الخبر:

أوردت وكالة الأناضول يوم الخميس 2021/10/21 مطالبة رئيس حكومة تصريف الأعمال العراقية مصطفى الكاظمي المعترضين على نتائج الانتخابات بالتزام الطرق القانونية والمسار السلمي، في حين يستمر الاعتصام أمام مدخل المنطقة الخضراء في بغداد لرفض لنتائج الانتخابات.

التعليق:

لو كان في أرض الرشيد بقية من حمية لداس الشعب فيها ليس على نتائج الانتخابات فحسب بل وعلى كل بقية من بقايا الاستعمار القديم الذي تولى وزره صدام حسين والاستعمار الحديث الذي نفخ في كيره زعماء الطائفية والعصبية القبلية والقومية النتنة. فمشكلة العراق ليست من يتربع على كرسي في برلمان سقفه بناه بريمر الأمريكي صنو سايكس وبيكو، وأرضه قومية عفنة ممزوجة بطائفية نخرة، وأجواؤه يملؤها نتن الفساد ونهب أموال الناس.

لا يزال العراق يرزح تحت الاحتلال بموجب معاهدات تكريس الاحتلال المتلاحقة، وجنود الجيش الأمريكي الذين يدوسون تراب أرض الرافدين صباح مساء. فأي انتخابات وأي سيادة وأي دولة هذه التي يتقاتل عليها أبناء العراق وهم يعلمون أن الأمر الأول والأخير في بغداد هو لأمريكا منذ أن احتلتها عام 2003؟ وحتى لا يظن السامع بنا ظن السوء، فقبل 2003 لم يكن أمر العراق بأيدي أهلها كذلك بل كان بأيدي بريطانيا إما مباشرة عبر سفيرها أو غير مباشرة من خلال عملائها. وحتى لا يبتعد بمستمعينا الكرام المشهد ويظنون أن العراق أمرها طارئ وغريب على بلادنا، فإننا نقول إن حالها ليس أسوأ ولا أحسن من حال غيرها من دول المنطقة. فما من دولة في المنطقة العربية تحديدا إلا وسيادتها مرهونة لأمريكا أو بريطانيا وأحيانا فرنسا، ويديرها عملاء مأجورون باعوا شعوبهم ودين شعوبهم وحقوق شعوبهم بأثمان بخسة ومع ذلك لم يأمنوا شر أسيادهم ومكرهم. فقد رأينا كيف تخلت أمريكا عن مبارك في مصر، وتخلت بريطانيا عن معمر وزين العابدين وعلي صالح في ليبيا وتونس واليمن.

وما أمر الانتخابات في هذه البلاد إلا ألهية تدفع بها أمريكا وبريطانيا يتلهى بها الشعب المسكين، وتثير بينهم العداوات والنعرات بمختلف أشكالها دون أن يكون لها أي أثر يذكر في حياة الناس أو حتى مصالحهم الآنية البسيطة. ففي الأردن من قبل العراق عملت الانتخابات دوما على تكسير الروابط العائلية بين الناس وإثارة النعرات العشائرية والقبلية، وأبعدت حتى الواعين منهم عن حقيقة التغيير، ومناط التغيير، وطريقة التغيير، وأسس التغيير. ومثلها حصل ويحصل في مصر، ولبنان، وتونس، والجزائر والمغرب والعراق.

فبدلا من أن يتطلع الناس في العراق اليوم إلى التحرير الشامل والذي يحرر الإنسان من ترهات مئة عام من الضياع، تراهم يتطلعون إلى مقعد بال عليه بريمر منذ أن أنشأه، وبدلا من أن ينظروا لإعادة مجد بغداد التي حكمت الدنيا وسادت بقوتها وعزتها وعلومها وأدبها وسياستها وجيشها مئات من السنين، لا يجرؤون اليوم حتى للحديث عن إخراج بساطير أمريكا من أرض الرشيد. وبدلا من أن يطمحوا لإعادة مجد الخلافة الإسلامية يتمنى بعضهم أن يعود لهم صدام بدمويته وصلفه ليدوسهم بدلا من أمريكا وعملائها! لا أجد في هذا المقام إلا أن أقول ما قاله سيدنا لوط لقومه ﴿أَلَيْسَ مِنكُمْ رَجُلٌ رَّشِيدٌ﴾؟!

وأعود هنيهة إلى مجلس نواب بريمر في العراق وهو المجلس الذي تمت صياغته بناء على دستور يكرس الطائفية والعرقية من جهة، ويؤكد على مدنية الدولة وعلمانيتها بشكل دائم. ولا شك أن مثل هذا الدستور وهذا المجلس يتناقض صراحة مع عقيدة الشعب في العراق بوصفه جزءا من الأمة الإسلامية التي تدين بالإسلام وتعتقد بمعتقداته، وعلى رأس هذه المعتقدات أن الحكم لله، وأنه لا يحق لمسلم يؤمن بالله تعالى أن يحتكم لغير الله تعالى والشريعة التي أنزلها على نبيه محمد ﷺ والله يقول في القرآن الكريم ﴿فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّىٰ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجاً مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً﴾. فالمسلمون في العراق سواء من أتباع المذاهب السنية أو المذهب الجعفري، لا يجوز لهم بأي حال من الأحوال أن يتحاكموا لغير قوانين وأحكام الإسلام، والأشد من ذلك خاصة لمن يتنطحون للمجلس النيابي ويوشكون على قتال بعضهم بعضا بسببه، هؤلاء ليسوا فقط مطالبين بألا يتحاكموا إلى طاغوت البشر الأمريكي أو الإنجليزي، بل مطالبون ألا يصدروا أي حكم أو تشريع أو قانون لا يستند إلى أحكام الله تعالى مصداقا لقوله عز وجل: ﴿إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُم بِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعاً بَصِيراً * يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَٰلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً﴾. وأنتم تعلمون وكل مسلم يعلم أن العدل لا يكون إلا بتطبيق حكم الله. فالله تعالى هو العدل، وحكمه هو العدل هو الذي أرسل الرسل وأنزل معهم الكتاب والميزان ليحقق العدل بين الناس ويعيش العالم والبشرية كلها في عدل تام. وقد ذقتم بأنفسكم خلال سنوات الضياع والاحتلال والاستعمار القديم والحديث ويلات الظلم والطغيان والفساد والدمار. فكيف تتقاتلون على مجلس نواب بني من أول يوم على الظلم، وترسخت فيه أحكام الجاهلية الأولى والجاهلية الحديثة، ولم يقدم لكم منذ 20 عاما إلا الخراب والدمار والقوانين الجائرة التي لا تزيد الشعب إلا ضنكا؟!

فلولا كان منكم رجال يحبون الله ورسوله، ويبغون الخير لشعبهم وأمتهم، ويسعون لاجتثاث الفساد من الأرض، وأن يردوا الحقوق إلى نصابها، لكانت الأمة معكم تشد على أيديكم وتتطلع إلى إعادة مجد أمتنا بعد طول غياب.

﴿لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ وَأَنزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيز﴾



كتبه لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
د. محمد جيلاني