نحييكم جميعا أيها الأحبة في كل مكان، في حلقة جديدة من برنامجكم "مع الحديث الشريف" ونبدأ بخير تحية، فالسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا يَحْيَى، عَنْ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا قَيْسٌ، عَنْ خَبَّابِ بْنِ الأَرَتِّ، قَالَ: شَكَوْنَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ مُتَوَسِّدٌ بُرْدَةً لَهُ فِي ظِلِّ الكَعْبَةِ فَقُلْنَا: أَلاَ تَسْتَنْصِرُ لَنَا، أَلاَ تَدْعُو لَنَا؟ فَقَالَ :«قَدْ كَانَ مَنْ قَبْلَكُمْ، يُؤْخَذُ الرَّجُلُ فَيُحْفَرُ لَهُ فِي الأَرْضِ، فَيُجْعَلُ فِيهَا، فَيُجَاءُ بِالْمِنْشَارِ فَيُوضَعُ عَلَى رَأْسِهِ فَيُجْعَلُ نِصْفَيْنِ، وَيُمْشَطُ بِأَمْشَاطِ الحَدِيدِ، مَا دُونَ لَحْمِهِ وَعَظْمِهِ، فَمَا يَصُدُّهُ ذَلِكَ عَنْ دِينِهِ، وَاللَّهِ لَيَتِمَّنَّ هَذَا الأَمْرُ، حَتَّى يَسِيرَ الرَّاكِبُ مِنْ صَنْعَاءَ إِلَى حَضْرَمَوْتَ، لاَ يَخَافُ إِلَّا اللَّهَ، وَالذِّئْبَ عَلَى غَنَمِهِ، وَلَكِنَّكُمْ تَسْتَعْجِلُونَ». (صحيح البخاري 6577)

أيها الأحبة الكرام

إن خير الكلام كلام الله تعالى، وخير الهدي هدي نبيه عليه الصلاة والسلام، محمد بن عبد الله، أما بعد:

إن هذا الحديث الشريف يشير إلى طبع في البشر كلهم، وهو المحدودية في التحمل واستعجال الأمر، فها هم الصحابة رضوان الله عليهم، خير الناس بعد الأنبياء والرسل صلى الله عليهم وسلم، يصل الحال ببعضهم أن ينفد صبرهم ويستعجلون الفرج والنصر من الرسول الكريم صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فكان جواب الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لهم مثلجًا لصدور المسلمين، فأخبرهم أن ما يدعون إليه ليس بهين أو بسيط، بل يستحق اتخاذ إجراء الحياة أو الموت، على أن يتنازل المسلم المؤمن بالله عن أي شيء من دينه، فالمؤمنون من الأقوام الذين سبقوهم كانوا يعذبون الشيء الكثير، فكانت يُحفر الحفر لهم ويُرمون فيها، ويُؤتى بمنشار ليقطع أجسامهم نصفين، وتُسلخ جلودهم دون عظامهم، من أجل دفعهم إلى التخلي عن دينهم ومعتقداتهم، وما كان هذا العذاب يرهبهم، ولا يعودون عن دينهم. هذا النقل والتصوير لحال المؤمنين بالله تعالى، فيه تصبير بأن الأمر لا يتم دون تضحيات عظام، ويجب أخذ إجراء الحياة أو الموت من أجله.

أما الشطر الآخر من الحديث، فيخبرنا بالنتيجة المستحقة الأكيدة، بلا شك أو ريب، أن هذا الدين سيكون في الصدارة بلا منازع، وسيحكم الناس بالعدل، حتى يصبح الناس مؤمنين بالله في العلن والخفاء، في السراء والضراء، وإن لم يخشوا الله خشوا السلطان العادل، لذلك يأمن الناس على أنفسهم، في كل مكان، ولهذا جاء التصوير البليغ للأمن وقتها، بأن المرء يسير وحده في الخلاء لا يخشى شيئًا سوى الله، أو الذئب على غنمه.

آخر الحديث يذكر الرسول صلى الله عليه وسلم بطبع عند المسلمين، والناس كلهم، وهو استعجال النتائج، ولكن لله في خلقه شؤون وتقديره لا يعلمه إلا هو، ما علينا إلا الصبر والتيقن بتحقيق النتائج مهما طال الزمن.

الله نسأل أن يصبّرنا ويأجرنا ويجزينا خيراً، ويعيننا على تحمل الأذى في سبيل هذا الدين، اللهم آمين.

أحبتنا الكرام، وإلى حين أن نلقاكم مع حديث نبوي آخر، نترككم في رعاية الله، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.



كتبه للإذاعة: د. ماهر صالح رحمه الله