بسم الله الرحمن الرحيم


تعطيل الأحكام الشرعية بخداع المصطلحات"حقوق الطفل الغربية" نموذجاً



من أكثر القضايا جدلاً في الغرب قضية إجهاض المرأة لحملها متى ما أرادت، حتى إن الحركات النسوية لا زالت تكافح ومنذ عشرات السنين للمطالبة بسن قانون إباحة الإجهاض ويسمى بقانون (الإجهاض الآمن) في بلاد الغرب العلماني، فالزنا عند الكفار أمر عادي، بل هو حق من حقوق الناس - ويسمونه حرية شخصية - وممارسة الفواحش يشجع عليه ويعتبره المجتمع تصرفاً طبيعياً، ولذلك كان الإجهاض حقاً للمرأة لأن ممارسة الحريات الشخصية لا تتبعها عواقب أو تحمُّل للمسؤولية، والانحلال بدون قيود، فالمرأة هي التي تقرر إن كانت ستقتل الطفل الذي تحمله وغير المرغوب فيه أم لا، فالمتعة خارج نطاق الزواج المتعارف عليه بين امرأة ورجل لا تتوافق مع إنجاب الأولاد، ومن جهة أخرى يُواجَه الزوجان الطبيعيان بقضية جدلية أخرى وهي قضية تحديد النسل والمقصود تحديد عدد الأبناء والبنات الذين يريد الأب والأم إنجابهم خلال فترة زواجهما وليس المقصود تنظيم فترة تباعد الحمل بالأطفال، وغالباً يحدد العدد باثنين؛ بنت وولد فقط، ثم على الزوجين منع الحمل مرة أخرى للأبد، ويتعرض الزوجان لاضطهاد مُبطن من المجتمع والدولة إن أرادوا كثرة الإنجاب؛ فالرأسمالية تحث على التفرد وحب الذات ويجب تقليل عدد أفراد الأسرة لتنخفض تكاليف تربية الأطفال، فالسلع التي تخص الصغار من أغلى السلع ثمناً؛ الملابس والحليب والغذاء والأدوات والمنتجات الصحية الخاصة بالطفل وأثاث الغرفة أو عربته للتنقل خارج البيت وهكذا، يُشكل الطفل في الغرب الرأسمالي عبئاً مادياً كبيراً على الأسرة، والمجتمع يرى الطفل من وجهة النظر هذه.




كما لا يريد الرأسماليون فقدان مصدر مهم من مصادر أرباحهم الاقتصادية بانشغال الأم والجلوس في بيتها لرعاية أطفالها، بل يريدون لها أن تخرج لتعمل ولتكون جزءاً فاعلاً في عجلة الاقتصاد بحجة استقلالية وتمكين المرأة في مجالات العمل المختلفة والإنفاق والتنافس على ذلك مع الرجل وعدم احتياجها له مادياً، وكأن ذلك هو فقط أساس العلاقة بين الرجل والمرأة في الأسرة وفي المجتمع والدولة، فالغرب يدعو لتحرير المرأة ومساواتها المطلقة مع الرجل ويرفع شعار أن للمرأة حرية التصرف بمالها وبجسدها، وإن قتلت جنينها، فلم يكن حث الرجل والمرأة على تكوين أسرة مستقرة وطبيعية تتكون من أب وأم وأطفال شرعيين يولدون في إطار الزواج الشرعي، لم تكن هي قضية الغرب الأولى، كما لم يكن تحديد دور ومسؤوليات الرجل والمرأة تجاه هذه الأسرة وما تنجب من أطفال يحظى باهتمام، لدرجة أن الغرب يدعم وجود الأُسر غير الطبيعية والتي لا تتوافق مع فطرة الإنسان مثل التي تتكون من امرأتين أو رجلين والأُسر التي تتكون من أم فقط أو أب فقط، وفي الوقت نفسه يُسمح بتبني الأطفال أو استئجار الأرحام والنُطف، فمفهوم الأمومة والأبوة والأمومة بالذات مفهوم مشوه عند الغربيين لأنهم أصحاب فكر علماني رأسمالي مقياسه للأعمال المصلحة المادية فوق كل أمر آخر مما يجعلنا نتساءل: أين تقع مصلحة الطفل الذي تجهضه أمه التي تستغل شماعة حريتها الشخصية لإشباع شهواتها وتقوم بقتل ابنها أو ابنتها إن حدث حمل غير مرغوب فيه ولا تكون المرأة مطالبة بتحمل عواقب أفعالها هي وشريكها في هذه الجريمة والتي تجر جرائم أخرى؟ كما نتساءل أين حق وحرية هذا الطفل في أن يُولد وأن تكون له حياة؟!



وبعد هذا التعامل مع قضايا الإجهاض وتحديد النسل تظهر كراهية الغرب الكافر للأطفال وأعبائهم ومنصرفاتهم ويعملون بعد ذلك على إفساد من نجا منهم وعاش بتقييدهم بقوانين ظالمة تعسفية كاعتبار الطفل راشداً بعد بلوغه 18 سنة بينما يبلغ الإنسان الرشد منذ سن أصغر بكثير وقد حدده الإسلام بسن البلوغ للذكر وللأنثى، كما لا يأخذ أصحاب الفكر الرأسمالي العلماني أي اعتبار لاحتياجات الطفل أو الطفلة الإيمانية والتربوية ويركّز التعليم على ضخ عقول أطفال الغرب بالثقافة الجنسية وعلوم الجندرة التي تُدرس في المدارس. (تعريف الجندرة بحسب اتفاقية "سيداو" المادة الخامسة: التي تطالب - وبشدة - بتغيير الأنماط الاجتماعيَّة والثقافية لدَور كلٍّ من الرجل والمرأة؛ بهدف تحقيق القضاء على التحيُّزات والعادات العُرفية: وقد ورد تعريف (الجندر)، حسبَ المنشور في أحد المواقع النسوية العربية على الشبكة الإلكترونية كما يلي: "النوع الاجتماعي (الجندر): يتعلق بالأدوار المحدَّدة اجتماعيّاً لكلٍّ من الذكر والأنثى، وهذه الأدوار تكتسب بالتعليم وتتغيَّر مع مرور الزمن، وتختلف اختلافاً واسعاً داخلَ الثقافة الواحدة، ومِن ثقافة لأخرى، وهذا المصطلح يشير إلى الأدوار والمسؤوليات التي يُحدِّدها المجتمع للمرأة والرجل، وهو يعني أيضاً: الصورة التي ينظر بها المجتمعُ للمرأة والرجل، وهذا ليس له عَلاقة بالاختلافات الجسديَّة (البيولوجية والجنسية). منقول.



لا يريد الغرب أن يميز الطفل في سن سبعة أعوام إن كان أنثى أو ذكرا، بالتالي يفقد مفهوم الفطرة الإنسانية السوية ويسير في طريق الضلال منذ نعومة أظفاره ويبحث الطفل عن علاقات جنسية متعددة بحجة الحرية الشخصية والاستقلالية عن أبويه أو معلميه، بينما يبغض فكرة الارتباط والتقيد والإخلاص للزوجة في الزواج الشرعي، ولا يمنعه أمر من ممارسة الفاحشة بين الذكر والأنثى أو بين الذكر والذكر، وهذه المفاهيم تروج للاغتصاب وتروج للإجهاض وتروج للحمل سفاحاً، لينشأ الطفل نشأة فوضوية وهمجية، فالتفكير عنده مشوش يسيطر عليه مفهوم إشباع رغباته وتجربة الحياة مما يجعل عنده الحق والباطل في واحد ولا يردعه رادع، فشعار الغرب افعل ما تريد ولا تدع أحداً يراك...



والخطر كل الخطر في تغييب الطفل في الغرب تماماً عن فكرة الأسرة السوية، فلقد اختلطت لديه المسؤوليات الواضحة بالنسبة لدور الأب ودور الأم بسبب الضغط الاقتصادي فأصبح يرى الرجل (الأم) ويرى المرأة (الأب) باسم المساواة المطلقة بين الجنسين؛ الذكر والأنثى، بل وأصبح الطفل يرى ما يُعرف بالجنس الثالث، وضع غير طبيعي يؤدي إلى عنف أسري يومي، ففي بلاد الغرب يُسمح للجميع بحمل أسلحة ويروج الإعلام لثقافة العنف والغرور والإرهاب ضد الأخرين. فلم يكن مستغرباً إذاً في الغرب موت الآباء والأمهات في بيوتهم وحيدين، كما امتلأت دُور العجزة عندهم بآباء وأمهات يشعرون بقسوة وجفاء وعدم احترام الأبناء والبنات بل وعدم إنفاق الدولة على رعايتهم وأصبحوا ينتظرون الموت. والأصل أن هذه المعاناة في الكبر من معاناة الكثير من الأولاد والبنات في الصِغر في الغرب ومنذ أن يولدوا يصبحوا ملكاً للدولة دوناً عن أسرهم بموجب القانون الذي يسمح بطردهم من بيوت أهليهم في سن "الرشد" الذي حددوه بـ(18) عاماً، بينما يبقى كلب الأسرة والقطة تنعم بالدلال والحب والدفء!! لذا كانت علاقة الأسر ببعضها وعلاقة المجتمع بالأسر وعلاقة الدولة بالأسر علاقات جافة، والسائد هو مشاعر البغض والقسوة والتأفف وانعدام البر والاحترام والرحمة بين الكبار والصغار، ثم الشباب لاحقاً وأبنائهم وبناتهم في الأجيال القادمة، فالحياة الغربية المنحلة نتيجة دولة تطبق قوانين وضعية متفلتة تحمي الحريات ونتيجة أفكار ومشاعر مجتمعية لأناس يعيشون لإشباع همجية رغباتهم. ولعل الطفل يتلقى تعليماً مميزاً وينعم بمجالات التكنولوجيا المختلفة ويتلقى رعاية صحية ويتعلم التفكير الأيديولوجي عن الحياة والإنسان والكون، (وينفق على رفاهية الإنسان الغربي الحكومات في بلاد المسلمين العميلة للغرب الذي ينهب ثروات المسلمين، وبينما يغوص أبناء المسلمين في خيم اللجوء يغرقون في مياه الأمطار والوحل ويموتون من البرد والجوع والذل، قلوبهم تنزف من غياب الراعي وعقولهم تعبة من التجهيل والحرمان من التعليم وأجسادهم تئن من كثرة الأزمات وانعدام الرحمة يعيش أطفال الغرب للهو واللعب)، ولكن كل هذه المميزات عند أطفال الغرب لم تفلح في حمايتهم من ويلات الرأسمالية والحريات، فهي مميزات مشروطة بالانصياع لتيار الحياة العلمانية السطحي وتقبُّل الحياة الشيطانية المقرفة والخضوع لقوة القوانين الوضعية وعدم معارضتها وعدم التدخل في شؤون (حريات) الآخرين وإن كان شذوذاً أو جرائم إباحية تُرتكب ضد الأطفال، ولا عجب إن كان هناك توجه في الغرب لإباحة العلاقات الجنسية مع الأطفال قانونياً (انظر مقالة "اختلال في الموازين: هل الغرب يستعد للاعتراف بالبيدوفيليا؟" 13 أيلول/سبتمبر 2020)، أو استغلال جنسي من الأطفال للأطفال الآخرين (انظر مقالة "أطفال في الأفلام الإباحية.. كيف ينتهك الغرب الطفولة؟" على موقع الجزيرة، نشر في 27/3/2018 ونقتبس منه:



("أحيانا بإمكاني أن أتذكر الملمس المريح للمقاعد الجلدية البالية جراء سنوات من خطف نحو 132 طفلا بعيدا عن عائلاتهم، معظمهم أولاد أصغر من 8 سنوات. فمن عربة النقل إلى قبو المنزل الريفي الذي يبعد 60 ميلا عن الطريق العام، تم إحياء أكبر شبكة مواد إباحية للأطفال في ولاية بنسيلفانيا مع ذخيرة لا نهائية من "الممثلين والممثلات". على الأقل هذا ما كانوا يسموننا به: ممثلون وممثلات. هكذا أخبرني "لاري" لأساعده في اصطياد الأطفال وجذب ضحاياه، كنت أعرض على الأطفال عروضا مغرية لأن يكونوا نجوما عالميين. وحينئذ كان عمري ثماني سنوات فقط". كانت هذه مقدمة المواطن الأمريكي "بين آشلاند" لكتابه "الوسادة القذرة: مذكراتي الحقيقية في الهروب من شبكة إباحية للأطفال" “The Filthy Mattress: The True Story and Memoir of My Escape From a Child Porn Ring” التي يحكي فيها قصته المأساوية التي بدأت بخطفه - وهو ابن ثماني سنوات - بواسطة "لاري" ثم حبسه في قبو لا آدمي وتصويره عشرات ومئات المرات في أوضاع وممارسات إباحية هو وعشرات الأطفال غيره، لتوفير منتج إباحي للأطفال بلغ نحو 7,500 ساعة من الفيديو المسجل!).



وعند الطفل في الغرب الحقائق نسبية والقيم متغيرة والانفلات عن كل القيود هو الأصل. حتى إن علاقة الطفل مع أنداده علاقة تنافسية وعلاقة تنمر وتمرد، والالتزام مسبة.. فالغرب اليوم يعيش أزمة مفهوم واضح عن معنى الطفولة كما يعيش أزمة معنى الرجولة والأنوثة، فهذه المفاهيم تخضع للضغوط الاقتصادية والرأسمالية حتى إن الغرب يعيش خطر الانقراض وأزمة انكماش التعداد السكاني؛ إن الغرب يموت بعد أن أصابته الشيخوخة، وتراجع سكانه عن التوالد والنمو. (انظر كتاب "موت الغرب": باتريك جيه بوكانن). كما أهلك مفهوم الحريات وعدم التقيد بحرام أو حلال وتطبيق سياسة الحل الوسط عقول الأطفال الذين أصبحوا يعانون من أزمة هوية فاتخذوا من الانتحار والإجرام (عدد المساجين الأطفال قرابة 50 ألفا في المنشآت الإصلاحية بالولايات المتحدة؛ هيومن رايتس ووتش: التقرير العالمي لسنة 2020 للولايات المتحدة) والإدمان والزنا والفواحش هوية لهم، ويعانون من تعارض هذه الطريقة في العيش مع فطرة الإنسان النقية، فكان الانتحار مصير كثير من الأطفال في الغرب.



فهذه هي نظرة الرأسمالية العلمانية للطفل. فعن أي حقوق يتحدث هؤلاء؟!



ولا يقف هذا الانحدار الإنساني للأجيال القادمة عند الغربيين بل يريد الغرب تصدير ثقافته الوسخة إلى أطفال المسلمين! وحملة شرسة ضد المسلمين في بلادهم منذ عشرات السنين شنتها منظمة الأمم المتحدة التي تأسست على أفكار ومفاهيم وأنظمة المبدأ الرأسمالي، عقيدة ومنهج حياة يقوم على العقيدة العلمانية الفاسدة التي فصلت تشريعات الله تعالى عن الحياة وسيطرت على العالم من خلال الحكومات العميلة للغرب وطاعتها العمياء لأدوات الكفر التي تعمل على إفساد حياة المسلمين وجعلها كالحياة الغربية المنحلة من خلال فرض اتفاقيات ومواثيق دولية استعمارية لا تفرضها إلا على بلاد المسلمين كـ"الاتفاقية الأفريقية لحقوق الطفل ورفاهيته" أو اتفاقية "سيداو" لإلغاء التمييز ضد المرأة. فالغرب يدعي أنه راعي حقوق الطفل وراعي حقوق المرأة ومنهجه أبعد ما يكون عن ذلك؛ لا أسرة ولا أمومة ولا حقوق للإنسان في الغرب إلا استغلاله لمصلحة النظام. والمواثيق الغربية والقوانين الدولية مرحلة من أخطر مراحل الصراع بين الحق والباطل فلا يجب الوثوق في كارهي الأطفال الذين نصبوا أنفسهم جلادين لأطفال المسلمين وللأسرة المسلمة ويريدون خداع ضِعاف النفوس منهم ويريدون ضياع المرأة المسلمة والأطفال بسن قوانين تدمر روابط المجتمع وتُبعد الإسلام عن حياة الطفل المسلم. فلم يكن إجهاض الجنين وإزهاق روحه البريئة أو قطع النسل أو انتهاك عِرض الطفل يوماً من القضايا الجدلية أو محل خلاف عند المسلمين لأن الأحكام الشرعية فيها واضحة لا لبس فيها. والاختلاف بين المواقف تجاه هذه القضايا في الغرب أو بالنسبة للأمة الإسلامية مصدره اختلاف العقيدة الإسلامية والعقيدة العلمانية ونظرتهما المختلفة تجاه الإنسان إن كان صغيراً أو كبيراً واختلاف مصدر الدساتير والقوانين، التي هي وضعية عند الكفار وعند المسلمين مفصلة في القرآن والسنة، فهي أحكام شرعية تنص على المواد ويلتزم بها الأفراد والدولة لتصبح سائدة في المجتمع، وما هي إلا مؤامرات خبيثة لإبعاد تطبيق مبدأ الإسلام وتعطيل أحكامه الشرعية عن الناس.



فالأحرى أن يرفض المسلم هذه المواثيق جملة وتفصيلاً، فلن يضع قاتل الأطفال ومدمر الأسرة قوانين تحمي الطفل وتضمن له "الحرية والرفاهية" إلا في نطاق الكفر. أما في دولة الخلافة الراشدة فحفظ حقوق الطفل يكون بحفظ حقوقه وواجباته الشرعية وحفظ حقوق وواجبات الأسرة والمجتمع والدولة تجاهه، وقد حدد الإسلام أحكاماً شرعية واضحة خاصة بالطفل منذ عمر يوم واحد، نستعرض بعضها وهذا غيض من فيض:



حرم الإسلام الإجهاض خشية الفقر فحفظ نفس الطفل؛ قال تعالى: ﴿قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ مِنْ إِمْلاقٍ﴾ [الأنعام: 151].



وجعل الله تعالى البنون زينة الحياة الدنيا فحفظ مكانة الطفل؛ قال تعالى: ﴿الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَاباً وَخَيْرٌ أَمَلاً﴾ [الكهف: 46].




الترغيب في تكثير النسل والأولاد؛ فعَنْ مَعْقِلِ بْنِ يَسَارٍ قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ ﷺ فَقَالَ: «إِنِّي أَصَبْتُ امْرَأَةً ذَاتَ حَسَبٍ وَجَمَالٍ وَإِنَّهَا لا تَلِدُ أَفَأَتَزَوَّجُهَا قَالَ لا ثُمَّ أَتَاهُ الثَّانِيَةَ فَنَهَاهُ ثُمَّ أَتَاهُ الثَّالِثَةَ فَقَالَ تَزَوَّجُوا الْوَدُودَ الْوَلُودَ فَإِنِّي مُكَاثِرٌ بِكُمْ الأُمَمَ». (صححه الألباني).

وحرَّم الإسلام زواج المسلم من المشركة وأمر رسول الله ﷺ الشباب بالزواج بذات الدين وزواج الفتيات ممن يرضون دينه وخلقه؛ قال النبي ﷺ: «تُنْكَحُ الْمَرْأَةُ لِأَرْبَعٍ لِمَالِهَا وَلِحَسَبِهَا وَجَمَالِهَا وَلِدِينِهَا فَاظْفَرْ بِذَاتِ الدِّينِ تَرِبَتْ يَدَاكَ». (رواه مسلم).

وقال عليه الصلاة والسلام: «إِذَا خَطَبَ إِلَيْكُمْ مَنْ تَرْضَوْنَ دِينَهُ وَخُلُقَهُ فَزَوِّجُوهُ، إِلاَّ تَفْعَلُوا تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الأَرْضِ وَفَسَادٌ عَرِيضٌ». (رواه الترمذي). فهيأ للطفل أجواء إيمانية داخل الأسرة لتربيته تربية صالحة ليكون جزءاً من جيل مسلم يحمل الدعوة للإسلام ويقوم بدوره تجاه أمته الإسلامية. وأمر الإسلام الدولة بتوفير المدارس والمناهج التعليمية التي توضع على أساس الثقافة الإسلامية لصقل شخصية الطفل الإسلامية وتسليحه بما يحتاج من الوعي والتقوى ومخافة الله عز وجل والتأسي برسول الله ﷺ واتخاذ الصحابة رضوان الله عنهم أجمعين قدوة له لينشأ قوياً سليم العقل والإيمان، يتقيد بالأحكام الشرعية فيما يخص جميع العبادات والمعاملات فيميز بين الحق والباطل، ولا يقدم على فعل إلا وهو يضع رضا الله تعالى نصب عينيه ويُطبق الحكم الشرعي على ذلك الفعل أو القول، بل ويكبر ليأمر بالمعروف وينهى عن المنكر فيحمل الأمانة؛ قال تعالى: ﴿إِنَّا عَرَضْنَا الأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُوماً جَهُولاً﴾. [الأحزاب: 72]. فالدولة ترعاه وتحميه وتوفر له احتياجاته الأساسية والمجتمع يحتضنه امتداداً لأسرته.



حفظ الإسلام عقل الطفل من التشويش والتشكيك والتذبذب فالطفل المسلم يعي جيداً سبب خلقه وهو عبادة الله تعالى في الدنيا ليفوز في الآخرة. ولتربية الطفل أوجه كثيرة عني بها الشرع في جميع مراحل العمر.



ولقد بيَن علماء المسلمين حقوق الطفل العقلية والنفسية والجسدية، ولا يخلو بيت من بيوت المسلمين من الكتب في هذا الشأن فلا يحتاج الطفل المسلم لمواثيق غربية لتغريه وتفسده وتكون سبباً في قلبه على دينه وعقوق والديه وأذية المجتمع والأمة الإسلامية التي تعتمد على الأجيال القادمة لتنهض بها ولتعيد أمجادها بإقامة دولة الخلافة الراشدة الثانية على منهاج النبوة والتي ستطبق الإسلام كاملاً وستحفظ حقوق الأسرة والطفل الشرعية المستمدة من القرآن الكريم والسنة الشريفة في دستور وقوانين الدولة كما فُصّلت في الشرع فتكون الأمة كما أرادها الله خير أمة أُخرجت للناس فيها الأطهار وفيها العفيفات الأمهات مربيات الأجيال والأبطال وفيها المعلم وفيها السياسي وفيها الفقيه وفيها الباحث وفيها العالم وفيها القائد وفيها المجاهد وفيها... خليفة المسلمين ليقود البشرية من الظلمات إلى النور.



قال الله تعالى: ﴿وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَاماً﴾. [الفرقان: 74]. أي: أوصلنا يا ربنا إلى هذه الدرجة العالية، درجة الصديقين والكمل من عباد الله الصالحين وهي درجة الإمامة في الدين وأن يكونوا قدوة للمتقين في أقوالهم وأفعالهم يقتدى بأفعالهم، ويُطمأن لأقوالهم ويسير أهل الخير خلفهم فيهدون ويهتدون. (تفسير السعدي).



هذه هي نظرة الإسلام العظيم إلى الطفل.




كتبته للمكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير

غادة محمد حمدي – ولاية السودان