بسم الله الرحمن الرحيم



2015-08-18

جريدة الراية: مصالح الأمة الإسلامية ومصالح الدول الغربية الاستعمارية لا تتقاطع


تدّعي الدول القائمة في العالم الإسلامي أن مصالحها تتقاطع مع مصالح الدول العالمية، ومنها الدول الكبرى بقيادة العالم الغربي الحر، وعلى رأسه أمريكا، متذرعة بتشابك المصالح العالمية، وبأن العالم بات قرية صغيرة، وبأنه لا يمكن لتلك الدول "الصغيرة" أن تخرج عن المنظومة الدولية التي تقودها الدول الكبرى، ومنها الدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن.

ونحن هنا لسنا بصدد بحث هذه المزاعم التي تسوقها الدول "الصغيرة" القائمة في العالم الإسلامي، فهي دول فاشلة، حكامها ليسوا حتى حلفاء مع الدول الكبرى كما يدّعون بل عملاء لها، وهي دول لا تحكم بالإسلام، وحتى مسمى دولة يطلق عليها مجازًا، فهي مجموعة من العصابات، لا أكثر من ذلك، وهي لا تزن علاقاتها الدولية بميزان الأحكام الشرعية، فالأحكام الشرعية لا تعنيها، وأخيرًا فَقَدْ فَقَدَ كل قريب وبعيد الأمل من هذه الأنظمة، فهي غارقة إلى أذنيها في وحل التبعية الغربية، وولاؤها ليس للأمة الإسلامية.

إنما نريد تسليط الضوء في هذه المقالة على تذرع بعض الحركات الإسلامية "الجهادية"، وخاصة في بلاد الربيع العربي، ومنها الكتائب المقاتلة في الشام، وتذرع بعض الحركات الإسلامية الأخرى، بأن مصالحها أو مصالح المسلمين وثوراتهم تتقاطع "أحيانًا" مع مصالح الدول الغربية! فننصحهم في هذه المقالة، عاملين بما جاء في قول رسول الله ﷺ: «الدِّينُ النَّصِيحَةُ قُلْنَا لِمَنْ قَالَ لِلَّهِ وَلِكِتَابِهِ وَلِرَسُولِهِ وَلِأَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ وَعَامَّتِهِمْ» صحيح مسلم. ولا نريد في هذه المقالة أن نخرج عن البديهيات الشرعية المعلومة من الدين بالضرورة، أو عمّا يعرفه كل مراقب للواقع الحالي والسابق لعلاقة المسلمين بالدول الغربية.

إنه مما لا شك فيه أن المصلحة الشرعية التي لا يختلف عليها المسلمون هي العمل الذي تتحقق منه مرضاة الله سبحانه وتعالى بالتقيد بالأحكام الشرعية، سواء أوافقت تلك الأحكام أهواءنا أم لم توافقها، ونحن مهما ارتقى وسما تفكيرنا فإننا لن نكون أكثر حكمة من الله سبحانه وتعالى، والعياذ بالله، فالله سبحانه وتعالى يقول: ﴿وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ﴾، لذلك يجب علينا أن نتقيد بالأحكام الشرعية التي جاءت من الحكيم الخبير؛ لأن التقيد بها يرضي الله، ولأن غيرها من الأحكام لا تصلح حالنا، وقد أكّد الله سبحانه وتعالى على هذا الأمر في قوله: ﴿فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾. من هنا فإن على الكتائب المقاتلة في سبيل تحرير بلاد المسلمين وتحكيم شرع الله فيها أن تتقيد بالأحكام الشرعية كلها، ولو ظنّت ذلك صعبًا ويجعل وصولها لغايتها المشروعة مستحيلًا، بل يجب أن توقن بأن النصر هو فقط من عند الله العزيز الحكيم، ولن ينزل الله سبحانه وتعالى النصر عليها إلا إذا تقيدت بالأحكام الشرعية، ولو قضت في سبيل ذلك، ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ﴾.

إن واقع الدول الغربية الصليبية الكافرة هو أنها عدوة لله عز وجل ولرسوله ﷺ وللمؤمنين، وتكفي معرفة هذه الحقيقة عن هذه الدول حتى ينفض المسلمون عنها ولا يسالموها أو يفاوضوها أو حتى يطلبوا العون منها، ولو كانوا في وادٍ سحيق، فقد قال رب العزة: ﴿مَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَلَا الْمُشْرِكِينَ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْكُمْ مِنْ خَيْرٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَاللَّهُ يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ﴾، فالله سبحانه وتعالى يؤكد لنا أن الكافرين لا يحبون الخير لنا، قلّ أم كثُر. أفبعد قول الحق سبحانه وتعالى يأتي من يقول بأن أمريكا مثلًا تحب لنا أن نحكم بما نحب من كتاب الله عز وجل وسنة رسوله ﷺ، وتكره أن يحكمنا الطغاة أمثال بشار؟! هذا وإن غفل البعض عن هذا النص الصريح، وراحوا يلتقون بالكفار وأعوانهم من حكام العرب والمسلمين (عرابي الغرب)، فإن عليهم أن يعرفوا سلفًا نتيجة تلك اللقاءات، ليس ضربًا من الغيب، بل علمًا بقول الله الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا الَّذِينَ كَفَرُوا يَرُدُّوكُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خَاسِرِينَ﴾.

إن مصالح الكفار لا تتقاطع مع مصالح المسلمين أبدًا، وهذا قول واحد مقطوع به في دين الله، ولا يجوز لمن حمل سلاحه في يد وروحه في اليد الأخرى أن تغيب عنه هذه الحقيقة، ومن غابت عنه يكون بحق قد غيبها هو، فهي لا تغيب عن الحافظين لكتاب الله العاملين لتطبيقه، إنما تغيب عن المتسلقين الذين يسعون لمنصب هنا أو جاه هناك، ﴿... فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ﴾. لذلك ندرك بأن المجاهدين المخلصين لا يلتقون مع الكفّار أو أعوانهم، وإنما الذين يلتقون بهم هم المندسون على ثورات الأمة، الذين يعملون مع الغرب الكافر والأنظمة القائمة في البلاد الإسلامية التابعة له.

إن حوادث خذلان الغرب الكافر للمسلمين الذين ظنوا به خيرًا كثيرةٌ، بل ولم تتخلف مرة واحدة. فقد ظن المجاهدون في أفغانستان أن مصالحهم تتقاطع مع العالم الحر وعلى رأسه أمريكا في الإطاحة بالاتحاد السوفيتي وكنسه عن أرض أفغانستان، فإذا بالغرب ينقلب عليهم بعد أن سقط الاتحاد السوفيتي، فقد استغل الغرب المجاهدين وتغلغل في صفوفهم وعلم عنهم كل صغيرة وكبيرة مباشرة ومن خلال النظام الباكستاني العميل لأمريكا، فسهل عليه القضاء على إمارتهم، في يوم أو بضعة أيام. وكذلك المجاهدون الذين أطاحوا بطاغية ليبيا، الذين ظنّوا بأن دعوات الغرب للتحاور وبناء دولة مدنية هو لصالحهم ولصالح إسلامهم، فإذا بالغرب يريد منهم أن يوطدوا للدولة المدنية العلمانية التي لا تسمح إلا لفلول الطاغية الهالك وأسياده في لندن بالنفاذ. وكذلك حصل مع "الإسلاميين" في مصر.

يجب على الحركات الإسلامية التي تعمل من أجل الإطاحة بالأنظمة الكافرة في بلاد الربيع وغيرها من بلاد المسلمين قطع جميع حبال التواصل مع الكافر الغربي وعملائه في أنظمة الضرار في العالم الإسلامي؛ من غساسنة ومناذرة العصر الحديث، من أحفاد أبي رغال، ويجب عليهم الوثوق بنصر الله إن هم استقاموا، فالله سبحانه وتعالى مولاهم، وهو نعم المولى ونعم النصير. ﴿أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ وَيُخَوِّفُونَكَ بِالَّذِينَ مِنْ دُونِهِ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ﴾.

بقلم: بلال المهاجر - باكستان

المصدر: جريدة الراية




04 من ذي القعدة 1436
الموافق 2015/08/19م