ناقد إعلامي
المجموعة: Banned
المشاركات: 1,457
التسجيل: 22-September 11
رقم العضوية: 22
|
بسم الله الرحمن الرحيم
الحيادُ في الإعلام
في لسان العرب "حادَ عن الشيء: يحيدُ حيداً وحَيَداناً ومحيداً وحيدودة : مال عنه وعدل". ومثلُه في القاموس المحيط . أما في المعجم الوسيط - يُعرّفون الحيادَ على أنه عدمُ الميل إلى أي طرفٍ من أطراف الخصومة, و الحيادُ الإيجابيُّ (في السياسة الدولية) ألا تتحيّزَ دولةٌ لإحدى الدولِ المتخاصمةِ معَ مشاركتِها لسائر الدول فيما يحفظ السلمَ العام. والمتداولُ بين الناس أن الحيادَ هو الوقوفُ على مسافةٍ واحدةٍ بين المتخاصمين و المختلفين . في هذا البحث سأعتمدُ على مدلول كلمة “الحياد" المستخدم والمتعارفُ عليه عند الإعلاميين وما يقصدون من ورائه .
فبعدَ البحثِ والاستفاضةِ وجدتُ أن كلمةَ الحيادِ تعني التجرد من أيِ موقفٍ أو إبداءِ رأيٍ أو تدخلٍ في كل حدث عند نقله , ذلك بغض النظر أكان هذا الحدثُ متوافقاً مع الفكر الذي تحمله وسيلةُ الإعلام , أم غير متوافق , ونقل كلِ معلومةٍ تصلُ إلى وسيلة الإعلام عن الحدث دون بترٍ أو اجتزاء , أو زيادةٍ أو توقع لقادم , صغرت الفكرةُ أو كبرت . السؤال المطروح: هل توجد في عالمِنا العربيِّ والإسلاميِّ وسيلةُ إعلامٍ تسيرُ على خط "الحياد" ؟ وهل الحيادُ مطلبٌ لنا كمسلمين أو هدفٌ نصبوا إليه ؟
قبل الإجابة , لا بد من العلم أن الحيادَ في الإعلام وفي غير الإعلام , ليس مطلباً أو هدفاً , فالإنسانُ يعقلُ الأمورَ حسبَ وجهةِ نظرِه في الحياة , ولا يتأتى أن يكون حيادياً لا رأي له ولا كيان ؛ فإبداءُ الرأي في مسألةٍ أو حدثٍ يكونُ حسبَ ما يحمل الإنسان من فكر , ويعكسُ صورةً واضحةً عن معتقداته , فالمسلم يستخدم ميزانَ العقيدةِ في أعماله وفي قياس الأفكار والأحداث , ويبني رأياً متوافقاً مع ما يعتقد , ويضربُ عرضَ الحائطِ بكل ما يخالفُ عقيدتَه , ويُظهر ذلك على الملأ دون خوفٍ أو توجس . إن طرحَ جزءٍ من حقيقة حدثٍ ما لا يعتبر حياداً ,وتغطيةَ زاويةٍ واحدةٍ من زوايا رؤية الحدث ليست حياداً ولا تغطية , بل إن هذا الفعل له مقاصدُ وأهدافٌ تريد الوسيلةُ الإعلاميةُ تحقيقَها إن اتبعتْه . ولإيجاد الفارق في التغطيةِ الإعلاميةِ التي تُظهرُ خُرافةَ الحيادِ الإعلاميِّ وتنفي وجودَها،إليكم هذه المفارقةُ في تغطية الثورة المصرية بين وسيلتين إعلاميتين لكل واحدة أجندةٌ وتابعيةٌ مختلفةٌ عن الأخرى : نقلت قناة الجزيرة صورَ قتلى التظاهرات من غرفِ طوارئ المستشفيات , مُظهرةً الدماءَ التي غطّت صورةَ المشهد , بطريقةٍ تُهيّجُ المشاعرَ ضدَّ رجالِ الأمن والنظام المصريّ، وفي نفس الوقت واللحظة , نقلت قناةُ العربية مشاهدَ المركبات المحترقة , والمحلاتِ المحطمةِ والمنهوبةِ في مشهدٍ آخر يُهيجُ المشاعرَ ضدَّ من أطلقت عليهم العربية " الفوضويين الذين يقومون بأعمال شغب " .
وبينما نقلت الجزيرةُ على الهواء مشاهدَ ميدانِ التحرير وهو مكتظٌ بالناس في وقت حظر التجوال ليلاً، لتقولَ إن الناسَ لم يلتزموا بهذا الحظر ، نقلت العربية المشهدَ في ذات الوقت وعلى الهواء أيضاً من شارع قصر النيل تقف فيه دبابتان , وقد خلا من المارة لتقول إن الناس قد التزموا بحظر التجوال . وحتى الأقوال والتصريحات كذلك استُخدِمت في سياقاتٍ مختلفة ... فقد جاء على لسانِ مسئولٍ في الجيش بعد حظر التجوال في اليوم الثالث للأحداث ,أنه سيتمُّ التعاملُ "بشدة وقوة" مع كل من يخرقُ الحظر، واختارت قناةُ الجزيرةِ في شريطِها الإخباريِّ الدّوار في أسفل الشاشة , لفظة «قوة» فقط، لتقول: صرّح فلان أنه سيتمُّ التعاملُ بقوةٍ مع من يخرق الحظر.. وقد اختارت العربيةُ اللفظةَ الأخرى الأخف وطأة، فقالت أن فلانًا صرّح بأنه سيتم التعامل "بشدة" مع من يخرقُ الحظر، والواقع أن الرجل قال الكلمتين معاً حيث قال "بشدة وقوة" !
حتى تصريحات العالمِ المصريِّ أحمد زويل اختارت منها كلُ قناةٍ ما يتناسب ووجهة نظرها، حيث رددت قناةُ الجزيرة قولَه إنه لا يكفي تغييرُ الوجوه دون تغيير النظام، بينما اختارت العربيةُ قولَه : لابد من الاستجابة لمطالب الشعب .
بُعيد هذه الأمثلة من واقع التغطية يظهر أن أكبرَ وسيلتين في العالم العربي تصرخُ أفعالُهما : أن لا حيادَ في الإعلام. ولو أنه وجد , لنقلتْ كلُ وسيلةٍ إعلاميةٍ حقيقةَ الأحداث بشكلٍ مجرد.أو على الأقل غطّت الأحداث, لكنها لم تفعل , ولتبيان حقيقة ذلك, لا بد من معرفة معنى “التغطية" : حيث أن تغطيةَ الشيء تعني سَتره بحيث لا يظهر منه شيئاً , وإلا لا يكون قد قام بتغطيته, وفي الإعلام تعني التغطيةُ نقلَ كلِ متعلقات الحدث وما له صلةٌ بالحدث , حيث لا تبقى جزئيةٌ مهما صغرت خارجَ قوسي الخبر عند نقلِه .
وعودةً إلى موضوعنا الحياد يقولُ الصحفيُّ المصريُّ مدحت حسن في موضوع بعنوان "الحيادُ الإعلاميُّ الضائعُ في قناة الجزيرة" أن القناةَ اتبعت طريقةً في التغطية ما جعلها تظهر بشكلٍ غيرِ مهنيّ , وما كان يجبُ أن تنزلقَ له قناةٌ كبيرةٌ مثلَ الجزيرةِ المُفترض أنها تعمل وِفق قواعدَ مهنيةٍ بالأساس , بغض النظر عن ملكيتِها وتوجهاتِها السياسية ، وأنها يجب أن تكون أكثر حياديةً في طريقة اختيار الضيوف المتحدثين , الذين يُعبِّرون عن كل وجهات النظر, ولا تتبنى من جانبها وجهةَ نظرٍ معينةٍ أو توحي بذلك لضيوفها .
انتهى كلام حسن – فهو ينتقدُ الجزيرةَ على اتباعها لوجهة نظرٍ معينة, مع علمه أنها ملكيةٌ لجهةٍ معلومة , ولها توجهٌ سياسيٌّ مخصوص , وبالفعل فإن اختيارَ الضيوف والإيحاءَ بتبني وجهةِ نظرٍ معينة, يُبعدُ الوسيلةَ الإعلاميةَ عن الحياد. والجزيرةُ المتشدقةُ بالرأي والرأي الآخر , كان لها السبقُ في كسرِ الحظرِ الإعلاميِّ وظهورِ شخصياتٍ صهيونيةٍ عبرَ أثيرِها , في الوقت الذي عملت على كبتِ كلِ صوتٍ ينادي بتحكيمِ شرعِ الله في الأرض , بل إنها عملت على ترويجِ كلِ فكرٍ مخالفٍ لفكرِ الإسلامِ وطرحِه كبديلٍ أفضل . وفي نفسِ السياق يقولُ فيصلُ القاسم في مقالٍ له بعنوان (خُرافة الحياد الإعلامي) ) "في الوقت الذي يعاملُنا فيه ذلك الآخر، إعلامياً، بعنصريةٍ وعدائيةٍ وتحاملٍ وتحيزٍ وتسلطٍ صارخ! لماذا يُطلبُ من الإعلامِ العربيِّ أن يلتزمَ بأقصى درجاتِ الحياديةِ والاتزان , حتى عندما يكونُ العربُ في خِضمِ صراعٍ مريرٍ مع أعدائِهم؟ هل يُعقل ذلك؟ لماذا نحاول أن نكون أكثر كاثوليكيةً من البابا؟". انتهى كلامُ القاسم – وفي حديثِه هذا اعترافاتٌ تبينُ حقيقةَ سيرِ الإعلامِ في العالمِ العربيِّ , وأنه مأمورٌ من الغرب , لكنه كَذبَ حين تساءلَ لماذا نحاولُ أن نكونَ أكثرَ كاثوليكيةً من البابا , ذلك أن وسائلَ الإعلامِ العربيةِ بعيدةٌ كلَ البعد عما تتشدقُ عن الحياديةِ والموضوعيةِ والاتزان , وحقيقتها أنها تسير حسب أجنداتٍ غربيةٍ، وخطُ سيرٍ مرسومٌ لها مسبقاً وهذا ما يعلمه القاسمُ أكثر من غيره , فلا حيادَ في جزيرتِه , وما الشعاراتُ التي تروج لها الجزيرةُ عن الرأي والرأي الآخر إلا أكذوبةٌ لا تقبلُ التصديق . فوسائلُ الإعلامِ التي ترفع شعارَ الحياد , ترفعُه لتغطيَ عيوبَ مسارِها , ولِتَخدمَ هدفَ أسيادِها متنفذي الغرب الرأسماليين ؛ فمنها من يرفعُ هذا الشعارَ ليستضيفَ أعداءِ الأمة ِ, ومنها من يرفعُه لنشرِ أفكارِ شاذةٍ عن الإسلام , وكلهم في المحصلة يخدمون الفكرَ المضاد للإسلام , وحقيقةُ الأمرِ أنهم أرادوا بهذا الأسلوب خلطَ الحقِ بالباطل , ليمرروا مؤامراتِهم ضدَّ الإسلام .
هل سيكونُ الإعلامُ في دولةِ الإسلام على الحياد ؟
إن دولةَ الإسلامِ دولةٌ مبدئيةٌ , تتسِّمُ بصفاتٍ خاصةٍ مميِّزةٍ لها عن باقي الدول , وإعلامُها ليس لمجردِ نقل الأخبار , ولن يكون إعلاماً ترفيهياً , أو على شاكلةِ إعلام اليوم , بل سيكون له دورٌ في بناء الدولة , وحملِ الدعوة , وله كبيرُ الشأن في الجهادِ وإرهابِ العدو؛ فالرسالةُ الإعلاميةُ لدولةِ الإسلامِ نابعةٌ من مبدئِه , منسجمةٌ مع مصالحِ الدولة والرعية , فيها ثقافةُ الإسلام , والقائمون على وسائل الإعلام في دولة الإسلام خبراءٌ متخصصون يدرسون واقعَ الأمة , وما تحتاجه من برامجَ إعلامية، سياسيةٍ أو اجتماعيةٍ ، وبرامجَ اقتصاديةِ لتوعيةِ الأمة على الأحكامِ المتعلقةِ بهذا الأمر , من بيعٍ وشراء وغيره من متعلقاتِ النظامِ الاقتصاديِّ في الإسلام ، وبرامجَ عن دولة الإسلام وعودتها,وبرامجَ عن تاريخ المسلمين وعزِهم , و برامجَ عن مساهمةِ المسلمين الحضارية في التقدم العلميِّ الحاليِّ في العالم , وغير ذلك من البرامجِ التي قد تحتاجُها الأمة , وكذلك البرامج المتعلقة بالترغيبِ والترهيبِ ويكون الترغيبُ في نيل رضوان الله ورحمته وجزيلِ ثوابِه في الآخرة ،والترهيبُ من مخالفةِ أمره, وفي هذا الأمر جانبَ إرهابَ الأعداء, ودبِّ الرعبِ في نفوسِهم وإظهارِ قوةِ الدولة الإسلامية لتكون مرهوبةَ الجانب. إنَّ حزبَ التحرير وما مارسَهُ الإعلامُ ضده مأموراً من الساسة , مثلٌ يُضرب في عدم وجود حياد في الإعلام , فلو أنه وجد , لنُقلت الفعاليات وَلَتمَّ استضافةُ من يمثلون الحزبَ للتعليق وإبداء الرأي في كل حدث , ولرأينا أفرادَ حزبِ التحرير يتصدرون المنابر الإعلامية في كل مناسبة ,ولتمَّت تغطيةُ الاعتقالات والإعدامات والتنكيل لكثير من شباب الحزب في القارات الخمس , لكن الحاصل أن أجنداتِ الإعلامِ الحاليِّ تخالف فكرَ حزب التحرير , ولا يملكون حجةً أمامَ الفكر الإسلاميِّ الصحيح ؛فيعملون على التعتيمِ والتشويهِ وسياسةِ كمِّ الأفواه ,وإن اضطروا لذكرِ الحزب أو تغطية فعاليةٍ من فعالياته , فإنهم يشوهونها أو يحرفونها أو يصفونها بغير ما تحتمل , فلو كانت مسيرةً في طرابلس لقالوا مسيرة لعدد من المثقفين , أو في فلسطين يقولون حزب التحرير الفلسطيني , ويكون خبراً على الهامش ولمرة واحدة , لأنهم لو وضعوا فكرَهم أمامَ فكر حزب التحرير لظهر اعوجاجُ فكرِهم وهذا ما لا يريدون . وقد عَمِدوا إلى تصدير إسلاميين يخدمون أجنداتهم إلى منابر قنواتهم , لإظهارهم يمثلون الإسلام , مع بُعد هؤلاء " الإسلاميين" عن فكر الإسلام الصحيح فيما يطرحون من دولةٍ مدنيةٍ وتعدديةٍ وتدرج , لكن اهتمامُ الإعلام بهم له هدفٌ مرجو , وهو ضرب الفكر الإسلاميِّ الصحيح , المتمثل بتطبيق شرعِ الله في معترك الحياة جملةً واحدة والذي ينادي فيه حزب التحرير . بعدَ هذه الاستفاضةِ لموضوع الحياد في الإعلام , لا اعتقدُ بوجودِ من يطالبُ بحيادِ الإعلام , وإن وجد فإنه إنسانٌ منبوذ , وصاحبُ فكرٍ شاذ , والمطلوب هو انحيازُ الإعلام إلى جانب الإسلامِ العظيم ودعوتِه وتبني قضايا الأمة المصيرية والترويجِ لها , والدعوةِ الجادة والعملِ الدءوب على تحكيم الإسلام في معترك الحياة .
إنَّ وسائلَ الإعلامِ وادعاءَها بأنها حياديةٌ وتقفُ على الحياد , تَوَجهٌ مرفوضٌ ولا يجوز , فالأصل أن تكونَ النشاطاتُ الإعلاميةُ والصحفيةُ وِفقَ الأحكامِ الشرعيةِ , ويجب عليها أن تنقلَ الخبرَ بصدق , والتعليقُ عليه وتقديمُه من وجهةِ نظرِ الإسلام , ومعالجةُ الأحداثِ معالجةً إسلاميةً تخدمُ مصلحة المسلمين , وتربطَ الأحداثَ بقضايا الإسلام المركزية ،ولا يجوز لها أن تفضحَ المسلمين وتكشفَ العورات , ولا أن تتجسسَ على المسلمين بحجة السبقِ الصحفي , فهي محكومةٌ بشرعة الله , ولا حياديةَ لها ،ويجب عليها أن تربطَ الأحداثَ وتوظفَها لخدمة الإسلام وأهدافِه , وأهدافِ حَمَلةِ الدعوة , بإقامة دولة الإسلام ويجب أن يكون موقفُ الصحافة نابعا من وجهةِ نظر الإسلام . صحيحٌ أنَّ من يقفُ على الحياد في حادثةٍ ما , لا يفقدُ كونه شخصية إسلامية ابتداءً , ولكنها ثَغرةٌ في سلوكِه وذنبٌ قد اقترفه , وبهذا يكون في طريقه إلى الابتعاد والانعزال , الذي قد يؤدي إلى الانعتاق . و تكرارُ الثغرات يؤدي في النهاية إلى استمراء وقبول الوقوف على الحياد , وهو بدايةُ فقدانِه لشخصيتهِ الإسلاميةِ وقد يؤدي بصاحبِه إلى مجافاة الإسلام في نهاية المطاف وهذا خطرٌ كبيرٌ .
إن المسلمَ أمامَه هدفٌ يجب تحقيقُه , ويجب أن لا يغيبَ عن بالِه , وهو رضوانُ الله تعالى , بتطبيق شرعِه عليه في كل أمرِه , ليكون جندياً خادماً للإسلام والمسلمين , داعياً إلى الله تعالى .
فلا يجوزُ للمسلمِ أن يقفَ موقفَ المتفرجِ على ما يدور حولَه , فالمسلمُ كَيِّسٌ فطِنٌ لقول الرسول صلى الله عليه وسلم " أنت على ثغرة من ثغر الإسلام فلا يُؤتَيَن من قبلك " . والحيادُ هو بدايةُ الابتعادِ عن الناسِ وعن المجتمع , أي هو بدايةُ إلى الوِحدة والانكفاء على الذات , وعن ما يجري في المجتمع , سواءٌ أكان ما يجري خيراً أم شراً فالأمر سيان , وسواءٌ طُبِقَ الإسلامُ أو المبدأُ أم لم يطبق , فالوقوفُ موقفَ المتفرجِ معَ المعرفة بما يجري , غالباً ما يكون وفق مصالحَ شخصيةٍ , والمسلمُ مأمورٌ بتطبيقِ شرع الله في كل فعلِه وقولِه , وليس حسب ما يتماشى مع مصالحه. أما الوقوفُ على الحياديةِ فيرجع لعدة أسباب , منها الجبنُ والوهنُ وهو حبُ الدنيا وكراهيةُ الموت , وعدمُ تحمُّلِ المسؤوليةِ والهروبُ منها والخوفُ على المصالح , وعلى هذا فالحيادُ والحياديةُ مرضٌ من الأمراضِ التي إن أصابت المسلم , انكفأ على نفسه ووقفَ مستسلماً كاستسلام الخروف للذبح , فلا يجوز الخوفُ إلا من الله , فهو الذي يملك الضُر والنفع للبشر , فالأصل في المسلم أنه طاقةٌ متحركةٌ في وجهِ الفسادِ ، وفي وجه الظالمين , آمراً بالمعروف ناهياً عن المنكر .
إن حياديةَ الإعلام لا تجوز ولا يقبلُ بها أحد , ولو افترضنا أن وسائلَ الإعلامِ حياديةٌ كما يدعون ويريدون لها أن تظهر , فلماذا لا يكونون حياديين فعلاً , ويفسحوا المجالَ للقوى المؤثرةِ بالظهور , ولماذا التعتيمُ الإعلاميُّ منذ ستين عاماً على حزب التحرير , مع أنه أكبرُ حزبٍ سياسيٍّ عالميِّ ؟ إن الإعلامَ في الدولِ العربيةِ والإسلاميةِ غيرُ نزيه , وإلا لماذا لا يبحثُ قضيةَ الخلافةِ الراشدةِ التي يُطالبُ بها معظمُ المسلمين الآن ؟ أم أنهم لم يجدوها في وسائلِ الإعلامِ الغربيةِ لينقلوها لنا ؟
إن الإعلامَ الغربيَّ غيرُ محايد , وقد ظهر على حقيقتِه الماديةِّ الاستعماريةِّ البشعةِ , وهذا الذي يعاملُنا فيه ذلك الآخر، إعلامياً، بعنصريةٍ وعدائيةٍ وتحاملٍ وتحيزٍ وتسلط ، ونرى الكثيرَ من الإعلام العربيِّ يسعى جدياً لتطبيقِ القيمِ الإعلاميةِ الغربيةِ غيرِ المحايدة, والالتزامِ بقيمِها , ويتساءلُ فيصل القاسم في مقالِه " لماذا يُطلب من الإعلامِ العربيِّ أن يلتزمَ بأقصى درجاتِ الحياديةِ والاتزان حتى عندما يكونُ العربُ في خِضَمِّ صراعٍ مريرٍ مع أعدائِهم؟ هل يُعقلُ هذا ؟ هل المطلبُ لنا أن نتبعَ الغربَ وثقافتَه الإعلامية ؟ بالطبع لا .
إن خرافةَ نزاهةِ الإعلام الغربيِّ , حقيقةٌ يجب التعاملُ معها وتوضيحُها للناس, وللإعلاميين خاصة , فعندما يكون الصراعُ على أشدِّه فلا مجالَ للنزاهةِ والحياديةِ والموضوعيةِ الإعلامية، ولا محلَ من الإعراب للرأي الآخر، في ظلِ شدةِ الصراع , أو حتى في الرخاء .
بعد ما سبق , يتبينُ أن الإعلامَ له ثلاثةُ اتجاهاتٍ لا غير , فهو إما إعلامٌ إسلاميٌّ وهو غيرُ موجودٍ في وقتنا الحالي , أو إعلامٌ حياديٌّ وهو كما سبق من توضيح لا وجودَ له , وما هؤلاء المدعين بالحيادية إلا يكذبون , أو إعلامٌ يسير بأجنداتٍ خارجيةٍ , بعيدةٍ عن الإسلام , وهذا الأخير , هو إعلامُ اليوم العاملُ على الساحةِ والمسيطرُ على منافذِ الإعلام ومصادرِ الأخبار , ولا يخدمُ الإسلامَ وأهلَه بل يُكرسُ كلَ خدماتِه للغرب وفكرِهم كما سبق توضيح الأمر في كيفية التغطية والتناولِ الإعلامي , وفي الرسالة التي تحملها وسائل الإعلام اليوم .
فالحيادُ هو موقفُ المتخاذلين ولا حياديةَ في الإسلام
|