
كتبه د. عبد الله روبين
عندما غادر الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب الرئاسة، احتفظ بالوثائق الرسمية التي أخذها إلى مقرّ إقامته الخاص في مار إيه لاغو بفلوريدا، ولم يعدها إلا عندما زار رئيس مكافحة التجسّس في قسم الأمن القومي بوزارة العدل مكتبه في مقرّ إقامته في حزيران/يونيو وبعد مفاوضات مطولّة. ومع ذلك، عاد مكتب التحقيقات الفيدرالي فجأة لمداهمة قصر ترامب في صباح الثامن من آب/أغسطس، وأمضى تسع ساعات ونصف في جمع صناديق عدة من الأوراق التي تضمّنت، وفقاً لمصادر مجهولة لصحيفة واشنطن بوست، وثائق سرية متعلقة بالأسلحة النووية.
إنّ الوثائق السرّية التي يُزعم أن ترامب احتفظ بها تنتهك قانون التجسس وقد تؤدي إلى عقوبة بالسجن لمدة 10 سنوات. بالإضافة إلى ذلك، فإن إفادة موقّعة من محاميه يدعي فيها أن جميع الوثائق قد أعيدت قد تؤدي إلى تهمة إعاقة سير العدالة. كان أساس المداهمة وجمع وثائق ترامب عبارة عن انتهاكات مشتبه بها لثلاثة قوانين فيدرالية: 18 USC 793 - جمع المعلومات الدفاعية أو نقلها أو فقدها؛ 18 USC 2071 - الإخفاء أو الإزالة أو التشويه؛ و18 USC 1519 - إتلاف أو تغيير أو تزوير السجلات في التحقيقات الفيدرالية. وردّ ترامب بأنه تمّ رفع السرية عن جميع المعلومات والسجلات التي بحوزته.
ترامب أيضاً هدف للتحقيقات الجنائية المتعلقة بجهوده لإلغاء انتخابات 2020، وهذا أكثر خطورة. قال المدّعي العام إنه "لا توجد أولوية أعلى" من تحقيقه في هجوم 6 كانون الثاني/يناير على مبنى الكابيتول، والذي وصفه كثيرون بأنه محاولة انقلاب. وقال أيضاً إن وزارة العدل "لا تزال ملتزمة بمحاسبة مرتكبي هجوم 6 كانون الثاني/يناير، على أي مستوى، بموجب القانون". ففي السادس من كانون الثاني/يناير، اجتمع الكونغرس لتأكيد نتيجة الانتخابات لصالح بايدن، وأثار ترامب حشداً من المتظاهرين الذين اقتحموا الكونغرس وقتلوا ضابط شرطة وكانوا يبحثون عن أعضاء الكونغرس المناهضين لترامب لقتلهم. لقد صنعوا دمية لنائب الرئيس مايك بنس وعلقوها من رقبتها عند مدخل الكونغرس كرمز لغضبهم. وحتى الآن، تم اتهام 830 شخصاً بارتكاب أنشطة إجرامية تتعلق باقتحام الكونغرس، وتقوم وزارة العدل بتعيين 131 محامياً إضافياً للعمل في هذه الملاحقات القضائية. يعتبر ترامب محورياً في هذه الأحداث، لكن لم يتم توجيه الاتهام إليه بعد، ومن المؤكد أن مكتب التحقيقات الفيدرالي يسعى للحصول على أدلة من بين الوثائق التي جمعوها من قصره والتي يمكن أن تعزز قضية ضده قد تؤدي إلى عقوبة بالسجن لمدة 20 عاماً.
يجب أن تكون هذه كارثة بالنسبة لترامب، الذي يناضل من أجل "جعل أمريكا عظيمة مرة أخرى" من أجل التأثير على انتخابات التجديد النصفي لشهر تشرين الثاني/نوفمبر لصالح مؤيديه الجمهوريين في الكونغرس، ومن المحتمل أن يكون لنفسه في الانتخابات الرئاسية لعام 2024. ومع ذلك، فإن هذه الأحداث تجعل مؤيدي ترامب أكثر التزاماً بأجندته وتزيد من الانقسامات المجتمعية والسياسية المريرة في الولايات المتحدة. حيث يقدم ترامب نفسه على أنه ضحية لـ"الدولة العميقة" التي تسيطر على مكتب التحقيقات الفيدرالي ووزارة العدل. ويستخدم ترامب وسائل الإعلام بشكل فعال ليسأل: لماذا حتى الوثائق الشخصية مثل جوازات سفره تمّ أخذها؟ ويضغط ترامب أيضاً على وزارة العدل للإفراج عن الوثيقة القانونية (الإفادة الخطية) التي تمّ استخدامها كدليل يسمح لمكتب التحقيقات الفيدرالي بالحصول على أمر تفتيش قصره، وكتب ترامب: "حرصاً على الشفافية، أطالب بالإفراج الفوري عن الإفادة الخطية غير المعتمدة تماماً فيما يتعلق بهذا الاقتحام المروع والصادم". لم ترغب وزارة العدل في إصدار الوثيقة "لحماية نزاهة تحقيق إنفاذ القانون الجاري الذي يتورط في الأمن القومي". ومع ذلك، أمر قاضي الصلح الأمريكي بروس راينهارت المدعين الحكوميين بتقديم نسخة من الإفادة الخطية مع التنقيحات المقترحة (حذف المعلومات الحساسة) بحلول يوم 25 آب/أغسطس ظهراً.
قبل أيام من مداهمة مقر إقامة ترامب، دعا الرئيس جو بايدن مجموعة من المؤرخين إلى البيت الأبيض الذين قالوا إن "الولايات المتحدة تواجه أزمة مماثلة للتوترات التي سبقت الحرب الأهلية". وقال معلقون آخرون إن الحرب الأهلية قد بدأت بالفعل: "لقد أدرك اليمين أن النظام في حالة انهيار، ولديه خطّة: العنف والتضامن مع الفصائل اليمينية المتطرفة الخائنة". وبعد الغارة، تم توجيه تهديدات إلى مكتب التحقيقات الفيدرالي بشكل شخصي وقتل رجل أثناء محاولته شق طريقه إلى مكتب ميداني لمكتب التحقيقات الفيدرالي، وكتب أحد الصحفيين: "لقد غطيت التطرف والأيديولوجيات العنيفة في جميع أنحاء العالم خلال مسيرتي المهنية. لم تصادف أبداً قوة سياسية أكثر عدمية وخطورة واحتقاراً من الجمهوريين اليوم. لا شيء قريب". اللافت للنظر أن الجنرال الأمريكي هايدن رد على هذا القول: "أنا موافق. وكنت مدير وكالة المخابرات المركزية". تكافح الحركة المحافظة التي يمثلها ترامب ضد مؤسسة ليبرالية قوية قلبت قيمهم العائلية لصالح الحياد بين الجنسين، وحقوق الشواذ، وما يسمى بـ"التمييز الإيجابي" لصالح غير البيض. الاقتصاد يزداد سوءاً، والناس يزدادون فقراً، والأمريكيون إما يحبون أو يكرهون ترامب بطريقة متطرفة. وأوضح العضو الجمهوري في مجلس النواب، آدم كينزينغر، مدى حب العديد من أنصار ترامب له بقوله: "في قلوبهم، هم يساوون دونالد ترامب بيسوع المسيح، لذا فبالنسبة لهم، حتى لو واجهت هذا الرجل المذهل، دونالد ترامب... فأنت تقف ضدّ يسوع، ضد قيمهم المسيحية. عندما تلاحق دينهم، فهذا ينتهك عمق من هم".