حدث انقلاب في السودان يوم 25/10/2021 قاده رئيس مجلس السيادة الفريق أول عبد الفتاح البرهان على المكون المدني واعتقل رئيس الوزراء عبد الله حمدوك وعددا من الوزراء المدنيين وحل مجلس السيادة وأعلن أنه لم يلغ الوثيقة الدستورية ولكنه ألغى المواد الأساسية كما جاء في خطابه وأنه يريد تصحيح مسار الثورة وليس إلغاء الثورة.

إزاء هذه الأحداث وفشل الحكومة الانتقالية في تحقيق طموحات أهل السودان في الاستقرار الأمني الكفالة في المعاش والتعليم والصحة كل ذلك لم يحدث بل سارت الأمور إلى الأسوأ من فترة حكومة البشير. كل ذلك شكل شعورا شعبيا عاما بأنه لا بد من التغيير.

هل ما حدث من تغيير وإقالة الحكومة المدنية يحقق هذه الطموحات أم الحقيقة غير ذلك؟

لمتابعة تغيير الحكومات في السودان نرجو تدخل الأيادي الخارجية في المشهد السياسي بقوة، بحيث القوة العسكرية ولاؤها لأمريكا والقوة المدنية ولاؤها لأوروبا وخاصة بريطانيا ولذلك يحدث التشاكس المسيّس الذي يمنع معه رعاية شؤون الناس وتحسين معاشهم.

إن التغيير المنشود ليس هو التغيير الذي يتم خداع الشعوب به مرة بعد أخرى بل هو التغيير الذي تمنع منه الشعوب وهي لا تشعر وتضلل به. التغيير الذي يكون أثره اكتفاء ذاتياً من القمح وتوفير رغيف العيش بيسر وسهولة وسائر السلع الاستراتيجية، التغيير الذي يجعل الشعب يشعر بوجوده فعلاً ويحقق هويته، التغيير الذي يجعلنا قادرين على امتلاك سلاح نووي كما يمتلكه عدونا، التغيير الذي يجعل أسلحتنا من صنعنا واختيارنا وليس سلاحاً مفروضاً علينا عبر ما تسمى بالمعونة الأمريكية، التغيير الذي يجعل الثروات ملكاً للشعوب ويعود بالنفع عليهم لا لغيرهم، إنه باختصار التغيير الذي يحاولون إقناع الشعوب كذباً أنه مستحيل، التغيير الذي يسقط الخارج وهيمنته على بلادنا. وكل تغيير لن يجعل في حساباته إسقاط الهيمنة الخارجية على بلادنا هو تغيير صوري وكلام منمّق لخداع الناس.

لذلك ما يجري في السودان من تغيير على مدى حقب مختلفة هو تغيير داخل الصندوق الغربي وبرعاية منه. ولذلك لم تنفرج الأمور على أهل البلاد في كل نواحي حياتهم المختلفة. ما يحدث من تغيير هنا وهناك هو تغيير وهمي وليس حقيقياً. والكل يتابع اجتماعات المبعوث الأمريكي مع عبد الفتاح البرهان وحميدتي وحمدوك حتى آخر ساعات ومنها حدث الانقلاب والتغيير وظهور السفير البريطاني متحدثاً بلغة عربية أمام السفارة في الخرطوم رافضاً لهذا الانقلاب على الحكومة المدنية وداعياً أهل السودان الخروج في مسيرة مليونية.

كل ذلك يبرهن أن التغيرات التي حدثت برعاية غربية ولتحقيق مصالح المتصارعين في بلادنا من القوى الدولية. ولا يريدون لنا أن نمتلك أسباب القوة المتمثلة في العقيدة والثروة.

يقول غلاستون ما دام القرآن موجوداً فلن تستطيع أوروبا السيطرة على الشرق ولا أن تكون هي نفسها في أمان. ويقول كرزون وزير خارجية بريطانيا في مجلس العموم البريطاني لقد قضينا على تركيا التي لن تقوم لها قائمة بعد اليوم؛ لأننا قضينا على قوتها المتمثلة في أمرين: الإسلام والخلافة.

ريتشارد دانات مستشار الدفاع ضمن رئاسة الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون قال في 17/5/2010م لصحيفة ذي نيشن "بصراحة إذا تبنى المسلمون أفكار السياسة في الإسلام ونظام الخلافة فإنه سيكون غير مقبولاً وسيكون الرد العسكري من قبل بريطانيا مبرراً". وأضاف "لا يوجد لديه مشكلة مع المسلمين في صلاتهم وإقامة الشعائر الدينية ما داموا مستسلمين وخاضعين للحياة السياسية والقيم الغربية".

ثوماس بارنيت خبير استراتيجي أمريكي وموظف سابق في وزارة الدفاع الأمريكية لخّص خُطة الولايات المتحدة الاستراتيجية تجاه البلاد الإسلامية تحت عنوان "خارطة البنتاغون الجديدة الحرب والسلام في القرن الحادي والعشرين" بأن مصلحة أمريكا أن يكون العالم منقسماً إلى شطرين غير متساويين فمن جهة ثمة النواة المستقرة التي تضم أمريكا وعدد من الدول المتعاونة معها من بين الدول المتطورة والنامية ومن جهة أخرى هناك بقية العالم التي تخصص لها ما يشبه منطقة الظل؛ أي المناطق غير المتطورة اقتصادياً وغير المستقرة سياسياً. ويتلخص دور القوة الأمريكية العسكرية في هذا المخطط بتأمين وصول الموارد الطبيعية من الشطر الثاني إلى الشطر الأول من العالم لأن دول الشطر الأول بحاجة إلى المزيد من تلك الموارد فيما لا يجوز لدول الشطر الثاني أن تستفيد منها.

إذن التغيير الذي يحقق طموحات أهل السودان والأمة الإسلامية بأسرها يجب أن تعيه الأمة بوصفها أمة واحدة بتمكين نظام الوحدة الخلافة السلطان فيه للأمة، هي من تختار حاكمها عن رضا واختيار لا أن يفرض نفسه بانقلاب عسكري بإيعاز من أمريكا والدول الاستعمارية ولا بترشيح من السفارات الأوروبية. نظام تكون السيادة فيه للشرع وليس للشعب والمجالس التشريعية الديمقراطية.

إذن أهل السودان يحتاجون إلى تغيير النظام الاستعماري الذي جثم على صدورنا عقود من الزمان مرة بنسخة إنجليزية ومرة بنسخة أمريكية وفرطّنا في نظام رب العالمين الذي يقوم على أساس الوحي نظام الخلافة الراشدة. وأهل السودان أهلٌ لذلك وقادرون عليه بأن يلتفتوا إلى ما عند إخوانهم وأبنائهم في حزب التحرير، فالحزب لديه دستور من 191 مادة جاهزة للتطبيق منبثقة من العقيدة الإسلامية وعلى أهل القوة والمنعة أن يمكّنوا الأمة من ذلك بإيجاد هذا النظام في أرض الواقع عندها نتحرر من الهيمنة الغربية الأمريكية والأوروبية وليس ذلك على الله بعزيز. قال تعالى: ﴿نَصْرٌ مِنَ اللهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ﴾.

بقلم: الأستاذ عبد الله حسين
لجنة الاتصالات المركزية في ولاية السودان

المصدر: جريدة الراية