تعرضت العملات الرقمية المشفرة إلى ضربة مفاجئة من كل من أمريكا والصين في الوقت نفسه، ففي 16/11/2021 خسرت هذه العملات حوالي 250 مليار دولار في غضون 24 ساعة، وهبطت قيمتها السوقية من قرابة 3 مليار دولار إلى 2.78 مليار دولار.

فهذه العملات الرقمية هي عملات افتراضية إلكترونية يتم التداول بها على نطاق واسع عبر الإنترنت، وتستخدمها بعض الدول والكثير من الشركات والأفراد في التجارة عبر الشبكة الإلكترونية وأهمّ أنواعها: البيتكوين والإيثيريوم والكاردانو وسولانا وبيناسك كوين والربيل وبولكادوت ودجكوين ولاتيكوين وتشاين لينك.

والبيتكوين التي هي أهم هذه العملات خسرت لوحدها في هذه الأزمة الأخيرة عشرة آلاف دولار في يومٍ واحد، بينما خسرت سائر العملات الأخرى الكثير من قيمها بنسب مئوية مختلفة، لكن أقل مما خسرته البيتكوين.

وأمّا أسباب هذه الخسائر المفاجئة لهذه العملات فيرجع إلى الإجراءات القاسية التي اتخذتها السلطات الأمريكية والصينية يوم الثلاثاء 16/11/2021 وهي قرارات حاسمة ألحقت بتلك العملات خسائر جسيمة، وهذه القرارات هي:

1- تمرير الكونغرس الأمريكي بغالبية أعضائه من ديمقراطيين وجمهوريين لقرار الرئيس الأمريكي جو بايدن على مشروع البنى التحتية لتمويل الطرق والجسور والسكك الحديدية ومنشآت الطاقة الشمسية ونشر أكبر للإنترنت وغيرها.

2- فرض السلطات الأمريكية لقانون ضريبي على الأصول الرقمية للعملات المشفرة لكل قيمة تزيد عن 10 آلاف دولار، ويُقدّر مجموعها بـ 28 مليار دولار تدخل الخزينة الأمريكية مستحقة من مالكي هذه العملات، قال بايدن:"لقد تحدثنا لفترة طويلة عن امتلاك أفضل اقتصاد في العالم، واليوم نحن أخيراً ننجز هذا، فأمريكا تتحرّك مرةً أخرى، وسوف تتغيّر حياتكم للأفضل".

3- قيام السلطات الصينية بعمليات تعدين العملات الرقمية عمدا، وهو إجراء يُعادل الإلغاء، قال المتحدّث باسم اللجنة الوطنية للتنمية والإصلاح الصينية مينج وي: "إنّ تنظيم أنشطة تعدين العملات الرقمية له معنى كبير في تحسين هيكلنا الصناعي، وتوفير الطاقة، وخفض الانبعاثات، وتحقيق أهداف انبعات الكربون".

إنّ تزامن اتخاذ الإجراءات الأمريكية والصينية ضدّ العملات الرقمية في التوقيت نفسه لم يأتِ من فراغ، فالتوافق بين أمريكا والصين في هذه المسألة لا يتعارض مع اختلاف مصالحهما في مسائل أخرى، فضرب العملات الرقمية بات مصلحة مشتركة لكل منهما، وذلك لأنّ استمرار تعاظم الأصول الرقمية بات يُهدّد الاقتصاد الفعلي بصورة كبيرة، ويؤثّر بالتالي على النمو الاقتصادي، ويزيد من نسب البطالة، ويُحمّل الدولة تكاليف باهظة في تشغيل الأيدي العاملة، وفي دفع الأموال للعاطلين عن العمل، وذلك لأنّه كلّما تنامى سوق العملات الرقمية تقلص سوق العمل الحقيقي، وانعكس ذلك على تراجع الاقتصاد، وتباطؤ النمو، لذلك توافقت مصالح القوتين الاقتصاديتين الأولى والثانية عالميا على إضعاف التعامل بالعملات الرقمية، وذلك بفرض الضرائب عليها، وتبني مشاريع ضخمة في البنية التحتية كما فعلت أمريكا، أو بتعدين تلك العملات كما فعلت الصين.

ويبدو أنّ هذا التوافق قد حصل بين العملاقين قبل قمة غلاسكو في اسكتلندا، واتفق على بدء تنفيذ تلك القرارات بعيد انتهاء القمة مباشرة، وذلك لربط تلك الإجراءات بالالتزام بِمقررات القمة المتعلقة بالحفاظ على البيئة، والتقليل من نسبة الانبعاثات الكربونية.

أمّا في الإسلام فإن هذه المسألة محلولة سلفا من جهة أنّ الشرع يحرّم اتخاذ العملات الورقية لأنّها تتنافى مع شروط العملة في الإسلام وفقاً للأسباب التالية:

1- لأنّ النقد في الإسلام يعتبر مقياساً لكل السلع والخدمات وأثماناً وأجوراً لهما، بينما العملات الرقمية لا تعتبر مقياساً إلا لبعضها.

2- ولأنّ النقد في الإسلام يجب أن يصدر عن سلطة معلومة كالدولة أو الحكومة بينما العملات الرقمية تصدرها جهات مجهولة غير ضامنة، قد تكون أفراداً أو شركات، ويكثر فيها ومن خلالها عمليات النصب والاحتيال والمضاربات والقمار وغسيل الأموال والجريمة المنظمة.

3- وكذلك يكون النقد في الإسلام شائعاً بين كل الناس وليس خاصاً بفئةٍ دون أخرى كما هو حال العملات الرقمية.

والنتيجة أنّ العملات الرقمية هي عملات غير موثوقة، لأنّ واقعها أنّها سلعة مجهولة لا يجوز بيعها ولا شراؤها، وقد نهى رسول الله ﷺ في الحديث الذي أخرجه مسلم عن بيع الحصاة وعن بيع الغرر، وبيع وشراء العملات الرقمية هو بيع مجهول وفيه غرر كبيع السمك في البحر، وكبيع اللبن في الضرع، وهو بيع باطل، ونتائجه مُدمّرة على الشعوب والمجتمعات.

بقلم: الأستاذ أحمد الخطواني


المصدر: جريدة الراية