الخبر:

في الأسابيع الأخيرة، تصدّرت سلسلة من الحوادث العنيفة المأساوية التي تنطوي على قتل أطفال لأطفال آخرين في المملكة المتحدة عناوين الصحف في البلاد. ففي تشرين الثاني/نوفمبر، اتُهم صبي يبلغ من العمر 14 عاماً بقتل فتاة تبلغ من العمر 12 عاماً، تُدعى آفا وايت، في ليفربول. تم طعنها حتى الموت أثناء خروجها مع بعض الأصدقاء، بعد ما وُصف بـ"جدال لفظي" مع الجاني. كما ألقي القبض على ثلاثة صبية آخرين تتراوح أعمارهم بين 13 و15 سنة في الحادث. وفي الشهر نفسه، أدين 4 أطفال بقتل كيون لينكولن البالغ من العمر 15 عاماً خارج منزله في برمنغهام، حيث تعرض كيون للطعن 8 مرات ثم أطلق عليه الرصاص في بطنه بينما كان ملقى على الأرض. وكان من بين مهاجميه من أعمارهم 14 عاما و16 عاما. مرة أخرى، في الشهر نفسه، سُجن مارسيل جريتشز، البالغ من العمر 15 عاماً، لمدة 16 عاماً على الأقل لقتله صديقه البالغ من العمر 12 عاماً، والذي استدرجه جريتشز إلى غابة في بوسطن، لينكولنشاير، ثم طعنه أكثر من 70 مرة في هجوم "وحشي وطويل الأمد"، ووصفت جروح الضحية بأنها "تتفق مع محاولة نزع الرأس". كما ظهرت العديد من جرائم قتل الأطفال الأخرى في الأخبار في تشرين الثاني/نوفمبر: فقد قُتل طفل يبلغ من العمر 14 عاماً طعناً بالقرب من محطة مزدحمة في جنوب لندن في أعقاب اشتباكات بين مجموعتين من الصبيان؛ أدين صبيّان يبلغان من العمر 15 عاماً بقتل ريس تانسي البالغ من العمر 15 عاماً في بولتون، والذي توفي بعد إصابته بـ6 طعنات؛ وعبر المحيط الأطلسي، فتح إيثان كرومبلي البالغ من العمر 15 عاماً النار على زملائه الطلاب في مدرسته الثانوية في أكسفورد تاونشيب بولاية ميتشيغان، ما أسفر عن مقتل 4 صبيان وإصابة 8 آخرين. وفقاً للأرقام التي جمعتها ديلي ميرور، فقد قُتل 40 شخصاً حتى الآن في عام 2021 في المملكة المتحدة في عمليات طعن صغار مميتة. في العاصمة لندن، وصل عدد الصبية الذين فقدوا حياتهم في جرائم الشوارع إلى أعلى معدل منذ 4 سنوات. وفي الولايات المتحدة، يعتبر القتل السبب الرئيسي الثالث للوفاة بين الشباب الذين تتراوح أعمارهم بين 15 و19 عاماً وفقاً لمركز السيطرة على الأمراض. ويرتبط الكثير من هذا بالعنف المنتشر على نطاق واسع في البلاد.

التعليق:

لا يولد أي إنساني قاتلاً بالفطرة، هناك قصة وراء كل طفل قاتل وما الذي قاده إلى هذه النتيجة المأساوية. الأسباب كثيرة ما أدى إلى وباء عنف الشباب هذا. فقد سمحت بعض الموسيقى والأفلام وتأثيرات وسائل التواصل بالإضافة إلى ألعاب الفيديو بتألق العنف من أجل الربح. ويزيد تعاطي الخمور والمخدرات داخل المجتمعات من السلوك العدواني، في حين إن المكاسب المالية من بيع المخدرات تعمل كعامل أساسي ورئيسي يقود حروب العصابات. العائلات المنهارة والحياة المنزلية المضطربة والآباء الغائبون تخلق حالة من عدم الاستقرار والفوضى والألم في حياة الأطفال والتي غالباً ما يتم التعبير عنها على شكل غضب وعنف. دفع الحجم الكبير من الإهمال والتخلي عن الأطفال من جهة عائلاتهم الكثيرين للانضمام إلى العصابات من أجل الشعور بالانتماء والأخوة. لقد أدى وباء العنف المنزلي في المنازل الذي يشهده الأطفال أو يتعرضون له إلى تقليد العديد من الأطفال لهذا السلوك العنيف. شجع غياب التوجيه الأخلاقي الواضح للوالدين، والانضباط، وحدود السلوك المتوقع بسبب الترويج لثقافة متساهلة من طرف المجتمعات الليبرالية، الشباب إلى التصرف كما يحلو لهم تحت شعار "الحريات الليبرالية". كما أدى الافتقار إلى الوقت الجيد والدعم المقدم للأطفال من جانب الآباء المنشغلين جداً في متابعة اهتماماتهم الخاصة، ومتعتهم وأنماط حياتهم الممتعة إلى تفاقم المشكلة، كما هو الحال مع وباء الأمهات العازبات اللائي يكافحن من أجل العمل وتربية أطفالهن بمفردهن بسبب تنشئة العقليات لدى كثير من الرجال يتجنبون الالتزام والمسؤولية، بما في ذلك تجاه عائلاتهم. وأدت المجتمعات والأحياء التي تمزقها الجريمة، والحرمان الاقتصادي والبطالة على نطاق واسع، وسوء توفير التعليم الجيد إلى إصابة العديد من الشباب بخيبة الأمل والاستياء من الحياة ورؤية الجريمة والعصابات على أنها الوسيلة الوحيدة للبقاء المالي والطريق للخروج من الفقر. كذلك المجتمعات المادية المفرطة حيث يتم تحديد المكانة من خلال الثروة والممتلكات دفعت العديد من الشباب إلى بيع المخدرات أو السرقة أو حتى القتل من أجل كسب المال بسرعة. وخلقت وجهة نظر في حياة العيش من أجل "هنا والآن" والاهتمام بالنفس فقط، دون فهم أو مراعاة عواقب أفعال المرء في هذا العالم أو العالم التالي، شخصيات شابة تتصرف بناءً على الغريزة ولا يمكنها رؤية ما هو أبعد من ذلك، بل السعي وراء المكاسب والرغبات الأنانية الفورية، والقيام بكل ما يحتاجون إليه للحصول على ما يريدون.

لا يمكن حل هذا النطاق المتنوع للأسباب الدافعة لوباء عنف الشباب داخل المجتمعات المختلفة من خلال الإجراءات السطحية مثل زيادة التوقف والبحث عن الأسلحة، وتحسين الشرطة، والمزيد من الاستثمار في خدمات الشباب، أو تشديد العقوبات الجنائية على هذه الجرائم. لأن العوامل الدافعة لعنف الشباب هي الثمار السامة الحتمية للنظام الرأسمالي الليبرالي الذي تطبقه العديد من الدول اليوم. لقد غذى هذا النظام العقليات المادية والفردية وتسبب في عدد كبير من المشكلات الاجتماعية والاقتصادية والأخلاقية التي ابتليت بها المجتمعات، ما أدى إلى خلل في التنشئة والتندب العاطفي ومشاكل الصحة العقلية التي يعاني منها العديد من الأطفال، والتي غالباً ما تؤدي إلى العنف. إنه تذكير آخر بسبب عدم صلاحية هذا النظام للحكم على الإنسانية، ومن أجل ماذا نحتاج كمسلمين إلى تقديم الإسلام وقيمه وقوانينه بوصفه مبدأ ونظاماً بديلا للبشرية. بل إن الإسلام هو الذي يرعى شخصيات تدرك عواقب كل أفعالهم في الآخرة، شخصيات تنبذ المادية والسلوك غير الأخلاقي والإجرامي. ويفهمون قدسية الحياة البشرية لأنها خلقها خالقهم سبحانه وتعالى. بالإضافة إلى ذلك، فإن القيم الإسلامية تخلق وحدات عائلية قوية حيث يفهم الآباء مسؤوليتهم الجسيمة في رعاية أطفالهم وتوجيههم في السلوك الصالح، بينما تضع أحكام الإسلام قواعد واضحة وحدوداً للصواب والخطأ على عكس القيم الليبرالية. وبالتالي، أنشأ الإسلام دولة كان فيها العنف والجريمة في حده الأدنى، وكان شبابها قادة في حماية المجتمعات والنهوض بها.

﴿الَر كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ﴾



كتبته لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
د. نسرين نواز
مديرة القسم النسائي في المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير