محمد الفاتح والألتراسلقد اتبعت الأنظمة التى صنعها الغرب فى العالم الإسلامى سياسة إلهاء الناس عن مشاكلهم الحقيقية، وإشغالهم بتوافه الأمور وسفاسفها، وقد ركزت هذه السياسة على فئة الشباب، باعتبارهم هم العامل الأكثر حيوية فى أى مجتمع، والقادر على إحداث هزات فيه، فعمد الحكام تسهيل التعامل بالمخدرات لإغراق شباب الأمة فيها، وفى وحلها، ولم يكتفوا بذلك، بل أنفقوا الملايين على كرة القدم، وشجعوا التعصب الأعمى للفرق الرياضية حتى تم تصدير ظاهرة الألتراس إلى بلادنا. فتم استيعاب عشرات الآلاف من الشباب ونظمهم فى تجمعات أقل ما يقال فيها إنها مضيعة للوقت، وتبديد لثروة غالية هم الشباب. وبعد الثورة كان المفروض أن يتم استغلال هذه الطاقات الهائلة الموجودة عند شباب الألتراس فى أهداف راقية تليق بشباب خير أمة أخرجت للناس، إلا أننا وجدنا استغلالهم فى الطريق الخطأ الذى زاد من تطرفهم، وتم اعتبارهم كياناً مخرباً داخل الدولة، بدل أن يكونوا وقوداً لشعلة النهضة.
إن دور الشباب فى تاريخ أمة الإسلام ناصع منذ أن كان أسامة بن زيد قائداً للجيش وعمره لم يتجاوز السادسة عشر عاماً، مروراً بالسلطان الغازى محمد الفاتح، الذى جمع إليه العلماء حين تم تقليده عرش السلطنة، وسألهم عن مشاكل الرعية التى يعانون منها، فأخبروه عنها ولم يجدها الفاتح مشاكل ذات أهمية، ورأى ضرورة تحميل شباب الأمة قضية تخرجهم من مشاكل الحياة الآنية، ويرتفعون للمستوى الذى يليق بهم. فلم يرالفاتح إلا أن يشغلهم بقضية تضعهم فى زمرة من يستحقون المدح والثناء من حبيبهم المصطفى صلوات الله وسلامه عليه، فقرر فتح القسطنطينية، ذلك الأمل الذى عاش حياته منشغلاً به، حيث رباه أبوه من صغره على أن يكون فاتحها.
نظم الفاتح شباب دولته تحت قيادته، وقرر بناء قلعته الشهيرة على البسفور "قلعة روميللى حصار"، وأعطى جنده مهلة 3 أشهر لينجزوها، وبالفعل استطاعوا فى معجزة معمارية أن يتموا هذا العمل الضخم الذى تم تشييده على شكل اسم محمد، تيمناً برسول الله صلى الله عليه وسلم، وترويحاً للجنود.
أنهى الفاتح قلعته وأحكم الحصار على مداخل القسطنطينية من جهة الشمال، ثم باشر فتح المدينة التى استعصت على جميع من سبقوه منذ عهد صحابة رسول الله. وفى ليلة الثلاثاء من 29 مايو لعام 1453، صلى الفجر بجنوده، ثم ذكرهم ببشرى رسول الله، التى بشر فيها بفتح القسطنطينية ومدح فيها القائد والجيش، وما أن حمّلَهم الفاتح هذه المسؤولية، تحولوا لجيش لا يقهر، واستطاعوا أن ينجزوا المهمة التى اهتزت لها أوروبا، وفتحوا القسطنطينية لتعلو على أسوارها راية الإسلام وتتحقق بشرى رسول الله: "لتفتحن القسطنطينية فلنعم الأمير أميرها ولنعم الجيش ذلك الجيش"، رواه الإمام أحمد فى مسنده.
هذا مثال حى من تاريخ الأمة، يبين كيف تم الارتقاء بشبابها وتحميلهم قضية ترتفع بهم، فأمام فتح القسطنطينية وحمل الإسلام وتحقيق بشارة رسول الله تتهاوى كل مشاكل الحياة الآنية، لأن جعل الإسلام قضية مصيرية عند شباب الأمة ينتزعهم من الالتصاق بالأرض انتزاعاً.
والآن وبعد مرور عامين على الثورة، نرى ماذا حدث بشبابنا، فبدل أن تشغلهم قيادات ما بعد الثورة بحمل الإسلام وجعله قضيتهم المصيرية، تركتهم إما ضحايا للعنف، أو أداة للعنف وعدم الاستقرار. وفى الوقت الذى يحسدنا فيه أعداؤنا على هذه الثروة البشرية التى نمتلكها، نفرط نحن فيها دون أى إدراك لمعنى الشباب وطاقته المتفجرة التى حققت المعجزات فى تاريخ الأمة.
هل تدرك قيادات ما بعد الثورة ما معنى تجسيد الهوية الحقيقية لشباب الأمة؟
يكون هذا بتحميلهم الإسلام وجعله قضيتهم المصيرية، تماماً كما فعل الفاتح، فإن تم ذلك، فلن يكون تنفيس هؤلاء الشباب عن الطاقة التى بداخلهم عند قصر الاتحادية أو بالمقطم، بل ستظهر طاقتهم هذه على أسوار روما لتحقيق البشارة الثانية للمصطفى التى بشر فيها بفتح رومية، ولتخطى هؤلاء الشباب البحار التى وقف على شواطئها عقبة بن نافع، مخاطباً: "والله يا بحر لو أعلم أن وراءك أناساً لخضتك فى سبيل الله حتى لا يعبد على الأرض إلا الله".
وحتى يتم هذا لا بد أولاً لقيادات ما بعد الثورة أن تحمل الإسلام قضية، تضحى بالغالى والنفيس من أجله، فتنضبط الرعية ويتحولون كما كان شباب الفاتح لا يأبهون بأعدائهم، فتفتح أمامهم الدنيا.
- See more at:
http://www.almesryoon.com/permalink/117373...h.6TCuaj3a.dpuf===================
التعليق
بارك الله بالكاتب الدكتور ياسر صابرمقال آخر من مقالات الدكتور ياسر صابر القيمة
التي تفيد المتلقي ، وهذا المقال يبين للقارىء الدور الحقيقي للشباب وأهميتهم في نهضة الأمة لو كان في قيادة حقيقية
تهتم بهم وترعاهم .