في 10 كانون الأول/ديسمبر 2020م، منح الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، السيسي وسام جوقة الشرف وهو أعلى وسام فرنسي، وذكر موقع المستشارية الكبرى لجوقة الشرف أنه يمكن منح الأجانب أعلى رتبة من الوسام إذا "قدموا خدمات لفرنسا" أو "شجعوا قضايا تدافع عنها" مثل الدفاع عن حقوق الإنسان أو في إطار زيارات الدولة "في إطار المعاملة الدبلوماسية بالمثل" ومن أجل دعم "السياسة الخارجية لفرنسا". فما هي الخدمات الجليلة التي قدمها السيسي للجمهورية الفرنسية؟! إلا إذا كان قمع المسلمين في مصر والحرب على الإسلام، وقتل المدنيين واعتقال المعارضين لنظام السيسي القمعي يشكل خدمات جليلة لفرنسا التي تمتلئ حقدا وبغضا على الإسلام والمسلمين، والتي تدعي زورا أنها تدافع عما تسميه حقوق الإنسان. أو أن صفقات التسليح التي عقدها السيسي قبلاً مع فرنسا، والتي وصلت قيمتها إلى 5.6 مليارات يورو مقابل اقتناء 24 طائرة رافال وسفينتين حربيتين، تشكل دعما للسياسة الخارجية لفرنسا.

إنها فضيحة كبرى، تلك التي كشف عنها موقع ديسكلوز المتخصص في التحقيقات الصحافية الطويلة في تحقيقه الأخير الذي نشره في 22 تشرين الثاني/نوفمبر والذي يتناول مشاركة قوات فرنسية في عمليات استخباراتية عسكرية لصالح الجيش المصري استهدفت المئات من المدنيين من مُهرِّبين وغيرهم في المنطقة الحدودية الفاصلة بين مصر وليبيا. وقد ألقى التحقيق الضوء أيضا على اتفاقيات عسكرية سرية بين الإيليزيه من جهة، سواء في عهد فرانسوا هولاند أو إيمانويل ماكرون، وبين مصر، التي تحوَّلت إلى أحد أهم مشتري الصناعة العسكرية الفرنسية في الأعوام الأخيرة.

بدأت اللبنات الأولى لهذه العملية العسكرية "سيرلي" يوم 25 تموز/يوليو 2015، عندما زار "جون إيف لو دريان"، وزير الدفاع الفرنسي السابق ووزير الخارجية الفرنسي الحالي، العاصمة المصرية القاهرة بصحبة الجنرال كريستوف غومار، مدير المخابرات العسكرية الفرنسية السابق، للقاء صدقي صبحي، وزير الدفاع المصري وقتها. طلب الجانب المصري مساعدة من باريس من أجل تأمين 1200 كيلومتر من الحدود المصرية الليبية، وقد وافق الفرنسيون من فورهم وأكَّدوا بدء العمل على خطة عسكرية سرية في إطار (الحرب على الإرهاب) تُشرف عليها الاستخبارات العسكرية الفرنسية إشرافا مباشرا.

على الورق، كان الهدف من العملية هو مساعدة القاهرة على تأمين حدودها الغربية مع ليبيا، التي عانت آنذاك من اشتداد القتال الأهلي الذي شارك فيه عدد من التنظيمات الجهادية على رأسها تنظيم الدولة. ولكن بعد مدة قصيرة من انطلاق العمليات، أظهر الجانب المصري اهتماما أكبر بهدف آخر بعيد عن التنظيمات المسلحة، وهُم المهرِّبون من المدنيين. وبحسب وثائق حصل عليها موقع ديسكلوز، فإن "القوات الفرنسية كانت ضالعة فيما لا يقلّ عن 19 عملية قصف ضدّ مدنيّين بين العامين 2016 و2018، حيث تعتمد المهمة على معلومات استخباراتية يقدمها الفرنسيون لنظرائهم المصريين لضرب مركبات ذات دفع رباعي، ولفت الموقع إلى أن المركبات كان يقودها في الغالب مدنيون تتراوح أعمارهم بين 18 و30 عاما، حيث تحمل تلك المركبات سجائر ومخدرات وأسلحة وبنزين وحبوب وأرز، كما تظهر إحدى الوثائق السرية.

لا شك أن ما تم كشفه فضيحة من العيار الثقيل، ولكنه لا يستبعد من أنظمة العار في بلادنا، فهي أنظمة قمعية تقتل شعبها بدم بارد، وتستعين بشياطين الإنس والجن لفعل ذلك، ولا بأس عندها أن تقدم أموال الأمة لأعدائها من أجل أن تحظى بالرضا والقبول، لتستمر على كرسي السلطة. ونحن نتساءل ما هي ردة فعل المخدوعين الذين هللوا وطبلوا للسيسي وزمرته الحاكمة، وهم يرونه يفرط في مقدرات بلادهم ويقتل أبناءهم بدم بارد دون تحقيق ومحاكمة؟! ولا ننسى عملية قتل السياح المكسيكيين في 13 أيلول/سبتمبر 2016م، في الصحراء الغربية في غارة جوية قام بها الجيش المصري، فهذه العملية تؤكد تلك التسريبات، وتبين لكل ذي بصيرة أن القتل يتم بصورة عشوائية دون التأكد من هوية من يتم قتلهم. وقد تم دفع تعويضات لأسر القتلى المكسيكيين الثمانية ما يعادل 22 مليون جنيه مصري، وأما القتلى المصريون فلا دية ولا بواكي لهم!

لن يمر الأمر في فرنسا جزافا، فمن المؤكد ستكون هناك تحقيقات واستجوابات، أما في مصر فسيمر الأمر مرور الكرام، وقد كانت أول ردة فعل للنظام على هذه التسريبات هي حجب موقع ديسكلوز، رغم أن الخبر انتشر في كل المواقع الإخبارية وأصبح الحديث عنه على كل لسان. فلا برلمان حقيقي، ولا أحزاب مبدئية تحاسب، ولا أجهزة رقابية تهتم، ولا إعلام صاحب رسالة ينتقد، ولا قضاء شامخ يحاكم، فقد تم تكميم الأفواه، وتفريغ الدولة من أي مؤسسات حقيقية يمكنها أن تتصدى لهكذا جرائم. والواجب على أبناء الأمة المخلصين أن يغذوا السير ليقلعوا هذا النظام من جذوره، ويستبدلوا به نظام الإسلام الخلافة الراشدة على منهاج النبوة، التي تحفظ دماء أبناء الأمة، وتتحرى الدقة في كل القضايا، ولا تستعين بالأجنبي ولا بحال من الأحوال، والتي تحفظ حقوق المتهمين، فلا تسجن ولا تقتل ولا تقيم حدا إلا ببينة. والواجب على أبنائنا في الجيش أن ينحازوا للعاملين المخلصين للتخلص من هذا النظام المجرم الذي حول الجيش من حام للأمة وحافظ لأمنها وثرواتها ومقدراتها، إلى خادم للغرب ولكيان يهود، وساكت عن التفريط في مياه النيل وفي مياه مصر الاقتصادية لصالح اليونان وقبرص وكيان يهود. فالسكوت عن هكذا نظام خيانة لله ولرسوله وللمؤمنين.


بقلم: الأستاذ حامد عبد العزيز

المصدر: جريدة الراية