وسائل الإعلام ودورها في تدمير المجتمع
الشيخ صفوت الشوادفي

المصدر: مجلة التوحيد، عدد صفر 1415هـ، صفحة 8.

الحمدُ لله، والصلاة والسلام على رسولِ الله.



وبعد:

فأرْجو مِن القارئ الكريم أن يقرأَ هذه النصوصَ متدبرًا عشرَ مرَّات! (يجِب ألاَّ يكونَ لأعدائنا وسائلُ صحفيَّة يعبِّرون فيها عن آرائهم)، (يجب ألاَّ يصل طرفٌ من خبر إلى المجتمع مِن غير أنْ يحظَى بموافقتنا؛ ولذلك لا بدَّ لنا مِن السيطرة على وكالاتِ الأنباء التي تتركَّز فيها الأخبارُ مِن كلِّ أنحاء العالَم، وحينئذٍ سنضمن ألاَّ يُنشرَ مِن الأخبار إلاَّ ما نختاره نحن ونوافِق عليه)!



(يجِب أن نكونَ قادرين على إثارةِ عقل الشعْب عندما نُريد وتهدئته عندَما نُريد)



(يحب أن نُشجِّع ذوي السوابقِ الخُلقية! على تولِّي المهام الصحفيَّة الكبرى، وخاصَّة في الصحف المعارِضة لنا! فإذا تبيَّن لنا ظهورُ أية علامات للعصيان من أيٍّ منهم سارعْنا فورًا إلى الإعلان عن مخازيه الخُلُقية التي نتستر عليها! وبذلك نَقضي عليه، ونجعله عبرةً لغيره).



في المرة الأولى قدْ لا يتنبه القارئ إلى ما وراءَ السطور، ولكنَّك عندما تقرأ النصوص مرةً أخرى فسوف تكتشِف جملةً مِن الحقائق.



إنَّ أصحابَ هذه النصوص هُم اليهود الذين يقولون ويفعلون، ما دامَ أنصارُ الحق قد خذَلوه ولم ينصروه! ولقدْ أصبحتْ وسائلُ الإعلام عندنا تهدف بصورةٍ واضحة إلى هدمِ البيوت وتخريب الأخلاق ومحارَبة الفضيلة، وإشاعة الفاحِشة وتمزيق الأُسرة، وتوسيع دائِرة الجرائم!



ولأنَّنا بلدٌ مسلم فإنَّ حياتنا قد أصبحتْ متناقضةً في ظلِّ التبعية التي أصبحتْ وسائل الإعلام أسيرة لها اختيارًا لا اضطرارًا، وأصبح ما يقوله الخُطباء والعلماء على المنابِر يهدمه التلفزيون بعدَ دقائقَ معدودة.



والأعجبُ مِن ذلك: أنَّ التلفزيون والمحطات الإذاعيَّة - عدا إذاعة القرآن الكريم - تفتح برامجها بتلاوةِ آياتٍ مِن القرآن الكريم تهكُّمًا واستهزًاء، أو خداعًا وتضليلاً، كالذي يذكُر الله وهو في طريقِه إلى السرقةِ أو القتْل!



وبعبارة مختصرة فإنَّ (رسالة الإعلام في مصر هي هدمُ وتدمير رسالة المسجِد)، فهُما نقيضان لا يجتمعان!



وقدَّمتِ الصحافة -كما ذكَر أحدُ الكتَّاب المعاصرين - قصصَ الجريمة وقصصَ الجِنس، وأفاضتْ في نشْر تفاصيل الأحداث، وأولتْ جوانب الفساد فيها اهتمامًا كبيرًا، وعُنيت بلفْتِ النظر إلى الوسائلِ والأساليب التي قام بها المجرِمون في سرقةِ البيوت أو ترصُّد الناس.



وعمدتْ إلى الاهتمامِ بنشْر أساليبِ الفساد، وكشفتْ للشباب والفتيات طُرق الاتِّصال بأصحابِ الأهواء.



وعملتْ على إعلاءِ شأن الرَّاقِصات والمغنين والمغنيات، والعاملين في مجالِ الفاحشة والإثم بإطلاقِ وصْف الفنَّانين عليهم، ثم أذاعوا أنَّ هذا الفنَّ شيءٌ مقدَّس له أصوله وقِيَمه وله حدودُه، فلا يُمكن لأحدٍ أن يهاجمَ الفن بينما يُمكِنه أن يهاجمَ القرآن! بدعوى حريَّة الكلمة.



ولقدْ أصبحْنا نرَى للفنِّ أعيادًا يُكرَّم فيها أهلُ الفاحشة الذين توعَّدهم الله بالعذاب الأليم في الدنيا والآخِرة إن لم يتوبوا.



ولك أن تقارنَ أيُّها القارئ الكريم بين حال الفنَّانة قبلَ التوبة وبعدَها!



إنَّها قبلَ التوبة مكرَّمة عندَهم، يُشار إليها بالبنان، قد رصدتْ لها الهدايا والمكافآت مع عباراتِ الثَّناء والمدح، حيث إنَّها تقوم بواجبِها في نشْر الرذيلة وإشاعة الفاحِشة وتدمير الفضيلة كما يُريد اليهود! وأمَّا بعدَ التوبة فإنَّهم يُشكِّكون في صِدقها، ويلصقون بها التُّهَم.



والدافِع مِن وراء ذلك كله معلومٌ لا يخفَى على أحد.



وننتقل الآن إلى عَرْض جملة مِن الحقائق التي تحتاج إلى مزيدٍ مِن التدبُّر وإرْجاع البصر.



الحقيقة الأولى:

تقوم وسائلُ الإعلام بإشاعةِ الفاحشة في الذين آمنوا، مِن خلال نشْر متعمّد لأخبار الحوادث، وتشهير واضحٍ بمرتكبِ الفاحِشة إنْ كان مِن المؤمنين، وتغطِّي عينيه بشريط لاصِق إنْ كان مِن الفاسقين!



والهدف: تشجيع الفواحِش والتحريض عليها والدعوةِ إليها مع ارتداءِ ثوبِ المحذِّر منها!



الحقيقة الثانية:

وسائلُ الإعلام إمَّا أن تحجبَ أخبار المسلمين في أنحاءِ العالَم عن الرأي العام، أو تنقُل طرفًا منها بصورةٍ مشوشة.



مِن أقوى الأمثلة على ذلك: أخبار المسلمين في الجمهوريَّات الإسلاميَّة بآسيا الوُسطى (الاتحاد السوفيتي سابقًا)؛ وذلك تمشيًا مع الإعلام الغربي الذي يهدف إلى التعتيمِ عمَّا يَجْري للمسلمين مِن تدميرٍ وتعذيب في شتَّى بِقاع الأرض.



وأمَّا القاعدة التي تحكُمهم فهي ما نشرتْه الصُّحف الأمريكيَّة في سنة 1979 تحتَ عنوان لا تفاهمَ مع الإسلام إلا بلُغة الحديد والنار، وجاء تحتَ هذا العنوان: (إنَّ الشيوعيَّة أفضلُ مِن الإسلام؛ لأنَّها في الأصل فكرةٌ غربية يُمكن الالتقاء والتفاهُم معها، أمَّا الإسلام فلا التقاءَ ولا تفاهمَ معه إلا بلُغة الحديد والنار)!



وهم ينفذون ذلك الآن في طاجكستان والبوسنة، والفلبِّين وفلسطين، وكثيرٍ مِن بلاد المسلمين بأيديهم أو بأيدي أعوانِهم!



الحقيقة الثالثة:

وسائل الإعلام تَسلُك كلَّ الوسائل التي مِن شأنها إبعادُ الشعب عنِ الإسلام!



ولذلك نلاحِظ أنَّ الناس كلَّما أقبلوا على التوبةِ والرجوع والإنابة نشرتْ وسائل الإعلام مزيدًا مِن الأفلام الهابطة، وتَسير في شوارعِ القاهرة عاصمةِ دولة العِلم والإيمان وبلَد الأزهر، فتجد الأدلةَ القاطعةَ والبرهان الساطع على أنَّنا نسيرُ في عكس الاتِّجاه الصحيح.



الحقيقة الرابعة:

عِبادة الكُرة!



لقدْ نجحتْ وسائلُ الإعلام مجتمعةً في تحويلِ قطاع مِن الجماهير المسلِمة إلى عبادة الكرة بدلاً مِن عبادة الله!



تنظُر إلى أحدِهم فتراه لا يَغار على دِينه، ولا يغار عِرْضه، ولكنَّه يغار على فريقه وناديه المفضَّل!



إنَّه يقدِّس كلامَ اللاعبين ولا يعرِف آثار الصحابة والصالحين، بل إنَّه يقوم الليل إلاَّ قليلاً في مشاهدةِ مباريات كأس العالَم!



إنَّها حقيقة مؤلِمة ومريرة.



لقد تركت الصلاة لأجلِ الكرة، وضاعتْ معالِم الدِّين وضُيِّعت حدوده لأجْلها.



ويَتعجَّب العقلاءُ من ذلك كله، ويبحثون عن السبب؟! ويُشير أحد الباحثين الأجانب إلى ظاهرةِ الكرة وسرِّ انتشارها، فيقول:

"إنَّ رياضةَ الكرة مثل رياضة مصارعة الثيران والوحوش أيَّام الرومان، فقد قامتْ هذه الرياضة وازدهرتْ في عهد طغيان القياصرة الذين سَلَبوا الشعبَ حريَّاته، وبلغتْ أوجَها في عهد القياصرة الذين أرادوا أن يُوجِدوا شيئًا يُلهِي الناسَ عن حريَّاتهم المفقودة، فأقاموا تلك المبارياتِ التي كان ينزل إليها رجالٌ ضخام الجثث مفتولو العضلات يُصارعون الأسودَ وهي تنطلِق مِن أقفاصها، وقد يفتك اللاعبُ بالأسد، ويشقُّ شدقيه بيديه العاتيتين، وقد يلتهمُ الأسد هذا اللاعبَ الضخم، ويمزِّقه إربًا إربًا أمامَ الناس الذين يفقدون صوابَهم وهم يُصيحون ويَصرخون لا فرحًا ولا غضبًا ولا ألَمًا، ولكن في هوسٍ وجنون، وقد نَسُوا أنهم فقدوا أهمَّ شيء وهو حريتَهم، وأنَّه قد حِيل بينهم وبين حقوقِهم الضائِعة".



الحقيقة الخامسة:

لم يَعُدْ للأزهر رقابة على هذه الوسائل، فقد مُنِع من ذلك، بل ولم يُفسحِ المجال لكثيرٍ من علمائه المخلِصين؛ لينشروا أو يقولوا كلمةَ الحق.



وتحرَّرتْ وسائلُ الإعلام مِن ميزان الشرع، وخضعتْ لميزان الهوَى، ممَّا جعلها مصدرًا خطيرًا مِن مصادر التطرُّف التي يجِب أن يُصحَّح مسارها، وأنْ يُوقَف فسادُها وشرُّها.



وإلاَّ خرَج بسببها جيلٌ يتمرَّد على الواقع الفاسد الأليم، ويكون حربًا على بلدِه وأمَّته على النحوِ الذي نعيشه الآن ونُعاني منه.



فهل تجِد هذه الكلماتُ طريقًا إلى آذانِ العُقلاء؟


نسأل الله القَبول.

وصلَّى الله وسلَّم وبارَك على نبيِّنا محمَّد وآله وصحْبه.