بيان صحفي

بقاء الوضع الراهن سبب لاستمرار الأزمات في الأردن وعودة الأمة إلى كيانها الأصل هو الذي ينهيها


عندما أنشئ الأردن قبل مئة عام ضمن تقسيمات سايكس بيكو على يد الكافر المستعمر الإنجليزي والفرنسي، أخذ بعين الاعتبار معايير استعمارية تحقق مصالح وأطماع الدول الاستعمارية في المنطقة بحيث تتناسب إفرازات هذا التقسيم مع الغايات القريبة والبعيدة لدول الاستعمار الغربي وديمومة نفوذه على المنطقة سياسيا واقتصاديا وأمنياً، وتسخير شعوب هذه البلاد المسلمة ونهب ثرواتها في قناة الإذعان والاستسلام لهذه الغايات. فكان لا بد أن تُصنع هذه الدويلات بمواصفات ومقاييس تُحْكِم السيطرة للكافر المستعمر وتضمن في الوقت نفسه عدم تمكين شعوب هذه البلاد من التحرر فكريا وسياسيا واقتصاديا، وضمان عدم عودتها لدولتها الجامعة ووحدتها من جديد، فكان لا بد من مدخلات اصطناعية وقيم شيطانية ما أنزل الله بها من سلطان، للوصول إلى المخرجات التي أقيمت على أساسها إفرازات سايكس بيكو والمآلات التي وصلت إليها الشعوب اليوم من ذل وهوان ونهب لخيراتها واستسلام لأعدائها، ومن أهمها:



1- تجزئة وتشتيت الدولة الإسلامية إلى أشباه دول متعددة تحت مسميات الدولة القطرية الوطنية، التي صنعت لها من العدم أعلام وطنية رُسمت بأيدي المستعمر لاستبدالها براية الأمة الجامعة، راية لا إله إلا الله محمد رسول الله، وأحيطت كل دولة بسياج محكم من الحدود تمنع وحدتها بحجة السيادة الوهمية، وصُنع لكل دولة منها تاريخ وطني مزيف منسلخ عن تاريخها الإسلامي المشرف الذي ساد فيها مئات السنين منذ الفتح الإسلامي على يد الصحابة الأشراف، ثم تم تنصيب نواطير على شكل حكام وبطانات من جنسها صنعت على عين الكافر المستعمر ودوام مراقبته، تقوم بحراسة هذه المستحدثات المصطنعة، للمحافظة على آثارها الاستعمارية المدمرة.



2- بثت سمومها الثقافية بغزو تدريجي وتدليس إبليسي لسلخ الناس عن مبدئهم الإسلامي واستبعاد نظامه عن الحكم وعقيدته، بل ما لبثت مؤخرا بمهاجمة صلب عقيدتهم وقيمها، وجعل قيمها الفاسدة من ضرورات التقنين في دساتيرها الوضعية مثل الديمقراطية أي وضع التشريع بيد البشر تحت المسمى المزيف بحكم الشعب، ومساواة المرأة مع الرجل (سيداو)، وحقوق الطفل والشذوذ والقروض الربوية، واتفاقيات نهب الثروات، واتفاقيات السلام مع الأعداء وفتح البلاد واستباحتها للمستعمر الغربي.



3- صنعت لكل دويلة دوراً ووظيفة تتناسب مع المهمات الموكلة إليها، فكانت الدول الغنية بالنفط تستثمر فيها أمريكا وبريطانيا، لنهب نفطها وإيثار الطغم الحاكمة بالثروات، وزرعت كيان يهود في فلسطين، ووكلت حماية أمنه ثم تمكينه اقتصاديا ودمجه في جسم الأمة، إلى أنظمة البلاد المحيطة بفلسطين كالأردن ومصر ولبنان وسوريا، ومن أجل ذلك كان تأسيس الأردن ليتناسب مع دوره في الاعتراف بكيان يهود وعقد الاتفاقيات الأمنية والاقتصادية معه لتمكينه، بحجة فقره الشديد، وهو الذي أسس ليكون أيضا بمعزل عن عمقه الإسلامي والعربي، وليكون تحت رحمة المساعدات والمنح والقروض الربوية ووطأة صندوق النقد الدولي والمساعدات الأمريكية، بحيث تكون حجة النظام المستمرة في رهن قراره السياسي للكافر المستعمر، رغم ما أنعم الله به على البلاد من الثروات الدفينة.



ونتيجة لهذ الوضع الجيوسياسي الشاذ يمر النظام السياسي في الأردن بأزمات داخلية متكررة من حين إلى آخر - وهو لا يسعى في كل مرة إلا لاستقرار حكمه - كان آخرها إضراب سائقي الشاحنات وتعطيل حركات النقل الأخرى من حافلات وسيارات أجرة تطورت إلى إضرابات شاملة للمحلات التجارية في محافظات أردنية عدة، وكان سببها المعلن هو رفع أسعار مشتقات النفط كالديزل والكاز، بحيث يدفع الناس أعلى الأسعار مقابل هذه المواد في العالم، والتي اعتبر رئيس الحكومة دعمها بأنه ترف لن تقوم به الحكومة رغم أوجه ترف الإنفاق التي لا تعد ولا تحصى للنظام الفاسد، وفي أوجه لا يؤيدها جمهور الناس، من إقصاء لقيم الإسلام وعقيدته ونظامه، والسماح لقيم الرذيلة المستوردة من الغرب الكافر، والصداقات وعقد الشراكات الاستراتيجية مع أعداء الأمة ورهن قراراتها بإملاءاته المذلة.



فقد مرت البلاد بأزمات تعصف بالاستقرار السياسي للنظام، وما تلبث إحداها تفتر بحل ترقيعي حتى تلحق بها أخرى أشد وأنكى؛ فمن أزمة نقابة المعلمين، والاعتقالات والبطش المتكرر وتكميم الأفواه لمجرد التعبير عن الرأي، والبطالة التي بلغت 50% بين الشباب، والمديونية التي بلغت 114% من الناتج المحلي الإجمالي، رغم الضرائب الباهظة، ووصفات صندوق النقد الدولي التي أودت بالاقتصاد في البلاد إلى الهاوية، والمساعدات الأمريكية التي بلغت ذروتها مقابل الاتفاقيات العسكرية والنفوذ، واتفاقيات الغاز والطاقة والمياه مع كيان يهود، وغلاء أسعار الحاجات الأساسية، علاوة على بث الفحشاء والرذيلة وتغلغل قوانين القيم الغربية المخالفة للفطرة والقيم الإسلامية للناس.



يقوم النظام في الأردن بمعالجة هذه الأزمات، بحلول جزئية آنية من ضمن الواقع والظروف التي أوجدتها، وهو يسعى عند حل كل مشكلة لاستقرار حكمه وليس حل مشاكل الناس والشعب، ولا يضير النظام عندما تتأزم الأمور خلع الحكومة وتعيين غيرها، فهي لا تملك أصلا صلاحيات تنفيذية بمعزل عن توجهات النظام سواء الأمنية أو الاستعمارية الغربية الأمريكية والبريطانية، فسياسة الاستقرار النسبي للنظام لا تلبث أن تعود بأزمات أكبر من سابقاتها يدفع ثمنها الناس من قوتهم وكرامتهم وحياة أبنائهم، طالما أن الحلول سرابية خادعة لا توجه إلى أصل المشكلة، ولا يضير النظام الاختباء وراء أجهزة الدولة الأمنية والحكومية والبرلمانية في مواجهة الشعب بحيث يتسنى له وضع الناس من خلال حادثة عبثية غامضة، وترك الأمور تتأزم لأيام عديدة لتصل إلى مواجهة بين الناس وأبنائهم في الأجهزة الأمنية، ينتج عنها الإصابات وتدمير الممتلكات، فتتحول الأزمة كما في كل أزمة من فشل الدولة في الحكم والإدارة والاستجابة لمطالب الشعب، إلى رأي عام ومظلة يبرر لها غطاءها البطش والتنكيل في كل التحركات المطلبية الشعبية ناهيك عن مشروع الأمة النهضوي والعودة لحكم الإسلام.



فأصل المشكلة أن الأردن وهو جزء من الأمة الإسلامية كما هي كل دويلات سايكس بيكو كما أسلفنا، تم فصله عن دولته الأم أي الدولة الإسلامية في لحظة ضعفها وسقوطها، والتي ينتمي إليها عقائديا وتربطه مع شعوب البلاد المجاورة رابطة المبدأ الإسلامي دون اعتبار لأي حدود، وحل مشاكله وأزماته يكون بعودته هو وكل بلاد الشام لتكون جزءا من كيان دولة الخلافة، فيكون عمقا لها وهي عمق له، فيخرج من جور الحكام وتسلطهم وفسادهم وتبعيتهم للاستعمار إلى عدل الإسلام وتطبيقه، فتحل جميع أزماته وينعم أهله بالعز والكرامة والعدل، بل وينعم جميع المسلمين بالثروة والملكيات العامة في بلادهم، بدل نهبها من أمريكا وأوروبا، وبدل الركون إلى مساعدات أمريكا العدوة وبريطانيا الخبيثة، ويقف بعزة وكرامة ضد كيان يهود العدو بدل اتفاقيات العار والذل، وإن كان ذلك يبدو للبعض صعب المنال، فإن مجريات الأحداث والأوضاع التي يشهدها الناس من حلول عاجزة ما هي إلا حلول عرضية تستفحل معها الأزمات ويطول معها الحل الذي أراده الله لهذه الأمة، ثم لا تنتصر إلا بنصرها لله تعالى، ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ﴾.



أيها المسلمون.. أيها الأهل في الأردن: إن الأوضاع الراهنة التي يعيشها الناس في بلاد المسلمين وضنك العيش الذي يشعر به غالبية الناس في كافة المجالات الحياتية من تعليم وصحة وخدمات وتغريب للأبناء وإذلال وتطاول لأعداء الأمة على بلادها ونهب خيراتها، هو استمرار لما بدأه الكافر المستعمر وعلى رأسه بريطانيا ومن ثم أمريكا بعد إسقاط دولة الخلافة، وما تريده هو استمرار الفوضى والقلق والجوع والفقر وفساد الحكم وبطانته، لتنفيذ مخططاتها في بلاد المسلمين وتحقيق مصالحها، ولكن الأهم من ذلك حقيقة هو الاستعداد والرهبة من نهضة الأمة التي باتت وشيكة بقيام دولة الخلافة الراشدة على منهاج النبوة التي ستقف الوقفة الحقيقية في وجه أعداء الأمة، والتي ستزيل الحدود التي اصطنعها الاستعمار، والتي ستعيد الثروة المنهوبة كلها للأمة لتنعم بها وتحل مشاكلها، وتوجه غضبتها وتعد جيوشها إلى حيث يجب أن توجه وهي أعداء الأمة الذين يقفون في وجه تحررها وتحريرها لمقدساتها وقيامها بواجب حمل الدعوة، الذي يرضي الله سبحانه وتعالى.



﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ﴾





المكتب الإعلامي لحزب التحرير

في ولاية الأردن