بسم الله الرحمن الرحيم

أَوَّاهُ يا علماء السوء... أما آن لكم أن تنتهوا عن حرمات الله؟!

﴿إِنَّ اللَّهَ لاَ يُحِبُّ مَن كَانَ خَوَّاناً أَثِيماً﴾


من أخطر ميادين الحرب الحضارية الدائرة على أرضنا من مشرق الشمس إلى مغربها، المعارك الدائرة في فلك الفكر والثقافة الإسلامية تدميراً وتمزيقاً ونسفاً وتحريفاً وتزويراً وتجديفاً ومسخاً.

وتولى كِبْرَ هذه المعارك، ووَرِثَ الغرب الكافر من خلفه، رويبضاتُ الجور والفجور حكام الجبر والقسر والقهر، ومن بعدهم شرُّ الشر شرار العلماء فقهاء السوء مخرج الفتنة ومأواها.

وفي يوم الناس هذا أضحى أمضى سلاح في يد عدونا هو سلاح تحريف الدين، فالغرب الكافر في مأزقه المعرفي فكرياً، وإفلاسه حضارياً، يسعى لتحويل هزيمته الحضارية إلى نصر باستئصال الإسلام، وإن تعذر عليه فبحرفه، وبات قطب الرحى في حربه الحضارية ليس إقناعنا بمنظومته البائسة، ولكنه علمنة الإسلام أي تحريفه، انتهاء بتغريب الأمة وسلخها عن عقيدتها وطمس هويتها المتميزة المتفردة كأمة إسلامية. والذي يحمل وزر وأوزار هذا التحريف نيابة عنه رهط منا، من بني جلدتنا، من أنفسنا ينطقون بلساننا وينظرون بأعيننا، ويعتلون أطهر وأقدس ربوة في أرضنا، منابر بيوت الله، لبث كلمة الكافر، منبثين في كل زاوية، عاملين في كل ميدان وناحية، ينفثون سمومه بكل السبل.

ما كانوا ليكونوا إلا علماء وفقهاء سوء، أنفذهم الغرب الكافر فينا، ورثة لطوائف مُبشريه ومُستشرقيه الذين افتتح بهم استعماره، فخَلَفُوهم في قبيح الصنيع وشؤم الصنعة، فكانوا فينا عدوا خفيا شديد النكاية، سُمومهم يتجرعها آلاف ألوف الغافلين، ومن شر الغفلة أن مظاهرهم وألقابهم ألبستهم ثقة لدى الغافلين، نفوا بها ريبة قلوبهم فصدقوهم فيما يأفكون.

ففي فقيه السوء لسان المبشر ومكر المستشرق، فما ترى هَمَّهُ فينا إلا كدا وجهدا ليُحقِّق للثقافة الغربية الوثنية كل الغلبة على عقولنا وعلى مجتمعنا وعلى حياتنا وعلى ديننا، وما تلك الغلبة إلا هدماً للإيمان فينا.

بالأمس كان مستشرقو ومبشرو الغرب الكافر سلاحه لنسف قوانا المجتمعة في خلافة إسلامنا، واليوم علماء السوء وأشرار الفقهاء هم سلاحه لنسف قوى في طريقها إلى التجمع في ظل خلافة الإسلام الراشدة.

فلا تعجب حينها من أفاك بنجد يبيح حرمة البيت لكافرها، ويُحل الدم الحرام لطاغيتها، ويثني سلما على رأس كفرها وقاتل أبنائها، ويغازل يهود من فوق منبر رسولها ﷺ.

ولا تعجب من شدة غثاء غويلم بإمارات الصبية السفهاء اعتلى منبرها، فاستحل خمرها ورباها وزناها، وأربى في طاعة ولي أمره حتى استحل له غصب يهود لأقصاها.

ولا تعجب ففي كنانة مصر استحل فقيه فرعونها دم أبنائها جملة لا تفصيلا، فهمُ الخوارج فاشحذ سيفك، واجلب عليهم بخيلك ورجلك، فهم المَلُومون. ثم أفك إفكا إِمْرا وكأن بلعام بن باعوراء في جوفه، فانسلخ من آيات الله وحرف وجدف ونطق كفرا، وقال في قوله تعالى: ﴿إِنَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ﴾، أي أن يحكم الحاكم بما يرى، وأن ما يراه الحاكم من قوانين وضعية هو الشريعة.

وفي جُوَيْزِرَة قطر يُعَدَّلُ الدين ويُحرف باسم الوسطية والاعتدال ومحاربة التطرف، حتى قال قائلهم خلال زيارات متتالية لموسكو بوتين سفاح الشيشان والشام سنتي 2014-2015: "إن الجمعية العمومية للاتحاد (الاتحاد العالمي لعلماء..) وضعت منهجا واضحا للفكر الوسطي في مجالات متعددة من خلال وُرَشِ عمل متخصصة واحترافية، وأن الاتحاد مستعد للتعاون مع الإدارات الدينية لجمهوريات روسيا". وما كفاه شنيع فعله في موالاة الكفار في حربهم على الإسلام وأهله، حتى أتى بأخبث منها شناعة في استحلال دماء أهل الشام لسفاح موسكو، ففي زيارة 2015 صرح أحد أعضاء وفد الاتحاد "أن الجرائم التي ترتكبها المنظمات الإرهابية باسم الإسلام، الإسلام منها براء... ولذلك نحن ندعم التدخل الروسي في سوريا، وندعم جهودها في مكافحة الإرهاب الدولي"، فاستحلوا لسفاح موسكو قتلنا، فما لبث حتى أمطرت طائراته ريف حمص وحماة حِمَماً في أيلول/سبتمبر 2015، كان إرهابيوها أطفالنا ونساءنا، وتوالى فينا قصفه وخسفه، وما تمعرت وجه مفتيها، وكأن صفحة وجهه صفيحة من حديد! ثم اعتلى اتحادهم آخَرُ، فما تلبث إلا يسيرا حتى أنكر تاج فروض هذا الدين، ومعلوم جمهور علمائه، نظام حكمه وخلافته.

أما هناك ببلاد المغرب فصاحبها يفري فريا، وكأنك بمسيلمة الكذاب قد أخلفه فيها دجالا عصيا، حتى أمسى مدرسة لحرف الدين وتزييف أحكامه، عنه يتتلمذ المحرِّفون الجدد بكل من أوروبا وأفريقيا، وأصدر مؤخرا ورقات من صحائف دَجَلِه لإعادة صياغة مفاهيم الإسلام وأحكامه، تحت عنوان "دفاتر علمية لتفكيك خطاب التطرف وتفكيك مفهوم الجهاد والجزية والحاكمية.."، وقال عن تفكيكه: "تناول سائر المفاهيم الكبرى في الإسلام، مثل الدين، الشريعة، الأمر بالمعروف، النهي عن المنكر، دار الإسلام ودار الحرب، الولاء والبراء، الإسلام والكفر، الهجرة، النصرة، الدولة ووظائفها، الأمة، الخلافة، الإيمان، علائق الأمة بالدين، الوعد الإلهي، الحاكمية، التمكين، وغير ذلك من المفاهيم القرآنية".

ففي فري تفكيكه أضحى الجهاد "حالة نفسية، وحالة عقلية، وجب على المكلَّف كل مكلَّف أن يكون مستبطنا ومستدمجا لها بين جنبيه". وأدمج "دار الإسلام ودار الحرب" فيما ابتدعه وأسماه "دار العطاء الإنساني"، ففي بدعة إفكه أن تلك الثنائية وذلك التقسيم أضحى غير ممكن، فالدنيا دار واحدة وتقسيمها إلى دارين كان أمرا طارئا. أما دولة الرسول ﷺ في المدينة، فهي شكل من أشكال الدولة، وليست الدولة الواجبة تأسيا به ﷺ!

ولست تجد مثالا على سقيم فهمه وركيك كلامه، إلا في همهمات وغمغمات شقي اليمامة مسيلمة الكذاب حين غثى "يا ضفدع بنت الضفدعين، نقي كما تنقين..."، و"الفيل وما أدراك ما الفيل، له زلقوم طويل"، وكأنك بفريهما من جوف واحد!

ولست تدري من أي شيء سُوِّيَ أديم وجوههم، لا يستحيي الواحد منهم أن يدلس تدليسا قبيحا ظاهرا، يلبسون جلود الضأن على قلوب الذئاب، ثياب الناسك وأفئدة الدرهم والدينار. فإن لم تكن الأثافي قبلكم إلا ثلاثاً، فقد زادت بكم، فأوفيتموها رباعاً وخماساً وسداساً...

فليس فقط معيبا وقبيحا بل شنيعا أن يَنْتَصِبَ امرؤ له بقية عقل، فيقوم قائما يخون جَهْرَة وعلانية ما استأمنه الله عليه وهو دينه، وكفى بها خيانة أن يخيس المرء بأوثق عهد أخذه الله على أهل العلم من ذرية آدم: ﴿ وَإِذَ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلاَ تَكْتُمُونَهُ فَنَبَذُوهُ وَرَاء ظُهُورِهِمْ وَاشْتَرَوْاْ بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً فَبِئْسَ مَا يَشْتَرُونَ﴾ [آل عمران: 187].

قال ابن جرير عن قتادة: هذا ميثاق أخذه الله على أهل العلم، فمن علم شيئا فليعلمه، وإياكم وكتمان العلم فإن كتمان العلم هلكة، ولا يتكلفن رجل ما لا علم له به، فيخرج من دين الله فيكون من المتكلفين. ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِن بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَـئِكَ يَلعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللاَّعِنُونَ﴾ [البقرة: 159]

فإذا احتال العالم وغش وخادع وكذب واجترأ وادعى، وحرف الكلم عن مواضعه، وبدل لفظا بلفظ ليزور باطلا، وزوق وحسن القبيح بالتدليس، وستر عوار الباطل ودمامته بالتمويه، فلعمرك فقد خرج بفعل ذلك عن أن يكون عالما فقيها إلى أن يكون أفاكا دجالا. فعالم السوء في مخالطته لحكام الجور والفجور انتحل له من الرذائل صفات وأجراها على أنها فضائل، فجعل من ذلته وضعفه في الحق رقةً، ومن سكوته على باطلهم وظلمهم رِفْقَ النَّاصِحِ، ومن المداهنة والنفاق حكمةً وكياسة، وكأنه ما خبر أن سكوته على الظالمين ما كان إلا رشوة يأكل بها سحت مالهم.

عجبا أراد الله سبحانه في العلماء امتداد عمل النبوة في الناس، ينطقون بكلمتها، ويقومون بحجتها، ويسلكون مسلكها، يتسمون بأخلاقها. وأبى علماء السوء إلا نقيضها وضدها!

فعندما يفكر العالم الرباني بالشارع والشرع، وأن الله معه وسائلُه في ما يفعل ويقول، ترى عالم السوء يفكر في كتب الشريعة كيف يتأول ويحتال ويغير ويبدل ويظهر ويخفي...

فحقيقة العلماء متى صدقوا الله أنهم قوانين نفسية نافذة على الأمة، وعملهم أبلغ وأفعل من قوانين الدول، بل هم قوام واستقامة وتصحيح القوانين إذا جرت الأمور على عللها وأسبابها. فهم ميراث النبوة، وأثر وجودها في الناس، فهم حقيق القول والفعل، فهم حفظة الوحي والشهداء المستأمنون عليه، فمتى وفوا كانت لهم الربانية حقا وكانت منهم خلقا لا اسما ورسما. فالعلماء ورثة الأنبياء، وليس النبي من الأنبياء إلا تاريخ شدائد ومحن ومجاهدة في هداية الناس، ومراغمة للواقع الباطل الفاسد ومكابدة لتصحيح الحالة الإنسانية وإعادتها إلى خالقها وبارئها، فهذا كله هو الذي يورث عن الأنبياء لا العلم وتعليمه بل العلم وما يقتضيه من مواقف.

ولكنها آفة هذا الزمان حكام ظلمة فجرة وعلماء سوء ضالون مضلون، ويرحم الله العالم الرباني عبد الله بن المبارك القائل: وهل أفسد الدين إلا الملوك ... وأحبار سوء ورهبانها.

لعلماء السوء: انتهوا خيرا لكم، وإن غلبت عليكم شقوتكم فادفعوا عنكم هذا، يقول المنتقم الجبار سبحانه: ﴿إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّواْ عَن سَبِيلِ اللَّهِ فَسَيُنفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ وَالَّذِينَ كَفَرُواْ إِلَى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ﴾ [الأنفال: 36]، ﴿أَلَمْ يَعْلَمُواْ أَنَّهُ مَن يُحَادِدِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَأَنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِداً فِيهَا ذَلِكَ الْخِزْيُ الْعَظِيمُ﴾ [التوبة: 63]، ﴿كَتَبَ اللَّهُ لأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسلِي إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ﴾ [المجادلة: 21]

فكيف بإفككم وهو يزريكم وفيه رزيئتكم، وبكذبكم وما كانت عاقبته إلا عليكم، ثم ما شاء الله لا ما شئتم، وما قضى وأبرم لا ما مكرتم، ثم كل ما هو آت آت. ﴿كَتَبَ اللَّهُ لأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسلِي إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ﴾

اللهم من أراد بالإسلام والمسلمين سوءاً فاجعل دائرة السوء عليه واجعل تدبيره تدميرا عليه، وأبرم لهذه الأمة أمر رشد؛ خلافة راشدة على منهاج النبوة يعز فيها أهل طاعتك ويذل فيها أهل معصيتك.

﴿وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَـكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ﴾

كتبه للمكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
مناجي محمد