أعلنت رئاسة الحكومة التونسية، الأربعاء، فتح تحقيق قضائي، جراء "العشوائية" التي شهدتها مراكز التطعيم ضد فيروس كورونا، أول أيام عيد الأضحى. جاء ذلك وفق بيان صادر عن رئاسة الحكومة نقلته وكالة الأنباء التونسية الرسمية.

وبحسب البيان، كلف رئيس الحكومة، هشام المشيشي وزيرة العدل بالنيابة بفتح تحقيق لدى النيابة العمومية بخصوص فتح مراكز التلقيح الخاصة بالوقاية من فيروس كورونا الثلاثاء، بصورة عشوائية دون توفير الجرعات اللازمة للفئة العمرية التي تم توجيه النداء إليها للتلقيح، ودون التنسيق مع السلطات المركزية والجهوية الصحية والأمنية.

حتى السبت، بلغ عدد المصابين بفيروس كورونا بالبلاد وفق الإحصائيات الرسمية 564 ألفا، توفي منهم 8369، وتعافى 443979. كما أعلنت وزارة الصحة التونسية يوم السبت 2021/07/24 عن 317 حالة وفاة جراء كورونا وهي أعلى حصيلة على الإطلاق يتم الإبلاغ عنها في يوم واحد منذ تفشي الوباء في البلاد في آذار/مارس 2020.

في المقابل، بلغ إجمالي متلقي جرعات اللقاح حتى الأربعاء، مليونين و420 ألفاً و468 شخصا (بنسبة 20.68%)، بينهم 825 ألفاً و410 تلقوا الجرعة الثّانية (أي بنسبة 7%)، من أصل 11 مليونا و700 ألف نسمة.

باستقراء الواقع المعاش والمعطيات المحيّنة لوزارة الصحة فإن البلاد تعيش على وقع موجة تسونامي كورونا (إن صحت التسمية) عنيفة جدا ووضع وبائي كارثي يصاحبه ارتفاع كبير للإصابات والوفيات وشلل تام للمنظومة الصحية المهترئة أصلا منذ الاستقلال المزعوم.

فمن المسؤول عما آلت إليه البلاد، أهي جائحة كورونا أم الساسة والحكام؟
للإجابة على هذا السؤال لا بد من استعراض الأمور التالية:

1- وضع البلاد قبل كورونا:

بعيدا عن تقارير الاستخبارات والدوائر الحكومية والإعلامية المنمقة للصورة والتي لا تُجيد غير الكذب والتزييف كما كانت تفعل زمن المخلوع بن علي، فإن وضع تونس منذ الاستقلال المزعوم هو وضع كارثي على كل الأصعدة سواء الاقتصادي أو الاجتماعي أو السياسي أو الصحي أو غيره، وأهل تونس يكتوون بتبعات عمالة الحكام والنفوذ للأجنبي الذي تسلم البلاد على طبق من ذهب وبسط هيمنته على مقدراتها وثرواتها حتى بات الحديث عنها من الخطوط الحمراء التي لا يجب تعديها وجريمة يحاسب عليها القانون فما بالك بالمطالبة باسترجاعها ومحاسبة اللصوص؟
تعاقبت الحكومات منذ الثورة بوتيرة سريعة (عام لكل حكومة) ومع سرعة التعاقب سرعة انهيار واشتداد للأزمات وضنك في المعيشة مما بات ينذر بطوفان هادر على الأبواب.

2- وضع البلاد في خضم كورونا:

جاءت كورونا والبلاد ترزح تحت نير عطالة سياسية لأشباه حكام تقلدوا مناصب إدارية عند مسؤولهم الكبير، رسم لهم خط السير فساروا ضمن سياساته الضامنة لمصالحه فقط دون أن يعبأوا بهذا الشعب الذي تُرك في الرمضاء يتلظى بنيران الرأسمالية المتوحشة، وفوق هذا ما جرّوه على البلاد من أزمة اقتصادية خانقة طالت كل القطاعات وخاصة الحيوية منها كالفلاحة والصناعة والتجارة وما صاحبها من انهيار الدينار وغلاء المعيشة وارتفاع الضرائب وزيادة المديونية، وكلها ثمرات لفتح البلاد على مصراعيها لصناديق النهب الدولي (صندوق النقد والبنك الدوليين...) أذرع الاستعمار الحديث بوكالة الرويبضات من أهل البلاد.

إذاً، لم يكن كورونا إلا كاشفا لفساد منظومة الحكم ومُسرّعا في تعرية النظام وأسسه والقائمين عليه، ومبينا الفساد المستشري والناتج عن دساتير النظام وقوانينه ومعالجاته. ومن المهازل المضحكة القول إن الوضع الوبائي في تونس ينبئ بانهيار المنظومة الصحية فهل كانت هناك حقا منظومة صحية حتى نتحدث عن انهيارها؟! وعن أي منظومة يتحدثون والدواء يباع خارج المستشفيات العمومية ويُحرم منها الضعيف والمحتاج وكل الآلات الطبية معطلة أو فاسدة والصالحة منها في المزاد العلني تُسرق وتُباع، والإطار الطبي والشبه الطبي ضمن لولبيات لصالح المصحات الخاصة...؟!

3- إجراءات وقرارات الحكومة لمقاومة كورونا:

إن المتتبع والمدقق في الإجراءات التي اتخذتها الحكومة منذ بداية التفشي يرى بوضوح استهتارا وغباء كبيرين بصحة الناس فلم يعلن عن الغلق التام للحدود إلا بعد أن امتلأت البلاد بالوباء القادم من الخارج ثم أُخذ قرار فتح الحدود تزامنا مع فتح أوروبا لحدودها وهي لا زالت تعاني المرض، ثم اتخذ قرار الحجر الشامل فالموجه فالشامل دون أن تهتم الدولة باحتياجات الإنسان الذي أغلقت أمامه كل المنافذ ودفعته إما للموت جوعا في حالة الحجر أو الموت بكورونا في حالة كسر الحجر، ثم نراها توجه أصابع الاتهام للشعب وتصفه بقلة الوعي في الوقت الذي كان يتحتم عليها من باب السياسة الرعوية أن توفر له كل مستلزماته الغذائية والصحية والمادية، لكن إن عُرف السبب بطل العجب، فهذه الدولة ليست دولة رعاية بل دولة جباية.

القرار الأخير الذي أعلنت عنه الحكومة بمباشرة التلقيح إبان عيد الأضحى هو قرار عشوائي غير مسؤول لأنها لم تستعد جيدا لا في عدد الجرعات ولا في الفضاء المخصص ولا في الإطار الطبي وشبه الطبي حتى تضمن التلقيح وسلامة الناس لا أن تكون سببا في إيجاد بؤر جديدة لتفشي الوباء. أما فرية فتح تحقيق فما هي إلا ذريعة يتعلقون بها ويتعللون للتنصل من المسؤولية وإلباسها لغيرهم.

4- مأساة تونس ليست في كورونا بل هي في حكامها:

فعلا لا علاقة لكورونا بمأساة تونس وفقر أهلها وغياب أمنها وتكالب الأمم عليها، فما هي إلا ابتلاء من المولى عز وجل يأتي ويذهب، فمآسيها بدأت منذ ما سمي زورا وبهتانا بالاستقلال المزعوم وتولي الرويبضات الحكم ولاء للغرب بعقيدة فصل الدين عن الحياة فبتنا جسدا بلا رأس وجسما بلا روح! منذ حُكمنا بالديمقراطية وسادت علينا شريعة الغاب، النظام الرأسمالي، صرنا كالأيتام على موائد اللئام نجوع ونعرى ونساق كالأنعام إلى المسالخ ولا أدل على ذلك من ضنك الحال الذي نعيش.

والله ليس لكم أيها الأهل في تونس وغيرها من البلاد الإسلامية من حل لتجاوز هذه المآسي إلا الإسلام والخلافة. قال رسول الله ﷺ: «أَلَا إِنَّ رَحَى الْإِسْلَامِ دَائِرَةٌ، فَدُورُوا مَعَ الْكِتَابِ حَيْثُ دَارَ، أَلَا إِنَّ الْكِتَابَ وَالسُّلْطَانَ سَيَفْتَرِقَانِ، فَلَا تُفَارِقُوا الْكِتَابَ، أَلَا إِنَّهُ سَيَكُونُ عَلَيْكُمْ أُمَرَاءُ يَقْضُونَ لِأَنْفُسِهِمْ مَا لَا يَقْضُونَ لَكُمْ، إِنْ عَصَيْتُمُوهُمْ قَتَلُوكُمْ، وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ أَضَلُّوكُمْ» قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، كَيْفَ نَصْنَعُ؟ قَالَ: «كَمَا صَنَعَ أَصْحَابُ عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ، نُشِرُوا بِالْمَنَاشِيرَ، وَحُمِلُوا عَلَى الْخَشَبِ، مَوْتٌ فِي طَاعَةِ اللَّهِ خَيْرٌ مِنْ حَيَاةٍ فِي مَعْصِيَةِ اللَّهِ». رواه الطبراني

بقلم: الأستاذ علي السعيدي – ولاية تونس


المصدر: جريدة الراية