في أول مؤتمر صحفي لحركة طالبان في كابل أعلنت الحركة العفو العام، وقال الناطق الرسمي للحركة: "نريد أن نبني نظاما أفغانيا إسلاميا شاملاً، سنبني دوائر العمل والنظام الأساسي لدولتنا وسيتم اتخاذ قرار بشأن طبيعة علم البلاد فيما بعد، لن تكون أفغانستان أرضا لعداء دول أخرى وسنتعاون مع دول الجوار، سنحترم المعتقدات الدينية والقيم الروحية للشعب الأفغاني، أصدرنا عفوا عاما عن كل من وقف ضدنا ولا نريد استمرار الحرب بل نسعى لإزالة كل أسبابها".

ويقضي الاتفاق الذي جرى التوقيع عليه بين أمريكا وحركة طالبان على أن ترسل إمارة أفغانستان الإسلامية التي تعترف الولايات المتحدة بها كدولة والمعروفة باسم طالبان، رسالة واضحة بأن أولئك الذين يشكلون تهديدا لأمن الولايات المتحدة وحلفائها ليس لهم مكان في أفغانستان وستصدر تعليمات لأفرادها بألا يتعاونوا مع الجماعات أو الأفراد الذين يهددون أمن الولايات المتحدة وحلفائها.

لم تع الأجيال الحاضرة على الدولة الإسلامية التي تطبق الإسلام كما نزل، واستمر غياب الوعي هذا قرابة 100 عام، ولهذا فإنه من الصعب تقريب صورة الحكم الإسلامي إلى أذهان متأثرة بالواقع إلى حد كبير، ولا تستطيع أن تتصور الحكم إلا في مقياس ما ترى في الواقع من ديمقراطيات وملكيات ووطنيات وغير ذلك من أشكال مختلفة في التنظيم السياسي والاقتصادي والمجتمعي.

فإمارة أفغانستان، لا علاقة لها بالخلافة، لأن الخلافة هي رئاسة عامة للمسلمين جميعاً في الدنيا لإقامة أحكام الشرع الإسلامي، وحمل الدعوة الإسلامية إلى العالم بالدعوة والجهاد، وهي عينها الإمامة، فالإمامة والخلافة بمعنى واحد.

وبما أن الخليفة إنما ينصبه المسلمون؛ لذلك كان واقعه أنه نائب عن الأُمة في الحكم والسلطان، وفي تنفيذ أحكام الشرع؛ لذلك فإنه لا يكون خليفة إلا إذا بايعته الأمة بالرضا والاختيار، فبيعتها له بالخـلافة جعلته نائباً عنها، وانعقاد الخـلافة له بهذه البيعة أعطاه السلطان، وأوجب على الأُمة طاعته. ويجب أن يكون الخليفة جامعاً لشروط انعقاد الخـلافة، وأن يبادر بعد انعقاد الخـلافة له بتطبيق أحكام الشرع. وإقامة خليفة فرض على المسلمين كافة في جميع أقطار العالم. والقيام به - كالقيام بأي فرض من الفروض التي فرضها الله على المسلمين - هو أمر محتم لا تخيير فيه ولا هوادة في شأنه، والتقصير في القيام به معصية من أكبر المعاصي يعذب الله عليها أشد العذاب.

ودولة الخلافة، دستورها مستمد من كتاب الله وسنة رسوله ﷺ فهما المصدر الوحيد فلا مجال فيها لوجود أي قانون أو عرف أو عادة، ولو لم يخالف الإسلام، فأي تشريع لا بد أن يكون أساسه عقيدة الإسلام، أي الكتاب والسنة وما انبثق عنهما من إجماع الصحابة والقياس الشرعي، ولو اتفق الناس عن بكرة أبيهم على أي مصدر غير الكتاب والسنة وما انبثق عنهما من إجماع الصحابة والقياس الشرعي فلا اعتبار لذلك البتة ولو ارتضاه جميع الناس. قال تعالى: ﴿إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ﴾.

جاء في دستور دولة الخلافة الذي أعده حزب التحرير في المادة الأولى: "المادة 1: العقيدة الإسلامية هي أساس الدولة، بحيث لا يتأتى وجود شيء في كيانها أو جهازها أو محاسبتها أو كل ما يتعلق بها، إلا بجعل العقيدة الإسلامية أساساً له. وهي في الوقت نفسه أساس الدستور والقوانين الشرعية بحيث لا يسمح بوجود شيء مما له علاقة بأي منهما إلا إذا كان منبثقاً عن العقيدة الإسلامية".

ودولة الخلافة ليست قُطرية ضيقة فلا يوجد في قاموسها خلافة سورية أو أفغانية أو عراقية بل خلافة إسلامية ودولة للمسلمين في كل الدنيا، وعملها الأساسي حمل الإسلام إلى العالم بالدعوة والجهاد ورعاية شؤون الناس. فأول ما قدم النبي ﷺ المدينة المنورة واستلم زمام الحكم أرسل الرسل إلى الملوك والأمراء. ولقد بلغ عدد السفراء الذين أرسلهم النبي ﷺ خمسة عشر سفيراً، استشهد واحد منهم فقط وهو في طريقه إلى ملك بصرى، فقتل قبل أن يبلّغ رسالة النبي محمد إلى ملك بصرى. ومزقت رسالة نبوية واحدة، ولم تمزَّق غيرها من رسائل النبي محمد حتى من الذين لم يسلموا. ورفض اعتناق الإسلام بشدة وبالتهديد، كسرى أبرويز بن هرمز ملك الفرس، والحارث بن شمر الغساني ملك الغساسنة في الشام. وصرف بالحسنى السفير النبوي كل من هرقل قيصر الروم، والمقوقس ملك مصر، وقدم المقوقس هدية للنبي ﷺ.

وفي هذه الرسائل دعوة إلى الإسلام، ويبدأ رسالته «أَسْلِمْ تَسْلَمْ يُؤْتِكَ اللَّهُ أَجْرَكَ مَرَّتَيْنِ»، وفتحت مكة، وعندما توفي عليه الصلاة والسلام كان جيش أسامة رضي الله عنه جاهزا لغزو الروم. وما كان من خليفة رسول الله ﷺ إلا أن أنفذ هذا الجيش في وقت بالغ التعقيد، حيث كان مركز الخلافة يشهد أحداثا جساماً، من ردة لبعض ضعاف النفوس وقلاقل عصيبة. وجاء الخلفاء من بعد أبي بكر الصديق وامتدت فتوحاتهم فبلغت مبلغا عظيما لا مثيل له ودخل الناس في دين الله أفواجا. وكانت الخلافة بحق وحقيقة جنة للمسلمين يتقى بها ويقاتل من ورائها، تغيث كل مستضعف وترسل الجيوش لمجرد سماعها باضطهاد مسلم أو مسلمة لأنها مسؤولة عنهم عملا بقوله تعالى: ﴿وَإِنِ اسْتَنصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ﴾، ولقوله أيضا: ﴿وَمَا لَكُمْ لاَ تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاء وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَـذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَل لَّنَا مِن لَّدُنكَ وَلِيًّا وَاجْعَل لَّنَا مِن لَّدُنكَ نَصِيراً﴾.

دولة الخلافة ذليلة على المسلمين عزيزة على الكافرين أعداء الدين من يكيدون لهذه الأمة الحيل حتى تحول بينهم وبين تطبيق أحكام الكفر، وإن كل من أجرم في حق هذه الأمة الكريمة سيجد ما يناسبه من عقاب حتى يتعظ ولا يعود لإجرامه أبدا.

#أفغانستان #Afganistan# Afghanistan

كتبه لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
عبد الخالق عبدون علي
عضو المكتب الإعلامي لحزب التحرير في ولاية السودان