تعتبر الزيارات الخارجية للسياسيين والدبلوماسيين جزءاً من العمل السياسي والسياسة الخارجية للدول، وعادة ما تكون هذه الزيارات واللقاءات للتباحث في قضايا سياسية مشتركة بين الدول أو عقد اتفاقيات سياسية أو حل خلافات أو تسوية نزاعات أو لعرض المساعدة أو التهديد والإخضاع للدول الأخرى، وهذا يكون عند الحديث عن الوضع الطبيعي وفي حال كانت الزيارات من وإلى دول تمتلك قرارها السياسي وترسم بنفسها سياستها الخارجية، أما في حال إذا كانت الزيارات إلى الدول العميلة، وهي التي تتبع غيرها في سياستها الخارجية، أو كانت من تلك الدول التابعة إلى الدولة المحركة لها، كما هو حال حكومات بلاد المسلمين مع أمريكا ومع بريطانيا، فإن هذه الزيارات تكون فقط للإملاءات وإن زينت وغلفت بالتباحث والنقاش والتشاور، فكل ذلك يكون بغرض الإملاء الأفضل بما يحفظ مصالح الدولة المحركة دون النظر إلى مصلحة تلك الدول، وتكون هذه الزيارات من أحط الأعمال السياسية وأدناها، وعند الحديث عن زيارات رجالات السلطة الفلسطينية إلى الخارج منذ عقود نجد أنها أسوأ من ذلك إذ هي زيارات من سلطة حكم ذاتي لا تمتلك من الحكم شيئا سواء على المستوى الداخلي أو الخارجي، إن قيل تجاوزاً أنه موجود، وهي زيارات لاستجداء مشروع الدولتين الذي يمنح الأعداء ثلثي البلاد ويمكن السلطة من دولة منقوصة السيادة على ما تبقى.

فكيف الحال والزيارات أصبحت تحصل وكيان يهود يفرض الوقائع اليومية التي تجعل من ذلك الحلم المشوه بشبه دولة يصبح أقل من ذلك وأشبه بكابوس مزعج - مجموعة كنتونات مكتظة ومزدحمة بالسكان يحيط بها الاستيطان إحاطة الماء بجزر متناثرة صغيرة مُقَطعة الترابط والأوصال -! عندها لا يقال عن تلك الزيارات إنها تحركات سياسية بل تصبح أقرب لنزهات سياحية بغطاء سياسي هرباً من الفشل والإفلاس السياسي حيث ينعم القائمون بها بفنادق ومطاعم ومنتزهات وبعض اللقاءات الصحفية والصور والإعلام والبروتوكولات الرسمية التي تشعرهم أنهم مشروع حكام دولة فيفرحون بها ويجدون فيها الستار الذي يغطي فشلهم ونقصهم وعجزهم وذلهم أمام كيان أو أمام سفراء وقناصل ومبعوثي الأسياد إن هم قصروا أو أخطأوا في تنفيذ بعض الإملاءات والسياسات.

فمثلاً بينما كان رئيس حكومة السلطة منتشياً في قمة المناخ في غلاسكو في لندن وهو يستمع للحديث عن التلوث البيئي والاحتباس الحراري وكيفية الوصول لمرحلة الحياد الكربوني وقضية مناجم الفحم الحجري في الصين والطاقة المتجددة في أوروبا والطاقة النووية السلمية، ربما ليناقش ذلك في جلسته الحكومية بعد عودته! كان كيان يهود مع مشاركته في القمة يفرض الوقائع على الأرض ويصادق على آلاف الوحدات الاستيطانية، وبينما كان رئيس السلطة في حضرة بابا الفاتيكان يتحدث عن السلام كان المستوطنون بالمئات يقتحمون المسجد الأقصى وبلدية الاحتلال تهدم منازل المقدسيين وتعمل على تهجيرهم.

إن الوقائع التي يفرضها كيان يهود ليست مجرد كلام عابر بل هي في حقيقتها تظهر أنه يستعد للإطباق على معظم الضفة والقدس والسيطرة على المسجد الأقصى وحصر أي تسوية سياسية مستقبلية لتكون ضمن كنتونات الضفة وغزة، فقد صادق خلال شهر تشرين الأول/أكتوبر فقط على آلاف الوحدات الاستيطانية منها ثلاثة آلاف وحدة دفعة واحدة بتاريخ 27/10/2021 ومن ثم أعلنت بلدية الاحتلال بالقدس عن مخطط جديد للبناء في مستوطنة غيلو، يقضي بإقامة 800 وحدة استيطانية، هذا بالإضافة إلى قرار نقل 7667 دونـمـاً مـن الأراضي شرق أريحا من أملاك خزينة المملكة الأردنية الهاشمية إلى الإدارة المدنية لتوسيع الاستيطان في منطقة تعتبر حلقة الوصل بين شمال وجنوب الغور في قرار اعتبر الأخطر منذ عقود، وكذلك العديد من القرارات التي لا يتسع المقام لذكرها هنا. أما بخصوص المسجد الأقصى فالاقتحامات باتت شبه يومية وبشكل غير مسبوق حيث وصل عدد المستوطنين الذين اقتحموا المسجد الأقصى منذ السادس من أيلول إلى اليوم أكثر من 9000 مستوطن.

إن هذه الجولات السياحية التي تكلف مئات آلاف الدولارات من قوت الناس ولقمة عيشهم - التي باتت صعبة وغالية الثمن - إن قُرأت ضمن الوقائع التي يفرضها كيان يهود فهي نوع من العبث والتسلية والسياحة وهي إمعان في تضييع قضية فلسطين ولا دليل أكبر على فشل تلك الجولات في التأثير على كيان يهود حتى ضمن سقف قرارات الأمم المتحدة والقانون الدولي من فشل مجلس الأمن بإصدار قرار يدين الاستيطان وذلك في جلسته الأخيرة التي انعقدت بتاريخ 9 تشرين الثاني/نوفمبر 2021 في صفعة جديدة للسلطة واستجداءاتها بعد جولاتها الأخيرة.

إن الحال الذي وصلت له منظمة التحرير والسلطة من التدحرج بالقضية وجمع المال والتنزه والاستجمام على حساب الناس ولقمة عيشهم يظهر مدى الطعنة التي تلقاها كل من قبل بتقزيم القضية وجعلها قضية فلسطينية وَقَبل أن تكون منظمة التحرير هي الممثل للقضية ورضي أن يكون حلها بالتنازل والمفاوضات واللجوء إلى أمريكا ومشروع الدولتين، ويظهر كذلك أن الموقف السياسي الواعي والشرعي هو أن قضية فلسطين كانت منذ اليوم الأول وستبقى قضية إسلامية وقضية أرض مغتصبة يجب العمل على تحريك الأمة الإسلامية وجيوشها لتحريرها كما حررتها سابقاً من الصليبيين والتتار، وأن الواجب على السياسيين بذل الوسع لتحطيم وإسقاط الأنظمة العميلة التي تحول بين الأمة وقضيتها وأن يتم تحذير الأمة بكل مكوناتها من الارتماء في أحضان تلك الأنظمة ورفض أي تحركات لإعادة تدوير المنظمة وإحيائها سواء بشعارات وطنية أو بلباس إسلامي أو نضالي كما صرح رئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية بتاريخ 4/11/2021 حيث قال "إن الحركة جاهزة فوراً للدخول في ما وصفها بعملية حقيقية لإعادة ترتيب منظمة التحرير الفلسطينية وبناء قيادة موحدة للفلسطينيين...".

بقلم: الدكتور إبراهيم التميمي
عضو المكتب الإعلامي لحزب التحرير في الأرض المباركة (فلسطين)

المصدر: جريدة الراية