بسبب القلق المتزايد حول التغيرات المناخية يترقب العالم ما سيصدر من قرارات عن المؤتمر السادس والعشرين للأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ، ولكن المتابع لمسلسل المؤتمرات السابقة وما انبثق عنها لا يتأمّل كثيرا فهي قد أخلفت وعودها السابقة ولم تستطع القرارات حتى التقليص من حجم المشكلة.

ممّا نتج عن قمة الأرض التي نظمتها الأمم المتحدة في ريو دي جانيرو بالبرازيل عام 1992 تجارة الكربون على مبدأ "من يلوّث يدفع"، وهو واحد من أهم مبادئ الإدارة البيئية التي أقرّها المجتمع الدوّلي لتشجيع المنتجين والمستهلكين على استخدام المنتجات والممارسات الصديقة للبيئة. لكن ما نتج عن ذلك القرار الذي تبنّاه المجتمع الدولي آنذاك هو ازدهار بيع وشراء غاز "ثاني أكسيد الكربون أحد أكبر ملوثات الأرض"، بل واعتبار تلك التجارة من أهمّ طرق مكافحة التغيرات المناخية.

لقد باتت سوق الكربون سوقاً عالمية مثل أي سوق أخرى، وفيها أسعار محددة للطن الذي يتم إطلاقه في الجو من الدول الصناعية، ويكون البائع من الدول أو الجهات ذات الانبعاثات المنخفضة، والمشتري صاحب الانبعاثات المتزايدة، بينما السلعة ‏ثاني أكسيد الكربون، والسعر حسب ‏العرض والطلب، ويعتمد على تخصيص حد أقصى للانبعاثات من الشركات، وعليها شراء "أرصدة كربونية" إذا أرادت تجاوز المسموح.

وعاماً بعد عام ازدهرت تلك التجارة للأسف مع تواصل تحذيرات منظمة الصحة العالمية من تفاقم التلوث، وتسببه في وفاة الملايين من البشر! يعني خلاصة القول إنّ قرار "من يلوّث يدفع" لم يحلّ مشكلة انبعاث الغاز الملوّث بل جعل من الكربون أداة للربح عوض أن يكون أداة لتحسين المناخ، فبقيت كميّة الكربون الملوثة للجّو هي نفسها بل زادت بسبب قيام الشركات الكبرى الأكثر نفوذا باحتكار أحقيّة التلويث.

وفي هذا السياق يقول الدكتور محمد الصبان الخبير النفطي: "إن أسواق الكربون فشلت في تقديم حل عملي مع تفاقم مشكلة التلوث". وأضاف، "إن تلك التجارة من وسائل الغرب للضغط على الدول النامية، وإن إجبار تلك الدول على الانضمام لنظام دولي للاتجار في الانبعاثات غير عادل حيث تحتاج لمساحات تتيح لها النمو مع الحذر من القيود الاقتصادية".

بمعنى آخر فإنّ تجارة الكربون لم تنقص انبعاثاته وتأثيره على طبقة الأوزون بل باتت سلاحا يسلّط على الدول النامية وكذلك الدول التي تسعى لتطوير صناعتها على أساس مبدأ احتكار أحقيّة التلويث عند فئة معينة من الشركات العالمية، أي أنّ ما قُدّم كحلّ لمشكلة البيئة هو في الحقيقة يخضع لقانون السوق الرأسمالي العالمي الذي يضمن حقوق ثلّة من الرأسماليين المتّنفذين بحيث لا يكون المناخ والبيئة عائقين أمام الربح وتنمية الثروة.

وفي الختام فإنّ مشكلة البيئة لا يمكن حلّها من خلال الحلول الرأسمالية التي تزن كل الأمور بالمنفعة والربح ولن يكبح جماح الشركات العالمية الكبرى التي قضت على الغابات وكثير من الموارد ولوثت الأنهار والبحار بمخلفاتها، لن يكبحها النظام الدولي الذي هو من جنسها ويسير في دربها، وسيبقى العالم يعاني الويلات والأزمات ما دامت الرأسمالية هي المتنفذة ولن ينجح المؤتمر السادس والعشرين للمناخ ولا غيره من المؤتمرات في وقف التهديدات التي يواجهها عالمنا اليوم.

#أزمة_البيئة

#EnvironmentalCrisis

كتبته لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
هاجر اليعقوبي