منتدى الناقد الإعلامي

السلام عليكم , للمشاركة اختر ( دخول | تسجيل )



ملتيميديا

مقتطفات فيديو من انتاج الشبكة

 
Reply to this topicStart new topic
> صفحات مشرقة من تاريخ الأمة
الخلافة خلاصنا
المشاركة Mar 3 2016, 11:10 AM
مشاركة #1


أسرة المنتدى
*****

المجموعة: الأعضاء
المشاركات: 4,312
التسجيل: 8-July 15
البلد: فلسطين
رقم العضوية: 2,314



محاضرة ننقلها كما هي من مصدرها، وهي تبين قوة دولة الخلافة وشواهد كثيرة عن دولة الخلافة العثمانية التي نالها الاعلام الحالي بالتشويه ووصفها بدولة الاحتلال المحتلة لبلاد العرب.


صفحات مشرقة من تاريخ الأمة


الشيخ/ ناصر بن محمد الأحمد

إن الحمد لله...

إن الذي يقلب في صفحات تاريخ هذه الأمة ليصيبه العجب وهو يقرأ ويتأمل في القصص والمواقف، ولولا أن الذي نقل إلينا هذه الأخبار ثقات لقلنا بأن هذه القصص ضرب من الخيال.

ولا أخفيكم سراً لو قلت لكم بأني عندما بدأت أجمع أطراف هذه المحاضرة وقفت على مواقف وأخبار وقصص، أصابتني حيرة كبيرة ماذا أنقل وماذا أدع؟. مواقف وقصص عجيبة في باب الجهاد والتضحية والبذل، وأخرى في الزهد والورع والأمانة، وثالثة في الحسبة، ورابعة في العدل والإنصاف، وغيرها وغيرها كثير.

إن هذه الأمة مقبلة على صحوة عظيمة رغم كل ما ينبئ باليأس من حولنا، ورغم كل المآسي والمصائب التي تتناقلها الأخبار كل يوم، ورغم التردي الذي نشهده على كل المستويات وفي كل المجالات، رغم كل هذا، فالأمة مقبلة على صحوة عظيمة إن شاء الله تعالى.

من رأى اليابان وألمانيا عام 1945م، وقد تحطمتا تحت ضربات الحلفاء في الحرب العالمية الثانية، وتحت التدمير الهائل الذي خلفته القنابل النووية في هيروشيما وناكازاكي، ولكن بالرغم من كل ذلك، ورغم السيطرة الكاملة للحلفاء على اليابان وألمانيا، حتى خَطّوا لهما دستورهما ومنعوهما من تشكيل الجيوش، بل حتى قاموا بتقسيم ألمانيا إلى نصفين بجدار عجيب، رغم كل ذلك فقد نهضتا في حوالي 20 عاماً، وصارتا من دول العالم الأول، ماذا تملك ألمانيا أو اليابان مما لا نملكه نحن؟.
ومن رأى الأمة الإسلامية وقد تمزقت خلال الهجوم الأوربي في فترة الحروب الصليبية، ومن أدرك حجم التخلف والتردي الذي وصلت إليه الأمة، ومدى الضعف والخور الذي أصابها والأنانية والشهوانية التي غرق فيها حكام الأمة آنذاك، من تابع كل ذلك ودرسه بالتفصيل في كتب التاريخ، من عرف كل ذلك ما كان ليتنبأ بظهور آل زنكي ثم صلاح الدين الأيوبي، وما كان ليرى بوادر أمل في الأمة آنذاك، ولكن الأمة نهضت وحطمت أعداءها وحررت الأقصى والقدس، وطردت أكثر من نصف مليون صليبي جاؤوا من أوروبا، وجثموا على أنفاس الأمة، ودنسوا مقدساتها، وأكثروا المذابح فيها لما يزيد عن 100 سنة، غير أن الأمة نهضت وعزَّت بعد ذلها، رغم عدم وجود بوادر أمل آنذاك.

ومن رأى حال الأمة وقد عبثت بها جيوش التتار الهمجية، الذين قضوا على كل حضارة مروا عليها، ومن تتبع ما فعلوه من قتل وتدمير في بغداد عاصمة الخلافة، وما أحدثوه من خراب بها حتى جعلوا الكتب جسراً في النهر تمر عليه خيولهم، فقضوا بذلك على أعظم تراث للفكر الإنساني، ومن تخيل مشهد المغولي وهو يطلب من أربعين من المسلمين أن يبقوا في مكانهم حتى يذهب ويأتي بسيف ليقتلهم به فلا يفر منهم أحد ولا يقاوم منهم أحد، ومن رأى كيف سقطت الأمة الإسلامية بأيديهم من المشرق حتى احتلوا الشام وفلسطين ودخلوا القدس والأقصى، من علم كل ذلك لم يتخيل أبداً أن بوادر العز والنصر كانت خبيئة في الأمة على يد مملوك تحرر، فقضى سيف الدين قطز على المغول في عين جالوت وأعاد العز والمجد للأمة من حيث لم تحتسب.

ومن رأى حال المسلمين في الأندلس وقد تمزقوا إلى 22 دويلة طائفية، مثل عدد الدول العربية اليوم، ورأى صراعاتهم بينهم واستعانتهم بأعدائهم النصارى ضد بعضهم بعضاً، وانشغال الحكام بكراسيهم وسلطتهم وشهواتهم، وخنوع وخضوع الشعوب وانشغالها بشهواتها كذلك، مما جعل النصارى يأخذون شمال الأندلس ويتقدمون جنوباً لأخذ باقي الأندلس، ومع ذلك لم يتحرك الحكام للوحدة والعزة لإيقافهم، ولم يستطع المتوكل ذلك الحاكم النظيف المخلص من بينهم أن يعقد حتى لقاء قمة لهم ليتشاوروا في أمرهم، لا لينقذوا الأندلس، بل حتى أنفسهم، من رأى كل ذلك لم يكن ليتخيل ظهور يوسف بن تاشفين الذي جاء من المغرب ليوحدهم بالقوة ويحكم بالشرع الحنيف، ويوقع الويلات بأعدائهم النصارى في معركة الزلاقة الخالدة.
ولعلي في هذه المحاضرة أقف معكم على بعض المواقف البطولية من تاريخ الأمة، لعله يكون في ذكرها ما يبعث الأمل ويجدد الإيمان. فبعضها مواقف لعلماء، وبعضها لحكام، وبعضها لأفراد، لكن الذي يجمعها أنها مواقف بطولية تستحق أن تُذكر وأن تكون موضع اقتداء. وسأنتقل بك أخي الكريم من موقف في الشرق إلى آخر في الغرب، ومن موقف في الصبر إلى موقف في التضحية وهكذا، وبعضها أتركها دون تعليق، فذكرها دال على العبرة منها، أسأل الله أن ينفع بها الجميع.


الموقف الأول: علم السلطان سليم الأول، أحد سلاطين الدولة العثمانية أن الأقليات غير المسلمة الموجودة في اسطنبول من الأرمن والروم واليهود بدأت تتسبب في بعض المشاكل للدولة العثمانية، وفي إثارة بعض القلاقل فغضب لذلك غضباً شديداً، وأعطى قراره بأن على هذه الأقليات غير المسلمة اعتناق الدين الإسلامي، ومن يرفض ذلك ضرب عنقه.

وبلغ هذا الخبر مفتي الدولة الشيخ عليّاً أفندي، وكان من كبار علماء عصره، فساءه ذلك جداً، لأن إكراه غير المسلمين على اعتناق الإسلام يخالف تعاليم الإسلام، الذي يرفع شعار {لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ} [(256) سورة البقرة]. ولا يجوز أن يخالف أحد هذه القاعدة الشرعية، وإن كان السلطان نفسه. ولكن من يستطيع أن يقف أمام هذا السلطان، الذي يرتجف أمامه الجميع؟ من يستطيع أن يقف أمام هذا السلطان، ذي الطبع الحاد فيبلّغه بأن ما يفعله ليس صحيحاً، وأنه لا يوافق الدين الإسلامي؟. ليس من أحد سواه يستطيع ذلك، فهو الذي يشغل منصب المفتي في الدولة العثمانية، وعليه تقع مهمة إزالة هذا المنكر الذي يوشك أن يقع.

لبس جبته وتوجه إلى قصر السلطان، واستأذن في الدخول عليه، فأذن له فقال للسلطان: سمعت أيها السلطان أنك تريد أن تكره جميع الأقليات غير المسلمة على اعتناق الدين الإسلامي. وكان السلطان لا يزال محتداً فقال: أجل إن ما سمعته صحيح، وماذا في ذلك؟.

لم يكن المفتي من الذين يترددون عن قول الحق فقال: أيها السلطان إن هذا مخالف للشرع، إذ لا إكراه في الدين، ثم إن جدكم محمداً الفاتح عندما فتح مدينة اسطنبول اتبع الشرع الإسلامي فلم يكره أحداً على اعتناق الإسلام، بل أعطى للجميع حرية العقيدة، فعليك باتباع الشرع الحنيف، واتباع عهد جدكم محمد الفاتح. فقال السلطان وحدته تتصاعد: يا علي أفندي: لقد بدأت تتدخل في أمور الدولة، ألا تخبرني إلى متى سينتهي تدخلك هذا؟. فرد المفتي: إنني أيها السلطان أقوم بوظيفتي في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وليس لي من غرض آخر وإذا لم ينته أجلي، فلن يستطيع أحد أن يسلبني روحي.

فقال السلطان:
دع هذه الأمور لي يا شيخ. فقال المفتي: كلا أيها السلطان، إن من واجبي أن أرعى شؤون آخرتك أيضاً، وأن أجنبك كل ما يفسد حياتك الأخروية، وإن اضطررت إلى سلوك طريق آخر. قال السلطان: وماذا تعني؟.
فقال المفتي: سأضطر إلى إصدار فتوى بخلعك أيها السلطان، بسبب مخالفتك للشرع الحنيف إن أقدمت على هذا الأمر.
فأذعن السلطان سليم لرغبة المفتي، فقد كان يحترم العلماء ويجلهم، وبقيت الأقليات غير المسلمة حرة في عقائدها وفي عباداتها، ولم يمد أحد أصبع سوء إليهم.

الموقف الثاني: كان السلطان بايزيد الثاني، أحد سلاطين الدولة العثمانية من المحبين للجهاد في سبيل الله، وكان من عادته -رحمه الله- أن يجمع في قارورة ما علق بثيابه من غبار وهو راجع من أية معركة في جهاده ضد أعداء الدين. وفي إحدى المرات عندما كان السلطان يقوم بجمع هذا الغبار من على ملابسه لوضعه في القارورة، قالت له زوجته: لم تفعل هذا؟ وما فائدة هذا الغبار الذي تجمعه في هذه القارورة؟. فقال: إنني سأوصي بعمل طوب من هذا الغبار، وأن يوضع تحت رأسي في قبري عند وفاتي، ألا تعلمين أن الله سيصون من النار يوم القيامة جسد من جاهد في سبيله؟.
وفعلاً نُفذت وصيته -رحمه الله-، إذ عمل من ذلك الغبار المتجمع في تلك القارورة، غبار الجهاد في سبيل الله، عمل منه طوب وضعت تحت رأس هذا السلطان الورع عندما توفي، وقبره موجود حتى الآن بجانب الجامع الذي بناه وسمي باسمه "جامع بايزيد" -رحمه الله- تعالى.


عجيب أمر هذا السلطان، والأعجب قصة أخرى له أيضاً، المتعلقة بجامعه الذي بناه والذي يعد من أكبر وأفخم وأجمل الجوامع الموجودة في اسطنبول.

بعدما أكمل بناء جامع بايزيد وتم فرشه، جاء يوم افتتاحه للصلاة فيه، ولكن من سيقوم بإمامة المصلين في هذه الصلاة؟ أيؤم الناس الإمام المعين لهذا الجامع؟ أم المفتي؟ أم أحد العلماء المعروفين؟ أم قاضي البلد؟.
لم يكن أحد يعلم ذلك، وكان الجميع في انتظار من يتقدم إلى الإمامة. وعندما اصطفت الصفوف وقف إمام الجامع وتوجه إلى المصلين قائلاً لهم: ليتقدم للإمامة من لم يضطر طوال حياته لقضاء صلاة فرض. أي: من صلى الصلوات الفرض في أوقاتها طوال حياته.

دهش الحاضرون من هذا الشرط، وبدأ بعضهم يتطلع لبعض، وبعد انتظار دقيقة أو دقيقتين، شاهد المصلون السلطان بايزيد الثاني يتقدم للإمامة بكل هدوء، ثم يكبر لصلاة الجماعة بكل خشوع.

أجل، كان السلطان هو الشخص الوحيد من بين الحاضرين الذي لم تفته أبداً أي صلاة من صلوات الفرض.
عجيب أمر هذا السلطان. بقي أن تعرف أن السلطان بايزيد الثاني هو ابن السلطان محمد الفاتح، وهو والد السلطان سليم الأول الذي ورد في الموقف الأول.


الموقف الثالث: في عام 1922م وجه مصطفى كمال أتاتورك بطاقة دعوة للداعية الإسلامي الشيخ "بديع الزمان النورسي" من استنبول إلى أنقرة لحضور ومشاهدة الاحتفال بيوم الاستقلال، وبعد استدعاءات كثيرة لبى النورسي الدعوة، لكن سرعان ما فوجئ أتاتورك بمغادرة الشيخ لأنقرة دون أن يشاهد الاحتفال لأنه لم يجد التدين في رجال الحكومة، وفوجئ أكثر عندما علم أن الشيخ أرسل بياناً لمجلس الأمة الذي شكله أتاتورك ضمّنه نصائح لهم بسبب بعدهم عن الإسلام مما أثار حفيظة أتاتورك فاستدعاه من جديد وقال له: لقد أوجدت الفرقة بتركيزك على أهمية الصلاة بين رجالات الدولة!. فرد النورسي ملوحاً بسبابته مهدداً وهو يشير بها إلى عين رئيس الدولة صارخاً في وجهه أمام مجموعة من النواب والشخصيات: "يا أتاتورك إن الصلوات اليومية هي أول علامات يعرف بها المسلم، ولذلك ترفضه أنت، اعلم أن تارك الصلاة خائن، وحكم الخائن مردود، ومن هنا فلا يمكن الرضا بحكمك!". احتار أتاتورك ماذا يصنع مع النورسي، ففكر في طريقة لشراء ذمة الشيخ وهي أن يعينه رئيساً للوعّاظ في أناضوليا وعضواً تنفيذياً في جامعة دار الحكمة مع إعطائه قصراً فخماً لإقامته. لكن الشيخ عرف مقصد أتاتورك ورفض كل شيء وهاجر من أنقرة ضارباً عرض الحائط بكل مغريات أتاتورك الخبيثة.

إن شراء الذمم وسيلة لم تنقطع على مدى التاريخ، وقد وقع في هذا الفخ بعض العلماء في حين وقف البعض الآخر بكل جرأة في وجه هذه المحاولات. وإن من أسباب ضعف العالم الإسلامي اليوم هو فقدان هذه النوعية من العلماء الذين يعرفون جيداً هذه الوسيلة، ولا تأخذهم في الحق لومة لائم ليقاوموا المفاسد التي فشت في أمة الإسلام وليواجهوا مخططات الأعداء التي وضعوها لضرب الدين.

لقد مات أتاتورك ومات قبله وبعده الكثير من الظلمة وانطفأ ذكرهم بموتهم رغم محاولات التلميع التي أضفاها عليهم المصفقون والمزايدون، أما الشيخ النورسي وأمثاله من العلماء الذين صدعوا بالحق فأتباعهم يكثرون ويزيدون والتاريخ ما زال يذكر لهم جهادهم، فأين الثرى من الثريا.

بقي أن تعرف أن الشيخ بديع الزمان النورسي الذي أكرم الله به المسلمين في تركيا إبان حكم أتاتورك التحق بالجيش التركي هو وثلاثة آلاف من تلاميذه خلال الحرب العالمية الأولى للقتال ضد روسيا القيصرية على الرغم من معارضة النورسي لدخول الدولة العثمانية الحرب في البداية، وخلال القتال جرح الشيخ ثم وقع في الأسر مع البقية من تلاميذه إذ كان الكثير منهم قد استشهد أثناء القتال الضاري ضد الاحتلال الروسي، وذَهبوا به إلى سيبيريا. وفي الأسر وقعت له حادثة كادت أن تؤدي به إلى الإعدام. جاء القائد الروسي ليتفقد الأسرى فقام له الجميع وقوفاً ما عدا الشيخ النورسي، فاحتد القائد الروسي وسأله عن سبب امتناعه عن قيامه له فقال له: "إنني عالم من علماء المسلمين، وإنني أعتز بديني، وتلك العزة تمنعني أن أقوم لأحد".

غضب القائد الروسي وأمر بتقديمه إلى محكمة عسكرية خاصة لمحاكمته، فحكمت عليه بالإعدام، وعندما طُلب منه -قبل التنفيذ- أن يتراجع ويعتذر للقائد رفض رفضاً قاطعاً، ثم استأذن منهم أن يؤدي ركعتين، عندئذٍ أكبر القائد فيه ذلك الموقف وأتى إليه معتذراً وقال له: "لقد ظننت أنك قمت بعملك قاصداً إهانتي، ولكنني واثق الآن أنك كنت تنفذ ما تأمرك به عقيدتك وإيمانك، لذا فقد أبطلت قرار المحكمة وإنني أهنئك على صلابتك في عقيدتك، وأرجو المعذرة مرة أخرى".

إن علماء الأمة لا يمكن أن ينعزلوا عن قضايا أمتهم، فإذا ما احتلت الأرض وديست الحرمات انقلب هؤلاء العلماء إلى أسود ضراغم ونسور كواسر لا ينامون على ضيم ولا يرضون بذلٍ، بل يسارعون للدفاع عن الحمى.

الموقف الرابع: في سنة 187هـ نقـض صـاحب الروم نقفور الصلح الذي كـان بين المسلمين وبين الإمبراطورة أريني، بعد أن خلعها الروم وملكوه، فكتب إلى هارون الرشيد: من نقفور ملك الروم، إلى هارون ملك العرب، أما بعد: فإن الملكة التي كانت قبلي أقامتك مقام الرخ وأقامت نفسها مكان البيدق – والرخ والبيدق من أدوات الشطرنج، ومعروف أن الرخ أقوى حركة وقيمة من البيدق على رقعة الشطرنج – فحملت إليك من أموالها ما كنت حقيقاً بحمل أمثالها إليها، لكن ذلك ضعف النساء وحمقهـنّ، فإذا قرأت كتابي فاردد ما حمل قبلك من أموالها، وافتد نفسك بما يقع به المصادرة لك، وإلا فالسيف بيننا وبينك فلما قرأ الرشيد الكتاب استفزّه الغضب حتى لم يمكن لأحد أن ينظـر إليه فضلاً أن يخاطبه، وتفرق جلساؤه خوفاً من زيادة قول أو فعل يكون منهم، واستعجـم الرأي على الوزير من أن يشير عليه أو يتركه يستبد برأيه دونه، فدعـا بدواة وكتب على ظهـر الكتاب: بسم الله الرحمن الرحيم، من هارون أمير المؤمنين إلى نقفور كلب الروم، قـد قرأت كتابك يا بن الكافـرة، والجواب ما تراه لا ما تسمعه، والسلام.
ثم شخص من يومه وسار حتى أناخ بباب مدينة هرقلة، ففتح وغـنم، وخـرب وحرّق، فطلب نقفور الموادعة على خراج يؤديه في كل سنة، فأجابه الرشيد إلى ذلك، فلما رجع من غزوته، وصار بالرقـة نقض نقفور العهد وخان الميثاق، وكان البرد شديداً، فيئس نقفور من رجعة الرشيد إليه، وجاء الخبر بارتداده عما أخذ عليه فما تهيأ لأحد إخباره بذلك إشفاقاً عليه وعلى أنفسهم من الكرة في مثل تلك الأيام، فاحتيل عليه بشاعر يسمى أبا محمد بن عبد الله بن يوسف فقال له قصـيدة مطلعها:

نقض الذي أعطيته نقفور وعليه دائرة البوار تدورُ

فلما فرغ من إنشاده قال الرشيد: أو قد فعـل نقفور ذلك؟! وعلم أن الوزراء قد احتالوا له في ذلك، فكر راجعاً في أشد محنة وأغـلظ كلفة حتى أناخ بفنائه، فلم يبرح حتى رضي وبلغ ما أراد، وأذل نقفـور وجنده. وبعد فتح هرقلة كتب نقفور مع بطريقين من عظماء بطارقته في جارية من سبي هرقلة كتاباً قال فيه: "لعبد الله هارون الرشيد أمير المؤمنين من نقفور ملك الروم، سلام عليكم، أما بعد أيها الملك، إن لي حاجة لا تضرك في دينك ولا دنياك، هينة يسيرة، أن تهب لابني جارية من بنات أهل هرقلة، كنت قد خطبتها على ابني، فإن رأيت أن تسعفني بحاجتي فعلت، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته". واستهداه أيضاً طبيباً وسرادقاً من سرادقه، فأمر الرشيد بطلب الجارية وهي ابنة بطريق هرقلة فسلمت وسرادق كان الرشيد نازلاً فيه، مع آنية ومتاع وعطور وتمور إلى رسول نقفور. وفي هذه السنة اشترط الرشيد على نقفور ألاّ يعمر هرقلة، وعلى أن يحمل نقفور ثلاث مائة ألف دينار. وفي غزوة الرشيد هذه لهرقلة اتخذ قلنسوة كتب عليها: غاز حاج.

هذه صورة من صور عز الأمة الإسلامية يوم كانت مرهوبة الجناب، قوية الأركان، واليوم تُنتقص الأمة من أطرافها، ويهزأ بها كل الأمم لأنها هانت على الله فأهانها على أيدي الأراذل وشرار الخلق.

عندما تضعف أمة الإسلام فإن الأمم تطمع بخيراتها ومقدّراتها بل تتجرأ إلى غزو ديارها، وإن الأمم بعامة واليهود والنصارى بخاصة لا يُجدي معها سوى لغة إلقام الحجر! ولا يردعها سوى لغة ((خمس فواسق يُقتلن في الحلّ والحرم)) ولا يردّها خاسئة ذليلة حقيرة إلا منطق سليمان -عليه الصلاة والسلام-: {ارْجِعْ إِلَيْهِمْ فَلَنَأْتِيَنَّهُمْ بِجُنُودٍ لَّا قِبَلَ لَهُم بِهَا وَلَنُخْرِجَنَّهُم مِّنْهَا أَذِلَّةً وَهُمْ صَاغِرُونَ} [(37) سورة النمل] ولا يقطع دابرها سوى مقولة ((مَنْ لِكعب بن الأشرف فإنه قد آذى الله ورسوله)) ولا يردّها عما عزمت عليه غير منطق "الجواب ما ترى لا ما تسمع"!. فلله در هارون الرشيد! ألا يوجد مثلك اليوم رَجُلٌ رشيد؟!!

يا ألف مليون تكاثر عدّهم فالحرب دائرة على الإسلام
إنا سئمنا من إدانة مُنكرٍ يتقاسم الأعداء أوطاني على
أين النظام العالمي ألا ترى أين العدالة أم شعار يحتوي
ما دام أن الشعب شعب مسلمٌ يا أمتي والقلب يعصره الأسى
والله لن يحمي رُبا أوطاننا إن الصليب بأرضنا يتبخترُ
قومي فهل منكم أبيٌّ يثأرُ إنا مللنا من لسانٍ يزأرُ
مرأى الورى وكأننا لا نشعرُ شعباً يُباد وبالقذائف يُقبرُ؟
سفك الدماء وبالإدانة يُسترُ؟ لا حلّ إلا قولهم نستنكرُ!
إن الجراح بكل شبرٍ تُسعِرُ إلا الجهاد ومصحف يتقدّر


إن المواجهة بين المسلمين وأعدائهم لم تتوقف منذ فجر الإسلام، مصداقاً لقول الله تعالى: {وَلاَ يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّىَ يَرُدُّوكُمْ عَن دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُواْ} [(217) سورة البقرة] فالمعركة مستمرة، وإن تعددت ساحاتها وتبدلت أسلحتها لأن الشر من لوازم الخير، يقول الله تعالى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا مِّنَ الْمُجْرِمِينَ وَكَفَى بِرَبِّكَ هَادِيًا وَنَصِيرًا} [(31) سورة الفرقان] فسنة التداول الحضاري من طبيعة الحياة {وَتِلْكَ الأيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ} [(140) سورة آل عمران] ولعل ذلك من أقدار الله الغلَّابة ومن ابتلاءات الخير والشر، فالمسلمون مستهدفون بأصل إيمانهم وليس بسبب كسبهم أو فعلتهم في كثير من الأحيان، قال الله تعالى: {وَمَا نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلَّا أَن يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ} [(8) سورة البروج] وسوف تتداعى عليهم الأمم لتأكل خيراتهم وتستنـزف طاقاتهم وتتحكم ببلادهم كما تداعى الأكلة إلى قصعتها، وسوف تجتمع عليهم، ولن ترضى عنهم حتى يتخلوا عن دينهم ويصبحوا أتباعاً لليهود والنصارى {وَلَن تَرْضَى عَنكَ الْيَهُودُ وَلاَ النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ} [(120) سورة البقرة] وهذا قد يكون طبيعياً من الأعداء، لكن المشكلة في غالب الأحيان إنما تتمثل في غفلة المسلمين وسُبَاِتهم، وعدم اليقظة إلى مكر عدوهم {وَدَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ لَوْ تَغْفُلُونَ عَنْ أَسْلِحَتِكُمْ وَأَمْتِعَتِكُمْ فَيَمِيلُونَ عَلَيْكُم مَّيْلَةً وَاحِدَةً} [(102) سورة النساء]. وهذا الذي أتينا على ذكره من القرآن يشكل قانوناً أو سنة من سنن النهوض والسقوط، والتاريخ شاهد على ذلك في القديم والحديث، وكم غفل المسلمون أو تغافلوا عن هذا القانون وركنوا إلى الذين ظلموا، ووالوا أعداء الله، واتخذوا بطانة من دونهم لا يألونهم خبالاً، وخدعوا بعهود ووعود، فكان السقوط وكان التخلف وكانت الهزيمة الثقافية والسياسية والعسكرية، لكن من نعمة الله على المسلمين أن تسليط عدوهم عليهم ليس تسليط استئصال وإبادة، لأنهم أمة النبوة الخاتمة، وإنما تسليط إيذاء وعقوبة على المعاصي الفكرية، والمعاصي السياسية، والمعاصي الأخلاقية التي يقعون فيها، قال الله تعالى: {لَن يَضُرُّوكُمْ إِلاَّ أَذًى} [(111) سورة آل عمران] هذا الأذى ليس هو شراً دائماً بل هو في كثير من الأحيان خير {لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَّكُم بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ} [(11) سورة النــور] لأنه أشبه بالمحرّضات والمنبهات الحضارية، التي تشعر الأمة بالتحدي وتبصَّرها بمواطن التقصير وتقضي على الجوانب الرخوة في حياتها، فتستعد للإقلاع من جديد، فالغريب أن تتوقف المعارك ويتوقف الأذى، والغريب ألاّ يدرك المسلمون ذلك حق الإدراك، وهم يتلون القرآن ويقرؤون التاريخ.

الموقف الخامس: هذه قصة ولي من أولياء الله، اسمه "حامد آقصر ايلي" ولكنه عرف بين أهالي مدينة "بورصة" التركية باسم "صمونجي بابا" لأنه كان يبيع "الصمون"، -والصمون هو نوع من الخبر باللغة التركية-.

ولد حامد في مدينة "قيصرى" وسافر في طلب العلم إلى بلاد الشام وتبريز ووصل إلى أردبيل وهي: مدينة في شمالي غرب إيران اشتهرت بمكتبتها الكبيرة، وعاشت فترة من الازدهار الثقافي. وهناك التقى بالعالم الكبير "علاء الدين الأردبيلي" ولازمه، وبقي في خدمته سنوات عديدة، فنهل من علمه ودرج مثله في مدارج الورع والزهد، ثم رجع وسكن في مدينة "بورصة" وكانت آنذاك عاصمة الدولة العثمانية، كان ذلك في عهد السلطان بايزيد الأول.

قضى "صمونجي بابا" سنوات عديدة من عمره في مدينة "بورصة" يخبز الخبز في فرنه المتواضع في البيت، ثم يضعه في سلة كبيرة يحملها على ظهره، ويمشي في الأسواق وفي الأزقة، وما إن يراه الصبيان حتى يهتفوا جاء "صمونجي بابا" جاء "صمونجي بابا" وسرعان ما يجتمعون حوله، ويبتاعون منه الخبز. كان جميع أطفال وصبيان وأهالي "بورصة" يحبونه، فوجهه نوراني، وهو بشوش يحب الأطفال ويلاطفهم، وخبزه حار، ولذيذ ونظيف.

وعندما بدأ السلطان بايزيد ببناء الجامع الكبير، اعتاد عمّال البناء شراء الخبز من "صمونجي بابا".

اكتمل بناء هذا الجامع الذي يعد آية من آيات العمارة الإسلامية، وتعد الآيات الكريمة التي تزينه آية في فن الخط، وتقرر افتتاحه بصلاة الجمعة.

وفي يوم الجمعة حضر السلطان بايزيد الأول إلى الجامع مع الوزراء والعلماء، وجمعٌ وفير من أهالي "بورصة" حتى امتلأ هذا الجامع الكبير على سعته، وعندما حان وقت الخطبة، التفت السلطان إلى شيخ البلدة ومفتيها وكلّفه بإلقاء الخطبة. وقف الشيخ قرب المنبر، وبدأ يجول ببصره في الحضور وكأنه يفتش عن أحدهم، أجل كان يفتش عن "صمونجي بابا" فهو يعرف قدره وعلمه وإن جهله الناس، اعتقدوا أنه ليس إلا رجلاً طيباً يبيع الخبز. وأخيراً وقع بصره عليه، ثم قال بصوت سمعه كل الحضور، وهو يشير بيده إليه:

ليس في هذا الجامع من هو أحق من هذا الرجل من إلقاء هذه الخطبة. دُهش الحاضرون من هذا الكلام، وبدؤوا يتطلعون إلى الجهة التي أشار إليها المفتي وأحس "صمونجي بابا" بحرج شديد، فقد كتم أمره عن الناس طوال هذه السنوات، فلا يعرفون عنه إلا أنه بائع خبز، وها هو المفتي يفاجئه فيكشف أمره للناس.

قام من مكانه مضطراً واتجه إلى المنبر، والأنظار مُصوّبة إليه، وقبل أن يصعد إلى المنبر، مال على أذن المفتي وهمس له معاتباً: ماذا فعلت يا أخي؟ لقد كشفتني أمام الناس جميعاً. فأجابه المفتي بالهمس نفسه: أنت الأجدر بإلقاء هذه الخطبة يا أخي.

صعد الولي المتخفي على المنبر، وبعد أن حمد الله وأثنى عليه، قرأ سورة الفاتحة، وبدأ بتفسير معانيها الكبيرة من سبعة أوجه، وكانت خطبة، وتفسيراً رائعاً، أخذ بمجامع قلوب الحاضرين.

ولم يُخفِ المفتي الذي كان حاضراً، وسمع الخطبة التي حيرته ودهشته وأعجبته، فقال فيما بعد لأصدقائه: لقد شاهدنا عظمة هذا الرجل، وتبحره في العلم وفي التفسير، فالتفسير الأول للفاتحة فهمه الجميع، والتفسير الثاني فهمه البعض، والتفسير الثالث فهمه القلة والخواص فقط أما التفسير الرابع والخامس والسادس والسابع، فقد كان فوق طاقة إدراكنا. وانتشر الخبر في أرجاء العاصمة بسرعة، وعرف الجميع حقيقة هذا الرجل المتواضع الفقير، الذي يحمل سلة الخبز على ظهره، ويتجول في الأسواق وفي الأزقة، ويتلاطف مع الأطفال والصبيان، عرفوا أنه عالم كبير، وولي من أولياء الله، وانتظروا رؤيته، لكي يقبّلوا يديه ويسألوه فيما يشكل عليهم، ولكنهم لم يروه، أجل لم يروه بعد تلك الخطبة، لقد رحل هذا الولي عن "بورصة" بعد أن تكشف أمره، ورحل إلى مدينة أخرى لا يعرفه الناس فيها.

الموقف السادس: بعد أن تم فتح مدينة اسطنبول، على يد السلطان محمد الفاتح وضع السلطان تعليمات معينة حول القلاع والأسوار المحيطة بالمدينة، ومن هذه التعليمات، أوامر مشددة على وجوب سد وغلق جميع أبواب أسوار هذه القلاع بعد أذان المغرب، وتبقى هذه الأبواب مغلقة حتى أذان الفجر. وعُينت مفارز عديدة على هذه القلاع، لتطبيق هذه الأوامر وذلك لدواعي الأمن، وبذلك كان يمنع أي شخص من دخول المدينة أو الخروج منها ضمن هذه الفترة.
كان "سنان باشا" على رأس إحدى هذه المفارز، وفي أحد الأيام والسلطان محمد الفاتح مع كوكبة من حرسه خارج أسوار المدينة وقد تأخروا في الرجوع، وعندما وصلوا إلى باب السور رأوا أن الباب مغلق إذ كان أذان المغرب قد أذن قبل مدة. صاح أحد حراس السلطان: سنان باشا، افتح الباب. قام سنان باشا من مكانه، ونظر إلى أسفل فلم يستطع أن يتعرف على أحد، فقد كان الظلام مخيماً، نزل وصاح من خلف السور: من أنتم؟ قال السلطان محمد الفاتح: افتح الباب يا سنان قال: من أنتم؟ ولماذا تأخرتم حتى الآن؟ ولم يستطع أن يميز صوت السلطان، ولم يكن السلطان يعلن عن هويته. فقال السلطان لا تسأل من نحن، افتح الباب. فاحتد سنان باشا: كيف لا أسألكم؟ ألم تسمعوا بأمر السلطان؟ كيف أستطيع أن أفتح باب القلعة في هذه الساعة المتأخرة؟ اذهبوا من هنا، أو انتظروا حتى أذان الفجر، لا أستطيع مخالفة أمر السلطان، أم تريدون أن أسمع منه تقريعاً بسببكم؟.

ضحك السلطان وقال: كلا يا سنان، لن تسمع تقريعاً من السلطان إنني أتكفل بهذا لك. فقال: لكن من أنت حتى تستطيع أن تكفلني لدى السلطان؟ أم تحسب نفسك سلطاناً؟. فقال: أنا السلطان يا سنان ألم تعرفني؟.

فوجئ سنان باشا عند سماعه هذا، وأسرع بفتح الباب وهو يدمدم: أعذرني يا مولاي، لم أعرفكم، لم أكن أتوقع أن تخالفوا التعليمات التي وضعتموها بأنفسكم يا مولاي.

دخل السلطان من باب السور، ثم ترجل عن جواده ووضع يده على كتف سنان باشا وقال له: أنت عسكري جيد يا سنان باشا، لقد سررت جداً من التزامك بتعليماتي، لذا فتمنّ مني ما تشاء.

ذهل سنان باشا من كلام السلطان، فها هي كل الأبواب مفتوحة أمامه يستطيع أن يطلب أي مبلغ، وأي منصب، وكان السلطان ينظر إليه مبتسماً منتظراً الجواب منه. لم يتردد سنان باشا طويلاً، وطلب من السلطان ما كان يحلم به منذ سنوات وقال: ابن لي يا سلطاني جامعاً باسمي، لا أريد منك شيئاً آخر، جامعاً باسمي. قبل السلطان هذا الطلب وأمر ببناء جامع باسمه.

فإذا قُدّر لك أن تزور اسطنبول ومررت بجامع سنان باشا فإنه جامع تاريخي جميل، وقد عرفت قصة بنائه.

الموقف السابع: مواقف عجيبة لبعض علماء وقضاة الأمة، من ذلك: ما حصل للسلطان العثماني بايزيد الملقب بالصاعقة والفاتح الكبير، فاتح بلاد البلغار والبوسنة وألبانيا، السلطان الذي سجل انتصاراً ساحقاً على الجيوش الصليبية التي دعا إلى حشدها البابا لطرد المسلمين من أوروبا، والتي اشتركت فيها خمس عشرة دولة أوروبية كانت انجلترا وفرنسا والمجر من بينها، وذلك في المعركة التاريخية المشهورة والدامية معركة "نيغبولي"

هذا السلطان الفاتح اقتضى حضوره للإدلاء بشهادة في أمر من الأمور أمام القاضي والعالم المعروف "شمس الدين فناري". دخل السلطان المحكمة ووقف أمام القاضي، وقد عقد يديه أمامه كأي شاهد اعتيادي.

رفع القاضي بصره إلى السلطان، وأخذ يتطلع إليه بنظرات محتدة، قبل أن يقول له: إن شهادتك لا يمكن قبولها، ذلك لأنك لا تؤدي صلواتك جماعة، والشخص الذي لا يؤدي صلاته جماعة دون عذر شرعي يمكن أن يكذب في شهادته. نزلت كلمات القاضي نزول الصاعقة على رؤوس الحاضرين في المحكمة، كان هذا اتهاماً كبيراً، بل إهانة كبيرة للسلطان بايزيد، تسمّر الحاضرون في أماكنهم، وقد أمسكوا بأنفاسهم ينتظرون أن يطير رأس القاضي بإشارة واحدة من السلطان، لكن السلطان لم يقل شيئاً، بل استدار وخرج من المحكمة بكل هدوء. أصدر السلطان في اليوم نفسه أمراً ببناء جامع ملاصق لقصره، وعندما تم تشييد الجامع، بدأ السلطان يؤدي صلواته في جماعة.

هذا ما سجله المؤرخ التركي عثمان نزار في كتابه: "حديقة السلاطين" المؤلف قبل مئات السنين عندما كان المسلمون يملكون أمثال هؤلاء العلماء، ملكوا أمثال هؤلاء السلاطين.

وهذا موقف آخر للشيخ أحمد بن محمد الخراساني، كان إذا رأى منكراً غيّره ولو كان فيه تلفه، نزل يوماً فرأى زورقاً فيه ثلاثون جرة، فقال للملاح: ما هذا؟ قال: ما يلزمك؟ فألح عليه، فقال: أنت كثير الفضول هذا خمر للمعتضد -الخليفة العباسي- قال: أعطني ذلك الفأس فاغتاظ وقال لأجيره: ناوله حتى أبصر ما يصنع، فأخذه ونزل فكسرها كلها غير جرة، فأُخذ فأدخل على المعتضد فقال: من أنت ويلك؟ قال: محتسب، قال: ومن ولاك الحسبة؟ قال: الذي ولاك الإمامة يا أمير المؤمنين! فأطرق، وقال: ما حملك على فعلك؟ قال: شفقة مني عليك قال: كيف سلمت هذه الجرة؟ فذكر أنه كان يكسرها ونفسه مخلصة خاشعة، فلما وصل إلى هذه الجرة أعجبته نفسه فتركها.

كان العلماء في السابق يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر في شجاعة عجيبة، حتى إنهم ربما عرضوا أنفسهم لبطش طاغية أو إيذاء ظالم، لا يبتغون من ذلك سوى القيام بحـق الله تعالى، عاملين بقول رسـول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((أفضل الجهاد كلمة عدل عند سلطان جائر)).

وهذا موقف آخر لقاضي اسطنبول في عهد السلطان محمد الفاتح، وذلك عندما أمر السلطان ببناء أحد الجوامع في مدينة اسطنبول، وكلف أحد المعماريين الروم بالإشراف على بناء هذا الجامع، إذ كان هذا الرومي معمارياً بارعاً. وكان من بين أوامر السلطان أن تكون أعمدة هذا الجامع من المرمر، وأن تكون هذه الأعمدة مرتفعة ليبدو الجامع فخماً، وحدد الارتفاع لهذا المعماري، ولكن المعماري الرومي لسبب من الأسباب أمر بقص هذه الأعمدة، وتقصير طولها دون أن يخبر السلطان أو يستشيره في ذلك، وعندما سمع السلطان بذلك استشاط غضباً، إذ إن هذه الأعمدة التي جلبت من مكان بعيد، لم تعد ذات فائدة في نظره، وفي ثورة غضبه أمر بقطع يد هذا المعماري، ومع أنه ندم على ذلك إلا أنه كان ندماً بعد فوات الأوان. ولم يسكت المعماري عن الظلم الذي لحقه، بل راجع قاضي اسطنبول الشيخ "صاري خضر جلبي" الذي كان صيت عدالته قد ذاع وانتشر في جميع أنحاء البلاد، واشتكى إليه ما لحقه من ظلم من قبل السلطان محمد الفاتح. لم يتردد القاضي في قبول هذه الشكوى، بل أرسل من فوره رسولاً إلى السلطان يستدعيه للمثول أمامه في المحكمة، لوجود شكوى ضده من أحد الرعايا. ولم يتردد السلطان كذلك في قبول دعوة القاضي، فالحق والعدل يجب أن يكون فوق كل سلطان، وفي اليوم المحدد حضر السلطان إلى المحكمة، وتوجه للجلوس على المقعد قال له القاضي: لا يجوز لك الجلوس يا سيدي بل عليك الوقوف بجانب خصمك. وقف السلطان محمد الفاتح بجانب خصمه الرومي، الذي شرح مظلمته للقاضي، وعندما جاء دور السلطان في الكلام، أيد ما قاله الرومي. وبعد انتهاء كلامه وقف ينتظر حكم القاضي، الذي فكّر برهة ثم توجه إليه قائلاَ: يجب قطع يدك أيها السلطان قصاصاً لك!. ذهل الرومي، وارتجف دهشة من هذا الحكم الذي نطق به القاضي، والذي ما كان يدور بخلده أو بخياله لا من قريب ولا من بعيد، فقد كان أقصى ما يتوقعه أن يحكم له القاضي بتعويض مالي. أما أن يحكم له القاضي بقطع يد السلطان محمد الفاتح فاتح القسطنطينية الذي كانت دول أوروبا كلها ترتجف منه رعباً، فكان أمراً وراء الخيال، وبصوت ذاهل وبعبارات متعثرة قال الرومي للقاضي، بأنه يتنازل عن دعواه، وأن ما يرجوه منه هو الحكم له بتعويض مالي فقط، لأن قطع يد السلطان لن يفيده شيئاً، فحكم له القاضي بعشر قطع نقدية لكل يوم، طوال حياته تعويضاً له عن الضرر البالغ الذي لحق به. ولكن السلطان قرر أن يعطيه عشرين قطعة نقدية كل يوم، تعبيراً عن فرحه لخلاصه من حكم القصاص، وتعبيراً عن ندمه كذلك.

وأيضاً من مواقف العلماء: ما كان من السلطان محمد الفاتح فإنه كان يكن لأستاذه الشيخ "آق شمس الدين" مشاعر الحب والإجلال والتوقير، ويزوره على الدوام، حيث يستمع لأحاديثه ونصائحه ويستفيد من علمه الغزير. وكان أستاذه هذا مهيباً لا يخشى سوى الله، لذا فإنه عند قدوم السلطان لزيارته، لا يقوم له من مجلسه ولا يقف له. أما عند زيارته للسلطان فقد كان السلطان يقوم له من مجلسه توقيراً له واحتراماً ويجلسه بجانبه.

وقد لاحظ ذلك وزارء السلطان وحاشيته، لذا لم يملك أحدهم نفسه من إبداء دهشته للسلطان فقال له: لا أدري يا سلطاني العظيم، لم تقوم للشيخ "آق شمس الدين" عند زيارته لك، من دون سائر العلماء والشيوخ، في الوقت الذي لا يقوم لك تعظيماً عند زيارتك له؟!. فأجابه السلطان: أنا أيضاً لا أدري السبب ولكني عندما أراه مقبلاً عليّ لا أملك نفسي من القيام له، أما سائر العلماء والشيوخ، فإني أراهم يرتجفون من حضوري، وتتلعثم ألسنتهم عندما يتحدثون معي، في الوقت الذي أجد نفسي أتلعثم عند محادثتي هذا الشيخ. وفي فتح القسطنطينية أراد السلطان أن يكون شيخه بجانبه أثناء الهجوم فأرسل إليه يستدعيه، لكن الشيخ كان قد طلب ألا يدخل عليه أحد خيمته ومنع حراس الخيمة رسول السلطان من الدخول، غضب محمد الفاتح وذهب بنفسه إلى خيمة الشيخ ليستدعيه، فمنع الحراس السلطان من دخول الخيمة بناءً على أمر الشيخ، فأخذ السلطان خنجره وشق جدار الخيمة في جانب من جوانبها ونظر إلى الداخل فإذا شيخه ساجداً لله في سجدة طويلة وعمامته متدحرجة من على رأسه وشعر رأسه الأبيض يتدلى على الأرض، ولحيته البيضاء تنعكس مع شعره كالنور، ثم رأى السلطان شيخه يقوم من سجدته والدموع تنحدر على خديه، فقد كان يناجي ربه ويدعوه بإنزال النصر ويسأله الفتح القريب.
عاد السلطان عقب ذلك إلى مقر قيادته ونظر إلى الأسوار المحاصرة فإذا بالجنود العثمانيين قد أحدثوا ثغرات بالسور تدفق منها الجنود إلى القسطنطينية، ففرح السلطان بذلك وقال: ليس فرحي لفتح المدينة إنما فرحي بوجود مثل هذا الرجل في زمني.

وبعد يوم من الفتح جاء السلطان إلى خيمة الشيخ وهو مضطجع فلم يقم له، فقبل السلطان يده وقال له: جئتك لحاجة، قال: وما هي؟ قال: أن أدخل الخلوة عندك، فأبى، فأبرم عليه السلطان مراراً وهو يقول: لا فغضب السلطان وقال: إنه يأتي إليك واحد من الأتراك فتدخله الخلوة بكلمة واحدة وأنا تأبى عليّ، فقال الشيخ: إنك إذا دخلت الخلوة تجد لذة تسقط عندها السلطنة من عينيك فتختل أمورها فيمقت الله علينا ذلك، والغرض من الخلوة تحصيل العدالة، فعليك أن تفعل كذا وكذا وذكر له شيئاً من النصائح، ثم أرسل إليه ألف دينار فلم يقبل، ولما خرج السلطان قال لبعض من معه من الوزراء: ما قام الشيخ لي. فقالوا له: لعله شاهد فيك من الزهو بسبب هذا الفتح الذي لم يتيسر مثله للسلاطين العظام، فأراد بذلك أن يدفع عنك بعض الزهو.

الموقف الثامن: أظنك لم تسمع بمعركة "قوصووه". كان السلطان مراد الأول الذي حكم الدولة العثمانية ثلاثين عاماً، شغوفاً بالجهاد، فما إن أصبح السلطان عام 761 للهجرة حتى بدأ الجهاد، وتوغل في بلاد البلقان فاتحاً بنفسه وعن طريق قواده مما أثار الصرب الذين فشلوا كثيراً في حروبهم ضد العثمانيين، فتحالف الصرب والبوسنيون والبلغار، وأعدّوا جيشاً أوروبياً صليبياً كثيفاً لحرب السلطان الذي كان قد وصل بجيوشه إلى منطقة كوسوفو في البلقان.

ومن الموافقات العجيبة أن وزير السلطان مراد الذي كان يحمل مصحفاً فتحه على غير قصد، فوقع نظره على هذه الآية: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتَالِ إِن يَكُن مِّنكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُواْ مِئَتَيْنِ وَإِن يَكُن مِّنكُم مِّئَةٌ يَغْلِبُواْ أَلْفًا مِّنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لاَّ يَفْقَهُونَ} [(65) سورة الأنفال] فاستبشر بالنصر، واستبشر معه المسلمون، ولم يلبث أن نشب القتال بين الجمعين، وحمي وطيسه، واشتدت المعركة، وانجلت الحرب عن انتصار المسلمين انتصاراً حاسماً.

وبعد الانتصار في "قوصووه" وتعني إقليم كوسوفو، قام السلطان مراد يتفقد ساحة المعركة ويدور بنفسه بين صفوف القتلى من المسلمين ويدعو لهم، كما كان يتفقد الجرحى، وفي أثناء ذلك قام جندي من الصرب كان قد تظاهر بالموت وأسرع نحو السلطان فتمكن الحرس من القبض عليه، ولكنه تظاهر بأنه جاء يريد محادثة السلطان ويريد أن يعلن إسلامه على يديه، وعند ذلك أشار السلطان للحرس بأن يطلقوه، فتظاهر بأنه يريد تقبيل يد السلطان، وقام في حركة سريعة بإخراج خنجر مسموم طعن به السلطان فاستشهد به -رحمه الله- تعالى في الخامس عشر من شهر شعبان سنة 791 هـ، عن عمر يناهز 65 عاماً، بعد أن دخل 37 معركة في فترة حكمه لم يخسر منها أي واحدة. وكانت آخر كلمات السلطان قبل موته: "لا يسعني حين رحيلي إلا أن أشكر الله، إنه علاّم الغيوب المتقبل دعاء الفقير أشهد أن لا إله إلا الله، وليس يستحق الشكر والثناء إلا هو، لقد أوشكت حياتي على النهاية ورأيت نصر جند الإسلام، أطيعوا ابني يزيد ولا تعذبوا الأسرى ولا تؤذوهم ولا تسلبوهم وأودعكم منذ هذه اللحظة وأودع جيشنا الظافر العظيم إلى رحمة الله فهو الذي يحفظ دولتنا من كل سوء". رحم الله السلطان مراد الأول.

وأظنك لم تسمع أيضاً بمعركة "مارتيزا". بطلها السطان نفسه مراد الأول الذي تولى السلطة في الدولة العثمانية سنة 761 هـ وعمره ستة وثلاثون عاماً، فكان بذلك ثالث سلاطين الدولة العثمانية، وكان شجاعاً مجاهداً فتح مدينة "أدرنة" وجعلها عاصمة الدولة ليكون على مقربة من الجهاد في أوربا، ومضى في حركة الجهاد والدعوة وفتح الأقاليم. وخاف الأمراء الأوروبيون الذين أصبح العثمانيون على حدودهم فكتبوا إلى ملوك أوروبا الغربية وإلى البابا يستنجدون بهم ضد المسلمين، حتى إمبراطور القسطنطينية ذهب إلى البابا وركع أمامه وقبل يديه ورجليه ورجاه الدعم رغم الخلاف المذهبي بينهما، فلبى البابا النداء وكتب إلى ملوك أوروبا عامة يطلب منهم الاستعداد للقيام بحرب صليبية جديدة حفاظاً على النصرانية من التقدم الإسلامي الجديد. ولكن السلطان مراد انطلق يفتح مقدونيا، فتكوّن تحالف أوروبي بلقاني صليبي سريع باركه البابا، وضم الصربيين والبلغاريين والمجريين والبوسنيين. وقد استطاعت الدول الأعضاء في التحالف الصليبي أن تحشد جيشاً بلغ عدده ستين ألف جندي وسـار الجميع نحو أدرنـة، غير أنه قد تصـدى لهم القائد العثماني "لالاشاهين" بقوة تقل عدداً عن القوات المتحالفة، وقابلهم على نهر مارتيزا وهو نهر صغير ينبع من غربي بلغاريا ويمر على أدرنة ثم يصب في بحر إيجه، حيث وقعت معركة مروعة وانهزم جيش التحالف، وهرب الأميران الصربيان، ولكنهما غرقا في نهر مارتيزا، ونجا ملك المجر بأعجوبة من الموت، أما السلطان مراد الأول فكان في هذه الأثناء مشتغلاً بالقتال في فتح آسيا الصغرى. وكان من نتائج انتصار العثمانيين على نهر مارتيزا أمور مهمة منها:

أنه تم لهم فتح مقدونيا ووصلوا إلى جنوب بلغاريا وإلى شرقي صربيا وأصبحت مدن وأملاك الدولة البيزنطية وبلغاريا وصربيا تتساقط في أيديهم كأوراق الخريف. مرة أخرى رحم الله السلطان مراد الأول.

وأخيراً الموقف التاسع: نخصصه للأخت المسلمة: إن للمرأة دوراً كبيراً وعظيماً في الإسلام لا ينسى، تحتاج إلى محاضرة مستقلة، لذا فنجعل مسك ختامنا هذه الليلة مع هذا الموقف العظيم لأميمة بنت خلف.

فحين بدأت الدعوة الإسلامية تظهر في مكة المكرمة كانت أميمة بنت خلف بن أسعد الخزاعية ممن صادفت همسات الإيمان قلبها خالياً فتمكنت منه، حيث حدّثها زوجها خالد بن سعيد بن العاص عن إسلامه واتباعه للرسول -صلى الله عليه وسلم- فأسلمت وصدّقت، وإليك قصة إسلامها مع زوجها: كان خالد بن سعيد قد رأى في النوم أنه واقف على شفير النار، فذكر من سعتها ما الله به عليم، ويرى في النوم كأن أباه يدفعه فيها، ويرى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- آخذاً بحقويه لئلا يقع، ففزع من نومه فقال: أحلف بالله إن هذه الرؤيا حق. فلقي أبا بكر الصديق -رضي الله عنه- فذكر ذلك له، فقال أبو بكر: أريد بك خير، هذا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فاتبعه، فإنك ستتبعه وتدخل معه في الإسلام الذي يحجزك من أن تقع فيها. وأسلم خالد وحسن إسلامه، ودعا زوجه أميمة إلى الإسلام فأسلمت كذلك. وعلم أبوه بإسلامه فأرسل في طلبه من بقي من ولده ولم يسلم، فوجدوه فأتوا به إلى أبيه، فأنبه وبكته وضربه بمقرعة في يده حتى كسرها على رأسه، ثم قال: أتبعت محمداً وأنت ترى خلاف قومه، وما جاء به من عيب آلهتهم وعيب من مضى من آبائهم؟ فقال خالد: قد صدق، والله اتبعته. فغضب أبوه ونال من ابنه وشتمه، ثم قال: اذهب يا لكع حيث شئت فوالله لأمنعنك القوت، فقال خالد: إن منعتني فإن الله يرزقني ما أعيش به. فأخرجه وقال لبنيه: لا يكلمه أحد منكم إلا صنعت به ما صنعت به. فانصرف خالد إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فكان يلزمه ويكون معه، ووقفت أميمة بنت خلف إلى جانب زوجها، تتحمل الشدائد، وتقهر العذاب بالتضحية، وتتفوق على الحرمان بزاد الإيمان الذي لا ينفد. ولما أمر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أصحابه بالهجرة إلى أرض الحبشة كان خالد وزوجه أميمة أول من هاجر إليها، وولدت له هنالك ابنه سعيد بن خالد، وابنته أمة بنت خالد التي اشتهرت بكنيتها فيما بعد: أم خالد بنت خالد. ولبثت أميمة في أرض الحبشة مع زوجها وولديهما بضعة عشرة سنة حتى بعث رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عمرو بن أمية الضمري، فحملهم في سفينتين، فقدم بهم عليه، ووجدوا أن رسول الله صلى عليه وسلم قد فرغ من فتح خيبر، وسعدوا بلقاء النبي -صلى الله عليه وسلم- والمؤمنين بعد أن مكثوا في الحبشة طالت فيها غيبتهم وغربتهم. عاش خالد إلى زمن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- حيث قتل في معركة مرج الصفّر في المحرم سنة أربع عشرة، وعلمت أميمة -رضي الله عنها- بوفاة زوجها فصبرت واحتسبت، فكيف لا تفعل ذلك وقد صبرت واحتسبت معه سنوات عديدة، وهي تنتظر مفارقة هذه الدنيا لتلقى زوجها في جنة عرضها السموات والأرض.
والحمد لله أولاً وآخراً...
Go to the top of the page
 
+Quote Post

Reply to this topicStart new topic
1 عدد القراء الحاليين لهذا الموضوع (1 الزوار 0 المتخفين)
0 الأعضاء:

 

RSS نسخة خفيفة الوقت الآن: 28th April 2024 - 06:02 PM