موسى عليه السلام والرجل الصالح
تصرفات حامل الدعوة
=-=-=-=-=-=-=-=-=-=
قصة سيدنا موسى عليه السلام مع الرجل الصالح هي قصة حامل الدعوة وكيفية التصرف إزاء الأحداث، في قصة سيدنا موسى عليه السلام مع الرجل الصالح، عندما قال له الرجل الصالح لن تستطيع معي صبرا، استخدم حرف "لن" الذي يفيد النفي المطلق، أي أنه متأكد أن سيدنا موسى عليه السلام لن يصبر "بشكل أكيد" وليس هناك أي احتمالية ليصبر سيدنا موسى عليه السلام، مع تكرار سيدنا موسى عليه السلام أن بقدرته الصبر، فما السبب؟؟
العلم الذي أطلع الله عليه الرجل الصالح هو علم غيبي والأوامر التي أمر بها هي أوامر خاصة به لا يجوز لغيرها فعلها وإلا أثم، فقد أمر بتخريب السفينة وعمل التخريب عمل محرم ومع ذلك فعله بأمر الله لعلم الله الغيبي بالملك الذي يأخذ السفن الجميلة فأراد تخريبها حتى لا يأخذها الملك، فكان هذا العمل في علم الله سيجعل الملك ينفر من السفينة فيتركها، وكذك الامر قتل الغلام الصغير هو عمل اجرامي من الطراز الاول ومع ذلك فعله بامر الله لعلم الله الغيبي ان هذا الغلام عندما يكبر سيكون من الفاسدين فأمر بقتله ليعوض الله العائلة خيرا منه، وكذلك تصرف الرجل الصالح بفعل مناف لطبيعة البشر وهو ان الناس عندما تطرد بأي شكل من الأشكال فإنها تخرج وتذهب عمن طردها ولكن هو بدا ببناء جدار لعائلة لم تقدم له شيئا، ولم تقدم له القرية شيئا فالأصل الخروج ولكنه بنى جدارا، ففي علم الله تحت هذا الجدار كنز سيقوم الاطفال الصغار باستخراجه عندما يكبرون وهذه منة من الله لهم لأن أباهما المتوفى كان رجلا صالحا.
اذا أفعال الرجل الصالح هي أفعال لو قيست بالشرع والمنطق لوجدناها محرمة او منافية للمنطق، ومع ذلك فعلها بأمر الله الذي يعلم أين يكمن الخير والشر الغيبي فقط، قال تعالى: { وَعَسَىٰ أَن تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ ۖ وَعَسَىٰ أَن تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ ۗ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} وقد أطلع الله الرجل الصالح على بعض علمه الغيبي وعلى ما بعض ما قدره في اللوح المحفوظ.
نعود لسيدنا موسى عليه السلام والذي تصرف بشكل طبيعي وتصرف بشخصية حامل الدعوة، ولذلك الرجل الصالح لعلمه ان سيدنا موسى عليه السلام نبي وانه حامل دعوة من الطراز الأول أدرك ان سيدنا موسى عليه السلام لن يصبر على تلك الامور وخاصة ان فيها امورا من حيث الشريعة الموجودة آنذاك امورا محرمة وفيها امور حتى مخالفة للمنطق.
ولذلك غضب سيدنا موسى لأمر محرم وهو فعل التخريب للسفينة وهذا امر طبيعي بل واجب على حامل الدعوة ان يغضب عندما تنتهك المحرمات، فتخريب السفينة منكر وسيدنا موسى اعترض عليه، ولذلك نبهه الرجل الصالح انه يقوم بالأمور بأمر الله فسكت سيدنا موسى عليه السلام عندما نبه ان هذا الفعل الذي يراه حراما حصل بأمر الله كما يحصل التخريب من ريح او من الطبيعة عندها لا يوجد انكار للمنكر، فسكت سيدنا موسى وطلب العذر من الرجل.
وللعلم الامور لم تحصل تباعا حتى يبقى سيدنا موسى عليه السلام منتبه لأفعال الرجل الصالح بل بينهما احداث وأحداث لم يطلعنا القران الكريم عليها، ولكن شخصية حامل الدعوة متجذرة في سيدنا موسى عليه السلام، ولذلك ينطلق تلقائيا لإنكار المنكر، ولذلك عندما رأى عملية قتل الغلام ظهرت شخصية حامل الدعوة فورا بإنكار قتل غلام صغير، فنبهه الرجل الصالح فورا على امر الله فسكت سيدنا موسى لعلمه انه امر الهي مثله مثل موته من سقوط من علو مثلا، وطلب العذر الاخير من الرجل!!!
وفي قصة بناء الجدار لم يحصل منكر ولكن حصل امر مخالف للمنطق البشري وهو ان تطرد فلا تنصرف بل تعمل على خدمة من طردك، فهذا امر غريب مخالف للمنطق، فالأصل الخروج من القرية لا ان تجتهد وتتعب لبناء جدار قديم لا تعرف ما الحكمة منه، فتصرف سيدنا موسى عليه السلام تصرف منطقي وهو ان المنطق البشري يقول بالخروج او على الاقل طلب المقابل حتى يحصلا على ما يريداه من طعام او أي مقابل من اهل القرية، فتدخل سيدنا موسى عليه السلام فانتهت العلاقة مع الرجل الصالح عند هذا الحد.
والتصرفات الغير منطقية أو الغير عقلانية الاصل ان لا تكون سجية من سجايا حامل الدعوة، فأي امر غير منطقي الاصل ان يلفت نظر حامل الدعوة وإلا كان شخصية من السهل ان تخدع كثيرا، فمثلا ان يعطيك الظالم المجرم مالا وسلاحا لتقال به ظالما آخر وأنت ضعيف فالأصل ان يلفت نظرك هذا لم يعطيني الظالم مالا وسلاحا لأقاتل ظالما آخر، ما السبب؟ أهو (كما يتوهم السذج أو الوصوليون) من أجل انتصار الحق؟ أم هو من أجل أن أنفذ للظالم خططه؟ أم من أجل ماذا؟
ومن الأمثلة التي تحتاج تفكيرا منطقيا أو عقلانيا بسيطا:
هي يمكن أن ينصفني عدوي في الأمم المتحدة ومجلس الأمن؟
هي يمكن أن يكون رأس الشر (أمريكا مثلا) وسيطا نزيها وهي التي تدير كبار المجرمين في العالم؟
وهكذا امور منطقية عقلانية الاصل التفكير فيها، فسيدنا موسى عليه السلام استغرب تصرف الرجل ببناء جدار دون مقابل وليس ذلك فقط بل بعد رفض اكرامهم من القرية...!!!!
وهكذا تعلمنا تلك القصة أن حامل الدعوة يكون جزء رئيس من شخصيته انكار المنكر وبسرعة وبدون تردد، ويكون مسلما بأمر الله دون أي تفكير فيأخذ شرع الله بتسليم تام، فموسى عليه السلام بعدان عرف انه امر الله سكت ورضي وسلم، وفي الامور الحياتية يكون منطقيا مفكرا لا يتم خداعه بسهولة من قبل الغير، فيدرك الامور بعقله الذي اعطاه الله اياه فلا يتم خداعه من الغير.
هذا جهد بسيط لربط القصة بواقع حملة الدعوة اليوم، فإن أصبت فبتوفيق من الله، وإن أخطأت فمن نفسي وتقصيري وأسأل الله المغفرة.
---------------------------------
وهذا نص القصة من القران الكريم: { وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِفَتَاهُ لَا أَبْرَحُ حَتَّى أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ أَوْ أَمْضِيَ حُقُبًا (60) فَلَمَّا بَلَغَا مَجْمَعَ بَيْنِهِمَا نَسِيَا حُوتَهُمَا فَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ سَرَبًا (61) فَلَمَّا جَاوَزَا قَالَ لِفَتَاهُ آَتِنَا غَدَاءَنَا لَقَدْ لَقِينَا مِنْ سَفَرِنَا هَذَا نَصَبًا (62) قَالَ أَرَأَيْتَ إِذْ أَوَيْنَا إِلَى الصَّخْرَةِ فَإِنِّي نَسِيتُ الْحُوتَ وَمَا أَنْسَانِيهُ إِلَّا الشَّيْطَانُ أَنْ أَذْكُرَهُ وَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ عَجَبًا (63) قَالَ ذَلِكَ مَا كُنَّا نَبْغِ فَارْتَدَّا عَلَى آَثَارِهِمَا قَصَصًا (64) فَوَجَدَا عَبْدًا مِنْ عِبَادِنَا آَتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْمًا (65) قَالَ لَهُ مُوسَى هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا (66) قَالَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا (67) وَكَيْفَ تَصْبِرُ عَلَى مَا لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْرًا (68) قَالَ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ صَابِرًا وَلَا أَعْصِي لَكَ أَمْرًا (69) قَالَ فَإِنِ اتَّبَعْتَنِي فَلَا تَسْأَلْنِي عَنْ شَيْءٍ حَتَّى أُحْدِثَ لَكَ مِنْهُ ذِكْرًا (70) فَانْطَلَقَا حَتَّى إِذَا رَكِبَا فِي السَّفِينَةِ خَرَقَهَا قَالَ أَخَرَقْتَهَا لِتُغْرِقَ أَهْلَهَا لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا إِمْرًا (71) قَالَ أَلَمْ أَقُلْ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا (72) قَالَ لَا تُؤَاخِذْنِي بِمَا نَسِيتُ وَلَا تُرْهِقْنِي مِنْ أَمْرِي عُسْرًا (73) فَانْطَلَقَا حَتَّى إِذَا لَقِيَا غُلَامًا فَقَتَلَهُ قَالَ أَقَتَلْتَ نَفْسًا زَكِيَّةً بِغَيْرِ نَفْسٍ لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا نُكْرًا (74) قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا (75) قَالَ إِنْ سَأَلْتُكَ عَنْ شَيْءٍ بَعْدَهَا فَلَا تُصَاحِبْنِي قَدْ بَلَغْتَ مِنْ لَدُنِّي عُذْرًا (76) فَانْطَلَقَا حَتَّى إِذَا أَتَيَا أَهْلَ قَرْيَةٍ اسْتَطْعَمَا أَهْلَهَا فَأَبَوْا أَنْ يُضَيِّفُوهُمَا فَوَجَدَا فِيهَا جِدَارًا يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ فَأَقَامَهُ قَالَ لَوْ شِئْتَ لَاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْرًا (77) قَالَ هَذَا فِرَاقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ سَأُنَبِّئُكَ بِتَأْوِيلِ مَا لَمْ تَسْتَطِعْ عَلَيْهِ صَبْرًا (78) أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِيبَهَا وَكَانَ وَرَاءَهُمْ مَلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْبًا (79) وَأَمَّا الْغُلَامُ فَكَانَ أَبَوَاهُ مُؤْمِنَيْنِ فَخَشِينَا أَنْ يُرْهِقَهُمَا طُغْيَانًا وَكُفْرًا (80) فَأَرَدْنَا أَنْ يُبْدِلَهُمَا رَبُّهُمَا خَيْرًا مِنْهُ زَكَاةً وَأَقْرَبَ رُحْمًا (81) وَأَمَّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلَامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكَانَ تَحْتَهُ كَنْزٌ لَهُمَا وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا فَأَرَادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنْزَهُمَا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي ذَلِكَ تَأْوِيلُ مَا لَمْ تَسْطِعْ عَلَيْهِ صَبْرًا (82)}
https://www.facebook.com/225500671139291/ph...e=3&theater