منتدى الناقد الإعلامي

السلام عليكم , للمشاركة اختر ( دخول | تسجيل )



ملتيميديا

مقتطفات فيديو من انتاج الشبكة

 
Reply to this topicStart new topic
> السياسة الأمريكية: من سياسة الهيمنة إلى سياسة جنون العظمة إلى سياسة العجز!
أم عبادة
المشاركة Aug 12 2015, 03:34 PM
مشاركة #1


ناقد متميّز
****

المجموعة: المشرفين
المشاركات: 753
التسجيل: 11-March 15
رقم العضوية: 2,285




بسم الله الرحمن الرحيم

السياسة الأمريكية: من سياسة الهيمنة إلى سياسة جنون العظمة إلى سياسة العجز!


موضع البترول من السياسة الدولية في ظل الأسعار الراهنة:


قامت السياسة الأمريكية بعيد الحرب العالمية الثانية على مبدأ الهيمنة، لم تعتمد أمريكا في النصف الثاني من القرن العشرين على الاستعمار العسكري المباشر، كما كانت تفعل بريطانيا وفرنسا، بل اعتمدت كثيرا على قدر مهول مما كانت تنعم به من الثروة، وما لعبه اقتصادها العملاق من دور مركزي في العالم، فمن الناحية السياسية اعتمدت على تحالفات مع نخب وجيوش حاكمة تخشى أن ينقلب الناس عليها، فارتبطت بحكام مصر وجيشها، وحكام السعودية، وخوّفتهم من مصير الشاه، ومن البعبع الإيراني، وبذلك ربطتهم بها ربطا محكما، ومن الناحية الثقافية اعتمدت على جاذبية المجتمع الأمريكي الاستهلاكي الذي ابتدعته الولايات المتحدة وعاشته وروجت له، إلى جانب الغزو الهوليودي للعالم، لذلك كان يكفي الولايات المتحدة اعتماد ربط العرش السعودي بها، وتخويفهم بمصير الشاه، وربطهم - كغيرهم من شعوب العالم - بالناحية الاستهلاكية، وربط اقتصاد السعودية بالاقتصاد الأمريكي استثمارا، وتنمية، ومشاريع، وربط مبيعات النفط السعودي بالدولار الأمريكي، وهكذا، كانت تلك الفترة التي اعتمدت فيها أمريكا على سياسة الهيمنة، ومن ثم تلتها حقبة بنت فيها سياستها على جنون العظمة، خاصة بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر.

انتقل تأثير الولايات المتحدة على الساحة العالمية نقلة نوعية بانتهاجها سياسة جنون العظمة، (بعد الحادي عشر من سبتمبر) مما دمر الأسس السياسية والأيديولوجية التي نشأت عن سياستها السابقة القائمة على الهيمنة (حتى الحادي عشر من سبتمبر)، كانت سياسة الهيمنة قوامها التحالف مع حكومات وجيوش طاغية، ولكنها انتهجت سياسة جنون العظمة فلم تبال بوضع تلك الحكومات والجيوش أمام شعوبها، وعاملتها معاملة احتقار، الأمر الذي دفع الولايات المتحدة لعزلة دولية جعلتها موضع بغض من الحكومات والشعوب، وجعلها تمثل التهديد الأكبر للعالم، والإفراط في استعمال القوة العسكرية يؤكد مدى حساسية اقتصاد الولايات المتحدة الذي يغطي ما يقع في ميزانيته التجارية من عجز ضخم (شارف على العشرين تريليون دولار) مستثمرون آسيويون بدأت رغبتهم الاقتصادية في دعم الدولار المتهالك تنفد سريعا، وأخذ التأثير الاقتصادي للاتحاد الأوروبي واليابان وشرق آسيا وحتى منتجو النفط في الشرق الأوسط يتنامى.

وكان خطاب أمريكا العدواني واتخاذها خطوات للحرب أحادية الجانب بمعزل عن الأمم المتحدة نتاجا حتميا لشعورها بأن مستقبلها العالمي غير آمن، مما عمق وفاقم الأزمة داخل الولايات المتحدة ما جعلها تخسر مكانتها الدولية وقدرتها على التحكم بالأسواق والسلع كما نراه هذه الأيام في 2015 حين نزل سعر البترول لحدود الأربعين دولارا دون قدرتها على رفع السعر وتدارك الوضع.

كانت الولايات المتحدة تعتمد بشكل كبير على نفط الشرق الأوسط، وكانت السعودية تمثل أهمية خطيرة لها في تأمين حاجتها من النفط، منذ دخولها حلبة استخراج النفط السعودي في الثلاثينات من القرن العشرين إلى بدايات القرن الحادي والعشرين حين تسارعت وتيرة اكتشاف النفط في العالم بشكل كبير وأصبح من الواضح أن العالم يسبح فوق بحر من البترول، وقد زاد الإنتاج العالمي مؤخرا بشكل كبير، حتى فاضت السوق الناتج عن الحاجة.

وقد كان الركن الركين في السياسة الاستعمارية الأمريكية في العالم التحكم بالنفط لتتحكم من خلاله بدول العالم مثل اليابان والصين والهند وأوروبا.

وفي بدايات القرن الحادي والعشرين سربت أمريكا شائعات بأن النفط على وشك النضوب، وقد ألقى ليندزي ويليامز، المقرب من صناعة القرار في أمريكا والخبير بالحقول النفطية محاضرة أسماها: The Energy Non-Crisis- Lindsay Williams -Truth about Oil and Oil prices، وهي على اليوتيوب، قال فيها مما قال:

"أنه تم اكتشاف حقول في ألاسكا تستطيع أن تمول أمريكا بالنفط لمائتي سنة قادمة دون الحاجة لنفط من الخارج وأن أمريكا أهملتها وأبقت عليها حتى تبقى هناك مسألة الأزمة التي من خلالها تستطيع أمريكا أن تقوم بالتحكم بالعالم من خلال التحكم بالنفط".

كانت أسعار البترول ترتفع بوتيرة كبيرة، قاربت المائة والأربعين دولارا للبرميل، كان ذلك قبيل الأزمة المالية الكبيرة، ثم حصلت الأزمة بسبب سوق العقار، ونزلت أسعار البترول كثيرا.

ما زال البترول ذلك العنصر المهم للتحكم بالسياسة الدولية، ولا زالت أمريكا تعتبر الشرق الأوسط من ضمن مصالحها الحيوية التي تتخذ حيالها إجراءات الحرب والدفاع عن تلك المصالح.


مرحلة سياسة الهيمنة:

أعلن الرئيس الأمريكي دوايت أيزنهاور مبدأه الذي أقره الكونجرس عام (1956م) بعد حرب السويس وسقوط حلف بغداد وخروج القوات البريطانية منها.

ويتلخص مبدؤه بأن منطقة الشرق الأوسط هي منطقة حيوية ومهمة بالنسبة للولايات المتحدة الأمريكية، ويوجد بالمنطقة فراغ استراتيجي لا تستطيع أي دولة فيه ملؤه(1)، ولذلك فعلى الولايات المتحدة أن تملأه قبل أن يملأه الاتحاد السوفيتي أو أحد أعوانه في المنطقة.

ثم قال الرئيس الأمريكي نيكسون: أصبحت الآن مسألة من يسيطر على ما في الخليج العربي والشرق الأوسط تشكل مفتاحاً بيد من يسيطر على ما في العالم، وقال: "إن منطقة كانت ذات يوم تنعم إلى حد كبير بخيال رومانتيكي أصبحت الآن تمسك مصير العالم بذراعيها أو برمالها بتعبير أدق". وقال سفير أمريكي سابق في السعودية: "إننا ذهبنا لتصحيح خطأ الرب حيث جعل الثروة هنا بينما العالم المتحضر في مكان آخر".

وصف الأستاذ الجامعي عالم اللسانيات نعوم شومسكي Noam Chomsky بشكل دقيق هذه الاستراتيجية للولايات المتحدة فقال: «البترول الذي هو المورد الطبيعي الأساسي للاقتصاد الأمريكي ولكنه موجود في أراضٍ لا يملكها الأمريكيون، يجب أن تبقى الأراضي إذن تحت تصرف الولايات المتحدة؛ لذلك هي بالتأكيد مستعدة أن تقوم بالحرب من أجل أن تشتري البترول الذي لا تملكه وبالسعر الذي تفرضه» (2).

وأما كيف تفرض هذا السعر، فبإحدى طريقتين: فرض التعرفة من قبل الشركات العملاقة، وتلاعبات المضاربين، أو اصطناع ارتفاع وهبوط لأسعار المواد الخام في البورصة.

"قبل كل شيء علينا أن ننظر للهجوم المعادي للعراق بمنظار أوسع وهو القتال من أجل الحفاظ على حق الولاية الغربية وخاصة الأمريكية على المادة الأولية الحيوية ألا وهي البترول. فمن الوسائل الأكثر فاعلية في سلب العالم الثالث هي هذه السيطرة على المواد الأولية ولقد أمنت الحكومة الأمريكية لمجموعة اللوبي مصالحها الواسعة، وذلك كان إما بغرض التعرفة التي تقررها الشركات المتعددة الجنسية أو بممارسة ضغوط غير مباشرة (انخفاض أو ارتفاع مصطنع لأسعار المواد الأولية في بورصة شيكاغو)"(3) .

وقال نيسكون في مذكراته: "وبما أن النفط ضرورة وليست حاجة كمالية للغرب؛ فإن على الولايات المتحدة وحلفائها في أوروبا واليابان أن يجعلوا تقديم المساعدات الاقتصادية والعسكرية لحكومات المنطقة أفضلية ويولوا هذا الأمر أولوية في اهتماماتهم؛ وذلك لصد أي عدوان عليها داخلياً كان أم خارجياً، وينبغي علينا أن نكون على استعداد وراغبين في اتخاذ أي إجراءات - بما في ذلك الوجود العسكري القوي وحتى العمل العسكري - من شأنها أن تحمي مصالحنا، وينبغي علينا أن نكون على استعداد لتأييد أقوالنا بالأفعال. وإنه لمن الضرورة بمكان أن يكون للولايات المتحدة وسائل أساسية بحيث تساعدنا على عرض قوتنا بشكل مقنع في المنطقة، وأن ترد بشكل سريع على أية تهديدات مفاجئة..."، إلى أن يقول: "وفوق كل شيء يجب أن نؤكد بشكل واضح لا غموض فيه لزعماء العربية السعودية، وعُمان، والكويت، والدول الرئيسية الأخرى في المنطقة بأنه في حال تهديدها من قبل القوات الثورية سواء أكانت تهديداً من الداخل أو الخارج، فإن الولايات المتحدة ستقف إلى جانبهم بكل حزم، وهكذا لن يعانوا المصير الذي لقيه الشاه... وعلينا أيضاً أن تكون لدينا القوات التي يمكننا أن نستخدمها، فقد نركب المخاطر في الدفاع عن مصالحنا في الخليج العربي لكننا سنعرض أنفسنا لركب مخاطر أكثر جسامة إذا ما أخفقنا في الدفاع عن تلك المصالح"(4).

يخوف حكام الخليج بمصير الشاه، وأن الأمر بيد أمريكا، فإن لم يعبدوها: فسيلاقون مصير الشاه!

ثم قال جيمي كارتر في خطابه إلى الأمة في 23 كانون الثاني 1980: "إن للمنطقة التي تهددها الآن القوات السوفياتية الموجودة في أفغانستان أهمية استراتيجية كبرى، فهي تحتوي أكثر من ثلثي النفط العالمي القابل للتصدير"، فالوصول غير المنقطع إلى نفط الخليج الفارسي يشكل أهمية قصوى، وشدد كارتر على أن "الجهد السوفياتي للسيطرة على أفغانستان أوصل الجيش السوفياتي إلى مسافة 300 ميل من المحيط الهندي، وإلى مقربة من مضيق هرمز، الممر المائي الإجباري لمعظم نفط العالم" وليكن موقفنا واضحا وضوحا مطلقا" شارحا الخطوط العريضة لما سيسمى لاحقا "مبدأ كارتر": "سينظر إلى أي محاولة من أي قوة خارجية للسيطرة على منطقة الخليج الفارسي على أنها هجوم على مصالح الولايات المتحدة الأمريكية الحيوية، وسيرد مثل هذا الهجوم بكل الوسائل الضرورية بما فيها القوة العسكرية"(5).

ولا بد من التذكير بصرخة رونالد ريغان الرئيس الأمريكي الأسبق، التي أطلقها عام 1981م في المؤتمر الصحفي الذي جرى في تشرين الأول/أكتوبر داخل البيت الأبيض والتي قال فيها: "إن الولايات المتحدة لن تسمح بأن تخرج المملكة العربية السعودية من المعسكر الغربي... إن على واشنطن منذ اليوم تحديد النظام الذي يجب أن يكون في هذا البلد، وأية حكومة يجب أن تحكمه" (6).

"لن نسمح بأن تكون السعودية إيران ثانية، وبالنسبة للسعودية فإن العالم الحر كله وليس أمريكا فقط لن يسمح بأي تغيير فيها"(7) . أيضا يخوفهم بمصير الشاه!

وفي ظل إدارة كلينتون تم تطبيق مبدأ "مونرو" في منطقة الشرق الأوسط عندما أدلت وزيرة الخارجية السفيرة في الأمم المتحدة آنذاك - مادلين أولبرايت - بكلامها أمام مجلس الأمن، مبينة الأهمية القصوى للمنطقة بالنسبة للمصالح الأمريكية قائلة: "إننا سنتصرف "جماعيا عندما نستطيع، وسنتصرف أحاديا إذا استلزم الأمر" لأننا "نعتبر هذه المنطقة ذات أهمية قصوى للمصالح القومية" ومن ثم لا نعترف بأية حدود أو عراقيل، أو حتى بقانون دولي أو أمم متحدة" (8).

عندما أرسلت الولايات المتحدة عسكرها إلى العربية السعودية، كتب توماس فريدمان، المشرف على الزاوية الدبلوماسية في النيويورك تايمز في 12 آب يقول: "لم ترسل الولايات المتحدة جنودها إلى الخليج لتساعد السعودية على صد العدوان فقط، بل لتساند في الوقت نفسه أحد بلدان الأوبك، خدمة لمصالح واشنطن"(9).



مرحلة جنون العظمة:

لكن الملاحظ أن أمريكا بعد حربها في العراق وأفغانستان وخسائرها الضخمة لم تعد تستطيع أن تكون ذلك الشرطي العالمي، فإبان فترة حكم الرئيس كلينتون أعاد كلينتون تنظيم الحلف الأطلسي بإنشاء قوة للتدخل السريع من جهة قوامها 100 ألف جندي أمريكي ومن جهة أخرى قوة أساسية للدفاع مؤلفة من سبع وحدات مدرعة قوامها 500 ألف رجل من الجيوش الأوروبية والتعزيزات الأمريكية (الاحتياط).

وتم تعزيز سلطة القادة العليا للحلف في أوروبا فأمسك الضباط الأمريكيون وعلى جميع المستويات بالمراكز المفصلية للحافز، ويكفي أن نذكر حرب الخليج ثم حملة الصومال لكي نبرهن على أهمية النفوذ السياسي الأمريكي وكيف كانت رغبات واشنطن بالتدخل تترجم وكأنها أوامر.

ثم كانت مغامرات بوش الابن في العراق، والتي انتهت كارثية على كل المستويات، فلم تعد أمريكا قادرة الآن على توفير 100 ألف جندي أمريكي للتدخل ولم تعد قادرة على تسويق أي حروب جديدة، مما دفع أوباما لإنشاء الحلف الصليبي لقتال المسلمين بالمسلمين.


في ظل هذا التغير الجذري في قدرات أمريكا، لم تعد أمريكا أيضا قادرة على الإبقاء على نفسها شرطيا عالميا على سوق النفط وأسعاره، لذلك أرى أن انحسار قوة أمريكا العسكرية وقدراتها على بسط نفوذها بالقوة، صاحبه انحسار في قدرات أمريكا الاقتصادية للسيطرة على الأسواق العالمية، وأضحى في اللعبة منافسون جدد.

فكانت محاولة الإنجليز لضرب سعر النفط من خلال عبد الله بن سعود لكي لا تستطيع الشركات الأمريكية إنتاج النفط بسعر منافس، ضربة لم تستطع معها أمريكا أن تستفيق لتعود متحكمة بالوضع، حتى في ظل سلمان الأمريكي.

فهل ما نراه اليوم يمثل علامة على انحسار القوة الاقتصادية الأمريكية، خصوصا وأن المصالح الحيوية الأمريكية التي طالما تغنوا بها وأقاموا الحروب لأجلها مهددة، وهذه الشركات الكبرى العملاقة التي طالما أقامت الحروب من أجل نفوذها ووصولها لمصادر النفط، واستثماراتها فيه، وتحكمها بأسعاره، لا تستطيع الآن أن تتدارك الوضع وتستعيد خسائرها الضخمة؟

هل ما نراه إلا مؤشراً على انحسار قوة أمريكا وهيمنتها وتفردها، وأن انعتاق الأمة من ربقة التبعية لها سهل الآن، وفي متناول اليد، وأنها لم تعد تستطيع أن تشكل خطرا ماحقا على دولة الخلافة الراشدة الثانية على منهاج النبوة حين قيامها بإذن الله قريبا على أيدينا وأيدي المؤمنين؟

إننا الآن نرى بوادر مرحلة جديدة، بعد مرحلة الهيمنة الأمريكية، ومرحلة جنون العظمة الأمريكية، إننا نرى مرحلة العجز الأمريكي، وإنما يعول الأمريكان على من لم يفهم واقع التغييرات الدولية من حكام العرب والمسلمين ممن ارتضوا أن يكونوا أداة في يد أمريكا لتستمر في سياساتها الاستعمارية بعد أن فشلت فشلا ذريعا في قدرتها على الاستمرار بفرض هذه السياسات، فالآن ينبغي على القادرين على إعطاء النصرة لمشروع تحرير الأمة من ربقة التبعية للغرب أن يبادروا فأمريكا لم تعد قادرة! والأمة الآن أقدر من أي وقت مضى على أن تحكم نفسها بشرعة ربها من خلال دولة الخلافة الراشدة الثانية على منهاج النبوة التي ستضع كل ثروات المسلمين التي لطالما استنزفتها القوى الاستعمارية، وأقامت صروحا اقتصادية هائلة باستغلالها، ستضع هذه الثروات تحت تصرف الأمة الإسلامية لتبني الدولة الإسلامية بناء محكما، ينعم فيه كل رعايا الدولة بالخير والبركة.


كتبه للمكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
ثائر سلامة - أبو مالك
Go to the top of the page
 
+Quote Post
أم عبادة
المشاركة Aug 22 2015, 11:46 AM
مشاركة #2


ناقد متميّز
****

المجموعة: المشرفين
المشاركات: 753
التسجيل: 11-March 15
رقم العضوية: 2,285




بسم الله الرحمن الرحيم

السياسة الأمريكية: من سياسة الهيمنة إلى سياسة جنون العظمة إلى سياسة العجز!
القسم الثاني: معالم مرحلة العجز


في المقالة الأولى ركزنا على بيان مرحلة الهيمنة ومعالمها، ومرحلة جنون العظمة ومعالمها، والآن نبين معالم مرحلة العجز التي بدأت الولايات المتحدة الدخول فيها منذ محاولاتها الخروج من مستنقع أفغانستان، ومستنقع العراق.


وللتذكير بأهم معالم مرحلة الهيمنة:

أولا: المبادئ التي أعلنها الرؤساء الأمريكان، واحدا تلو الآخر باعتبار المصالح الحيوية لأمريكا، واستعدادها لخوض الحروب لتأمين تلك المصالح، مثل مبدأ أيزنهاور، ومبدأ كارتر، ومبدأ ريغان.

ثانيا: ربط قادة دول الخليج ومصر وأمثالهم وجيوشهم بأمريكا من خلال المصالح الاقتصادية التي تضمن الاستثمارات الأمريكية في تلك البلاد، وربط مبيعات النفط بالدولار، وفتح البلاد للشركات عابرة القارات، والتخويف بمصير الشاه.

ثالثا: ترجمة تلك المبادئ على أرض الواقع بإعادة تنظيم حلف الأطلسي وأخذ مكان الريادة فيه وتجنيد مائة ألف من القوات الأمريكية للتدخل السريع، ومن ثم ترجمت مرحلة الهيمنة على أرض الواقع في حرب الخليج الثانية وحرب الصومال.


أما مرحلة جنون العظمة، فقد كانت أهم ملامحها:

أولا: سياسة احتقار العملاء من رؤساء الدول وجيوشهم، ولو كلف ذلك تعريتهم أمام شعوبهم.

ثانيا: حرب العراق وحصاره، وحرب أفغانستان، وما فيها من سياسات إبادة تذكر بالقرون الوسطى، واستعمال الأسلحة النووية في حرب العراق، حتى بلغت نسبة السرطانات حوالي 48 بالمائة في جنوب العراق نتيجة لذلك.

ثالثا: عدم الاكتراث بما يسمى الأمم المتحدة وخوض الحروب بموافقة الأمم أو بعدم موافقتهم، وعدم الاكتراث بما يسمى الشرعة الدولية.

رابعا: لعب دور الشرطي العالمي، وجعل العالم أحادي القطب.


معالم مرحلة العجز:

تتمثل قوة الدولة (أمريكا مثالاً) على الصعيد العالمي بمعالم منها: قدرتها على تغيير الموقف الدولي أو التحكم به، أو التأثير في السياسة الدولية، وقدرتها على نشر المبدأ الذي تعتنقه (فصل الدين عن الحياة، ونشر الديمقراطية)، ومقدار ما تجعل المبدأ فعالا في علاقاتها الدولية، وتتمثل بالنسبة للولايات المتحدة بقدرتها على فرض السيطرة السياسية والعسكرية والثقافية والاقتصادية على الشعوب المغلوبة لاستغلالها، وقدرتها على منع خصومها من أن تكون لهم قوة قادرة على إزاحتها عن مركز القوة والهيمنة، وفتح المجال للشركات العابرة للقارات بالدخول لاستثمار واستغلال ثروات الشعوب والأمم وربط تلك الأمم اقتصاديا وسياسيا بالولايات المتحدة وفرض نمط أمريكا في العيش عليهم، وطمس حضارتهم وثقافتهم الذاتية.

ركزت فرنسا كثيرا على الاستعمار الثقافي لبسط الهيمنة على الدول التي استعمرتها، فاستغلت الاستعمار لنشر مبدئها، ودخلت في صراع حضاري حتى العظم مع الدول التي استعمرتها، فهل الحال هو نفسه بالنسبة لأمريكا؟

من معالم مرحلة العجز، وأول إرهاصات هذه المرحلة هي انفكاك المبدأ الرأسمالي (الفكرة) عن طريقة نشر عقيدته أي الاستعمار، فالمبدأ ليس هو العنصر الفعال في علاقات أمريكا الدولية، فبعد الانتقال من سياسة الهيمنة والتي كان المبدأ - الديمقراطية وفصل الدين عن الحياة - يلعب فيها دورا كبيرا، إلى مرحلة جنون العظمة، أضحت القبضة الحديدية هي الأداة الفعالة، وتأخر المبدأ كثيرا، ثم من بعد أضحى التركيز على الاستعمار نفسه واستغلال ثروات الشعوب ولم تُعنَ الولايات المتحدة بنشر العقيدة نفسها من خلال الاستعمار، أي لم تركز على نشر الديمقراطية وفصل الدين عن الحياة، إلا في إطار خدمة مصالح الشركات الإمبريالية العابرة للقارات وتأمين مصالحها، فإن كان من ضرورة سياسية - لا مبدئية - لإبرازه أبرزته وإلا أهملته.

أما ما نراه من تكالب على حماية العلمانية وقيمها والدعاية لها، ومحاربة القيم الإسلامية في العالم الإسلامي من قبل أمريكا، فيعود ذلك إلى حرص أمريكا على مصالحها خشية خروج المنطقة من دائرة نفوذها، فهي لا تسعى لحماية تلك القيم لأجل تلك القيم، وإنما لتضرب بها الحضارة الإسلامية ومحاولة المسلمين الانفكاك من التبعية لأمريكا.

فالحرب الأهلية في أوغندا ورواندا استمرت لسنوات، وراح ضحيتها مئات الآلاف من البشر، وكذلك أحداث زائير (الكونغو الديمقراطية) لم يظهر فيها إلا الجشع المادي، والصراع على النفوذ بين أوروبا وأمريكا. ولم تكن بريطانيا، ومن معها من حلفائها الأوروبيين وأمريكا، تلتفت إلى شيء في أفريقيا، إلا إلى المنافع المادية، وبذلك أصبح الاستعمار في أفريقيا أقرب إلى أن يكون غاية من أن يكون طريقة.(1)

ثم إن هذه المبادئ التي يروجون لها خرجت عن قيمها الإنسانية إلى أن تكون قيما إمبريالية، فحقيقة حقوق الإنسان ونشر الديمقراطية وتشريع القوانين التي تحميها، ليس ذلك كله إلا في إطار نشر قيمٍ إمبرياليةٍ بشعةٍ.

فالأمريكان يغلفون دعواتهم بغلاف نشر الديمقراطية وحقوق الإنسان، مثل منع التعذيب والضرب والقتل وتحسين أمن الناس، هكذا في خطاباتهم التي يروجون بها لمبادئهم، ولكن المتعمق في فكرهم الليبرالي الذي يمثله منظرو البنك الدولي وصندوق النقد يدرك أن الحقوق يجب أن تتمحور حول الأسواق الحرة وسيادة القانون، من قِبَلِ الحكومات التي تُفْرَضُ من قِبَلِ الاحتلال، لا الحقوق الاجتماعية أو الانسانية، أو توفير الحاجات الاجتماعية، ففكرة حقوق الإنسان تتمحور في إطار ضرورات الإمبريالية الليبرالية والتجارة العالمية الحرة، وتشريع القوانين التي تخدمها.(2)

قال توماس فريدمان، كبير مراسلي الشئون السياسية في صحيفة النيويورك تايمز، "إن نصر أمريكا في الحرب الباردة كان نصرا لمجموعة من المبادئ السياسية والاقتصادية تقوم على الديمقراطية وحرية السوق" وفي النهاية سيفهم العالم أن "السوق الحر هو المستقبل، ذلك المستقبل الذي تمثل فيه أمريكا صمام الأمان والنموذج الذي يحتذى"(3)

إذن فالانفكاك واضح بين المبدأ وبين طريقته، فلم تعد الولايات المتحدة حريصة إلا على مصالح الشركات العابرة للقارات، وفتح الأسواق لها، وإقامة الحروب لتدمير البنى التحتية للدول باستعمال أسلحة تنتجها المصانع الأمريكية ثم فتح تلك البلاد أمام الشركات العابرة للقارات لإعادة إعمارها بأموال أهلها، لتصب المصلحة في الحالين في خدمة الاقتصاد الأمريكي، وجعلت كل قيمها ومبادئها التي تروج لها دوليا قائمة على أساس ضرورات الإمبريالية والتجارة العالمية الحرة التي تضمن مصالح الشركات العملاقة، فلم تعن بالقيم الإنسانية، لذلك تراها تزود السلاح لكيانات دموية - ككيان يهود، وكيان مصر - وتمنعه عن حركات تحررية، وتراها تضمن لبلطجيتها من شركات الحماية ومن قواتها الغازية التي تقتل بالجملة الحماية من الملاحقة القانونية، فهي تحتكم لشرعة الغاب.

نشر موقع البي بي سي العربي تقريرا حول تسريب موقع ويكي ليكس للوثائق الخاصة بالحرب العراقية، في 23 تشرين الأول/أكتوبر 2010 "وقال موقع ويكيليكس في بيان له أن الوثائق التي تمتد من عام 2003 حتى عام 2009 تعرض بالتفصيل مقتل 66081 مدنيا في الحرب العراقية. وذكر ويكيليكس في بيانه: "توجد تقارير عن قتل مدنيين بشكل عشوائي عند نقاط تفتيش .. ولمعتقلين عراقيين يعذبون على يد قوات الائتلاف وعن جنود أمريكيين يفجرون مبانيَ مدنية بالكامل بسبب وجود متمرد واحد مشتبه به على السطح".

ومثال آخر نضربه وهو أنها تروج لصناديق الاقتراع في الانتخابات على أنها تمثل قمة الديمقراطية والغاية العظمى، فإذا ما جاءت هذه النتائج بإسلاميين للحكم ضربت بهذه القيمة الرئيسية من قيمها عرض الحائط!

وتعذيب أمريكا بيدها أو بيد 54 دولة المشتبه فيها فيما يسمى الإرهاب بأساليب وحشية، مثل الإيهام بالغرق، ومنها تعليق المعتقل بالسقف من رجليه وإلباسه حفاظا وإجباره بالتغوط على نفسه، وغير ذلك من الأساليب التي يندى لها الجبين، فإن فشلت سلمت المعتقل لدول عربية وأوروبية وغيرها، تتولى عنها التعذيب لتنتزع الاعترافات.

أما المعلم الثاني لدخول أمريكا مرحلة العجز فهو ضعف قدرتها على فرض السيطرة السياسية والعسكرية والثقافية والاقتصادية على الشعوب المغلوبة لاستغلالها.

حين نقول بأن أمريكا دخلت مرحلة العجز، فإن ذلك لا يعني أنها هبطت عن مكان الدولة الأولى في العالم، ولا أنها آيلة للسقوط الذاتي عن قريب، لكننا نضع علامة استفهام كبيرة على قدرتها على فرض سياساتها، وضمان مصالحها، وهذا يعني أنها: غير قادرة على إدارة الأزمات بشكل فعال يضمن مصالحها، فبعد أن كانت تهوي بعصاها الغليظة تضرب بها كل من يقترب من مصالحها دخلت في مرحلة التخبط والضياع، ومثال ذلك سوريا، فهي لم تستطع فرض حل ولا رسم خطة واضحة المعالم قابلة للتنفيذ، ولا استمالة عملاء لها قادرين على رسم معالم ما بعد النظام الحالي، وهي تعلم أن خروج سوريا من قبضتها يتبعه تهديد واضح لمصالحها في الشرق الأوسط كله، ومثال مصر واضح المعالم، فهي تتخبط بين الترويج للديمقراطية ثم نقضِها، وتضطر لدعم البطش والدكتاتورية والفساد، علنا، وتغض الطرف عن مجازر رابعة، وسجن الرئيس المنتخب "ديمقراطيا"، وأحكام الإعدام بالجملة، وسياسة كتم الأنفاس وإزهاق الأرواح، بما يتناقض مع ما كان من المفروض أن يكون مبادئها وحقوق الإنسان والديمقراطية وصناديق الانتخاب، التي صدعت رؤوس العالم بالترويج لها - دجلا ونفاقا -، ومثل هذه الصورة تجدها في العراق.

أما على صعيد الناحية العسكرية، فإن أمريكا اليوم غير قادرة على تجنيد قوات كافية للدخول في حرب جديدة بعد هزيمتها المنكرة في أفغانستان وغرقها في مستنقع العراق، وما أفضيا إلى دخول أمريكا في وهن اقتصادي ومديونية عالية، وكان الرئيس أوباما قد علق ضمن خطاب له أمام أكاديمية ويست بوينت العسكرية في نيويورك قائلا «لا بد لنا من تطوير استراتيجية تتلاءم ومواجهة ظروف التهديد الجديد، استراتيجية تسمح لنا بالتعامل مع هذه التهديدات من دون إرسال قواتنا أو إثارة حنق السكان المحليين». وفي هذا السياق، اقترح الرئيس أوباما منحة شراكة دولية مع الولايات المتحدة في مجال مكافحة الإرهاب بقيمة 5 مليارات دولار بغية تحقيق ما أسماه «تسهيل الشراكة مع الدول على الخطوط الأمامية».

بعد ثلاثة عشر عاما من الحرب على أفغانستان، تكبدت الولايات المتحدة من عشرة إلى خمسة عشر مليار دولار شهريا جراء هذه الحرب لدعم وجودها وجهدها الحربي، وتقدر الحسبة بالمعدل بواقع عشرة ملايين وسبعمائة ألف دولار كل ساعة، وساعة كتابة هذه المقالة زادت التكلفة عن سبعمائة وثمانية وأربعين بليون دولار، ومائتين وأربعين مليون دولار، أما الحرب على العراق فقد كلفت أمريكا بحسب بعض الدراسات أكثر من تريليونيْ دولار، وأما العداد الذي يرصد كلفة هذه الحرب لحظة بلحظة فيضع رقما يقارب الثمانمائة والتسعة عشر بليون دولار، وأما إجمالي تكلفة ما يسمى الحرب على "الإرهاب" منذ 2001 فقد بلغت لهذه اللحظة واحد تريليون وستمائة وثلاثة بليون دولار.

الرأي العام الأمريكي لا يدعم حربا جديدة تقوم بها أمريكا، واقتصاد أمريكا لا يسمح لها بحرب جديدة! كيف وقد استعانت من قبل في حرب العراق بالمرتزقة، وبمن منَّتهم بالجنسية الأمريكية، ثم تركتهم بعد أن أتوها معاقين أو قتلى، تركتهم وتركت أهليهم بلا رعاية، إنها مرحلة العجز رغم أنف أمريكا، إنها هزيمة أمريكا أمام الأمة الإسلامية!

ثم أقامت الولايات المتحدة حلفها الصليبي لحرب العالم الإسلامي بالكيانات الكرتونية وجيوشها، حتى لا تنغمس أمريكا في حرب أرضية من جديد.

وهذا يقودنا للمعلم الثالث في معالم مرحلة العجز التي بدأت تنخر في جسم الولايات المتحدة، وهي وهن الاقتصاد الأمريكي والعالمي، وهشاشته، وسرعة دخوله في ركود إثر ركود، وفي مآزق تتبعها مآزق.

إن ما يبقي الولايات المتحدة في مكانتها تلك إنما هو ارتباط الاقتصاد العالمي باقتصادها، وعدم قدرة أي كيان أن يقعد مكانها في تلك المكانة، وهي الآن في مرحلة العجز، أشبه ما تكون بميت واقف على قدميه، ينتظر من يركله ليدخله القبر، فما أن تقوم دولة الخلافة الإسلامية الراشدة الثانية على منهاج النبوة، وتستخلص البلاد من قبضة أمريكا، حتى تهتز أركان النظام العالمي وتهوي أمريكا في هاوية سحيقة.


كتبه للمكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
ثائر سلامة - أبو مالك


Go to the top of the page
 
+Quote Post

Reply to this topicStart new topic
1 عدد القراء الحاليين لهذا الموضوع (1 الزوار 0 المتخفين)
0 الأعضاء:

 

RSS نسخة خفيفة الوقت الآن: 7th July 2025 - 02:38 PM