بسم الله الرحمن الرحيم


تطبيق الأحكام وحنكة السلطان



يتساءل البعض حول ما إذا كان بإمكان إيران أو تركيا فعل شيء في مواجهة العقوبات ضدهما من أمريكا أو أوروبا أو كلتيهما؟ هل هناك شيء يستطيع السياسي المحنك فعله هنا لإنقاذ البلاد من العقوبات الدولية التي تفرض عليهما؟ لو أنك مكان أردوغان مثلا ماذا كنت فعلت ضد هذه العقوبات؟

أسئلة كثيرة تطرح حول ما تتعرض له تركيا وإيران من ابتزاز من دول العالم الكبرى وإن اختلفت مصالحها بالنسبة لإيران وتركيا. ويعزو البعض أن قلة حنكة القيادات السياسية في إيران وتركيا وسوء تقديرهما للظروف الدولية هو سبب العقوبات الدولية عليهما، والحقيقة أن هناك سببا آخر مهماً يقف وراء ضعف كل من تركيا وإيران وباقي الدول القائمة في البلاد الإسلامية، وإليكم التفصيل.

فهناك أمران مهمان جدا يجب فهمهما جيدا والتمييز بينهما بدقة:

١. أحكام الإسلام في السياسة الخارجية والداخلية

٢. حنكة السلطان ووسطه السياسي

لقد منح الإسلام عن طريق تطبيق أحكامه الشرعية في السياسة الداخلية والخارجية في الدولة (الخلافة) مناعةً كافية للصمود حال الأزمات (عقوبات، حروب، جوائح، ...الخ). فطالما تبنت الدولة أحكام الإسلام في دستورها في سياستها الداخلية والخارجية تولدت لديها قدرة كافية لحماية نفسها ورعاياها، ومناعة صلبة ضد المستعمرين.

فمثلا في السياسة الداخلية: لن يكون الاقتصاد في دولة الإسلام مبنيا على الربا وأسواق البورصات التي تجعل أسواق الدولة واقتصادها لعبة بيد الدول الكبرى، وستكون عملة الدولة الذهب والفضة وليست أوراقاً نقدية لا قيمة ولا غطاء لها، وستمنع الشركات العالمية عابرة القارات من استباحة أسواق الدولة ونشر الفقر والعوز في دولة الإسلام. وسيكون الجيش في دولة الخلافة مبنيا على عقيدة الإسلام ومثقفا بأحكام الإسلام المتعلقة بعمله، فستجده صلبا منيعا مستعدا للتضحية والثبات، وسيكون أمره كله بيد الخليفة لا مربوطا بحبال داونينغ ستريت وواشنطن وباريس والسفارات الغربية...

هذه بعض الأمثلة التي تري كيف أن تطبيق أحكام الإسلام في الداخل والخارج واقية للدولة وشعبها وخيراتها من تحكّم الدول الكبرى في جيشها وأسواقها واقتصادها.

وفِي السياسة الخارجية فإن أحكام الإسلام تمنع دخول الدولة في أحلاف وهيئات استعمارية كالناتو وهيئة الأمم المتحدة وغيرهما من الهيئات التي تستبيح سلطان دولة الإسلام وقرارها السياسي. كما أن دستور الدولة يمنعها من الاقتراض من البنك وصندوق النقد الدوليين اللذين يجعلان الدول رهينة للمستعمرين.

وبهذا يتبين من بعض الأمثلة كيف أن تطبيق أحكام الإسلام داخليا وخارجيا سيقي الدولة من أن تكون لعبة في أيدي الدول الأخرى وسيجعل عند الدولة وشعبها مناعة وصلابة وقوة لتحمي نفسها وشعبها حال الأزمات والحروب والجوائح.

كما أن رضا الله سبحانه على هذه الدولة سيجعلها عصية على المستعمرين لأن الله سييسر لها بعد كل عسر يسراً وبعد كل أزمة فرجاً ﴿إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ﴾ لأنها استجابت لله وطبقت أحكامه داخليا وخارجيا.

أما النقطة الثانية والمهمة فهي حنكة السلطان ووسطه السياسي، فإن قدرة السلطان على قيادة دولة الإسلام وبراعته في الأعمال السياسية من مناورات ونصب الفخاخ الدولية وقدرته المتميزة في الأعمال الدبلوماسية ستجعل الدولة قادرة على التوسع وفتح البلدان وإخضاعها لسيطرة دولة الإسلام. ومن الأمثلة الواضحة على ذلك براعة ونباهة وقدرة أبي بكر الصديق وعمر بن الخطاب رضي الله عنهما على توسيع الدولة والقضاء على أكبر الإمبراطوريات في زمنهما.
ومن هنا يتبين سر نجاح الدول: أولا بدستورها، وثانيا بحنكة قادتها ووسطها السياسي.

فالدستور هو حجر الأساس، فلا يستطيع أي قائد - مهما بلغت حنكته وقدرته السياسية - أن يحمي دولته وشعبه وقرارها السياسي ولا يستطيع توسعة دولته ونقلها من عز إلى عز دون أن يكون دستور الدولة وأحكامها داخليا وخارجيا منبثقا من عقيدة الشعب وتراثه، وهي عند المسلمين عقيدة الإسلام، وليس القانون الفرنسي والإنجليزي وقوانين الهيئات الدولية.

فالدستور أولا هو من يعطي الحصانة والمنعة والمقاومة ويبني الجيش والتعليم والاقتصاد والأمة بشكل مميز وفريد وهو الذي يصنع القادة وينشئهم.
ولذا فإنه يجب إدراك حقيقة مهمة جدا وهي أن حنكة السلطان ووسطه السياسي لا تعني شيئا إذا كان متجاهلا - أو لا يطبق - أحكام الإسلام في السياسة الداخلية والخارجية؛ لأنه بدون ذلك لا تنفع الحنكة والدهاء، بل سرعان ما يتحول قادة البلاد أنفسهم إلى عملاء للدول الكبرى أو يسيرون في فلكها، كما هو الحال في تركيا وإيران.

كتبه لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
د. فرج ممدوح