بسم الله الرحمن الرحيم

خبر وتعليق

في موسم الحج: يا عُزى كفرانك لا سبحانك!


الخبر:


يقبل ملايين المسلمين في هذه الأيام الفضيلة على جبل عرفات لإكمال شعيرة الحج الأعظم، حيث تضج الطرقات المؤدية إلى جبل الرحمة بعرفات بأصوات التلبية ودعاء الحجيج وأنين التضرع إلى ربهم رجاء رحمته ومخافة عذابه. فالبكاء والدموع، والأمل بالمغفرة هي حالة ضيوف الرحمن وهم يؤدون ركن الحج الأعظم، وقوفا على صعيد عرفات الطاهر.



التعليق:


يقول رب العزة في كتابه الكريم ﴿وَلِلَّهِ عَلَى ٱلنَّاسِ حِجُّ ٱلْبَيْتِ مَنِ ٱسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًۭا ۚ﴾ [آل عمران: 97]، وهكذا كان المسلمون في كل وقت منذ نزول هذه الآية إلى اليوم يلبون أمر الله سبحانه ويستجيبون لقوله ﴿وَأَذِّن فِى ٱلنَّاسِ بِٱلْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًۭا وَعَلَىٰ كُلِّ ضَامِرٍۢ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍۢ﴾ [الحج: 27].


يأتي موسم الحج ليربط الأمة كلها ويُظهر وحدتها وأنَّها ﴿إِنَّ هَـٰذِهِۦٓ أُمَّتُكُمْ أُمَّةًۭ وَ‌ ٰحِدَةًۭ وَأَنَا۠ رَبُّكُمْ فَٱعْبُدُونِ﴾ [الأنبياء: 92]. وترتبط مشاعر المسلمين بهذه الفريضة العظيمة ارتباطاً قوياً تظهر فيه قوة إيمانهم وحبهم لله ولجوؤهم إليه، وتحررهم من عبادة من سواه. فلا عبادة لحجر ولا وثن ولا صنم ولا دنيا زائلة بل هو الله سبحانه، وشريعته التي ندور حيث تدور.


وليس القصد هو الكعبة لبنائها ولا الصفا والمروة لذاتهما ولا الحجر الأسود لنفسه بل هو ما افترضه الله ولله يطوف المسلمون ويلبون ويسعون ويجتهدون في أداء هذه الفريضة.


وتحضر هنا في الذاكرة، وجموع المسلمين تحج لبيت الله الحرام، حجة الوداع لرسول الله عليه الصلاة والسلام حيث خطب في المسلمين في السنة العاشرة للهجرة حيث خطب فيهم الخطبة المشهورة التي جاء فيها «أيُّها النَّاسُ، إنَّ دماءَكم وأموالَكم عليْكُم حرامٌ، إلى أن تلقَوا ربَّكم كحُرمةِ يومِكم هذا، وَكحُرمةِ شَهرِكم هذا، وإنكم ستلقونَ ربَّكم، فيسألُكم عن أعمالِكم وقد بلَّغتُ» نذكرها ونحن نرى سيل دماء المسلمين تُراق بأيدي بعضهم في أكثر من موطن خدمة لأعداء الله فتتمزق القلوب كمداً.


نذكر قوله عليه الصلاة والسلام «وإنَّ كلَّ ربًا موضوعٌ، ولكن لَكم رؤوسُ أموالِكم، لا تظلِمونَ ولا تُظلَمونَ قضى اللَّهُ أنَّهُ لا ربًا وإنَّ ربا العبَّاسِ بنِ عبدِ المطَّلبِ موضوعٌ كلُّهُ» لكننا ننظر حولنا فنرى التعاملات الربوية ملأت بلادنا وأفسدت علينا حياتنا، فأصابنا الضنك والشقاء والعنت والبلاء.


يحضرنا قول الله عز وجل ﴿إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ يُضَلُّ بِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا يُحِلُّونَهُ عَامًا وَيُحَرِّمُونَهُ عَامًا لِيُوَاطِئُوا عِدَّةَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ فَيُحِلُّوا مَا حَرَّمَ اللَّهُ﴾ لكنَّنا نرى حرمات الله استُحِّلت، وحلاله بل والفروض قد حُرمت فمنعنا عن طاعة ربنا وعبادته، وباتت المعصية معروفة مَدعوٌّ لها والطاعة منكرة يُحارب دُعاتها. والأمة تسكت!
رسول الله عليه الصلاة والسلام قال «فإنِّي قد بلَّغتُ وقد ترَكتُ فيكم ما إنِ اعتصمتُم بِهِ فلن تضلُّوا أبدًا، أمرًا بيِّنًا كتابَ اللَّهِ وسنَّةَ نبيِّهِ». ثم ختم بقوله «هل بلغت» فأجيب بنعم. فقال «اللهم قد بلغت اللهم فاشهد».


فكيف بنا نحن الذين يقول فينا ربُّنا ﴿وَكَذَ‌لِكَ جَعَلْنَـٰكُمْ أُمَّةًۭ وَسَطًۭا لِّتَكُونُوا۟ شُهَدَآءَ عَلَى ٱلنَّاسِ وَيَكُونَ ٱلرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًۭ﴾ [البقرة 143] وقد ضيعنا أمانة رسولنا، وأضعنا مكانتنا بكوننا شهداء على الناس؟


كيف حالنا يوم نلقى ربَّنا فيسائلنا عن تقصيرنا في تبليغ دعوته، بل عن رضانا بالحكم بغير شريعته والاحتكام للنظام الرأسمالي الوضيع حيث الربا والفساد الاقتصادي. وحيث الزنا والخبائث وإهانة النساء وانتهاك حرماتهن، وحيث يُعبد الله في المسجد ولا يُعبد في الحياة والمجتمع!


يصبح الحلال حراماً ويغدو الحرام حلالاً لأجل مصالح سياسية وغايات آنية لا ترضي الله ولا رسول الله؟؟


أليس الواجب أن نحج لله كل السنة ونحج له بالإقبال على شريعته فنقوم لنقيم دولة الإسلام التي تحكمنا بما لا نضل به أبداً "كتاب الله وسنة رسول الله"؟


أليس الحق أن نقول لكل الأصنام الديمقراطية والليبرالية وما يُريدون لنا الاحتكام إليه من أنظمة ومفاهيم غربية كما قال خالد بن الوليد للعُزَّى حين هدمه. أورد ابن كثير في البداية والنهاية ج4 قال: "قال ابن إسحاق: ثم بعث رسول الله عليه الصلاة والسلام خالد بن الوليد إلى العزى، وكانت بيتا بنخلة تعظمه قريش وكنانة ومضر، قال: فلما انتهى خالد إليها هدمها، ثم رجع إلى رسول الله عليه الصلاة والسلام وقد روى الواقدي وغيره: أنه لما قدمها خالد لخمس بقين من رمضان فهدمها ورجع، فأخبر رسول الله عليه الصلاة والسلام فقال: «ما رأيت؟» قال: لم أر شيئا، فأمره بالرجوع فلما رجع خرجت إليه من ذلك البيت امرأة سوداء ناشرة شعرها تولول، فعلاها بالسيف وجعل يقول:


يا عُزَّى كفرانك لا سبحانك * إني رأيت الله قد أهانك


ثم خرب ذلك البيت الذي كانت فيه، وأخذ ما كان فيه من الأموال رضي الله عنه وأرضاه، ثم رجع فأخبر رسول الله عليه الصلاة والسلام فقال: «تلك العزى ولا تعبد أبدا»


أجل يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام إنه الحق ولا حقَّ سواه: قوموا لهذه الحضارة الوضعية الوضيعة أسقطوها وأسقطوا سدنتها، واقطعوا أذرعها وأذنابها من بلادنا.


قولوها بألسنتكم وأفعالكم "يا ديمقراطية كفرانك، لا سبحانك".


فلا إله إلا الله، وحده لا شريك له، له الملك وإليه يرجع الأمر كله.


لبُّوا نداء الله بتحكيم شريعته وأنتم تحجُّون لبيته، وأعلنوها غضبة على أنظمة الكفر.


فإنَّ الحجَّ شاهدٌ على وحدةِ المسلمين، وهو يَسْتَصْرِخَهُم أن يُعيدوا لُحمَتَهُم، ويُقيموا دَولَتَهُم، ويُبايِعوا خَليفَتَهُم، لِيَعودوا جماعةً متماسكةً قوية، يَقودُهُم خَليفَتَهُم، يُقيمُ فيهِم أحكامَ الله، ويُجاهِدُ بِهِم في سبيلِ الله. ليكونوا شهداء الله على الناس بحق.




كتبته لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
أختكم بيان جمال

13 من ذي الحجة 1436
الموافق 2015/09/27م