إن نشر الإرقام والإحصاءات حول الواقع السيئ الذي يعيشه المجتمعات دون بحث الأسباب والمعالجات يعزز اليأس في نفوس أبناء الأمة. واجب الإعلام توعية الرأي العام بالسبب الحقيقي لشقائهم ومشاكلهم وهو تطبيق الرأسمالية العفنة وتوجيههم إلى الحل الجذري وإلى المعالجات التي تنبثق عن عقيدة الإسلام العظيم


بسم الله الرحمن الرحيم

خبر وتعليق

البطالة في السودان مع سبق الإصرار والترصد



الخبر:


أوردت صحيفة آخر لحظة الصادرة في الخرطوم في 5 صفر 1437هـ الموافق 17 تشرين الثاني/ نوفمبر 2015م العدد (3269) خبراً تحت عنوان: (وزير العمل: حجم البطالة في السودان (1.7) مليون) وقد جاء في تفاصيل الخبر: كشفت وزارة العمل على أن حجم البطالة في السودان بلغ (1.7) مليون بزيادة بلغت (19.5%) خلال العام 2015م وأعلنت الوزارة عن تأثر فئة الشباب بالبطالة بنسبة (44.8%) وفيما أقرت بزيادة معدلات البطالة لحاملي الشهادات الجامعية بنسبة (25%) حذرت الوزارة من توقعات بتوالي الارتفاع يوماً بعد يوم.


التعليق:


إن المتتبع لأحوال الناس المعيشية في السودان، يكاد ينفطر قلبه من هول الأوضاع ومعاناة الناس؛ فالفقر يمشي بين الناس على قدم وساق، والجوع يدخل على أهل السودان من كل المداخل، فقد صرح وزير الصحة (بحر أبو قردة) قائلاً: (هناك 13 مليون نسمة من أهل السودان يعاني من سوء التغذية) وهي العبارة الأقل حدة من عبارة (الجوع)، وهي فعلاً فضيحة بكل المقاييس كوننا أمة نعيش في بلاد تعتبر سلة معادن وغذاء العالم، ورغم ذلك يجوع أهلها ويعيش شبابها حالة من البطالة والعطالة المصنوعة مع سبق الإصرار والترصد.


إن البطالة والفقر هما صناعة رأسمالية ترعاها الدولة وتعمل على إنتاجها في كل يوم وليلة!!


وقبل الحديث عن الأسباب والمعالجات، دعونا نشير إلى مجموعة من المخاطر والمهددات التي تهدد الأمة جراء البطالة وعلى سبيل المثال لا الحصر نستطيع أن نقول إن أبرز المخاطر تندرج في الآتي:


1- خطرها على نفسية الشباب، ذلك لأن من نتائجها البيّنة انتشار حالات الإحباط المعنوي والكآبة والقنوط لدى فئات واسعة، وهذه النتيجة بدورها تدفع إلى إدمان المخدرات،‏ أو اللجوء إلى أنواع اللهو المحرم،‏ وإذا لم يجد أحدهم المال اللازم ربما لجأ إلى أساليب غير شرعية للحصول على حاجته، أو سلوك السبل المحرمة لطلب الرزق.


2- ومن مخاطرها تخلف الأوضاع الصحية، وتراجع في الحصول على التعليم.


3- ومن مخاطرها أيضا تأخر سن الزواج‏، ذلك لأن الزواج في زماننا هذا قد تعاظمت تكاليفه ويستدعي الحصول على مسكن وتجهيزه وتقديم صداق وإقامة وليمة زفاف وتأمين النفقة على الزوجة وغير ذلك، ولا يمكن للشاب أن يحصل على كل ذلك دون عمل، وبتأخر سن الزواج‏، يتعرض المجتمع إلى مشاكل أخرى أشد خطراً‏، أعظمها الفساد الأخلاقي‏.‏


4- ومن مخاطرها أيضا انتشار ظاهرة السفر إلى الدول الأوروبية، الذي أصبح مخدرا جديدا يشل تفكير الشباب ويفتر هممهم ويضعف عزائمهم، ويقضي على كل تطلعاتهم، إذ أضحت آمالهم معلقة على الإقامة في بلاد الكفر، ومنهم من يفكر في الهجرة السرية فيقع فيما لا تحمد عقباه، من الموت في عرض البحر أو الوقوع في قبضة شبكات الإجرام العالمية.


5- ويصحب كل هذا شعورٌ بالسخط على المجتمع وعلى الدولة التي تعجز عن إيجاد حلول، أو تقديم معالجات لا يجدون أثرها في الواقع، وهذا السخط كثيرا ما يستغله أعداء الأمة لتعبئة هؤلاء الشباب لضرب الأمة ومصالحها ووحدتها وما يحدث في دارفور ليس عنا ببعيد.


من كل ما سبق، يظهر أن البطالة تسبب مخاطر على الأفراد وعلى المجتمع، وتؤدي إلى مفاسد اجتماعية واقتصادية وسياسية، وإلى ظهور الانحراف بشتى أنواعه، والجريمة بجميع أشكالها، بل إن البطالة من أخطر المهددات التي تواجه الأمة، خاصة أن لها آثاراً سالبة ومؤذية. ومن أهم أسباب البطالة وانتشارها في السودان ما يلي:


أولاً: تطبيق النظام الرأسمالي الجشع الذي لا ينظر إلى كل فرد من أفراد الرعية وإنما يدفن القائمون عليه رؤوسهم في الرمال متغافلين عن معاناة الناس، وقد ساهمت الدولة في انتشار البطالة من خلال تبنيها لهذا النظام، فعلى سبيل المثال قامت الدولة بخصخصة العديد من المشاريع العملاقة، مما ترتب عليه تهجير العديد من الأيدي العاملة والقذف بهم في قارعة الطريق.


ثانياً: عطلت الدولة المشاريع الزراعية من خلال ملاحقة المزارعين عبر (كرابيج) الضرائب والجبايات والإتاوات والقروض الربوية التي يعجز المزارعون عن تسديدها فتزج بهم في نهاية المطاف في السجون.. ولذلك ترك الكثير منهم هذه المهنة وانضموا إلى صفوف العاطلين عن العمل في البلاد.


ثالثاً: تجفيف منابع الصناعة حيث تعطلت 85% من المصانع عن العمل في البلاد وذلك بفعل السياسات الرأسمالية الجشعة التي تتبناها الحكومة حيث يبلغ عدد الضرائب التي تفرض على المصانع قرابة الـ17 ضريبة مما أصاب أصحاب المصانع بحالة من الذهول، مما ترتب على ذلك هجرة رؤوس الأموال، فكانت إضافة جديدة لجيوش العاطلين في البلاد.


رابعاً: سياسة الدول الرأسمالية الكبرى تجاه بلاد المسلمين، عبر مؤسساتها الربوية، حيث تعمل على تدمير النسيج الاقتصادي لبلاد المسلمين لصالح الدول الرأسمالية من خلال سياسات التقويم الهيكلي والمديونية التي من نتائجها تفكيك صناعات العالم الثالث وتحويله لمستهلك، وكل هذا ينعكس في نهاية المطاف في شكل عطالة وبطالة تضاف لمجموعة الأحزان والمصائب التي تعاني منها الأمة.


خامساً: إهدار الدولة لثروات الأمة لصالح فواتير ما أنزل الله بها من سلطان، كإنشاء الوظائف وفقاً لمحاصصات سياسية وترضيات آنية أنانية، وغيرها من أشكال التجاوز وحالات سرقة المال العام التي تتم على مرأى ومسمع من أهل البلد.


هذه هي بعض الأسباب التي تنعكس مباشرة في وجود البطالة.


أما الحل الجذري لقضية البطالة فيتطلب إعادة هيكلة الاقتصاد على قاعدة النظام الاقتصادي الإسلامي لتلبية الحاجات الأساسية لكل الناس خارج نطاق الجشع الرأسمالي، أي بناء مجتمع آخر لا يكون فيه نجاح الأقلية في العيش المترف على حساب عجز الأغلبية في الوصول إلى الحد الأدنى من العيش الكريم.


ولمعالجة مشكلة البطالة يجب أن نبدأ باجتثاث هذه الأسباب وقطع دابرها فتمنع الضرائب والجبايات، والجمارك، بكل أشكالها، كما تمنع خصخصة الملكيات العامة، وتوزع أموال الملكية العامة وفقاً لأحكام الإسلام، وتمكين الناس من تعمير الأرض واستصلاحها دون مقابل، وأن يُخلّى بين الناس والإبداع في مجال العلوم، بل الأصل في الدولة أنها تفسح المجال لأصحاب الاكتشافات والبحوث الصناعية لا أن تلاحقهم.


هذه المعالجات ليست من جنس النظام الرأسمالي المطبق اليوم، وإنما هي معالجات تنبثق عن عقيدة الإسلام العظيم، وهي ذات المعالجات التي تتبناها دولة الخلافة الراشدة على منهاج النبوة القادمة قربياً إن شاء الله لتقطع دابر البطالة وصانعيها.






كتبه لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
عصام الدين أحمد أتيم
عضو المكتب الإعلامي لحزب التحرير في ولاية السودان

07 من صـفر 1437
الموافق 2015/11/19م