السفر عبر الزمن
لو قدر لنا السفر عبر الزمن إلى الزمن الماضي أو إلى المستقبل لا أظننا -والله تعالى أعلم- نجد فترة أسوأ من الفترة التي نحن فيها، فأوضاعنا الحالية أوضاع مؤلمة شديدة الألم وتصورها صعب حتى مع رؤية أحداثها وهي تقع أمامنا. فلو عدنا إلى زمن صلاح الدين في زمن الاحتلال الصليبي لا أظننا نجد من ينكر حكم القران أو يقبل أن يكون للكفار سلطان على بلاد المسلمين و أظنهم لا يقبلون حياة لا يسمعون فيها ذكرا للخلافة، ولو سافرنا إلى زمن غزو التتار بلاد الإسلام رغم شدة إيلام تلك الفترة فان الأمة فيها لم تترك دينها وشريعة ربها بل قاتلت حتى هزمت التتار وردت كيدهم إلى نحرهم، ولو سافرنا بالزمن إلى عهد الملوك المختصمين في الأندلس، فانه رغم اختلافهم وتآمر البعض منهم، فإنهم لم يكونوا عملاء يخدمون الكفار فقط من اجل خدمة الكفار، وكانت مواقف العزة تظهر بين الحين والآخر في حياتهم.
ولو سافرنا إلى عهد الخلفاء العثمانيين الذين يتجرأ بعض الجهلة والعملاء اليوم على مهاجمة الخلافة العثمانية ووصفها بالاحتلال؛ لو سافرنا إلى وقتهم ورأينا عزة الإسلام في وقتهم وكيف كانت أوروبا وروسيا تحسب لهم ألف حساب، ولو سافرنا إلى عهد أبو جعفر المنصور أو إلى عهد خلفاء الفترة الثانية من الخلافة العباسية والى عهد معاوية بن أبي سفيان، لوجدنا عزة وحكما بالإسلام وفتحا لبلاد الكفر وشدة على الكافرين رغم ما فيهم من ضعف وما بينهم من نزاع.
ولو ذهبنا ابعد إلى عهد عمر الخطاب وأبي بكر رضي الله تعالى عنهما وقلنا لهم عن عهدنا ربما لبكوا بكاء شديدا مما سيسمعونه عن حالنا المبكية المؤلمة.
ولو ذهبنا إلى عهد خير البرية سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم وشكونا إليه حالنا، لا اعرف عندها أيسمع منا وينظر إلينا أم يشيح بوجهه عنا بسبب آلاف المعاصي والذل والهوان الذي نحن فيه، لأني لا أراه يضحك إلا في وجه شخص عامل لدين الله ولإعادته إلى الحكم في وقت أصبح فيه الدين غريبا وقليل من سيضحك الرسول صلى الله عليه وسلم في وجوههم من أهل هذا الزمان.
ولو سافرنا إلى الأمام إلى المستقبل إلى الأيام التي ستكون فيها الخلافة الراشدة الثانية التي بشر بها رسولنا الكريم محمد صلى الله عليه وسلم ونظرنا في كتب التاريخ عندهم التي تصف حالنا، فماذا سنجد في تلك الكتب يا هل ترى؟؟؟؟
بلاد ممزقة وحكم بالكفر وحكام يخدمون الكفر ولو على حساب كرامتهم وحياة أبنائهم وتدمير شعوبهم، حكام كل همهم خدمة الكفار، ينشؤون جيوشا لقتل المسلمين وحماية الكافرين، وحركات إسلامية تدافع عن الكفر (العلمانية والديمقراطية) وتسلط للأعداء علينا واغتصاب للنساء وقتل للأطفال وهدم للبيوت وكل المسلمين ينظرون لا يبالون، الموبقات منتشرة في الأسواق والفاحشة والخمور والعري وأعداء الله يسرحون في بلاد الإسلام والمسلمون لا يحركون ساكنا، من صلى فرضا ظنوه أبا بكر الصديق ومن أنفق منهم درهما على فقير ظنوه عثمان بن عفان ومن شجب واستنكر موقفا للأعداء ظنوه خالد بن الوليد لكثرة الهوان الذي هم فيه.
حتى الحيوانات ترفض هذا الوضع الذي هم فيه، وعيشتها أفضل من عيشة الإنسان، المساجد تهدم على نظر المسلمين ولا يحركون ساكنا والأعراض تنتهك صباح مساء والبعض يقول وما شأني بذلك، مجدوا شرائع الكفر (الديمقراطية والدولة المدنية والعلمانية) وخجلوا من شرائع الإسلام ومن حكم القران واعتبروه سبة وعارا ، سعوا في إرضاء الكفار وأهملوا إرضاء الرحمن، لو نظرنا في بطاقاتهم الشخصية لوجدت الأحرف الأربعة (م.س.ل.م) ولو نظرت في فعالهم لتهت وأنت تبحث عن معنى الأحرف الأربعة، ولا تجدهم إلا قليلا.
ومع كل ذلك الركام من الظلم الجهل والفقر وتسلط الأعداء لا أظن كتّاب التاريخ سينسون حزبا عريقا ظهر في الأمة (حزب التحرير) عاملا جاهدا على إعادة الفهم الصحيح لأحكام الإسلام واعيا عاملا مجتهدا إلى إيجاده في الحياة في نظام حكم (الخلافة الراشدة على منهاج النبوة) تملأ الأرض عدلا ونورا من بعد ما ملئت ظلما وجورا، وسيبين هؤلاء الكتّاب للتاريخ ما لاقاه هذا الحزب من اضطهاد وتكذيب وملاحقة ومضايقة واستهزاء وقتل وتعذيب من المسلم والكافر ومن القريب والبعيد ومما يسمى ولي الأمر ومما يسمى راعي الدول في العالم، وسيبين التاريخ كيف أن هذا الحزب العريق صبر وصبر وفكر وفكر ونظر ونظر حتى اهتدى إلى الصواب والرأي السديد صابرا متحملا ما يلاقيه في هذه الظروف العصيبة حتى يصل إلى مبتغاه بإذن الله تعالى.
نعم قد يتمنى الإنسان السفر عبر الزمن ربما ليعود ليتذوق العزة في الزمن الغابر ويرى عزة وأمجاد المسلمين، ربما ليقف بجانب محمد الفاتح وهو يدك أسوار القسطنيطينية وربما يعود ليقف بجانب صلاح الدين وهو يحرر المسجد الأقصى من دنس الصليبيين وربما يعود ليمتطي جوادا مع الحاجب المنصور ليقاتل الصليبيين أو يعود ليمشي في طرقات المدينة المنورة في أيام عمر بن الخطاب أو يعود وهو خير عود ولكنه مستحيل ليجلس بين يدي رسولنا الكريم محمد صلى الله عليه وسلم في المدينة المنورة ليرى وجهه الكريم ويقبل يده الشريفة، وربما يتمنى السفر مستقبلا عندما تقوم دولة الخلافة ويرى كيف أن دولة الخلافة تهزم الأعداء وتشرد بهم من خلفهم وتنشر الإسلام في ربوع العالمين، ولكن حسبك يا مسلم هذه الأماني فانك موجود في زمن قدر الله أن تكون فيه، وانك إن صبرت وعملت على إقامة الخلافة وتحملت كل ما في هذا العصر من ضنك وشدة فان أجرك بخمسين من اجر صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم إن أنت عملت بعملهم، ومكانتك عظيمة أن أنت قبضت على هذا الدين كما يقبض الإنسان على جمر ملتهب، نعم إن التمسك بالدين صعب هذه الأيام، ولكن الأجر العظيم الذي سيلاقيه المسلم يوم القيامة إن هو صبر وعمل بما يرضي الها وعمل لإقامة الخلافة فان الأجر الذي سيراه سينسيه كل هذه الآلام وسيتمنى أن يعود إلى الأرض ليعمل كثيرا ويتعذب كثيرا ويدعو كثيرا، ولكن هيهات هيهات وقد فاضت الروح إلى باريها.
|