بسم الله الرحمن الرحيم


وحلمنا بعروسةٍ مجداً وإذا بالمولودة قردة!


قمة استثنائية غير مسبوقة.. تحضيرات بمقاييس عالمية وبرنامج سياسي مميّز.. آمال على وشك التحقّق... كلها عناوين أجمع عليها سياسيون في وصف اللقاء العربي الـ31 فوق أرض الجزائر. فتتصدر جامعة الدول العربية لتعلن أنه تم الاتفاق بشكل نهائي على عقد قمتها المقبلة في الجزائر مؤكدة أنه لا صحة لتأجيلها أو نقل مكانها.



ونحن نتساءل ما هو دور هذه الجامعة؟ ولماذا أسست وما عملها بين الدول؟



إن جامعة الدول العربية هي منظمة إقليمية تضم دولاً عربية في آسيا وأفريقيا، حيث تم تأسيسها بتاريخ ٢٢ آذار/مارس ١٩٤٥ في القاهرة، لتهتم بالشؤون السياسية والاقتصادية والعلاقات التجارية والاتصالات وغيرها. ولكل دولة عضو فيها صوت واحد في مجلس الجامعة، ولكن القرارات تلزم الدول التي صوتت لهذه القرارات فقط، ومن أهدافها:



■ التعزيز والتنسيق في البرامج السياسية والبرامج الثقافية والاقتصادية والاجتماعية لأعضائها.



■ التوسط في حل النزاعات التي تنشأ بين دولها، أو النزاعات بين دولها وأطراف ثالثة.



■ الدول التي وقعت على اتفاق الدفاع المشترك، والتعاون الاقتصادي في ١٣ نيسان/أبريل ١٩٥٠ ملزمة على تنسيق تدابير الدفاع العسكري.



نلاحظ أن كل البنود الرئيسية تم تحقيقها بكل احترافية، فلم تكن هناك برامج سياسية وثقافية واقتصادية وغيرها في هذه الدول إلا كما يريد الراسم لهذه السياسات، وبما يخدم المخططات الغربية، ولم يحدث أي نزاع إلا وتدخلت الدول العربية في تعميق شرخ الخلاف أو إيجاد حل للأزمة من وجهة نظر الدول الراعية لنشوء هذه النزاعات، محققة طموح وأهداف ممثلي النزاع.



وطبعا لا يفوتنا أنهم وقعوا على اتفاق الدفاع المشترك، ولكن ضد شعوبهم وحقوق أمتهم، ناهيك عن دورهم الذي لا ينسى مطلقا في صياغة المناهج الدراسية بما يلغي تاريخهم ودينهم، ومحاربتهم للإسلام والعاملين له تحت مسمى "الإرهاب".



إن فكرة إنشاء الجامعة العربية، بدأت في ٢٩ أيار/مايو ١٩٤١ حين ألقى أنتوني إيدن وزير الخارجية البريطاني خطابا قال فيه: "إن العالم الغربي قد خطا خطوات عظيمة منذ التسوية التي تمت عقب الحرب العالمية الماضية، ويرجو كثير من مفكري العرب للشعوب العربية درجة من درجات أكبر مما تتمتع به الآن، وإن العرب يتطلعون لنيل تأييدنا في مساعيهم نحو هذا الهدف، ولا ينبغي أن نقفل الرد على هذا الطلب من جانب أصدقائنا، ويبدو أنه من الطبيعي ومن الحق وجود تقوية الروابط الثقافية والاقتصادية بين البلاد العربية، وكذلك الروابط السياسية. وحكومة جلالته سوف تبذل تأييدها التام لأي خطة تلقى موافقة عامة". (مجلس العموم البريطاني ٢٤ تشرين الثاني/نوفبر ١٩٤٣م).



ونحن بدورنا كشعب مسلم نهنئ أنتوني إيدن بأن مشروع الجامعة العربية نجح نجاحا منقطع النظير، وحصاده نراه اليوم على أرض الواقع حاضرا شاملا العالم بأسره.



ففي هذا اليوم تعقد قمة جامعة الدول العربية في بلد المليون شهيد، الذي ساهمت هذه الجامعة في تعكير جوّه وخيانة ثورته.



إن جامعة الدول العربية حققت إنجازين للدول الغربية:



الأول: الحفاظ على مصالح الغرب في السيطرة على بلاد المسلمين، والمحافظة على التفتيت الذي أصاب البلاد العربية، ودعم القومية بشكل كبير.



والأمر الثاني: هو إبعاد المسلمين عن قضاياهم المصيرية، وخاصة القضية الفلسطينية التي لا تعدو في نظر حكام الجامعة العربية سوى شماعة ومنفس تفريغ ضغط، فهي قضية يسمح بالتحكم بها بشكل يرضي الشعوب، ويعملون لها على أن تبقى القضية التي لا حل لها.



إن قمة الجزائر اليوم تؤكد للشعوب العربية المسلمة أنها لم ولن تكون في يوم من الأيام ساعية لما يصلح العباد والبلاد، بل هي كما رسم لها تمضي قدما نحو الأمام فنسمع تصريحا لوزير خارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان أن "العديد من الدول العربية تواجه تحديات تلقي بظلالها على أمن الدول وأمنها، وتطال المنطقة" (الجزيرة نت 2/11/2022م). وطبعا يقصد الحكومات وليس الشعوب لأنهم يعملون ليل نهار لوأد الثورات الشعبية.



وقال السيسي: "إن أمننا القومي العربي كل لا يتجزأ، والأخطار التي تواجه دولنا واحدة، وأضاف أن ضمان قوة وحدة صف الأمة العربية يمر عبر احترام استقلال الدول وحسن الجوار". (الجزيرة نت 2/11/2022م). وفي الحقيقة هو أبعد ما يكون عما يقول باستثناء دعمه للقومية واستقلال الشعوب وعدم توحيدها.



وأضاف عباس في كلمته بالقمة العربية: "إن الاحتلال (الإسرائيلي) يصر على تقويض حل الدولتين، ويتصرف فوق القانون مستندا إلى صمت دولي". (الجزيرة نت 2/11/2022م). وهذا تصريح يؤكد أحقية الكيان في فلسطين، وأننا نطلب من المجتمع الدولي الذي أعطانا أرضا بلا شعب بزعمهم، لشعب بلا أرض، ونقبّل الأيادي ونقبَل بأخماس الحلول، وتغلق الأبواب في وجوهنا. ألا تعلم يا خائن القضية أنكم أنتم من باع فلسطين، وعمل على اغتصابها مرارا وتكرارا؟ ولكن أبشرك بجيل قادم سوف يقتلع جذوركم، ويهدم قممكم.



ثم تأتيكم بنود البيان الختامي لقمة الجامعة العربية في الجزائر مدوية تزلزل الأرض، وتصرخ بعلو صوتها!!



■ تؤكد على مركزية القضية الفلسطينية، والدعم المطلق لحقوق الشعب الفلسطيني.



نعم، هي مركزية لبقاء هذه الحفنة من الخونة على سدة الحكم في بلاد المسلمين، وزوالها يعني زوال ظلها، ووجودها يعني وجود هؤلاء الحكام، وأي حقوق لشعب يقتله الجوع، والحرمات، وأبسط حقوق البشر. أين هي هذه القمة مما يفعله الكيان الغاصب بشباب وقرى الشعب الفلسطيني؟! حتى إنهم لم يكلفوا أنفسهم بالشجب، ولا حتى بذكرها! فعن أية حقوق تتكلمون؟!



■ التأكيد على التمسك بمبادرة السلام العربية بكل عناصرها، وأولوياتها.



وللأسف هم من يعملون على عدم وجود السلام بشكل عام، فهذه الحكومات هي التي تمارس القمع والقتل والتشريد لهذه الشعوب، وهم يعملون على تمسكهم باستمرار هذا النوع من تقويض السلام للشعوب، والحفاظ على السلام الغربي للحكام.



■ التشديد على ضرورة مواصلة الجهود، والمساعي الرامية لحماية مدينة القدس المحتلة ومقدساتها.



عن أي حقوق يتكلمون؟! حقا إذا لم تستحي فاصنع ما شئت! أليسوا هم من قمع الشعوب عندما خرجت لنصرة القدس وأهلها؟



■ وقرارات عدة تدعو إلى إنهاء النزاع في كل من ليبيا واليمن وسوريا، ورفض التدخلات الخارجية بجميع أشكالها في الشؤون الداخلية للدول العربية. (الجزيرة نت 2/11/2022م).



إن هذا القرار يدلل على أن الحكام لا يعيشون في كوكبنا، فلم تبقَ دولة لها وزن، أو ليس لها وزن دولي إلا وتدخلت في شأن من شؤوننا بشكل أو بآخر، أما هم فغير موجودين نهائيا!



وغير ذلك القرارات التي أهمها مساندة قطر في استضافتها بطولة كأس العالم! حتى بهذه المسألة التي لا تنتمي لتطلعات شعوب المنطقة، ومعاناتهم على كل الأصعدة، فهم كاذبون في ذلك، ويتمنون الفشل لهم، لأنها دولة عربية لا أكثر ولا أقل.



إن الحكام الرويبضات الذين يعتلون عروش مبنية على جماجم وأقوات شعوبهم، ما هم إلا كلاب مطبَّعة ومطوَّعة لخدمة أسيادهم. فهؤلاء الحكام لا يمثلون شعوبهم، ولا هذه الجامعة التي هي صنيعة الغرب ومنفذة لكل مخططاته، بل تعمل ليل نهار على إبعاد الإسلام السياسي، وتظهر اليوم حتى محاولاتهم لإبعاد المسلمين عن دينهم، وإخراجهم من عقيدتهم، وهدم أسرهم عبر قوانين مقننة في أروقة الأمم المتحدة، وأجندات مدعومة بالمال، والسلطة، والسلاح، عبر (علماء!) باعوا دينهم بدنيا غيرهم.



فيا شعوب هذه الأمة المعطاءة: إن هؤلاء قد وجب خلعهم ولو كلفنا ذلك الكثير، فهم الداء لهذه الأمة، وبخلعهم تعود الأمة إلى حالها الطبيعي، وتسلك طريقها الذي يعبر عنها، وعن تاريخها.



فعقيدة الرأسمالية التي يروج لها علماء السلاطين الذين خانوا أمتهم، هي عقيدة فصل الدين عن الحياة فيعملون على تضليل الأمة بتصوير أن السياسة والدين لا يجتمعان، وأن السياسة الحقيقية هي الواقعية والرضا بالأمر الواقع، مع استحالة تغيره. لذلك لا بد من أن تدرك الأمة السر وراء محاربة الدول الكافرة، والحكام العملاء لكل من يعمل على إنهاض المسلمين، ويعمل على إقامة دولة الخلافة، وضرب أفكار الكفر، فتعيد للإسلام أمجاده. فأهمية عودة الإسلام إلى سدة الحكم تكمن في أهمية رسالته العالمية التي أوجب الله حملها على الناس كافة، وخاصة بعدما وصل الحال العالمي من شر وشقاء واستعباد الناس.



إن دولة الخلافة لا تنتمي إلى دول اليوم بكل أشكالها، فهي نظام رباني يعالج علاقات الإنسان كما يراها رب الناس لا كما يطمع بها زيد وعمرو، فهي رعاية للشؤون داخليا بكل ما تحمله الكلمة من معنى الرعاية، وخارجيا بما يحفظ للإنسان إنسانيته ولا يقبل العبودية لشعوب العالم.



إن الخلاص الحقيقي هو بقيام دولة الخلافة، وإنها قاب قوسين أو أدنى، وندعو كل مخلص من أهل القوة والمنعة أن يتسابقوا ليكونوا سعداً وما أسعد من يفوز بها.



إن الله متم نوره فأين أنتم منه؟ قال تعالى: ﴿يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُواْ نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ﴾.



كتبه للمكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير

نبيل عبد الكريم