بسم الله الرحمن الرحيم


الضرائب غير الشرعية هي المكوس المحرمة


الأصل في أموال المسلمين الحرمة، لعموم قوله ﷺ: «كلُّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ حَرَامٌ، دَمُهُ، وَمَالُهُ، وَعِرْضُهُ» متفق عليه.



والحرمة تنسحب على الدولة تماما كما تنسحب على الأفراد، فكما يحرم على المسلم أن يأخذ مال أخيه بغير رضاه، فإنه يحرم على الدولة أخذ مال الأفراد بغير رضاهم، قال عليه الصلاة والسلام: «أَلَا لَا تَظْلِمُوا، أَلَا لَا يَحِلُّ مَالُ امْرِئٍ إِلَّا بِطِيبِ نَفْسٍ مِنْهُ» (الألباني، تخريج مشكاة المصابيح، صحيح).



ولا يجوز للدولة الأخذ من أموال الناس إلا ما أجازه لها الشرع، وهي الأموال المستحقة شرعا على رعايا الدولة، والتي سمّاها الشارع حقّاً للدولة، قال تعالى: ﴿وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ * لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ﴾، وقال ﷺ: «أُمِرتُ أنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَقُولُوا: لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، فَإِذَا قَالُوهَا؛ عَصَمُوا مِنِّي دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ، إِلَّا بِحَقِّهَا، وَحِسَابُهُمْ عَلَى اللهِ» متفق عليه. وهذه الجبايات التي تفرض على رعايا الدولة هي بالأساس الزكاة والخراج والجزية وخمس الغنائم وخمس الركاز. وما عدا ذلك، فلا يجوز للدولة أن تفرض جبايات إضافية أي ضرائب إلا بالشروط التالية:



ألا يكون في بيت المال ما يكفي حاجتها.
أن تكون الدولة قد استوفت جباية حقوقها، أي أنه لا يجوز لها التفريط في بعض أموالها (كالمعادن مثلا) ثم تفرض الضرائب على الناس بحجة عدم كفاية الموارد.
أن تكون الضرائب فقط لسد النفقات الواجبة على بيت المال في حال وجود المال فيه وعدمه وهي نفقات الجهاد والإعداد له وما يلحقه من مصانع وصناعات، ونفقات الفقراء والمساكين وابن السبيل والرواتب والنفقات على المرافق الضرورية التي يلحق الأمة ضرر من عدم الإنفاق عليها.
أن تكون الضرائب مؤقتة، أي بقدر الحاجة وليست دائمية.
أن تفرض الضرائب الإضافية على أغنياء المسلمين فقط وليس على كل الرعية. فالضرائب تؤخذ من المسلمين مما يفضل عن إشباع حاجاتهم الأساسية والكمالية بالمعروف حسب حياتهم التي يعيشون عليها.
فإن جَبَت الدولة شيئاً من أموال الناس خارج هذا الإطار، فهو حرام وهو غصبٌ لأموال الناس بغير حق، وهو المكس المحرم، قال عليه الصلاة والسلام: «لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ صَاحِبُ مَكْسٍ» (السيوطي، الجامع الصغير، صحيح)، وفي رواية بزيادة، «يَعْنِي الْعَشَّارَ»، أي الذي يفرض ضريبة العشور وهي الجمارك على تجار المسلمين، وهي ضريبة غير مشروعة. وقد اعتبر عليه الصلاة والسلام المكس من الذنوب العظيمة المستقبحة، حيث قال عن ماعز الذي رُجم في الزنا المحصن: «لَقَدْ تَابَ تَوْبَةً لَوْ تَابَهَا صَاحِبُ مَكْسٍ، لَقُبِلَتْ مِنْهُ» (الألباني، السلسلة الصحيحة، صحيح)، وفي رواية: «اسْتَغْفِرُوا لِمَاعِزِ بْنِ مَالِكٍ، لَقَدْ تَابَ تَوْبَةً لَوْ قُسِّمَتْ بَيْنَ أُمَّةٍ لَوَسِعَتْهُمْ» أي أن ذنب صاحب المكس يعادل ما ترتكبه أمة من الذنوب!



وعلى الرغم من عظم هذه الجريمة، نجد دولنا اليوم تستسهلها، حيث بلغ الأمر أن تصل نسبة الضرائب في موارد الدول ما يقارب 90% (مثال: ميزانية المغرب لسنة 2022)، أي أنها فرطت في كل مداخيلها، وأصبحت تعتاش فقط من جباية ما في جيوب الناس، وليس هذا عن عجز وعدم كفاية، فبلاد المسلمين من أغنى بلاد الأرض على الإطلاق، ولكن لأنهم فرطوا في مداخيل الدولة بين تمكين للاستعمار من خيرات بلاد المسلمين وبين جعلها مستباحة للحكام وحواشيهم. أي أنهم يضيعون أموال الدولة ثم يدّعون العجز ومن ثم الحاجة لفرض الضرائب على رقاب الناس، غنيهم وفقيرهم!



والمحزن أنه وعلى الرغم من ارتفاع نسب الضرائب المفروضة على الناس (فالضريبة على القيمة المضافة وحدها تصل إلى 20%، والضريبة على الدخل قد تصل إلى 40%، و... )، وعلى الرغم من تنوع هذه الضرائب حتى جعلوها تشمل كل مناحي الحياة اليومية، فإن الدول لا تزداد إلا فقراً وعجزاً واستدانة، فلا هي تنتفع بما تجبيه، ولا هي تتركه في أيدي الناس يستعينون به على سد حاجياتهم، وليس ذلك إلا لسفه الحكام وسوء تصرفهم، فالضرائب الشرعية على رغم قلتها (نسبة زكاة الأموال 2.5% فقط)، ولكن حين كان يحسن استعمال موارد الدولة عموماً كان الخير يعمُّ ويفيض، وتعجُّ كتب التاريخ بالأمثلة على ذلك ولعل أشهرها، حين لم يجد عمال الزكاة من يستحقها في خلافة عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه، علماً أن فترة حكمه لم تتجاوز السنتين إلا بقليل. أورد أبو محمد بن عبد الحكم في سيرة عمر بن عبد العزيز، أن يحيى بن سعيد قال: "بَعَثَنِي عمر بن عبد الْعَزِيز على صدقَات إفريقية فاقتضيتها وَطلبت فُقَرَاء نعطيها لَهُم فَلم نجد بهَا فَقِيرا وَلم نجد من يَأْخُذهَا مني، قد أغْنى عمر بن عبد الْعَزِيز النَّاس فاشتريت بهَا رقاباً فأعتقتهم وولاؤهم للْمُسلمين". وأورد أبو عبيد القاسم في كتابه الأموال، أن عمر بن عبد العزيز كتب إلى عبد الحميد بن عبد الرحمن، وهو بالعراق: "أنْ أَخْرِجْ للناس أُعطياتهم، فكتب إليه عبد الحميد: إني قد أخرجت للناس أُعطياتهم، وقد بقي في بيت المال مال. فكتب إليه: أن انظر كل من أدان في غير سَفَهٍ ولا سَرَفٍ فاقْضِ عنه، فكتب إليه، إني قد قضيتُ عنهم وبقي في بيت مال المسلمين مال. فكتب إليه: أن انظر كل بِكْرٍ ليس له مالٌ فشاء أن تُزوِّجه، فَزَوِّجْهُ وأَصْدِقْ عنه، فكتب إليه: إني قد زوَّجت كل من وجدتُ، وقد بقي في بيت مال المسلمين مالٌ. فكتب إليه بعد مخرج هذا أن انظُر من كانت عليه جزيةٌ فَضَعُف عن أرضه فَأسْلِفْه ما يقوى به على عمل أرضه، فإنا لا نريدهم لعامٍ ولا لعامين".



لقد كان غياب دولة الإسلام وبالاً على المسلمين، فضاعت حقوقهم، وتدهورت أوضاعهم، وأصبحت بلادهم نهباً لكل طامع، وفريسة لذئاب الأرض، يرى المسلمون أراضيهم وأموالهم وأبناءهم تُنتزع منهم انتزاعاً وهم لا يملكون دفع يد ظالم. إلا أننا نوقن أن هذا الغياب إنما هو غياب مؤقت، وإن عودة هذا الكيان الحامي قريبة بإذن الله، وقد ملأت تباشيرها الأرض، ولعلها أقرب مما يتصور الكثير منا.



فاللهم اجعل لنا نصيباً في ذلك، واستعملنا في طاعتك، واجعلنا من جندك، وأكرمنا بالعيش في ظل شرعك.



كتبه لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير

مناجي محمد

وسائط