المساعدة - البحث - الأعضاء - التقويم
إضاءات على الدولة الأموية
منتدى الناقد الإعلامي > الناقد الشرعي > كتب و شخصيات
الخلافة خلاصنا
إضاءات على الدولة الأموية


إن من يتصدى لكتابة إضاءة، أو إضاءات على الخلافة الأموية لن يغيب عن باله أن يبين كيف تأسست هذه الدولة.


لقد تأسست هذه الخلافة، بعد تنازل الحسن بن علي رضي الله عنه عن الخلافة لمعاوية بن أبي سفيان عام الجماعة عام 41هـ الموافق 663م بعد صراع دامٍ ومؤسف بين المسلمين، ليس هنا مجال تفصيله.


لقد تنازل الحسن بن علي رضي الله عنه عن الخلافة لمعاوية، استجابة لمساعي أهل الخير، ورغبة منه في جمع الكلمة، وتوحيد الصفوف، وحقن الدماء، ولقد ضرب رضي الله عنه بعمله هذا مثالاً رائعا على الإيثار ونكران الذات.


إذن لقد أصبح معاوية خليفة، فأخذ يضمد الجراح، ويسترضي معارضيه من أعيان الأمة، فقد دان له الجميع بالطاعة، هذا وقد حصرت الخلافة بعد معاوية في بني أمية، في سابقة لم يعهدها المسلمون في عهد الخلفاء الراشدين، وقد تعاقب على حكم هذه الدولة ثلاثة عشر خليفة، مدة تزيد عن تسعين عاماً ولقد أظهر الأمويون مقدرة كبيرة على حسن إدارة الدولة وتسيير الجيوش لفتح بلاد جديدة ومن بين الثلاثة عشر خليفة كان ثمانية خلفاء رجال دولة من الطراز الأول وقد عرف هؤلاء الخلفاء من يولون من الرجال الذين كانوا يعتبرون بحق أيضا رجال دولة من الطراز الأول فخليفة كمعاوية ومروان وعبد الملك والوليد وسليمان وعمر بن عبد العزيز وهشام ومروان بن محمد لم يعجزهم أن يختاروا رجال دولة عظاما، كعمرو بن العاص والمغيرة بن شعبة وزياد والحجاج ومحمد بن القاسم وقتيبة بن مسلم وموسى بن نصير وعقبة بن نافع وطارق بن زياد ورجاء بن حيوة، ومسلمة بن عبد الملك، ونصر بن سيار والمهلب بن أبي صفرة وغيرهم وغيرهم، ولقد قام جميع من ذكرت بما يمليه عليه عمله سواء أكان خليفة، أم والياً أم أميرا للجند، أم قاضياً، ولقد ترك كل منهم بصمات وبصمات على تاريخ الدولة الأموية والمسلمين جميعاً، بل والعالم كله ولن أستطيع في هذه الإضاءة إيفاء بني أمية حقهم في كل شيء ولهذا فإنني سأبين كم كان دورهم عظيماً في استقرار الدولة، وعلو شأنها، وفي تحقيق فرض الجهاد، وغير ذلك من الأعمال التي تحققت على أكتاف رجالاتهم العظام، وبخاصة أن الفترة التي حكمتها الدولة الأموية تعتبر فترة قصيرة نسبياً بالمقارنة مع انجازاتها العظيمة في ميداني الفتح وصهر الشعوب التي حكمتها في بوتقة الإسلام.


لقد أمضى خلفاؤها العظام الذين اشتهروا بعلو الهمة، والدأب العظيم بعزيمة لا تعرف الكلل، أمضوا عهودهم في الفتح، والقضاء على الثورات الداخلية، فهذا معاوية مثلاً والذي أمضى قبل توليه الخلافة عشرين عاماً والياً على الشام، عرف كيف يوجه الجيوش لفتح بعض مناطق الشرق، وفي تسيير الجيوش صيفاً وشتاءً، لحرب الروم الذين سولت لهم أنفسهم خلال انشغال المسلمين عنهم بالصراع الداخلي، بالاعتداء على الثغور وبمهاجمة بعض سواحل الشام فينهض معاوية بكل همة ونشاط يتصدى للأعداء، فيرسل الجيوش ويرسل الأسطول للسيطرة على بعض الجزر وليجعل الأسطول الإسلامي مهيمناً على مياه وسواحل البحر المتوسط بل ويرسل الجيوش لفتح القسطنطينية وبها عدد لا بأس به من الصحابة وعلى رأسهم أبي أيوب الأنصاري وعبد الله بن الزبير وغيرهما، ولكن الله لم يشأ أن تفتح القسطنطينية في ذلك العهد وقد ادخر هذا الفضل وهذا المجد للسلطان محمد الفاتح وللجيش العثماني سنة 857هـ الموافق 1453م.


وخليفة كمروان بن الحكم، يتولى الخلافة وقد هاجت الفتن وماجت، ولم يتبق لدى الأمويين إلا الأجزاء الجنوبية من الشام فينهض مروان ويوحد بهذه القوة الصغيرة أجزاء واسعة من الدولة إذ ضم سائر الشام ثم مصر ثم يترك المهمة لولده عبد الملك الذي وحد العراق وبلاد فارس وخراسان ثم الجزيرة العربية وتصبح الدولة موحدة هادئة ويترك الأمر لولده الوليد بن عبد الملك وقد تولى دولة آمنة بيت مالها يفيض بالمال والخير وقد عرف الوليد كيف يستغل كل ما كان لديه لتحقيق فتح بلاد شاسعة شرقاً وغرباً فقد تحقق في عهده فتح مناطق شاسعة في خراسان وبلاد ما وراء النهر كالتركستان وبلاد السند كما وصل الجيش الإسلامي لحدود الصين ولم يعد الجيش الإسلامي إلى قواعده إلا بعد أن فرض الجزية والخضوع على الصين كما تم إكمال فتح بلاد المغرب الأقصى والأندلس. وخليفة كسليمان عرف كيف يختار خليفة بعده ألا وهو عمر بن عبد العزيز في وقت كانت تحتاج فيه الدولة إلى فترة من الهدوء والأمن لاستيعاب البلاد المفتوحة وتسكن خواطر أهلها ويحكم هذا الخليفة سنتين وبضعة أشهر حكماً اعتبر ولا يزال مثالاً وقدوة في العدل إذ لم يترك فرصة لثائر أو ناقم أو مهزوم للتمرد أو للعبث أو للثأر من الهزيمة فسكنت الشيعة والخوارج حتى إن ملوك الكفر أعجبوا بعدله فاعتنق بعضهم الإسلام ودخلت رعاياهم في الإسلام دون إراقة قطرة دم واحدة.


أيها السادة: لم يكن إصرار عدد من الخلفاء على الفتح ورفعة شأن هذا الدين بأقل من إصرار عدد من الولاة والقادة فهذا الحجاج بن يوسف بعد أن خيم الأمن على الدولة وقد كان والياً على العراق يرسل الجيش تلو الجيش لفتح بلاد الأفغان والترك والسند وهذا محمد بن القاسم الذي لم يتجاوز السبعة عشر ربيعاً يحقق رغبة الحجاج بفتح بلاد السند وما فعله قتيبة بن مسلم الباهلي في جهاده في بلاد التركستان الغربية والشرقية وفرض الخضوع والجزية على ملوك الصين لم يكن بأقل مما فعله ابن القاسم وهذا عمرو بن العاص وموسى بن نصير وغيرهما ممن تولوا ولاية مصر ثم المغرب لم يقصروا في توجيه الجيوش لفتح بقية بلاد المغرب ثم الأندلس.


إن تاريخكم أيها المسلمون عظيم وإن الأعمال العظام التي تحققت لم تتحقق بمحض الصدفة ولا بضربة حظ وإنما بتخطيط عظيم وإقدام منقطع النظير فهذا عقبة بن نافع فقد جاهد وجاهد في بلاد المغرب يصل المحيط الأطلسي ثم يدخله بجواده قاطعاً بضعة أمتار قائلاً: والله يا رب لو أعلم أن بلاداً خلف هذا البحر لخضته جهاداً في سبيلك وهذا شيخ المجاهدين موسى بن نصير يرسم خطة لفتح أوروبا كلها بادئاً بها من جهة المغرب ليتمكن بعد ذلك للوصول للقسطنطينية لفتحها بعد أن امتنعت هذه المدينة عن الفتح مرات ومرات وهذا طارق بن زياد ذلك الفتى البربري يوجهه موسى لفتح الأندلس فيعبر المضيق بكل همة ونشاط ويصمم هو وجنوده على الاستشهاد أو النصر فيحرق السفن لقطع تفكيره وتفكير جنده عن العودة للبر المغربي ويخطب خطبة لا تزال تتردد في أفواه من خلفه: (أيها المسلمون البحر من ورائكم والعدو أمامكم وليس أمامكم والله إلا الجد والصبر واعلموا أنكم في هذه الجزيرة (يعني جزيرة الأندلس) أضيع من الأيتام على مآدب اللئام وليس لكم إلا ما تستخلصونه سواعدكم وسيوفكم) يرقبه جنوده الذين لم يكونوا أقل منه صبراً أو جلداً ويمضي بهم لفتح غرب الأندلس بعد موقعة وادي لكة ثم يعبر شيخ المجاهدين المضيق ويفتح الأندلس من الشرق والوسط ليلتقي القائدان في طليطلة ليكتمل فتح أغلب الأندلس في زمن قياسي لقد فعلها طارق وجنوده فكأنه بايعوا أنفسهم على الموت ففازوا بفتح الأندلس وقد فعلها قبلهم عقبة بن نافع عندما قطع البربر عليه خط الرجعة إلى القيروان فخطب في جنوده قائلا: من يبايعني على الموت فبايعه سبعمائة على الموت ليتولوا مجابهة جيش البربر وليمكنوا سائر الجيش الإسلامي من النجاة بسلوكه طريق آخر إلى القيروان فيحقق الله غرض عقبة وأصحابه فيستشهدون عن آخرهم ويسلم سائر الجيش الإسلامي من الفناء بوصوله سالماً إلى القيروان هذه فعال أجدادكم جهاد وتضحية، صبر ومصابرة، حزم وعزم فيحققون أعمالاً هائلة في زمن قياسي.


لقد تركت الدولة الأموية كما قلنا بصمات وبصمات على التاريخ البشري فلقد أنقذت شعوبا بأكملها من عبادة العباد إلى عباد رب العباد فالشعب الهندي والشعب التركي والشعب البربري والشعب الأفغاني وغيرهم والذين أصبحوا فيما بعد جنوداً أوفياء من جنود الإسلام وفي سابقة لم تتكرر في التاريخ البشري أصبحت هذه الشعوب الأعجمية حاملة رايات الإسلام فالسلاجقة الأتراك، والأتراك العثمانيون، والشعب الكردي كل هؤلاء حملوا راية الإسلام وبقوا ينافحون عن أرض الإسلام بل وتمت على أيديهم أعمال جليلة لا يزال يكتب عنها بكل فخر واعتزاز ولا ننسى الشعب البربري على رغم حداثة اعتناقه الإسلام يحمل راية الإسلام بقيادة طارق بن زياد لفتح الأندلس.


إن هذا كله لم يتحقق إلا عند المسلمين ولهذا فمهمتنا أيها السادة مهمة جليلة وشريفة، وهل من عمل أشرف من إنقاذ الناس من الظلمات إلى النور؟ فيا شباب الإسلام لقد ظهر في هذا العصر الفساد في البحر والبر وعلا الباطل وانتفش فمن يذل الباطل إلا أنتم؟ ومن يستأصل الشر من الأرض إلا أنتم؟ ومن ينقذ البشرية إلا أنتم؟ هذا قدركم والله إن هذا لشرف عظيم فأعيدوا أيها الشباب للإسلام عزه وأعيدوا للبشرية بسمتها إنها تناديكم أن يا شباب الإسلام نحن نعول على الله ثم عليكم أن تعلوا راية الحق وتنقذونا من الظلمات إلى النور، ألستم أحفاد الصحابة والتابعين، ألستم أحفاد موسى بن نصير وعقبة وطارق وقتيبة وصلاح الدين ومحمد الفاتح من أولى بكم لنشر الخير؟ من يتصدى لهذه الصعاب إلا أنتم فكونوا عند حسن ظن البشرية بكم.


فاللهم أمددنا بمدد من عندك واجمع شملنا في دولة الخلافة الراشدة لننقذ بها البلاد والعباد من الظلمات إلى النور وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الخلافة خلاصنا
الجزء الثاني

إضاءات على الدولة الأموية


لقد بينا في الإضاءة السابقة أن الدولة الأموية تركت بصماتها على تاريخ المسلمين، بل وعلى تاريخ العالم أجمع، وقد تعاقب على حكمها عدد من الخلفاء العظام، الذين ولوا رجالا عظاما، كولاة وقادة للجند، وإنه رغم فترة حكمها القصيرة نسبياً، فقد أظهر رجالاتها العظام، مقدرة فائقة على الحكم، سنبين في هذه الإضاءة بعض إبداع بعض الخلفاء في حسن سياستهم للرعية، مما يجعلنا نؤكد أنهم كانوا يتمتعون بعقليات فذة في الحكم، فهذا معاوية بن أبي سفيان مثلاً، والذي ساس الرعية سياسة رائعة، لا تزال مضرب الأمثال، فقد كان بارعاً في استمالة الخصوم، ومعرفة الرجال، وكيفية قيادة الجماعات، اسمعوا قوله المشهور: (والله لو كان بيني وبين الناس شعرة ما قطعتها فإن أرخوها شددتها وإن شدوها أرخيتها) لقد أصبحت شعرة معاوية مضرب المثل للسياسيين في كل عصر فأي خبرة أعظم من هذه الخبرة في قيادة الجماعات كما استطاع رغم شدة الخصوم من استمالة أشد خصومه، فاستمالة رجل كالأحنف بن قيس وابن الزبير وعقيل بن أبي طالب وغيرهم تنبئ عن حلم وعلم وحزم وبراعة في استمالة الخصوم فسعة الصدر والعفو عن الخصوم وسعة الحيلة والحزم حيث ينفع الحزم والعفو حيث يقتضي العفو كل هذا لا بد منه فيمن يتصدى لقيادة الأمة.


أما موقفه مع الروم حتى قبل أن يتولى الخلافة فحدث عنه ولا حرج وملخصه لما انشغل المسلمون عن الجهاد ضد الروم بسبب انشغالهم بالفتن الداخلية طلب الروم من معاوية وكان واليا على الشام جزية ثمن سكوتهم عن مهاجمة الثغور فكتب معاوية للإمبراطور كتاب تهديد قائلا: إنني أرفض طلبك والله لو حركت ساكنا وهاجمت الثغور لأصالحن ابن عمي ولأتولين قيادة جيش تحت أمرته ولأخلعنك عن كرسيك الذي تجلس عليه فأدرك حاكم الروم تصميم معاوية وأقلع عن طلباته وتهديداته، فقارنوا أيها السادة هذا الموقف الحازم بمواقف حكام المسلمين في الوقت الحاضر، ممن ابتلينا بهم، وكيف باعوا البلاد والعباد وباعوا كرامتنا، وكرامتهم، واستنجدوا بالكافر المستعمر ليحميهم من بعض الأخطار التي تصوروا أنها محيطة بهم لقد استعانوا بالكافر المستعمر على بني دينهم وقومهم وكأنه لم يحذرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أشد تحذير من الاستنصار بالكافر بقوله عليه الصلاة والسلام (لا تستضيئوا بنار المشركين)، وكأنهم ما قرؤوا الآيات الكريمة في سورة المائدة (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشَى أَنْ تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ فَيُصْبِحُوا عَلَى مَا أَسَرُّوا فِي أَنْفُسِهِمْ نَادِمِينَ) (المائدة:51-52) فانظروا أيها المسلمون، النتيجة الفظيعة التي أوصلنا إياها هؤلاء الحكام الجبناء الظلمة فهل رضخ معاوية لطلب إمبراطور الروم وكان في أمس الحاجة إليه لمساعدته أو شراء سكوته؟.


صحيح أن معاوية جعل الحكم في بني أمية في سابقة لم يألفها المسلمون ولكنه ومع ذلك ظل يحكم بالإسلام وظل يدير الدولة إدارة رائعة فينظم البريد على أحسن ما كان في ذلك الوقت وينشر الأمن والأمان في ربوع الدولة الإسلامية المترامية الأطراف.


أما مروان بن الحكم فرغم قصر مدة حكمه التي كانت أقل من عدد أصابع اليد الواحدة غير أنه أعاد للدولة ولايات خرجت عنها بفضل حزمه وعزمه أعاد الأمور إلى نصابها بالنسبة للأمويين وقد مهد لعمله هذا لولده عبد الملك أن يوحد الدولة ويعيد جميع الولايات التي خرجت عن طاعة الدولة الأموية كما أنه واجه المشاكل مواجهة الرجال فقد استطاع مثلا أن يحبط مخطط الإمبراطورية البيزنطية الذي كان يراد منه تحطيم اقتصاد الدولة الإسلامية بصك دينار ذهبي رومي مغشوش وجعله متداولا في الدولة الإسلامية فنهض عبد الملك بكل همة وجمع الدنانير المغشوشة وأمر بصك دينار إسلامي وذلك ليرفع بعمله هذا تبعيته الاقتصادية للروم كما أنه عرب الدواوين ليستغني أيضاً عن تحكم بعض أهل الكتاب من أهل الذمة بدواوين الدولة، قارنوا أيها السادة إن شئتم بين موقف عبد الملك وضربه الدينار الذهبي الإسلامي وبين بعض حكام المسلمين الذين يتربعوا على كنوز سليمان، والذين لديهم من الثروات لو أحسنوا استخدامها لجعلوا المسلمين سادة العالم اقتصادا، انظروا كيف يتركون عملاتهم تتهاوى تبعا لتهاوي الدولار وكم يخسرون من البلايين والبلايين من الدولارات شهريا أو كل عام وكأن هذا المال ليس لأبناء الأمة يخسرون كل هذا لجبنهم وهلعهم من الكافر المستعمر رغم أن هناك دولاً وشعوبا أقل منهم شأنا في كل شيء استطاعت أن تتخذ قرارات تحفظ عليها سيادتها وتمنع بها المستعمر من التدخل في شئونها.


أما عمر بن عبد العزيز فقد علم الدنيا كيف يكون العدل، وكيف تساس الرعايا وكيف تكون العفة عن أموال الدولة وأموال الرعية، اقرؤوا إن شئتم رسالته لأحد الولاة الذي تردد في وضع الضرائب غير الشرعية عن كاهل الرعية، خوفاً من تقليل واردات بيت المال إذ كتب له رضي الله عنه "إن محمدا بعث هاديا لا جابيا" أيها الرأسماليون في الكرة الأرضية يا عملاء الرأسماليين يا من تحكمون المسلمين في العصر الحاضر أهكذا تسوسون رعاياكم؟ ماذا أبقيتم لرعاياكم إلا الفقر والذل والهوان والاستجداء والنفاق عودوا إلى رشدكم واتركوا غيكم وضلالكم قبل أن تحاسبكم أمتكم في الدنيا الحساب الذي تستحقون وقبل أن تحاسبون في الآخرة حيث لا ينفع مال ولا بنون.


يا حكام الدنيا اقرؤوا عن عمر بن عبد العزيز ماذا رد على أحد الولاة في الدولة الإسلامية عندما أبلغه أن الزكاة لا تجد فقيرا أو مسكينا أو غارما يأخذها فماذا أجابه ابن عبد العزيز قال له: أنفقها في باقي الأصناف الأخرى أنفقها في الجهاد وفي تحرير الرقاب من الرق تمعنوا أيها السادة في هذه السياسة ولاية واسعة تتمتع بالخير والأمن والاكتفاء في نفقاتها وأمورها الاقتصادية لا تجد فيها فقيرا أو مسكينا بل لا تجد فيها من يكذب ليأخذ من مال الزكاة وهو لا يستحقه فأية عفة هذه وأي نقاء كان هذا النقاء وأية أمانة تلبس بها من كانت بيده أموال المسلمين، كيف نضع هذا الموقف وما هو عليه المسلمون في الوقت الحاضر في عصر التكنولوجيا والعصر الصناعي وفي بلادهم من الكنوز ما لا يحصيها إلا الله ومع ذلك تجد أكثر من نصف المسلمين فقراء يستحقون أخذ الزكاة.


هكذا كانت سياسته في رعيته أما علاقته وسياسته مع الكفار فموقف مدينة سمرقند يدمغ كل حاكم ظالم وكل حاكم لا يحكم بشرع الله فمدينة سمرقند دخلها الجيش الإسلامي قبل حكم عمر بن عبد العزيز عنوة دون أن يعرض المسلمون على أهلها اعتناق الإسلام أو دفع الجزية أو القتال، يشكل أهل سمرقند وفداً يصل دمشق، يشكو قائد جند المسلمين والجيش الإسلامي في سمرقند فكتب معهم رسالة لوالي وقائد جند سمرقند يطلب منهم التقاضي عند القاضي (فلان) يجلس وفد سمرقند خصماً لوالي وقائد جند سمرقند ويستمع القاضي لحجة المتخاصمين فيحكم لأهل سمرقند ويطلب من الجيش الإسلامي الخروج من سمرقند يتأهب الجيش للخروج امتثالا للحكم فيهرع وفد سمرقند وأهالي سمرقند إلى الوالي وقائد جند المسلمين يعلنون الإسلام ويطالبون المسلمين بالبقاء في سمرقند، إن هذا الموقف النبيل أيها السادة جعل سمرقند وما حولها بل وبلاد أواسط آسيا قلعة من قلاع الإسلام إذ ظلت هذه المنطقة محافظة على دينها رغم شدة الخطوب والزعازع التي ألمت بهذه المنطقة وقد ظهر ذلك بوضوح بعد انهيار الحكم الشيوعي، الذي كان يحارب الإسلام، كيف عادت المنطقة إلى دينها تعيد بناء وافتتاح مساجدها وحمل دينها.


ألا فليعلم العالم أجمع أن المسلمين أمة وسط شهيدة على الناس والرسول شهيد عليها، إن المسلمين في تاريخهم كله كانوا رحمة للعالمين فلسنا كالغرب الكافر فماذا فعل الغرب الكافر في فلسطين والعراق وأفغانستان وغيرها من بلاد المسلمين، وكيف كان قضاؤهم إذا اعتدى احد جنودهم أو جيوشهم على من يحتلونهم وهم عزل من السلاح هل رفعوا ضيما، أو حققوا عدلا،ً إنهم يسجلون القضية ضد مجهول، أو يتهمون فاعلها بأنه يعاني من لوثة عقلية، إن أحكامهم كلها تدعو للسخرية والضحك فنحن قوم على مدار تاريخنا كله إذا سالمنا التزمنا بعهودنا وإذا حاربنا تقيدنا بأحكام ديننا.


وإليكم هذه الإضاءة الرائعة:
بعد توليه الخلافة قرر أن يسكن الفتن بل ويقضي عليها بالعدل وعليه فلا بد أن يعطى كل ذي حق حقه فجاءه وفد من الشيعة ووفد آخر من الخوارج وناقشوه في أمور الحكم فبينوا له مثلا أنه لم يتول الخلافة بالبيعة فأقرهم على قولهم، ثم خلع نفسه، وطلب من أهل الحل والعقد أن يبايعوا خليفة غيره عن رضا واختيار فلما فعل ذلك فزع إليه أهل الحل والعقد وحتى الشيعة والخوارج وبايعوه بالخلافة كذلك طالبوه برد الحقوق والأموال التي اغتصبها بنو أمية من بيت المال وأول من بدأ بزوجته فخيرها بين أن تضع مجوهراتها وكل ما كانت تملكه بغير حق في بيت المال أو يطلقها ويبقي لها أموالها فاختارت رحمها الله عمر زوجا وتخلت عن كل مجوهراتها كذلك فعل بقرابته إذ أعاد الأموال والضياع لأصحابها، ولبيت المال ثم جرى حوار بينه وبين أحد الخوارج إذ قال الخارجي ماذا تقول في معاوية، قال عمر رضي الله عنه: أقول إنه عَمِل عَمَل سوءًا وعَمِل عَمَل خير وهو بين يدي الله سبحانه سيحاسبه على أعماله فإن رجحت حسناته على سيئاته أدخله الله الجنة وإن كان غير ذلك دخل النار. فقال له الخارجي لقد اقترف معاوية آثاماً كثيرة فلماذا لا تلعنه فقال له: يا هذا أيهم أشد بعداً عن الحق معاوية أم فرعون قال الخارجي: فرعون، قال عمر: نشدتك الله هل تلعن فرعون كل يوم قال الخارجي لا قال عمر: فلماذا تطالبني بلعن معاوية وأنت لا تلعن من هو أشد بعدًا عن الله من معاوية؟ فسكت الخارجي. بل ويقول التاريخ أن الشيعة والخوارج قالوا لأنفسهم ولبعضهم لم يترك هذا لنا عذرا في شق عصا الطاعة، كل هذا حدث أيها السادة في خلافته القصيرة، بل وإن عدداً من ملوك السند دخلوا في الإسلام بعد مراسلته لهم رضي الله عنه.


وكلمة أخيرة لم يحكموننا في الوقت الحاضر اقرؤوا سيرة هذا الخليفة العظيم وتعلموا منه كيف تساس الرعية وثقوا أن أمتنا عظيمة فإن أخلصتم لها كان إخلاصها لكم عجبا، ضعوا أيديكم في أيدي أمتكم وسوسوها بالإسلام لتروا بعدها كيف ستفديكم الأمة بأرواحها وبأغلى ما تملك إلا فاعلموا ألا عزة إلا بالإسلام ولا عدل إلا بالإسلام ولن يعود الإسلام لمعترك الحياة إلا بعد إقامة دولة الخلافة فلنعمل يداً واحدة لإقامتها وثقوا أن نصر الله قريب (وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ)(الحج: من الآية40)


فاللهم عجل بالفرج واجعلنا ممن يعمل لإقامتها، لننال عز الدارين: الدنيا والآخرة وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

منقول

الخلافة خلاصنا
عندما نذكر المسلمين بتاريخهم المجيد وخلفائهم وأبطالهم في ساحات الوغى فإننا لا نفعل ذلك من باب

التسلية أو تذكر معلومات تاريخية أو ندب حظنا هذه الأيام أو من أجل سب الزعماء والحكام الحاليين

ولكننا نذكر ذلك التاريخ من باب

حث المسلمين على إعادة الخلافة التي تصنع أمثال هؤلاء الأبطال والزعماء العظام، فالخلافة مصنع الرجال العظام ومصنع العزة والبطولات ومصنع الحضارة الإنسانية الراقية ومصنع التاريخ المجيد، ونذكر لكم ذلك التاريخ من أجل محاربة التشويه لتاريخنا المجيد من قبل الحكام ووسائل إعلامهم الخبيثة.
.
Invision Power Board © 2001-2024 Invision Power Services, Inc.