بسم الله الرحمن الرحيم



2015-08-26

أضواء على الأزمة بين الكوريتين


ما هو السبب الرئيسي للأزمة الناشبة بين الكوريتين والتي وصلت إلى حد إطلاق قذائف؟ وما سر انزعاج كوريا الشمالية من المناورات بين كوريا الجنوبية والولايات المتحدة، وقد وصل الأمر إلى رفع درجة تأهبها إلى "حالة حرب"؟ وإلى أين يمكن أن تسير الأمور؟

ونجيب عن ذلك باستعراض الأحداث المستجدة في هذه الأزمة:

لقد أعلن رئيس كوريا الشمالية كيم جونغ أون يوم 2015/8/20 وضع جيشه "متأهبا بالكامل للقتال والبدء بعمليات عسكرية مفاجئة" طالبا "وقف كوريا الجنوبية لمكبرات الصوت التي وضعتها على الحدود لتبث الشائعات ضد بلاده، وحدد 48 ساعة مهلة لوقفها، وإلا سيشن عليها حربا واسعة النطاق". ليظهر جدية بلاده في خوض الحرب، وقد حصل تبادل قصف مدفعي بين الطرفين.

وعقب ذلك قامت رئيسة كوريا الجنوبية بارك كون هيه وزارت قاعدة عسكرية فخاطبت الجنود قائلة: "يجب أن يكون الجيش مستعدا لمواجهة التحديات الجديدة، إذا دعت الحاجة إلى ذلك، أريدكم التحرك أولا ومن ثم تقديم التقارير". فلهجة الخطاب هذه تدل على أنها لا تريد الحرب، فتقول ليكن الجيش مستعدا إذا دعت الحاجة إلى ذلك! وهي تنتظر التقارير حول أية مستجدات جديدة حتى لا تصل الأمور إلى حالة الحرب، وتتظاهر بالاستعداد لمواجهة التحديات الجديدة لطمأنة الجيش.

وتزامن ذلك مع بدء التدريبات السنوية المشتركة بين كوريا الجنوبية وأمريكا حيث تضم هذه التدريبات 50 ألف جندي كوري جنوبي و30 ألف جندي أمريكي. فصرح القائد الأمريكي ريموند أوديرنو قائلا: "كالعادة، لدينا كوريا الشمالية الاستفزازية المتقلبة التي لا يمكن التنبؤ بأفعالها، علينا أن نكون معنيين بها دائما". مما يدل على أن أمريكا التي تقوم بالاستفزازات وتتهم بها كوريا الشمالية تخشى من أن تصل الأمور إلى حالة الحرب، وهي لا تريدها كذلك، فتكون معنية بنزع فتيلها قبل أن تنفجر.

وقد بدأ التوتر الأخير بين الكوريتين يوم 2015/8/11 عندما صرح وزير دفاع كوريا الجنوبية هان مين جو بأن "جيش بلاده سيلجأ للرد العسكري للسيطرة على قيادة الجزء الجنوبي من المنطقة المنزوعة السلاح بين الكوريتين وأن جيشه لن يتراجع نتيجة انفجار ألغام زرعتها كوريا الشمالية هناك" وقد أدت إلى بتر أعضاء لجنديين كوريين جنوبيين يوم 2015/8/4، فقامت كوريا الجنوبية واستأنفت البث الإذاعي للحرب النفسية ضد كوريا الشمالية عبر مكبرات الصوت التي زرعتها على الحدود. وتنفي كوريا الشمالية زرعها للألغام. وقال مصدر عسكري كوري جنوبي إنه "يتوقع إطلاق كوريا الشمالية النار على بعض المواقع التي وضعت فيها مكبرات الصوت وعددها 11 موقعا". وقد توترت العلاقات بينهما منذ غرق سفينة حربية لكوريا الجنوبية عام 2010 وتنفي كوريا الشمالية تورطها في ذلك.

إنه من المعلوم أن كوريا الجنوبية تابعة لأمريكا التي لها قوات يبلغ تعدادها حوالي 30 ألفاً ترابط فيها منذ الحرب الكورية التي اشتعلت عام 1951 وتوقفت بهدنة عام 1953 ولم يتم توقيع اتفاقية سلام بين الكوريتين. وقد اشتركت فيها الصين بجانب كوريا الشمالية، وما زالت هذه الأزمة قائمة. وقد طورت كوريا الشمالية سلاحها بإنتاج صواريخ بالستية تحمل رؤوسا نووية، وطورت برنامجها النووي حتى تمكنت من إنتاج السلاح النووي. وحاولت أمريكا وقف هذا البرنامج باتفاقيات عقدتها معها إلا أن أمريكا أخلت بوعودها عام 2006 بتقديم مساعدات لها فاستأنفت كوريا الشمالية نشاطها النووي وأجرت تجربة نووية في تلك السنة، ومن ثم أجرت تجربة ثانية عام 2009 وتجربة ثالثة أكثر نجاحا عام 2013. وأعلنت عدم التزامها بالهدنة، وهددت بضرب جزيرة غوام التي احتلتها أمريكا عام 1521 وأعلنت ضمها إليها عام 1950، واتخذت أمريكا ذلك ذريعة لنشر الدرع الصاروخي في هذه الجزيرة وفي جزيرة اوكيناوا اليابانية التي توجد فيها قواعد أمريكية مهمة. وبذلك أحاطت الصين من تلك الجهة بدرع صاروخي بذريعة مواجهة تهديدات كوريا الشمالية. وقد نزعت أمريكا فتيل الحرب يومئذ وعملت على التهدئة.

فأمريكا لا تريد إشعال الحرب الكورية من جديد، وكلما توتر الجو ووصل إلى شفير الحرب تلجأ إلى التهدئة، ولذلك وقبل انتهاء مدة التهديد الكوري الشمالي بساعتين يوم 2015/8/22 أعلنت كوريا الجنوبية عن بدء المفاوضات مع كوريا الشمالية لنزع فتيل التوتر.

إن سياسة أمريكا تجاه كوريا الشمالية هي إبقاء الوضع حولها ساخنا وقابلا للاشتعال لتوظف ذلك تجاه الصين وتشغلها به ولتمنع هيمنتها على بحري الصين الشرقي والجنوبي، وتريد أمريكا أن تبقي كوريا الجنوبية تحت سيطرتها تستخدمها لهذا الغرض وللحفاظ على نفوذها في المنطقة. ومن أجل ذلك تقوم بإجراء المناورات في السنة مرتين وتشرك فيها أسلحة جديدة وتوسعها أحيانا لتقترب من حدود كوريا الشمالية لتستفزها فتعمل على توتير الأجواء في المنطقة لتحقيق أغراض معينة كما فعلت عام 2013 حتى تنشر الدرع الصاروخي تجاه الصين. والآن ترغب أمريكا في جر كوريا الشمالية للبدء بالمحادثات التي توقفت عام 2006 حول برنامجها النووي لتجعلها في النهاية توقع اتفاقا حوله على شاكلة ما فعلته مع إيران كما صرحت وزارة الخارجية الأمريكية عقب توقيع الاتفاق مع إيران. وتود بعد ذلك لو أنها تتمكن من توقيع اتفاق سلام دائم بين الكوريتين ومن ثم العمل على توحيدهما كما فعلت في فيتنام حتى تحتوي كوريا الشمالية، ومن ثم توجد دولة أخرى في المنطقة تناوئ الصين وتشغلها في النزاع.

وقد توترت الأوضاع بين أمريكا والصين في الأشهر الأخيرة الماضية بسبب عمليات البناء التي تقوم بها الصين في أرخبيل سبراتلي ببحر الصين الجنوبي حيث تقوم بتوسيع الجزر وإنشاء مطارات وموانئ فيها، وأظهرت الصين استياءها الشديد بعد تحليق طائرة تجسس أمريكية فوق مناطق قريبة من تلك الجزر، وتبادل الطرفان الاتهامات بالتسبب بزعزعة الاستقرار في المنطقة، حتى وصل الحال إلى التهديد بالحرب، وأعلنت وزارة الدفاع الأمريكية يوم 2015/5/26 بأن "الخطوات القادمة للولايات المتحدة للدفاع عن حرية الملاحة في المنطقة بتسيير طلعات جوية للمراقبة وإرسال سفن حربية تجول في المنطقة" التي تعتبرها الصين مجالها الجوي والبحري، مما ينذر بزيادة التوتر.

فيظهر أن أمريكا تعمل على جر كوريا الشمالية لاستئناف المفاوضات حول برنامجها النووي في الوقت الذي تعمل فيه على شحن الأوضاع حول الصين بتوتير الوضع مع كوريا الشمالية التي تعتبر حليفة للصين والتي تقع في منطقة بحر الصين الشرقي التي تسعى الصين لفرض الهيمنة عليها لتحول أمريكا دون أن تحقق الصين ذلك وتبقى هي المهيمنة على المنطقة. وما زالت نظرة الصين قاصرة تركز على منطقتها في بحري الصين الشرقي والجنوبي ولا تقوم بمنافسة أمريكا على النطاق الدولي وزحزحتها عن موقعها في الموقف الدولي، فيمنعها ذلك من أن تصبح دولة كبرى عالميا، بينما نحن في دولة الخلافة على منهاج النبوة القادمة بإذن الله سنعمل على منافسة أمريكا في كل مكان وسنعمل على إسقاطها من موقعها الدولي حتى نحل مكانها لنصبح الدولة الأولى عالميا التي تحمل الهدى والخير للبشرية كلها.

بقلم: أسعد منصور

المصدر: جريدة الراية


11 من ذي القعدة 1436
الموافق 2015/08/26م