في 24 من أيلول/سبتمبر 2021، أعلن قادة التحالف غير الرسمي الرباعي "نلتزم مجدداً بتعزيز النظام الحر والمفتوح القائم على قواعد القانون الدولي والذي لا يتزعزع بالإكراه، لتعزيز الأمن والازدهار في منطقة المحيطين الهندي والهادئ وما وراءهما" ولم يذكر القادة الصين باعتبارها الهدف الرئيسي لبيانهم، ولكن كان من الواضح جداً أن بكين كانت المستهدف الرئيسي، وبالإضافة إلى ذلك، فإن استخدام مصطلح المحيطين الهندي والهادئ بدلاً من آسيا والمحيط الهادئ هو أوضح مؤشر على أن الهند وأمريكا واليابان وأستراليا لن تتسامح مع التوسع الصيني في المنطقة.

وسرعان ما تبع اجتماع اللجنة الرباعية إعلان تحالف (أمريكا - بريطانيا - أستراليا) حيث أعلنت هذه الدول عن اتفاق عسكري جديد وعن الغواصات النووية المتجهة إلى أستراليا من بين بنود أخرى. وفي عام 2016، دخلت أمريكا وبريطانيا في تحالف عسكري مع اليابان، وإن كانت الغواصات النووية لليابان خارج القائمة، وقد استنكر الصينيون كلا التطورين بشدة. ووصفت الصين الرباعية بأنها "آلية تديم عقلية الحرب الباردة". وفيما يتعلق بـأوكوس، قال المتحدث باسم وزارة الخارجية الصينية تشاو ليجيان إن هذه الخطوة "تقوّض بشكل خطير السلام والاستقرار الإقليميين".

وعندما يُنظر إلى مثل هذه المناورات في سياق محور أوباما لاستراتيجية آسيا وحرب ترامب التجارية مع الصين، فإن هناك شعورا متزايداً بعدم الارتياح من أن أمريكا ربما تحركت أخيراً نحو المواجهة. وقد كتب إدوارد لوس في صحيفة فاينانشال تايمز عن اعتقاده أن أمريكا سوف تصطدم قريباً بالصين. وأكّد مراقبون آخرون أنها قد تبنت موقف احتواء الصين. وتشير براندز وبيكلي إلى أنه على مدى السنوات الخمس الماضية، انخرطت الولايات المتحدة في احتواء جديد للصين. ووفقاً للارسون فقد أعادت الولايات المتحدة إحياء سياسة الاحتواء من حقبة الحرب الباردة لوقف طموح كل من روسيا والصين. وفي الوقت نفسه، يمثّل جون إيكينبيري مجموعة صغيرة من المفكرين الذين يؤمنون إيماناً راسخاً بالتعاون مع الصين، ويتضمن هذا الإيمان دمج الصين في النظام الدولي القائم على سيطرة الغرب عليه.

وغالباً ما يتم ربط كلمات مثل الصدام والمواجهة بالحرب، لكن هذا مضلل ولا يعكس بدقة علاقات أمريكا مع الصين. وبشكل عام، فإنه يمكن تصنيف تفاعل الولايات المتحدة مع الدول إلى ثلاث مراحل: الحرب والاحتواء والمشاركة. وغالباً ما يبدو الانتقال من مرحلة إلى أخرى غير واضح، وعادة ما يستخدم المراقبون مصطلحات مثل صدام أو مواجهة لوصف علاقات الولايات المتحدة بدول معينة.

ومن بين المراحل الثلاث، تُفهم الحرب في أبسط مصطلحاتها على أنها عنف ترتكبه دولة ضد دولة أخرى. والاحتواء هو استيعاب الدول من خلال دمجها في النظام الدولي القائم على هيمنة الغرب، وبهذه الطريقة، ستسعى دول مثل روسيا والصين إلى دعم نظام الغرب القائم على الهيمنة حتى لو كانت هيمنة الغرب في النظام الدولي في حالة تدهور.

والاحتواء مفهوم يصعب فهمه لأنه معرّف بشكل غامض، فوفقاً لجورج كينان المهندس الرئيسي للمفهوم، فقد كان مفهوم الاحتواء يدور دائماً حول الحد من تأثير الأيديولوجية الشيوعية في جميع أنحاء العالم، وليس حول عسكرة السياسة الخارجية للولايات المتحدة. وقد عبّر كينان في مذكراته عن أفكاره حول الاحتواء باعتباره "احتواءً سياسياً للتهديد السياسي". ويبدو أن الحكومات الأمريكية المتعاقبة قامت عن قصد بتجميل فكرة الاحتواء التي طرحها كينان لتشمل كبح جماح القوة العسكرية والقوة الاقتصادية والتوسع الإقليمي والطموحات الأيديولوجية لأي دولة تُعتبر خطرة على مصالح أمريكا.

وبعد فترة وجيزة من الحرب العالمية الثانية، خاضت الولايات المتحدة حرباً مع الصين لمنع انتشار الشيوعية في شبه الجزيرة الكورية. وبعد عام 1953، انخرطت الولايات المتحدة في احتواء الصين للحد من تأثير الأيديولوجية الشيوعية في منطقة آسيا والمحيط الهادئ. وشنت الولايات المتحدة حروباً بالوكالة مع السوفييت في أفريقيا والصين وفيتنام للحد من تأثير الشيوعية في جميع أنحاء العالم. ومع ذلك، فإن الانقسام الصيني السوفيتي الذي أعقبته حرب حدودية استمرت 7 أشهر بين الدول الشيوعية الصديقة السابقة في عام 1969 مكّن الولايات المتحدة من إشراك الصين ببطء.

وبين أواخر السبعينات والعقد الأول من القرن الحادي والعشرين، حاولت أمريكا احتواء الصين في النظام الدولي. وكان ذروة هذا المسعى من خلال دعم أمريكا لانضمام الصين إلى منظمة التجارة العالمية. وبحلول منتصف العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، كان يُنظر إلى الصين باعتبارها المنافس الاستراتيجي لأمريكا. ولو لم تشغل الحرب في أفغانستان والعراق بوش وأوباما، لكانت أمريكا قد انتقلت إلى الاحتواء الجديد للصين قبل ذلك بكثير.

لقد تخلّت أمريكا اليوم عن المشاركة لصالح الاحتواء أو الحرب الباردة الثانية، حيث تعمل الولايات المتحدة مع شركائها لتحدي البحرية الصينية في بحر جنوب آسيا، وهذا يجعل من الصعب على الصين حل نزاعات كوريا الشمالية وتايوان والأراضي مع جيرانها، ومن شأنه تقويض مبادرة "حزام واحد وطريق واحد" للصين في أوراسيا. ومن الواضح أنه منذ خمسينات القرن الماضي، أصبحت المواجهة الأيديولوجية لأمريكا في قلب صراعها مع الصين، وقد اتخذ هذا شكل الحرب والاحتواء والمشاركة التي طغى عليها الاحتواء الجديد. إنّ مراحل الحرب والاحتواء والاشتباك ليست خاصة بدولة بعينها، بل هي عامة ولكنها مدفوعة باعتبارات أيديولوجية، فمثلا تبنت الدولة الإسلامية الأولى في المدينة المنورة قاعدة الحرب ضد قريش، وقبل معركتي بدر وأحد، قام رسول الله ﷺ بغارات عدة على قريش بقصد التحريض على الحرب فقط. وقد تغيرت حالة الحرب مع قريش إلى حالة احتواء بموجب معاهدة الحديبية.

لقد أثّرت المعاهدة مع رسول الله ﷺ على تقليص نفوذ قريش بشكل كبير في شبه الجزيرة العربية من خلال شن الحرب على بعض القبائل والتعامل مع القبائل والدول الأخرى في وقت واحد تقريباً. وبعد أسبوعين فقط من توقيع المعاهدة، أزال رسول الله ﷺ سلطة قبيلة خيبر المتحالفة مع قريش. كما شجّعت المعاهدة رسول الله ﷺ على دعوة القبائل والدول المجاورة للجزيرة العربية إلى الإسلام علانية. لذلك، فإن التعامل مع القبائل والأمم الأخرى قلل بسرعة من قوة قريش وشجّع على انتشار الإسلام. واستمر الخلفاء من بعد رسول الله ﷺ في الجهاد، والالتزام بالدعوة إلى الإسلام أو العيش في ظل الإسلام والاحتواء من خلال معاهدات وقف إطلاق النار، وهذا مكّن من النمو السريع للإسلام، لذلك يجب على المسلمين ألا يظلوا متفرجين مكتوفي الأيدي يراقبون الاحتواء أو جدل الحرب في علاقات أمريكا مع الصين. وبدلاً من ذلك، يجب عليهم متابعة العلاقات بين الصين وأمريكا بدقة لتوقع نقطة التوتر القصوى بين البلدين ثم اغتنام الفرصة لإقامة الخلافة الراشدة الثانية على منهاج النبوة، فقد كان رسول الله ﷺ يتتبع بجدية أخبار الحرب بين الرومان والفرس عندما أقام الدولة الإسلامية الأولى في المدينة المنورة.

كتبه لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
عبد المجيد بهاتي – ولاية باكستان