جريدة الراية : دعوة الكاظمي إلى اجتماع وطني سراب بقيعة

منذ انتخابات تشرين من العام الماضي والعملية السياسية في العراق تعيش أزمة خانقة، وأشدها ما قام به التيار الصدري من اقتحام البرلمان العراقي، ودعوته إلى اعتصام مفتوح، حتى تتحقق شروطه في إبعاد من وصفهم بالفاسدين عن المشهد السياسي المقبل.

ومع شدة الاحتدام بين الإطار التنسيقي والتيار الصدري، جاءت دعوة رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي، الأطراف السياسية الركون لطاولة حوار وطني، لخفض التوتر في خضم المرحلة الحرجة التي تشهدها الساحة المحلية، ولقيت دعوته ترحيبا من جهة حلفاء الإطار التنسيقي، فصرح رئيس ائتلاف النصر حيدر العبادي في بيان تلقته الزمان "أرحب بدعوات التهدئة، ونزع صواعق التوتر"، وقال النائب عن تحالف الفتح معين الكاظمي إنه "منذ البداية الإطار التنسيقي، هو الذي يدعو إلى الحوار الوطني الشامل بمشاركة جميع الكتل السياسية، وعلى هذا الأساس كانت جولة رئيس التحالف هادي العامري بين المكونات المختلفة سواء في بغداد ولقائه المكون السني وفي إقليم كردستان بين مختلف الكتل الكردية، وجميعهم أبدوا استعدادهم للحوار الوطني الشامل"، وأعلن السياسي عائد الهلالي، أن التنسيقي والفتح وكل القوى الشيعية تدعم دعوة رئيس الوزراء من أجل حوار وطني شامل.

وفي المقابل أعلن التيار الصدري مقاطعته هذا الاجتماع، وبين كما قال سابقا: "لا حوار مع الفاسدين".

وهكذا تم عقد الاجتماع، وخرج بنقاط خمس، ليس فيها شيء جديد لحل الأزمة السياسية، وليس فيها أي تنازلات لأي طرف مقابل الآخر، فهي أقرب للتنظير وأبعد ما تكون عن الحل السياسي لهكذا أزمة خانقة، ولمعرفة ذلك لا بد لنا من عرض النقاط التي اتفق عليها المجتمعون، وهي كما يلي:

1- عبر المجتمعون عن التزامهم بالثوابت الوطنية، وإيجاد حل لكل الأزمات من خلال الحوار وباعتماد روح الأخوّة والتآزر؛ حفاظاً على وحدة العراق وأمن شعبه واستقراره، وديمومة النظام الديمقراطي الدستوري الذي يحتكم إليه الجميع، والتأكيد على تغليب المصالح الوطنية العليا، والتحلي بروح التضامن بين أبناء الوطن الواحد؛ لمعالجة الأزمة السياسية الحالية.

2- أشار المجتمعون إلى أن الاحتكام مرة جديدة إلى صناديق الاقتراع من خلال انتخابات مبكرة ليس حدثاً استثنائياً في تاريخ التجارب الديمقراطية عندما تصل الأزمات السياسية إلى طرق مسدودة، وأن القوى السياسية الوطنية تحتكم إلى المسارات الدستورية في الانتخابات.

3- دعا المجتمعون الإخوة في التيار الصدري إلى الانخراط في الحوار الوطني، لوضع آلياتٍ للحل الشامل بما يخدم تطلعات الشعب العراقي وتحقيق أهدافه.

4- اتفق المجتمعون على استمرار الحوار الوطني؛ من أجل وضع خريطة طريق قانونية ودستورية لمعالجة الأزمة الراهنة.

5- دعا المجتمعون إلى إيقاف كل أشكال التصعيد الميداني، أو الإعلامي، أو السياسي، مؤكدين على ضرورة حماية مؤسسات الدولة والعودة إلى النقاشات الهادئة بعيداً عن الإثارات والاستفزازات التي من شأنها أن تثير الفتن. وناشدوا وسائل الإعلام والنخب بدعم مسار الحوار الوطني، والسلم الاجتماعي، بما يخدم مصالح شعبنا"، وفقاً للبيان.

إذاً ما هي تداعيات هذا الاجتماع؟ وما هي الثمرة من انعقاده؟!

من المعلوم أن مصطفى الكاظمي هو رجل أمريكا، والتي تحاول دائما تلميع صورته وطرحه أنه رجل المرحلة، وأنها تريد إنقاذ العملية السياسية، وقبلها إنقاذ النظام السياسي الذي فرضته، وما دعوة الكاظمي لهذا الاجتماع إلا لهذا الأمر.

والمتابع لما جرى قبل الاجتماع وخلاله وبعده، يرى أنه كان يصب في اتجاه واحد وهو دعوة الإطار إلى التنازل، لإنقاذ العملية السياسية، بدليل أن الدعوة اقتصرت على الإطار والتيار، ولو كانت دعوة وطنية، أو حواراً وطنياً لتمت دعوة باقي الكتل والأحزاب السياسية، وهذا ما صرح به إياد علاوي زعيم ائتلاف الوطنية، أنه "تفاجأ بعقد اجتماع سياسي محدود على وجه السرعة بدعوة من رئيس الوزراء، اقتصر على بعض الكتل الممثلة في مجلس النواب والحكومة".

واستغرب الائتلاف "عدم دعوته إلى الاجتماع، رغم أنه كان أول الداعين للحوار، فضلا عن عدم دعوة الحزب الشيوعي العراقي والكتل النيابية المستقلة وأغلب الشخصيات الوطنية والديمقراطية والاتحادات والنقابات وشيوخ العشائر وأساتذة الجامعات"، وأكد أن "هذا الأمر كانت له آثاره المباشرة على النتائج الهشة التي خرج بها الاجتماع، الذي خلا من أية قرارات عملية ذات تأثير على مسار الأزمة الحالية المتصاعدة، سوى عبارات نظرية لم تلامس أصل المشكلة والحلول التي يجب أن تكون هدف كل حوار وطني حقيقي".

ومما يبدو أن غاية الحوار هي حرق آخر ورقة سياسية للإطار، وأنه لا بد له من تنازلات لحل الأزمة، لما أبداه التيار الصدري من صلابة في موقفه، وإصرار على شروطه، وإلا فالأمر خطير قد يدخل البلد في دوامة الصراع الدموي إذا ما بقي التيار على عناده.

أيها الشعب العراقي الجريح: إن معاناتكم ومشاكلكم هي نتاج طبيعي للنظام السياسي القائم الذي فرضته أمريكا بعد غزوها للعراق واحتلاله، وهمها الوحيد هو الحفاظ على هذا النظام، وكل علاجاتها هي وأذنابها من الطبقة السياسية، تصب في إنقاذ العملية السياسية وليس إنقاذكم أنتم أو حل مشاكلكم، فجميع الكتل والأحزاب السياسية (المختلفون والمتفقون)، همهم الوحيد منافعهم ومصالحهم الشخصية ومكاسبهم، ولا تعنيهم معاناتكم ومشاكلكم، بقدر استغلالها في تحقيق مآربهم الدنيئة، ولو على حساب دمائكم وحياتكم.

فحل مشاكلكم وخلاص معاناتكم، لا يأتي عن طريق هذه الاجتماعات والحوارات والترقيع الذي تمارسه الطغمة السياسية، لإنقاذ العملية السياسية التي تحتضر، وإنما بتغيير النظام الذي سبب كل هذا الضيم، فطريق خلاصكم واضح وهو بيدكم وحدكم وليس بأيدي عدوكم وأذنابه، قال تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ﴾

بقلم: الأستاذ مازن الدباغ