نقلت صحيفة سودان تربيون يوم الخميس تنديد عشرات الصحفيين في السودان بإقدام السلطات على حجب عدد كبير من المواقع الإلكترونية، وشكوا من عدم القدرة على تصفحها دون أن يحصلوا على تفسير رسمي للخطوة، والتزمت الحكومة الصمت حيال تنامي الشكاوى من مديري نحو 15 موقعاً إخبارياً قالوا إن صفحاتهم جرى تجميدها، بينما سارع النائب العام إلى تكذيب ما أشيع عن توجيهه نيابة المعلوماتية بوقف تلك المواقع.

وبحسب تصريحات رائجة على مواقع التواصل، فإن المواقع المحجوبة متهمة بترويج الشائعات ونقل الأخبار الكاذبة، كما أن بعضها محسوب على النظام السابق، غير أن الجهات المعنية في الحكومة لم تصدر تصنيفا صريحا لهوية المواقع، كما لم تتبن قرار الإيقاف، ومن أبرز المواقع الموقوفة موقع باج نيوز، وموقع صحيفة السوداني، والحاكم نيوز، وتارا نيوز، والنورس نيوز، وخبطة نيوز، وعزة برس.

ونفت النيابة العامة ما أثير عن إصدار النائب العام المكلف مبارك محمود توجيهات بحجب المواقع الإسفيرية لبعض الجهات، وأكدت في بيان صحفي الخميس أن رئاسة النيابة العامة ومكتب النائب العام يعمل وفق الوثيقة الدستورية التي كفلت الحق في التعبير وفق ما ينظمه القانون، وقالت "إذا كان هنالك أي جهة أو نيابة قد مهرت قراراً أو أصدرت أمراً بحجب بعض المواقع أو مست أياً من الحق في التعبير فإن الطريق لمناهضة ذلك القرار أو هذا الأمر إنما هو الاستئناف وفق التدرج المنصوص عليه في لائحة تنظيم عمل النيابات لسنة 2018".

إن حرية التعبير تثبت الأحداث كل يوم أنها خرافة لا وجود لها في أرض الواقع، بشهادة معهد أنواع الديمقراطية للأبحاث التابع لجامعة غوتنبرج بالسويد في العام الماضي، بأن العديد من الدول تحولت إلى نظم حكم شامل، ذلك لأن هذه البلدان لم تكتف باستهداف الكُتَّاب فقط بصورة متزايدة، من خلال إجراءات الرقابة الرسمية، بل شملت هذه الممارسات كذلك الرسامين، الذين يحاولون من خلال رسومهم الساخرة تخطي حدود المسموح به، فها قد شهد شاهد من أهلها أن الديمقراطية ومنها حرية الرأي حين الحكم تصبح كصنم العجوة في الجاهلية يعبد ثم يؤكل!

ورغم ذلك أصبحت المواقع الإلكترونية قنوات لا غنى عنها، وهي إعلام بديل ومتنفس للكثيرين ممن لم يجد رأيهم طريقا إلى وسائل الإعلام الرسمية التي بطبيعة الحال هي تابعة لجهة ما أو مسيسة. وكم كانت هذه المواقع مجالاً يتفاخر به البعض على أنه يعد مكسباً ديمقراطياً رغم ما بها من الأخبار المضللة، ونظريات المؤامرة التي يقودها منتسبو الأنظمة الحاكمة لتلميع النظام وضرب كل من خالفهم، وللخوف من كلمة حق صادقة تغير حال العالم، تبسط الحكومات يدها على هذه المواقع الإلكترونية وتحجّم عملها، كما حدث هنا أو حتى في الدول التي تعد مراكز للديمقراطية وحرية التعبير والأمثلة كثيرة على ذلك؛ ففي ترقيع لقيم العلمانية اضطلعت ألمانيا بدور رائد على مستوى العالم في هذا الشأن عن طريق سن "قانون الحزم الإلكتروني". أما في سويسرا فلا تزال هناك حاجة ماسة إلى سن قوانين تتناسب مع مواقع التواصل بصفة خاصة. وكل دول أوروبا تتظاهر بالحرية والديمقراطية والعدالة، وتؤاخذها قطعة قماش على رأس فتاة ويجن جنونها لانتشار المساجد والمدارس الدينية!

أما صاحبة صنم العجوة أمريكا مطلع عام 2021م، فبعد إقصاء الرئيس السابق دونالد ترامب من تويتر، وفيسبوك ويوتيوب، فإن السؤال الذي طرح نفسه آنذاك هو كيف يمكن تعزيز الديمقراطية وحرية التعبير في هذا الواقع الذي يمنع فيه رئيس دولة من التعبير عن رأيه مهما كان رأيه؟ ولماذا أوجدوا سقفا للحرية وخطاً أحمر لا يتم تعديه؟!

لكن في المقابل فيما يتعلق بالإسلام تفتح كل الأبواب، ولا سقف للتعبير تحت ذريعة حرية التعبير، فلك أن تقول كل ما تريد. أمريكا نفسها التي حرمت رئيسها من التعبير عن رأيه استحسنت صفحات الفيسبوك للاحتفال بالرسوم المسيئة للرسول محمد عليه الصلاة والسلام، أو حرق القرآن الكريم، فضلا عن العديد من الصفحات الأخرى الوضيعة التي لا هم لها إلا ضرب الإسلام والمسلمين، فقد حجبت صفحات لحزب التحرير مرات متكررة لسبب واحد هو أنها تفضح زيف الديمقراطية وتتعرض للرأسمالية وجشعها ولعقيدتها الزائفة ومفاهيمها مثل الديمقراطية والحرية والعلمانية، وتعرض العلاج الناجع وهو دولة الخلافة الراشدة على منهاج النبوة ونظامها الرباني، الذي يفضح عوار القوانين البشرية الوضعية الظالمة، والهاضمة لحقوق الإنسان وتتملق وتتظاهر بأنها عادلة.

والحمد لله أن جعل الخسران المبين هو مآل الغرب والأنظمة التابعة له في بلاد المسلمين، فقد أصبحت قيمهم مجرد شعارات كالزبد يذهب جفاء، وخسرت الدولة العلمانية المدنية معركة الشفافية وحرية التعبير، وخسارتها لمعركة كهذه ستزلزل المبدأ العلماني المخادع المعوج، الذي أثبت فشله وزيف قيمه.

واليوم حكومة السودان التي أصابها الخبل السياسي والتخبط، مثلها مثل كل حكومات العالم، تتعامل مع معارضيها بقيمها الحقيقية، من خلال الرقابة والحظر والإرهاب والقوة والقتل، فهذه هي القيم نفسها التي شاهدناها على شبكة الإنترنت في تغطية أحداث مظاهرات 30 حزيران/يونيو وما حدث للثوار يدمي القلب ومنهم من كان بالأمس رفيق الدرب في ثورة ديسمبر المخطوفة وقد اعتقلوا وضربوا بل وحلقت رؤوسهم بصورة غير إنسانية كما في حالة (كراع السرير).

لا بد أن تكون هذه الأحداث كافية لفتح عيون أولئك الذين يتشدقون بالدولة العلمانية والديمقراطية، ومنها حرية التعبير بصورة عمياء، ودون علم بواقعها، ومن الجنون أن نتوقع أي خير للبشرية من الغرب ونظرياته التي لا تقيم وزناً لقيمة إلا القيمة المادية البحتة، وعلى الأنظمة العلمانية معرفة أنّ هذه التصرفات الطفولية الغريبة لن تجبر الناس على السكوت على الظلم، أما أمة الإسلام التي تتطلع للنصر المبين على حضارة الغرب بإقامة دولة الإسلام التي عدلها عدل رباني فهي ستنتصر حتما على الزيف والخداع وتقيم العدل والإنصاف.


كتبته لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
غادة عبد الجبار (أم أواب)
القسم النسائي لحزب التحرير في ولاية السودان