أوصت الدولة الفرنسية بإصدار حزمة من القوانين لمكافحة (الإسلام السياسي) - حسب وصفها - وتلتها في اليوم نفسه النمسا ولحقت بهما الدنمارك والتي ربما تكون قوانينها الأكثر تحديا للمسلمين الموجودين على أراضيها، فالمقترحات التي قدمها حزب الشعب الدنماركي المتطرف تحت عنوان "وقف الأسلمة" والحفاظ على "مسيحية البلد"، وحزب الشعب هذا قبل يوم واحد من مؤتمره السنوي فجّر مفاجآت بحسب وكالة الأنباء الدنماركية والصحافة المحلية بدعوته "لتكثيف الصراع الثقافي المسيحي من خلال التبشير بين المسلمين الموجودين في البلد"، وأيضا اقتراحات بوقف بناء المساجد وحظر غطاء الرأس وذلك في حزمة من القوانين ربما تعتزم هذه البلدان الثلاثة بالتضييق فيها على المسلمين في بيوتهم ومساجدهم حتى تلجئهم إما لتغيير دينهم أو الهجرة، ومن جملة القوانين الموصى بها تجريم التعليم بالبيت للأطفال من أبناء المسلمين، وكذلك التوصية بأن تكون حصص السباحة للأطفال مختلطة... وهذا وزير الداخلية الفرنسي جهر بأعلى صوته قائلاً: "إنَّ الحرب على الإرهاب تعني القضاء على الإسلام السياسي الذي هو أرض خصبة للعنف". إذن فغاية التشريعات والقوانين تلك والتي ربما تطال أوروبا جميعا هي تجريم الإسلام بوصفه عقيدة سياسية ونظاماً للحكم، والقبول بالاندماج الكامل الذي إن طال زمنه سينزع عن المسلمين دينهم والتزامهم، فهذا سفيه فرنسا - ماكرون - طلب من ممثلي الديانة الإسلامية في فرنسا طلباً صريحاً وميثاقاً واضحاً بأنَّ الدين الإسلامي ليس ديناً سياسياً، فظن بذلك أنَّ الدين الإسلامي والعقيدة الإسلامية كالدين الذي يحمله وبأنَّ مشايخ الإسلام وأئمة المساجد كالرهبان في كنائسهم لهم الحق في فصل الدين عن الدنيا!

إنَّ التشريعات والتوصيات التي تصدرها فرنسا أو النمسا وتوصي بها الدنمارك أخيراً وغيرها من دول أوروبا - ومع أنَّ بعض الدول كانت أكثرَ تعقلاً مثل السويد وبلجيكا - إن هذه التشريعات لا تلزم المسلمين بشيء، فليس المسلمون هم مَن يملكون التشريع حتى يغيروا أو يبدلوا بل لم يكن ذلك للنبي عليه الصلاة والسلام وهو مَن هو! يقول تعالى: ﴿قُلْ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِن تِلْقَاءِ نَفْسِي إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ﴾، ومن باب أولى فليس لعلماء المسلمين وأئمتهم.

إنَّ العقيدة الإسلامية عقيدة سياسية وذلك أمر فهمه ورقة بن نوفل في أول يوم سمع فيه ما نزل على محمد ﷺ، فالعقيدة الإسلامية وما انبثق عنها من تشريعات هي عقيدة سياسية، بمعنى أنها جاءت لرعاية شؤون النّاس في الداخل وحمل الدعوة الإسلامية إلى الخارج بالدعوةِ والجهاد، فالصلاة مثلاً حكم شرعي وهي واجبة ووجوبها آتٍ من الشارع سبحانه وتعالى، وكون الدولة الإسلامية تعاقب تاركها وهو من رعايتها. وكون الجهاد واجباً هو حكم شرعي كذلك، وكون الدولة تقيمه وتعاقب مَن يتولى يوم الزحف هو حكم شرعي كذلك لا تملك الدولة تجاهه إلا التنفيذ. وكون الزكاة واجبة وتوزع لأصنافها الثمانية بالتفاضل أو بالتساوي هو أيضاً حكم شرعي وهو سياسة الرعية بالإسلام. فالإسلام في عقيدته والتشريعات التي انبثقت عنه والمعالجات التي وردت فيه كل ذلك مصدره واحد وهو الخالق سبحانه وتعالى، وبالتالي فإنَّ السياسة ورعاية الشؤون لا تنفك عن الإسلام وعقيدته بحال، فالقوانين والتشريعات جزء من العقيدة الإسلامية انبثقت عنها وبنيت عليها، فالسياسة عندنا عبادة نتقرب بها إلى الله سبحانه وتعالى كما نتقرب له بالصلاة والجهاد وحمل الدعوة... وأي دعوة لفصل الدين عن السياسة أو الدين عن الدولة هي دعوة صاحبها إما جاهل أو عميل!

لما وصل النبي ﷺ إلى المدينة المنورة كان أول ما فعله هو كتابة دستور للدولة الجديدة "وثيقة المدينة"، فكانت هذه الوثيقة أول دستور مكتوب في التاريخ. فلم يهاجر عليه الصلاة والسلام إلى المدينة إلا وقد بويع حاكماً على مَن فيها، وعمل الحاكم في الإسلام هو الرعاية، والرعاية لا تكون عندنا إلا بالإسلام وعقيدة الإسلام والتشريعات التي انبثقت من العقيدة، ومَن يطالب بفصل الدين عن الدنيا أو عن السياسة أو عن الدولة فإنما يكون قد سفه نفسه، فما معنى قوله تعالى: ﴿الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ وَلَا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ﴾ إذا لم يكن هناك خليفة ودولة رعوية سياسية تطبق ذلك؟! وما معنى قول الله تعالى: ﴿قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ﴾ إذا لم يكن هناك خليفة ودولة وسياسة خارجية؟! فالإسلام من أوله إلى آخره آخذٌ بعضه برقاب بعض؛ فالعقيدة فيه لا تنفصل عن التشريعات، والتشريعات لا تنفصل عن المعالجات، ومن اللغو أن يضع صاحب فكرة فكرةً ثم لا يضع آلية وطريقة لتنفيذها - ولله المثل الأعلى -.

إنَّ طلب سفيه فرنسا ومن واطأه في النمسا والدنمارك من المجلس الديني الفرنسي ومن أئمة بعضهم باع دينه بدين آخر من مسلمي البلد وممثلي المسلمين، أن يضيفوا ميثاقاً يعترفون فيه ويقرون "مبادئ الجمهورية العلمانية ومحاربة الانعزالية" - حسب وصفهم - يدل على أنهم لا يعرفون التاريخ ولا يقرأون شيئاً عن الإسلام والمسلمين، ولو قرأوا لعلموا أنَّ الإسلام ليس كباقي الأديان، وأنَّ أئمة المسلمين وعلماءهم لا يملكون أن يحللوا أو يحرموا.
إنَّ كريات الدم البيضاء وجهاز المناعة في الأمة ينشط إذا تعرض للفيروسات أو الجراثيم، وإنَّ هجمة الغرب على الإسلام وعقيدته لا يغير في الإسلام والمسلمين شيئا بل ربما جعل العقيدة تزداد صلابة في قلوب أهلها، وسفيه فرنسا والنمسا ومن بعدهم الدنمارك ينطبق عليهم قول الله سبحانه: ﴿يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُم بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ﴾ وإنَّ الإسلام هو الدين عند الله، وإنَّ أهله سيبقون شوكة في حلوق مَن يعاديهم، وإنَّ الغرب الذي يرى الأمة الإسلامية وهي تتلمس طريق نهضتها ويزداد عدد مَن يدخلون إلى الإسلام يوماً بعد يوم يضع التشريعات التي يعرقل فيها وصول المسلمين إلى غايتهم ودولتهم، وما أسهل أن تضع التشريعات التي تخالف أبسط أبجديات (الحريات)، فالعقيدة الرأسمالية والحريات مثل صنم أهل الجاهلية من تمر! إذا جاع أكله! فلعل الغرب وبكل صراحة يصرخ أنَّ الحريات تتوقف عند المسلمين، وبذلك نكون قد انتصرنا فكرياً عليهم ولم يبقَ إلا النصر الفعلي وذلك لا يكون إلا بدولة الخلافة القادمة قريباً بإذن الله.

كتبه لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
أبو المعتز بالله الأشقر