أشادت وزارة المالية والتخطيط الاقتصادي في صفحتها الرسمية على الفيسبوك، بعزم الحكومة الأمريكية على تصفية متأخرات السودان للبنك الدولي والبالغة مليار دولار، والتي ستتيح للسودان الحصول على منح من المؤسسة الدولية للتنمية بقيمة مليار ونصف المليار لأول مرة، وأوضحت الوزارة أنه سيكون للمجتمع الدولي دور أساسي في مسيرة استقرار الاقتصاد السوداني خلال الفترة الانتقالية، وخاصة بعد قرار إزالة اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب والذي تم إعلانه يوم 14/12/2020، ويعتبر هذا اعترافاً بالتقدم الذي أحرزه السودان في إقامة الحوكمة الرشيدة ويفتح الطريق أمام المستثمرين الدوليين للمشاركة في نهضة السودان الاقتصادية. وأكدت وزارة المالية والتخطيط الاقتصادي التزامها بتنفيذ الإصلاحات الاقتصادية التي تتخذها الحكومة الانتقالية لتحقيق الاستقرار الاقتصادي من خلال معالجة التشوهات الهيكلية، وتشجيع الاستثمار وتعزيز النمو، وبناء اقتصاد مزدهر لجميع السودانيين، خاصة المجتمعات المهمشة والشباب والنساء.

لماذا تساعد أمريكا السودان، وهل أمريكا جمعية خيرية؟ ومقابل ماذا تدفع أمريكا معوناتها للدول؟ أسئلة نحاول الإجابة عليها، وبالله التوفيق.

يشمل برنامج مساعدات الولايات المتحدة اليوم أكثر من 100 دولة حول العالم، مسهمةً في تعزيز المصالح الأمريكية؛ مثل (مكافحة الإرهاب)، وتعزيز قيم الديمقراطية... والمتعمق في مساعدة السودان يتلمس أهدافاً أخرى من وراء المساعدة في دفع مليار دولار كمتأخرات عن السودان للبنك الدولي وهي كما جاء في البيان اعترافاً بالتقدم الذي أحرزه السودان في إقامة الحكومة الرشيدة بفتح الطريق أمام المستثمرين الدوليين، هذه الحكومة الرشيدة التي أزالت كل ما يمت للإسلام بصلة من الدستور، حكومة تتبع روشتات صندوق النقد الدولي الذي مهمته المعلومة هي تدمير الاقتصاد المحلي وتركيز التبعية المطلقة للاقتصاد الرأسمالي بجعل البلد مكمناً للمادة الخام وسوقا استهلاكيا بعيدا عن أي نهضة اقتصادية إلا مجرد كلمات يدغدغ بها حكام السودان مشاعر البسطاء!

أمريكا ليست جمعية خيرية، بل هي دولة رأسمالية ولا مكان لأي قيمة فيها إلا القيمة المادية المتمثلة في المصلحة فقط، وهذا ما يصرح به ساسة أمريكا ومفكروها. ويكشف تصريح ترامب الشهير عن أهداف المساعدات المالية التي تمنحها الولايات المتحدة، وتسييس تلك المساعدات بما يتطابق مع سياسات الولايات المتحدة، فقد هدد ترامب بقطع المساعدات عن الدول التي تصوّت لصالح مشروع قرار يدين اعتراف الولايات المتحدة بالقدس عاصمة لكيان يهود، واعتبر ترامب الدول التي تصوت ضد الولايات المتحدة لا تستحق المساعدات، وأوضح من ذلك ما قام به الاقتصادي الأمريكي ستيوارت سميث لصياغة مصطلح الدولار السياسي، فقد وجه انتقاداتٍ قاسية للسياسة الأمريكية المتعلقة بالمعونات، قائلاً إنها لون من ألوان السيطرة الحديثة على الدول من أجل تحقيق الأهداف الأمريكية، فالدولار لا يُغير جنسيته حين يدخل الدولة الجديدة، بل يُغيّر جنسية الدولة بالكامل. فقد صدق الرجل وهو كذوب، وحديثة يفسر ما جاء في بيان وزارة المالية من كلمات: "تشجيع الاستثمار وتعزيز النمو، وبناء اقتصاد مزدهر لجميع السودانيين، خاصة المجتمعات المهمشة والشباب والنساء". فالاستثمار لمصلحة رأس المال وازدهار الاقتصاد خاصة للمجتمعات المهمشة استخدام لأسس الحضارة الغربية المبنية على آفة مساواة المرأة بالرجل، كما أن تتبع الدول التي تذهب إليها المعونات الأمريكية نجدها دولاً متعاونة إلى أقصى حد مع الولايات المتحدة سياسياً وعسكرياً وهي دول في حقيقتها مستعمرات أمريكية، لذلك رغم نقص الميزانية أحيانا والرفض الشعبي حيث مواطن من بين كل خمسة تقريباً لا يوافق على إرسال هذه المعونات، رغم ذلك تستمر الحكومة في إقرار المعونات وإرسالها! مما يؤكد أن الأموال الأمريكية المتدفقة لدول العالم ليس معونةً كما تسميها الولايات المتحدة لكنّها ثمن بخس لمصلحة أعظم تراها الحكومة الفيدرالية ولا يدركها الإنسان العادي!

ومنذ ظهرت الولايات المتحدة كقوة عظمى بعد الحرب العالمية الثانية، والمعونات الخارجية على رأس أولوياتها والمُدرجة في الميزانية الأمريكية تحت بند حفظ الأمن القومي. فالمساعدات هي من الأساليب الاستعمارية، التي تتبعها أمريكا في استعمار الشعوب وبسط السيطرة والنفوذ، وذلك منذ أن دخلت إلى الشرق الأوسط كقوة استعمارية جديدة، حيث كان من بين مخططاتها خلال مؤتمر إسطنبول الذي عقده الدبلوماسيون الأمريكيون المعتمَدون لدى المجموعة العربية في شهر تشرين الثاني 1950م برئاسة جورج ماغي الوكيل في وزارة الخارجية الأمريكية، وكان من بين هذه المخططات "اتخاذ التعاون مع أهل البلاد أسلوباً من أساليب النفاذ إلى المنطقة"، على عادتهم في تزييف الأسماء بإطلاق الدسم على السم الزعاف! أي أن المساعدات المسمومة التي أطلقوا عليها "التعاون" هي من صلب سياسة أمريكا للنفاذ إلى أعماق المنطقة وصناعة العملاء، ونهب الثروات ومص الدماء. وقد استعملت أمريكا أسلوب المساعدات في استعمار إندونيسيا أيضا فلما رفض سوكارنو في الخمسينات من القرن المنصرم المساعدات الأمريكية استمرت في مضايقته بالتهديد والوعيد إلى أن قبل المساعدات ومن ثم دخل النفوذ الأمريكي إندونيسيا ولا زال حتى اليوم.

وهكذا فإن ما تسميه أمريكا في قاموسها (مساعدات إنسانية) هي مشاريع استعمارية بواجهة اقتصادية حتى لأصدقائها! فإن مشروع مارشال بعد الحرب العالمية الثانية المعنون "إنقاذ أوروبا" كان مدخلاً للشركات الأمريكية لتكون شريكاً فاعلاً في مفاصل كثيرة للاقتصاد الأوروبي، وما إن مرت بضع عشرة سنة حتى صارت اقتصاديات أوروبا بشكل عام ملكاً للشركات الأمريكية. ومع أنها خفت بعض الشيء في السنوات الأخيرة إلا أن تأثير الشركات الأمريكية في الاقتصاد الأوروبي لا زال قائماً.

وباستبشار وزارة المالية في السودان بالمساعدات الأمريكية يكون السودان فعليا تحت الوصاية الأمريكية عن رضا الحكام واختيارهم، وبوصفها القوة الاقتصادية رقم واحد في العالم فإن تلك المبالغ المتناثرة التي تقدمها للدول لا تتجاوز 1% فقط من الموازنة الأمريكية، بهذا الرقم الصغير تستطيع الولايات المتحدة أن تأسر دولاً بأكملها. كما تستطيع عبر المعونة أن تفتح أسواق الدولة النامية لمنتجاتها. أيضاً تُكرّس تبعية الدولة لها بصورة أشد إهانةً من مجرد وجود قاعدة عسكرية في البلد المستهدف. إذ يمكنها عبر المعونات أن تتدخل في شئون الدول وتُغيّر بناء المجتمع بالكامل... فهل هذا ما يبشرنا به حكام أبوا إلا الخنوع والخضوع وبلدهم يفيض بالموارد؟!

أما ما يشيعونه بين الناس من مصالح مرجوة من أمريكا وغيرها من المغضوب عليهم والضالين، فهو قول مريض سقيم، فإن فقر بلاد المسلمين هو فقر مصطنع، فالسودان من بين أغنى البلاد بالموارد، ولا يحتاج إلى الدولار السياسي الأمريكي، بل يحتاج إلى مبدأ صحيح ينهض به ويمنع نهب ثرواته وخيراته ويقضي على نفوذ الكافر المستعمر ويده العابثة فيه. السودان يحتاج إلى الإسلام بما فيه من عقيدة انبثقت عنها شرائع وأحكام فصلت كيفية التعامل مع الثروة وكيفية اكتسابها وإن تركت للناس كيفية إنتاجها وتنميتها بالوسائل المباحة، وحرمت على الدولة أن يكون غذاؤها ودواؤها وسلاحها ملكاً لعدوها مرهوناً برضاه فتكون له يد على المسلمين وهم في غنى عن هذا كله؛ نستطيع أن نصنع سلاحنا ودواءنا ونستطيع زراعة القمح بما يفيض على حاجتنا ولكن هذا كله مرهون بعودتنا لاستئناف الحياة الإسلامية بإقامة الخلافة على منهاج النبوة تجعل بلدنا مباركا من رب العالمين، منارة الأمة ودرعها، ونضم ثروتنا لثروات أمتنا الهائلة ويعاد توزيعها على الناس بما يكفي حاجاتهم ويرعاهم ويصلح حالهم وحياتهم فنفوز بخيري الدنيا والآخرة.

كتبته للمكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
الأستاذة غادة عبد الجبار (أم أواب) – ولاية السودان