بسم الله الرحمن الرحيم



2015-08-19

جريدة الراية: الإطاحة ببعض المفسدين لا يحل مشاكل العراق ولا يُحسن الكهرباء



أصدر رئيس الوزراء حيدر العبادي يوم الأحد 2015/8/9م جملة من القرارات أهمها إقالة نواب رئيس الجمهورية ونواب رئيس الوزراء والمبادرة بمحاسبة المفسدين وغيرها من القرارات، وذلك على خلفية التظاهرات التي اجتاحت العراق خلال الأيام السابقة بسبب سوء الخدمات وتردي خدمة الكهرباء بشكل قاسٍ، خاصة مع ارتفاع درجات الحرارة إلى فوق 50 درجة مئوية. إن هذه الإجراءات هي لامتصاص نقمة الناس وتهدئة المتظاهرين ووعدهم بتحسين الخدمات ومحاسبة المفسدين.

إن تدمير البنى التحتية بدأ منذ بدء الاحتلال الأمريكي للعراق في نيسان 2003م، ومن ثم بدأت الأزمات تتوالى على هذا البلد المنهك وعلى كل الأصعدة، البلد الذي عانى عشر سنوات من حصار ظالم غاشم، يمر اليوم بأسوأ حالاته ويفتقد لأبسط مقومات الحياة، مشكلة الكهرباء المتواصلة في العراق هي واحدة من آلاف المشكلات التي يعاني منها منذ ابتلائه بالاحتلال البغيض وحكوماته الفاشلة، وإدارتها للعملية السياسية وفقاً لأهوائها ورغباتها ومصالحها، في إطار عملية المحاصصة الطائفية المقيتة ولعبة التوازنات ومراكز القوى التي وضعها الحاكم المدني الأمريكي للعراق (بول بريمر) سيئ الصيت، والتي ما زالت تلقي بظلالها على المشهد العراقي، صحيح أن العراق يعاني من نقص حاد بالطاقة الكهربائية منذ أوائل تسعينات القرن الماضي بعد أن دمرت قوات التحالف شبكته الوطنية خلال حرب الخليج الثانية 1991، وما تبعها من حصار اقتصادي أنهك البنية التحتية للبلاد وحتى سقوط النظام السابق عام 2003. لكن العراقيين لم يعيشوا مثل هذه الأوضاع المأساوية حتى في زمن الحصار الخانق الذي استمر أكثر من عشر سنوات، فبعد أشهر معدودة من العدوان التدميري الأمريكي الذي ألقى قنابل تعادل ثلاثة أضعاف القوة التدميرية لقنبلتي هيروشيما وناغازاكي على العاصمة والمدن العراقية الأخرى، عادت الكهرباء وسائر الخدمات إلى المنازل العراقية وأعيد بناء حوالي 120 جسرا جرى قصفها بالصواريخ والقنابل.

فمنذ عهد سيئ الذكر بريمر وشبكات الكهرباء ومحطات توليدها تعاني من تذبذب في إنتاج الطاقة الكهربائية وهدر كبير في الأموال وبالعملة الصعبة.. كله بسبب عدم وجود استراتيجية علمية لإنتاج وتوزيع الطاقة رغم كل ما يمتلكه البلد من إمكانيات مادية وعلمية، حيث إن العراق ثالث أكبر دولة مصدرة للنفط في العالم، إذ لا تتفوق عليه في هذا المجال إلا السعودية وروسيا. فقد أكد المتحدث الرسمي باسم وزارة النفط عاصم جهاد أن الصادرات النفطية لشهر تموز الماضي بلغت ما يقارب 96 مليون و245 ألف برميل فيما بلغت الإيرادات المتحققة قرابة 4 مليار و908 مليون دولار، وتشير الإحصاءات التي نشرتها وكالة الطاقة الدولية إلى أن العراق سيتقاضى خمسة ترليونات دولار تقريبا من صادراته النفطية بحلول عام 2035، أي بمعدل 200 مليار دولار سنويا. وعلاوة على ثرواته النفطية الطائلة، يمتلك العراق أيضاً احتياطات كبيرة من الغاز الطبيعي ومع كل هذه الإمكانيات لا يزال قطاع الكهرباء في العراق من سيئ إلى أسوأ.

إن مشكلة الكهرباء ومثلها سائر معضلات تردي أو انعدام الخدمات في العراق المحتل منذ 2003 ليست مشكلة فنية بل سياسية، فلو كانت فنية لحلتها المليارات من الدولارات التي صرفت لقطاع الكهرباء، منذ مجلس الحكم وحتى اليوم لإصلاح منظومة الطاقة، لكنها مشكلة سياسية مرتبطة بمصالح رأس الأفعى أمريكا أولاً ودول الجوار ثانياً وتحديدًا إيران التي تعتاش على انهيار القطاع الخاص العراقي بسبب انعدام الطاقة الكهربائية.

فالاحتلال الأمريكي لا يسمح بتنفيذ مشاريع الطاقة في العراق ويعيق مشاريع الحكومة وتعاقداتها مع الشركات الأجنبية؛ وذلك لأن أمريكا تريد أن تبقي العراق غير مستقر ومنقسماً شعبياً وسياسياً على أي حكومة هي لا تقدر على تنفيذ أبسط مشروع خدمي وهو مشروع الطاقة الكهربائية، وبذلك تعطي قواتها مبرراً للبقاء، حيث بدون كهرباء لا صناعة ولا زراعة ولا إنتاج ويبقى البلد سوقاً لتصريف المنتجات ومرتعاً للفساد؛ ولذلك بات الاعتقاد السائد أن الاحتلال الأمريكي هو من يقف وراء هذه القضية، ولأسباب يجهلها بعض العامة ولكن هي معلومة لدى الآخرين، ولنا مثال على ذلك الكويت؛ فبعد عملية ما يسمى بتحرير الكويت 1991م قام الأمريكان بإعادة البيت الكويتي من جديد وفي فترة قياسية قصيرة وعلى رأسها الكهرباء، وهنا نقارن الكويت بالبصرة من حيث المساحة والثروة والاقتصاد، نجد أن البصرة أفضل بكثير من الكويت اقتصاديا وتقارب مساحتها مساحة الكويت، ومع هذا التقارب والتفاضل نرى البصرة تنام في ظلام دامس، وهذا يعني أن هناك خطة خبيثة تقف وراءها دول من أجل إذلال الإنسان العراقي وإلا ماذا يعني أن الكويت تعيد نفسها بعد خراب ودمار لحق بالبنية التحتية لها والبصرة ما زالت خرابة على مستوى الخدمات؟!

بينما ذكر عضو لجنة الطاقة النيابية النائب زاهر العبادي صرح لـ"موازين نيوز"، إنه "وللأسف ومنذ عام 2003 وحتى الآن أسباب تردي واقع الكهرباء في العراق مشخصة وتعود إلى سوء التخطيط والفساد الإداري والمالي المتفشي في الوزارة وهناك لوبيات كبيرة تعمل في الوزارة ومنتشرة في العراق لا تريد إيصال الكهرباء إلى المواطنين".

بينما أكدت عضو لجنة النفط والطاقة النيابية سوزان السعد في 2013/7/14 "أن الأموال المصروفة على قطاع الكهرباء في العراق أكثر من ميزانيات البحرين والكويت والإمارات". وقالت في بيان صحفي "إن الأموال تعادل عشرة أضعاف ميزانية البحرين البالغة 5.5 مليارات دولار وأكثر من ميزانيتي الكويت والإمارات بكثير". وأضافت السعد "إن الحكومة صرفت على مشاريع الطاقة الكهربائية ما يقارب من 27 مليار دولار فيما أنفق المواطنون أكثر من 80 مليار دولار على مدى السنوات العشر الماضية وذلك بشهادة وزارة المالية". وأشارت إلى "إن وزارة الكهرباء صرفت أموالا هائلة تكفي لشراء أصول شركة جنرال إلكتريك بكل فروعها وخطوطها الإنتاجية وتغطي تكاليف نقلها إلى بادية السماوة أو إلى أهوار العمارة لكي تباشر من هناك بإنشاء محطات جديدة للطاقة في كل مدينة عراقية".

من أجل كل هذا تظاهر البصريون ومعظم محافظات العراق؛ فالكهرباء قدحت شرارة انتفاضة متعددة الرؤوس متشعبة المطالب، إنها الشرارة التي قدحت من أسلاك الكهرباء الخاوية، وسوف تحرق الأخضر واليابس إن شاء الله والقشة التي ستقصم ظهر البعير. فمظاهرات البصرة امتد أوارها لتغطي مساحة العراق من جنوبه إلى شماله وسوف لن يحمي الحكومة وأعوانها رصاص فرسانها، فغضب الشعب العارم هذه المرة ربما سيكون مسماراً يُدق في نعش حكومات الاحتلال حيث ستطيح أزمة التيار الكهربائي بتلك الحكومة وبالصعقة الكهربائية المميتة.

وعلى أهل العراق أن يدركوا أن فشل أنظمة الحكم المتعاقبة على إدارة البلد وتوفير الأمان والازدهار وسائر الخدمات ومنها الكهرباء هو بسبب تمسكها بالديمقراطية، إذ إن الديمقراطية تقوم على سيادة البشر، حيث تسمح للحكام بالتلاعب بالقوانين للحفاظ على مصالحهم الخاصة ومصالح أسيادهم المستعمرين. وهكذا فإنه في الديمقراطية يجتمع الحكام والمعارضة معًا في البرلمان لإجراء تعديلات دستورية وسنّ قوانين وقواعد وفقًا لأهوائهم ورغباتهم، ولمنح غطاء قانوني للإملاءات الاستعمارية، ونهب المال العام والتلاعب به وضمان خسائر جسيمة لاقتصاد البلد وأمنه. إذ إنه لا يمكن أبدًا أن يكون لدينا أي أمل في الديمقراطية، بغض النظر عمّن يأتي للحكم، والتمسك بها هو كالضرب بالمطرقة على أقدامنا، يشلّ أيّة حركة ممكنة للتغيير الحقيقي.

وبالتالي هناك كيفية واحدة للتعامل مع هذه الديمقراطية العفنة التي جاء بها المحتل الأمريكي، وهي إلغاؤها فورًا، وأن نستبدل بها نظام الحكم في الإسلام، النظام الذي ارتضاه لنا رب العزة العالم بما يصلح حالنا، فقد تنعَّم المسلمون بالأمن والعدل على مر العصور في ظل حكم الإسلام، ابتداء من عهد رسول الله ﷺ في المدينة المنورة، مرورًا بالخلفاء الراشدين، حتى هدم المستعمرون البريطانيون الخلافة العثمانية في تركيا في عام 1924م فقد وفّر نظام الحكم الإسلامي لرعاياه من المسلمين وغير المسلمين الأمن والازدهار داخل الدولة وخارجها.

قال سبحانه وتعالى: ﴿أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ﴾ [سورة تبارك: 14]


بقلم: علي البدري - العراق


المصدر: جريدة الراية



04 من ذي القعدة 1436
الموافق 2015/08/19م