بسم الله الرحمن الرحيم




2015-08-26


جريدة الراية: الأخطار المحدقة بثورة الشام



أكثر من أربع سنوات مرت على ثورة الشام المباركة؛ دون أن تتمكن أمريكا ومن معها من دول الغرب الكافر من إيجاد حل يمكنها من إعادة السيطرة على أرض الشام واحتوائها؛ رغم كل المحاولات التي باءت جميعها بالفشل، وذلك خشية تحولها إلى نقطة ارتكاز لدولة الخلافة الراشدة على منهاج النبوة التي نسأل الله تعالى أن تقوم على أنقاض عميلها طاغية الشام؛ وحرصها على تثبيت مشروعها في دولة مدنية ديمقراطية.

وها هي تعيد المحاولة من خلال مجلس الأمن؛ الذي أعرب عن تأييده لمبادرة مبعوث الأمين العام للأمم المتحدة إلى سوريا ستيفان دي ميستورا؛ بتشكيل أربع مجموعات عمل؛ مع ممثلي الحكومة والمعارضة السوريتين؛ لتنفيذ بيان جنيف، وكان دي ميستورا قد اقترح على مجلس الأمن في 29 تموز/يوليو تشكيل أربع مجموعات عمل؛ ستركز على أربعة مجالات هي: السلامة والحماية، بما في ذلك إنهاء الحصار وضمان وصول المساعدات الطبية؛ والمسائل السياسية والدستورية، مثل إنشاء هيئة الحكم الانتقالي والانتخابات؛ والمسائل العسكرية والأمنية، بما في ذلك مكافحة الإرهاب ووقف إطلاق النار؛ والمؤسسات العامة والتنمية، مع التركيز على إعادة إعمار البلاد. وهذا كله من أجل أن تنتهي ثورة الشام باستبدال عميل بعميل؛ بعد أن يتم تشكيل هيئة تفاوضية في المؤتمر الذي تعمل على عقده السعودية؛ بموافقة كل من أمريكا وروسيا، حيث قالت مصادر سياسية عربية وأخرى من المعارضة السورية: إن السعودية والولايات المتحدة تدرسان عقد مؤتمر يجمع المعارضة السورية ببعضها دون النظام؛ للتوافق فيما بينها على وثيقة وخارطة طريق للمرحلة الانتقالية قبيل أي اجتماعات تفاوضية مع النظام، وناقشت السعودية الأمر مع الولايات المتحدة وروسيا، وشجّع الطرفان على هذه الخطوة، وقالت الولايات المتحدة إنها ستدعمها، بينما طالبت روسيا بتغيير مكان انعقاد المؤتمر فقط دون أي تغيير في المبدأ والآليات والأهداف، كما كشفت المصادر عن زيارات غير مُعلنة قام بها معارضون سوريون خلال الأيام الماضية للسعودية، لم يُنشر عنها في وسائل الإعلام، ورجّحت أن يكون لها صلة بهذا المؤتمر.

وقد تعرضت ثورة الشام المباركة إلى أخطار جسيمة؛ جعلت من أهلها وقودا ريثما تنضج الطبخة الأمريكية، ولعل أعظم هذه الأخطار وأكثرها تأثيرا؛ هو ارتهان بعض الفصائل المقاتلة للدول التي تدعي دعمها للثورة السورية؛ والتي ضخت المال السياسي القذر بغية ربط الفصائل وتقييدها، وقد بات معروفا الأثر المدمر الذي خلفه المال السياسي على الفصائل؛ حيث صادر قراراتهم؛ واستنزف طاقاتهم؛ فأصبحوا مكبلين لا يستطيعون الخروج عن إرادة داعميهم، ولعلنا جميعا نتذكر حادثة إيقاف جبهة الساحل وغيرها من الجبهات التي تشكل خطرا على النظام المجرم؛ وفتح جبهات أخرى لا ناقة للفصائل فيها ولا جمل سوى أنها تحقق مصالح الداعمين؛ أو تستنزف طاقات الثوار.

وها نحن نرى المجازر تلو المجازر التي ترتكب بحق أهل الشام؛ ولا نرى أي محاولة جادة لإيقافها من الدول التي تدعي دعمها للثورة السورية؛ أو على الأقل تزويد الفصائل بمضادات للطيران تحد من قدرة سلاح الجو الذي يستخدمه نظام طاغية الشام بشكل جنوني؛ والذي يدمر من خلاله البيوت على رؤوس ساكنيها؛ وما مجزرة دوما إلا دليل على ذلك، بالإضافة إلى القصف الوحشي الذي تتعرض له الزبداني وغيرها من المناطق؛ يرافقه صمت دولي مطبق؛ بغية كسر إرادة أهل الشام؛ وإجبارهم على القبول بالمبادرات التي تخرج من هنا وهناك؛ وكلها تخرج من أعداء الإسلام الذين يتربصون بثورة الشام الدوائر، وليس آخرها مبادرة دي مستورا التي أيدها مجلس الأمن الدولي.

ومن الأخطار المحدقة بثورة الشام أيضا؛ هو الدور الذي يلعبه النظام التركي في ثورة الشام، ويأتي خطره من أنه ينتهج منهج أهل النفاق؛ فيظهر ما لا يبطن؛ ويدعي نصرته لثورة الشام وهو في الحقيقة يريد احتواءها ومن ثم إجهاضها؛ وهذا ما رأيناه من خلال احتوائه للضباط المنشقين؛ حيث حشرهم في مخيم خاص بهم؛ وفتح للفصائل مكاتب داخل تركيا إمعانا في تقييدها؛ وجعل من تركيا مصنعا لإنتاج العملاء؛ حيث تم تشكيل الائتلاف بحضور مبعوث أمريكا روبرت فورد؛ حتى العلماء والمشايخ لم يسلموا من سجنه الكبير الذي وضع الجميع فيه؛ وجعلهم يخضعون للإرادة التركية التابعة للإرادة الأمريكية؛ ولا يستطيعون القيام بأي عمل خشية تعرضهم للطرد أو الملاحقة أو الاعتقال؛ وهذا معروف لكل متابع، ثم كشف عن وجهه الحقيقي حيث قام بالدخول في الحلف الصليبي ضد ما يسمونه الإرهاب؛ وأغلق الحدود بوجه النازحين من الأطفال والنساء والشيوخ؛ الهاربين من براميل الموت؛ وفتح قاعدة إنجرليك أمام طائرات الغرب الكافر؛ وبنى جدارا اسمنتيا على الحدود التي رسمها له سايكس وبيكو؛ ثم بعد كل هذا نجد هناك من يغوص أكثر في المستنقع الأمريكي، فيؤيد التحالف الصليبي ضد ثورة الشام المباركة؛ إما بجهل أو لأن النظام التركي أصبح جزءا من هذا التحالف؛ وهو بالتالي يعتبر نفسه ملزما على تأييده؛ وملزما على الافتاء بجواز الاستعانة به؛ لأنه يجلس في أحضانه، بالرغم من أن التحالف الصليبي لا يستهدف تنظيم الدولة فحسب، وإنما يستهدف من يشاء من الفصائل؛ إما للضغط عليها للقبول بالسير مع مخططه؛ أو كونها تشكل عقبة في وجه مشروعه، فقد استهدف هذا التحالف فصائل بتوجهات مختلفة وبأماكن مختلفة.

إن ثورة الشام ثورة مباركة؛ بذلت الغالي والنفيس من أجل التحرر من الظلم الذي سببه النظام الرأسمالي، وقلعه من جذوره، ومن أجل أن تستبدل به نظاما من عند الله سبحانه وتعالى، فكان واجبا على الجميع عدم التفريط بهذه التضحيات مهما كانت الظروف؛ وتحت أي ذريعة كانت، فلا تختلف مخابرات الدول التي تدعي نصرة ثورة الشام؛ عن مخابرات نظام المجرم بشار؛ فكلها في العمالة سواء؛ وكلها أدوات لمحاربة الإسلام، وبالتالي وجب قطع كل العلاقات مع هذه الأنظمة العميلة؛ والتمسك بحبل الله المتين؛ فالنصر منه وحده؛ وهو وحده القادر على أن ينصرنا قال تعالى: ﴿وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ﴾.

بقلم: أحمد عبد الوهاب
رئيس المكتب الإعلامي لحزب التحرير في ولاية سوريا


المصدر: جريدة الراية




11 من ذي القعدة 1436
الموافق 2015/08/26م