الخبر:

في مقابلة أجرتها معه القناة التلفزيونية روسيا 1 تطرق الرئيس الروسي بوتين إلى وضع روسيا الداخلي في تسعينات القرن الماضي بعد انهيار الاتحاد السوفيتي واصفا إياه بأنه كان يشبه حربا أهلية، فقال: "كان الوضع صعبا جدا، وهو وصف كان يخص حالة الدولة بأسرها، وكل مكوناتها على حدة، والاقتصاد والأمن والقوات المسلحة.. ففي الواقع كانت البلاد في حالة حرب أهلية".

وأوضح بوتين بأنّ الدول الأوروبية في تلك الفترة كانت على قناعة تامة بحتمية تفكك الدولة الروسية على غرار تفكك الاتحاد السوفيتي، فقال: "إن 16 كيانا من كيانات البلاد أعلنت في تلك الفترة سيادتها، وكانت هي حقيقة لا يمكن تجاهلها"، وقال بأنّه رأى "خرائط مصمّمة في أوروبا ترسم روسيا مجزأة إلى دول مستقلة عدة"، واعتبر بوتين أنّ "انهيار الاتحاد السوفييتي هو بمثابة نهاية روسيا التاريخية".

التعليق:

تأتي تصريحات بوتين هذه في ظل التوتر الشديد الذي تشهده أوكرانيا والذي يُلقي بظلاله على العلاقات بين الغرب وروسيا، حيث تصف أوكرانيا الحشود العسكرية الروسية على حدودها الشرقية بأنّها تمهيد لغزو روسي قريب لأراضيها، بينما تنفي روسيا هذه المزاعم وتقول بأنّ تلك الحشود هي مجرد رسائل للغرب للكف عن التدخل في أوكرانيا، ولمنع العمل على إدخالها في حلف الناتو، وضرورة حل هذه المشكلة مع الغرب عبر المفاوضات، ومن خلال عقد القمم الدورية بين الزعماء، لا سيما بين الرئيسين الروسي والأمريكي.

وتنظر روسيا إلى أوكرانيا نظرة خاصة، فهي تحتل مكانة خاصة في تاريخها، وتصفها بأنّها معقل تاريخي للشعب السلافي، وتُحذّر الغرب من محاولة قلبها ضد روسيا.

إنّ تصريحات بوتين الأخيرة تُظهر مدى تمسكه بوحدة روسيا، وتؤكد على عدم سماحه للغرب بالعبث بها كما حصل مع الاتحاد السوفييتي في حقبة التسعينات من القرن الماضي، كما تُظهر حرصه الشديد على إبقاء أوكرانيا أو أجزائها الشرقية على الأقل تحت النفوذ الروسي بشكلٍ دائم وذلك نظراً لأهميتها البالغة بالنسبة للدولة الروسية، فهي بمثابة الساحة الخارجية لها التي تُشكّل أهم امتداد تاريخي لها مُنذ قرون.

فبوتين من خلال هذه التصريحات يرى أنّ خسارة أوكرانيا قد تؤدي بالفعل إلى تفكك روسيا، لذلك فهو يُحارب الغرب بكل قوته للاحتفاظ بها، ولا يسمح بخسارتها كما خسرت روسيا من قبل دولاً كثيرة في شرق أوروبا كبلغاريا ورومانيا وهنغاريا وبولندا وتشيكوسلوفاكيا ودول البلطيق، وذلك لأنّ أوكرانيا دولة مُختلفة عن سائر تلك الدول لأنّها في نظره تُعتبر جزءاً لا يتجزأ من الحصن الروسي الداخلي.

لكنّ أمريكا تُصرّ على سلخ مُعظم أوكرانيا عن روسيا في النهاية، وتُلوّح بفرض المزيد من العقوبات عليها، وتستخدم المسألة الأوكرانية كورقة ضغط تُشغل روسيا بها، وتُبعدها عن الصين، وتُحاصرها في خاصرتها الرخوة لتبقيها في حالة دفاع لأطول مُدة ممكنة.

إنّ نقطة ضعف روسيا الرئيسية تكمن في أنّها تُحارب الغرب بسلاح الوطنية الروسية والقومية السلافية، فهي لا تملك فكراً أو مبداً واضحاً تُواجه به أمريكا والغرب، لذلك فمن الصعب أن يكون النصر حليفها طالما بقيت من دون مبدأ، وستضطر في المستقبل للدخول مع الغرب في حلول وسط حول أوكرانيا.



كتبه لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
أحمد الخطواني