شتان بين حاكم يحكم الناس بالإسلام ويجعل الحرام والحلال مقياساً لأعماله، وبين حاكم يتسلط على رقابهم ويعجز عن توفير الأمن لهم. ففي الإسلام كما علمنا رسول الله ﷺ فإن الحاكم هو راعٍ وهو مسؤول عن رعيته، بخلاف الذي يجري اليوم في السودان بعامة والجنينة بخاصة، حيث حصلت يوم السبت 2021/1/16م جريمة في منطقة كرينديق، وهي منطقة تابعة لولاية غرب دارفور الجنينة، وشرق المدينة هناك معسكر للنازحين تسكن فيه قبيلة المساليت الذين أجبرتهم نيران حروب النظام السابق على النزوح منذ العام 2003م، وهناك قبيلة عربية من الرعاة، وهي الماهرية، هذه القبائل المذكورة لديهم غبن داخلي وعدم تقبل للآخر؛ هؤلاء عرب وهؤلاء مساليت، لا يقبل الواحد منهم الآخر، وقبل شهور عدة حصلت مشكلة حيث كان هناك شخص من القبيلة العربية ماراً بمنطقة كرينديق، والتقاه بعض أبناء منطقة كرينديق فقتلوه ورموه في قارعة الطريق، ثم جاء أهل المقتول يبحثون عن فقيدهم فوجدوه مقتولاً، فقاموا بحرق المنطقة بأكملها، بعدها حصل النزوح وفر أهل المنطقة إلى مدينة الجنينة، حتى أصبحت المدينة خارج سيطرة الحكومة، ثم بعد ذلك حصل ما يسمى بالأجاويد، وهم زعماء القبائل فدعوا للتصالح والتعايش.

ولكن هذه كلها مجرد ترقيعات وليست حلولاً جذرية، ثم جاءت الحكومة الانتقالية لكي تعالج هذا الصراع القبلي لكنها فشلت، ثم لم يمر شهر واحد فقط وحصلت المشكلة نفسها، ولكن هذه المرة الخسائر أكبر في الأرواح ولا حول ولا قوة إلا بالله، فأصبح الأمر لا يطاق. والمشكلة التي حصلت هي أن واحداً من القبائل العربية مرّ بالمنطقة نفسها، كرينديق، وحصل شجار بينه وبين شخص آخر وفي هذه الأثناء أخرج أحدهما سكيناً وطعن الآخر فقتله، وتم القبض على القاتل لاتخاذ الإجراءات القانونية. ولكن لم يقف الحال عند هذا الحد بل زاد الطين بلة، حيث إلى الآن لم تتحرك الحكومة بوصفها مسئولة عن أمن وحياة الناس وعن محاسبة من أجرم في حقهم، بل ظلت صامتة صمت القبور كأنها ليس لها دخل في ما جرى! وهنا حصل الفراغ الأمني تماماً، فقد قام أهل المقتول بكل عتادهم وقواهم وأسلحتهم من كل فج، وحاصروا المنطقة ثم قاموا بحرقها وقتل الأطفال والنساء والكبار، ونهب بعض الممتلكات، أما الجانب الآخر فهو أيضا مسلح بكامل العتاد، وهنا تكمن المشكلة، كون أن البلد فيها سلاح أكثر من رغيف الخبز الذي تقف أربع ساعات أو أكثر كي تجد عدداً محدداً منه، ثم تجد قبائل مسلحة يمكن أن تواجه الدولة نفسها، فلا يمكن أن تمنع الدولة القبائل أو توقفهم عند حدهم! وفي اليوم التالي بدأت الذخيرة الحية داخل المدينة وتم حرق معسكر أباذر الذي تقطنه قبيلة المساليت... ولكن يمكن أن نسأل هذه القبائل لماذا هذا الصراع العبثي باسم القبيلة أو اللون حتى يتم قتل وإبادة الأبرياء الذين يسكنون تحت الخيام؟! ولماذا أصلاً عندما يقتل فرد يتم قتل فلذات أكباد الناس من الجانبين؟! يقول الله سبحانه وتعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ﴾، ويقول الحق تبارك وتعالى: ﴿ومن آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّلْعَالِمِينَ﴾.

لا يمكن ولا يتصور أحد أن هناك شعبا أو أمة من عرق واحد أو قبيلة واحدة أو لون واحد! لقد خلق الله سبحانه الناس في هذه الدنيا مختلفي الألوان والألسن، وهو الذي قال هذه آيات للعالمين، وهذه سنة كونية، واختلاف الألوان والألسن لا يوجد به تفضيل أحد على الآخر وإنما التفضيل في التقوى، فعَنْ أبي هُريْرة عَبْدِ الرَّحْمن بْنِ صخْرٍ قَالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «إِنَّ اللهَ لَا يَنْظُرُ إِلَى أَجْسَامِكُمْ، وَلا إِلى صُوَرِكُمْ، وَلَكِنْ يَنْظُرُ إِلَى قُلُوبِكُمْ» رواه مسلم. فالتفضيل في التقوى وليس في اللون ولا في اللسان، كما نهانا رسول الإسلام محمد ﷺ فقال: «دَعُوهَا فَإِنَّهَا مُنْتِنَةٌ»، ثم زاد كي تكون الأمور جلية في حديث آخر عن جبير بن مطعم رضي الله عنه أن رسول الله ﷺ قال: «لَيْسَ مِنَّا مَنْ دَعَا إِلَى عَصَبِيَّةٍ، وَلَيْسَ مِنَّا مَنْ قَاتَلَ عَلَى عَصَبِيَّةٍ، وَلَيْسَ مِنَّا مَنْ مَاتَ عَلَى عَصَبِيَّةٍ». وفي أحاديث كثيرة حرم الإسلام الدعاوى القبلية «وَمَنْ ادَّعَى دَعْوَى الْجَاهِلِيَّةِ فَإِنَّهُ مِنْ جُثَاءِ جَهَنَّمَ». قِيلَ: يَا رَسُولَ اللهِ: وَإِنْ صَلَّى وَصَامَ؟ قَالَ: «نَعَمْ، وَإِنْ صَلَّى وَصَامَ، فَادْعُوا بِدَعْوَى اللَّهِ الَّتِي سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ الْمُؤْمِنِينَ عِبَادَ اللَّهِ»، ففي ظل غياب دولة الإسلام دولة الخلافة أصبح القتل أمراً طبيعياً! وهذا إنما يدل على غياب الراعي والحاكم العادل الذي سماه رسول الله ﷺ خليفة المسلمين، كما قال: «قُولُوا لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ تُفْلِحُوا»، وقال: «قُولُوا لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ تُفْلِحُوا وَتَمْلِكُوا بِهَا الْعَرَبَ، وَتَذِلَّ لَكُمُ الْعَجَمُ»، هذه هي الغائبة عند الأمة. فالاقتتال القبلي في السودان أصبح أمراً مزعجاً، والحكومات المتعاقبة لا تعرف قيمة الإنسان إلا في حالة الدفاع عن كرسي الحكم، ولا تعرف معنى الرعاية والمسؤولية!

عمر رضي الله عنه يقول: "لو عثرت بغلة في نهر الفرات لخشيت ربي أن يسألني عنها"، فانظر كيف كنا، وقارن بين أولئك وهؤلاء المأجورين العملاء أبناء الحكومات الوطنية العميلة التي هي بذرة المشكلة وسببها، لأن هذه الفتن بدأها البشير منذ 2003م وهذه الأعمال استمرت إلى آخر حكم البشير، ثم خرجت الثورة وهتفت "يا عنصري ومغرور كل البلد دارفور"، فظن الناس بأن يكون هناك سلام ويحصل تعايش سلمي بين الناس بعد إسقاط الطاغوت الأكبر البشير وإبرام اتفاق سلام جوبا الذي سيأتي بأمن الناس والمواطنين! ولكن الذي حصل هو عكس ما تمنوه تماماً بل الأمور استفحلت أكثر، وهذه الحكومة بدأت من حيث انتهى البشير فلا يوجد أمن وأمان واستقرار.

فبالتالي في ظل هذه الحكومات الوطنية لن تكون الحياة الآمنة ولا استقرار الأوضاع، بل تزداد الأوضاع سوءاً. فالواجب هو أن نعمل مع العاملين لإقامة خليفة للمسلمين يحكم بين الناس بشرع رب العالمين، في ظل دولة الخلافة الراشدة على منهاج النبوة.

كتبه لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
الأستاذ آدم دهب (أبو آسيا)