قال تعالى في سورة الأعراف: ﴿وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كَانُوا يُسْتَضْعَفُونَ مَشَارِقَ الْأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ الْحُسْنَى عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ بِمَا صَبَرُوا وَدَمَّرْنَا مَا كَانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ وَمَا كَانُوا يَعْرِشُونَ﴾.

وأورثنا القوم الذين كان فرعون وجنوده يستضعفونهم، فيذبحون أبناءهم، ويستحيون نساءهم، ويستخدمونهم تسخيراً واستعباداً من بني إسرائيل، مشارق الأرض الشام، وذلك ما يلي الشرق منها ﴿وَمَغَارِبَهَا الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا﴾، يقول: التي جعلنا فيها الخير ثابتاً دائماً لأهلها. وإنما قال جل ثناؤه: ﴿وَأَوْرَثْنَا﴾، لأنه أورث ذلك بني إسرائيل بمهلك من كان فيها من العمالقة.

وتم وعد الله وتحقق النصر بصبر المؤمنين من بني إسرائيل على أذى فرعون وجنوده في سبيل الدعوة الحق. ومخاطبة الله لنبيه محمد ﷺ في ﴿وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ الْحُسْنَى عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ بِمَا صَبَرُوا﴾ هي خطاب لأمته أيضا، إن هم صبروا في سبيل هذه الدعوة لينصرنهم الله، فالصبر هو مفتاح الفرج.
ولكن صبر المؤمنين من بني إسرائيل لم يكن بالجلوس وانتظار النصر، بل بنشر الدعوة والتضحية من أجلها والصبر في سبيلها على ما كانوا يتلقونه من أذى شديد وفظيع على يد فرعون وجنوده، من تقتيل أطفالهم واستحياء لنسائهم ومطاردة حملة الدعوة والتجسس عليهم وترويعهم وتخويفهم، تماما كما تفعل الأجهزة الأمنية والمخابراتية في بلاد المسلمين اليوم مع حملة الدعوة من إعدامات وسجن وترويع وتخويف وتشريد بسبب دعوتهم للخير وأمرهم بالمعروف ونهيهم عن المنكر، والله المستعان.

وأهلكنا ما كان فرعون وقومه يصنعونه من العِمارات والمزارع ﴿وَمَا كَانُوا يَعْرِشُونَ﴾، يقول: وما كانوا يبنون من الأبنية والقصور، وأخرجناهم من ذلك كله، وخرَّبنا جميع ذلك.

وهذه الآيات هي نبراس لحملة الدعوة والمؤمنين في كل عصر وزمان وفي كل مكان، فحمل الدعوة فرض والصبر في سبيلها على الأذى الذي يُلحقه أعداء الأمة بحملة الدعوة هو سبب التوريث والتمكين في الأرض وسبب دمار أعداء الأمة وزوال ملكهم وما يعرشون.

كتبه لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
الدكتور فرج ممدوح