بسم الله الرحمن الرحيم



2015-08-18

جريدة الراية: جولة على المقترحات المتعلقة بالأزمة السورية ومواقف الأطراف



بعد مضي حوالي أربع سنوات ونصف تقريبا على ثورة الشام وتآمر المجتمع الدولي على هذه الثورة، تزداد هذه الأيام حدة هذا التآمر وترتفع وتيرته على شكل مبادرات وتسويات من أطراف تبدو للناظر من أول وهلة مختلفة ومتعددة وكل طرف له مصالحه ويتعامل على أرض الواقع من زاوية معينة تختلف عن الآخرين، إلا أنها في حقيقتها كالعازفين في فرقة موسيقية يقودها "مايسترو" واحد هو الذي يعطي إشارة البدء لكل عازف ويتحكم في شدة النغمة ومداها علواً وهبوطا حسب المعزوفة التي يتحكم بها هذا "المايسترو"، وللتعرف على هذه المبادرات والمقترحات لحل أو لحلحلة الوضع في سوريا، ولماذا كثرت وازدحمت في هذا الوقت تحديدا؟ وتحديد الموقف منها ومن أصحابها، لا بد من جولة سريعة نستعرض فيها هذه المبادرات والمقترحات، وأهم بنودها، وأوجه الاختلاف والتوافق فيما بينها، والمطلوب حيالها.

بدأت هذه المبادرات قبل أسابيع عندما التقى بوتين والأمير محمد ولي ولي العهد السعودي، تقوم مبادرة الرئيس الروسي على قيام تحالف تركي - سعودي - سوري - أردني لمواجهة "المنظمات الإرهابية"، وبعد التخلص من هذه المنظمات يمكن البحث في موضوع سوريا والحل لهذه الأزمة، وبعد هذا اللقاء رشح في الصحافة عن لقاء بين الأمير السعودي ولي ولي العهد ورئيس مكتب الأمن القومي السوري علي مملوك - ولم ينف أي من الطرفين (السعودية ونظام بشار) حصول هذا اللقاء - وعرض عليه مبادرة سعودية جديدة تتضمّن انسحاب القوات الإيرانية واللبنانية والأفغانية والعراقية وغيرها من القوات الأجنبية التي تتواجد في سوريا وعودتها إلى بلادها، ثم إجراء انتخابات في سوريا تُشرف عليها الأمم المتحدة ثم يتولى الشعب السوري حل مشاكله بالطريقة التي يراها مناسبة.

بعدها بأيام التقى وزير خارجية روسيا ووزير خارجية أمريكا جون كيري ووزير خارجية السعودية في الدوحة لبحث الموضوع السوري، ثم التقى مرة أخرى في كوالالمبور وزير خارجية أمريكا ووزير خاجية روسيا، وبالتوازي مع هذه اللقاءات والمبادرات طرحت إيران مبادرتها التي تقوم على أربعة بنود هي: الوقف الفوري لإطلاق النار، تشكيل حكومة، تعديل الدستور السوري بما يضمن حقوق الأقليات، ثم إجراء انتخابات في سوريا.

وكان دي ميستورا المبعوث الدولي لسوريا قد تقدم لمجلس الأمن بمبادرة - كما نشرت جريدة السفير - "تتضمن تشكيل لجان أربع، بحيث تتولى اللجنة الأولى بحث فك الحصار عن المحاصرين السوريين وتأمين المساعدات الغذائية والصحية، أما الثانية فتهتم بوضع الميثاق الوطني وصلاحيات هيئة الحكم، وتبحث اللجنة الثالثة القضايا العسكرية والأمنية والدمج بين القوى المسلحة وإعادة هيكلة الجيش فضلاً عن وقف إطلاق النار، وتضع اللجنة الأخيرة مشروعاً لإعادة إعمار سوريا، على أن يتزامن عمل هذه اللجان جميعها في آن واحد. وبذلك يعتقد دي ميستوراً أنه فوّض هذه اللجان المشكلة من سوريين مهمة وضع الصلاحيات وخريطة الطريق وصولاً إلى تسوية شاملة، أي أنه وضع ملامح حل سوري..." انتهى الاقتباس

وقد ذكرت وزارة الخارجية الروسية أن وزير الخارجية سيرغي لافروف ونظيره الأمريكي جون كيري ناقشا في اتصال هاتفي بينهما إمكانية إجراء حوار بين دمشق والمعارضة تحت رعاية الأمم المتحدة.

يرى وزير الخارجية الألماني فرانك شتاينماير فيما يتعلق بالحرب الأهلية في سوريا أن هناك استعدادا متزايدا للتوصل لتسويات تهدف إلى حل سلمي.

وقال شتاينماير في تصريحات لصحيفة (بيلد أم زونتاج) الألمانية الأسبوعية في عددها الصادر الأحد إن النزاع في سوريا على مشارف "نقطة تحول". وأضاف:
"أن نظام الأسد ضعف عسكريا وأن زحف تنظيم الدولة الإسلامية يعرض الدول المجاورة أيضا للضغط. لذا يزداد الاستعداد للتوصل لتسويات، كما أن الاتفاق النووي مع إيران أسفر عن حراك في الدبلوماسية الإقليمية".

والخلاصة أننا أمام أربع مبادرات (روسية وسعودية وإيرانية والأمم المتحدة)؛ قسم منها يرى ضرورة تطبيق هذا الحل مع بقاء الأسد في السلطة إلى حين اكتمال العملية، والفريق الآخر يرى أنه من غير المقبول أن يكون الأسد موجوداً في أية عملية من هذا النوع - وهنا هدف خبيث بجعل شخص الرئيس الأسد هو المشكلة والقبول بتغييره فقط للخروج من الأزمة - فالنظام السوري سارع بإعلانه قبول المبادرة الروسية بينما رفضتها المعارضة والسعودية على لسان وزير خارجيتها الجبير، في حين رفض النظام مبادرة إيران وقبلت الأطراف مبادرة دي مستورا وهكذا دواليك...

في الثورة السورية هناك طرفان اثنان لا ثالث لهما، الأطراف الدولية كلها بقيادة أمريكا وفقط أمريكا ولاعبيها على الأرض: النظام السوري المجرم وإيران وروسيا (وكيل أمريكا في سوريا) ويلحق بهم تركيا والسعودية عملاء أمريكا ومن قَبل أن يرهن إرادته وسلاحه لهذه الدول أو غيرها، وقد رأينا ماذا فعلت أمريكا في العراق - الدولة الفاشلة - بعد أن دمرتها وأسلمتها لإيران. والطرف المقابل شعب ثائر على الظلم والعبودية والتبعية يريد التحرر من أنظمة عميلة للغرب وأعلنها منذ اليوم الأول للثورة هي لله هي لله، ومن يمثله ويحمل هذه الغاية (هي لله) من المجاهدين المخلصين، فكل هذه المبادرات والتحركات وقبولها من جهة ورفضها من جهة أخرى، كل هذا محاولات من أمريكا وممن يخدمها لكسر إرادة شعب عظيم وترويضه ليقبل بما تريد أمريكا... ولا يكون الحل إلا بتغيير جذري للنظام وأعوانه ورفض المخططات الأمريكية التي يحرم الركون إليها، ولا يكون ذلك إلا بتوحيد القوى الثائرة على غاية واحدة هي لله هي لله؛ بجعلها خالصة صافية لله وحده بكل ما يعني الشعار الذي انطلقت الثورة لأجله.

بقلم: حاتم أبو عجمية - الأردن


المصدر: جريدة الراية



04 من ذي القعدة 1436
الموافق 2015/08/19م