بيان صحفي



وزير الأوقاف المصري ينافح عن صنم الوطنية



خرج وزير الأوقاف المصري الدكتور محمد مختار جمعة عن طوره، ولم يتمالك غضبه، وهو في الصرح الأكاديمي - العلمي لجامعة الزقازيق، أثناء مناقشة رسالة ماجستير تقدم بها الطالب وجدي عبد القادر حول "تجديد الفكر الديني في الإسلام.. محمد إقبال نموذجا"، فأرغى وأزبد، وقفز من على كرسي المنصة مرددا بصوت عالٍ عبارات رصدت في الرسالة اعتبرها تمس بـ"الذات الوطنية" ومن بينها:



"أخطر الأصنام الجديدة هي الوطن وأن إلباسه للدين بمثابة الكفن"، وبلغت ثورة الوزير أن وصف الطالب، الذي تعب في إعداد رسالته العلمية بإشراف الدكتور صابر عبد الدايم عميد كلية اللغة العربية الأسبق، بأنه "غبي" و"جاهل" و"حمار"، وقال الوزير "رسالة الماجستير استفزتني لاحتوائها على فقرات تحمل أفكارًا تهدد الأوطان، وآلمتني وسببت لي توترًا شديدًا، فحماية الوطن شيء راسخ في قلوبنا ووجداننا".



فهذا الوزير ينافح عن صنم الوطنية بتفان وغيرة، ومن المعلوم لكل من عنده أدنى فهم بالعلوم الإسلامية وأحكام الدين أن مفهوم "الوطنية" هو مفهوم دخيل على الدين والملة، ليس له سابقة ولا أساس في النصوص الشرعية لا في كتاب الله ولا في السنة النبوية. وأول من أدخل مفهوم الوطنية كان الشيخ الأزهري رفاعة رافع الطهطاوي الذي ابتعثه محمد علي باشا (في 1826م) ليكون مرشدا دينيا مرافقا للطلاب المبتعثين لدراسة العلوم النافعة في فرنسا، أو هكذا كان يفترض به، إلا أنه عاد من فرنسا حاملا لجرثومة الحضارة العلمانية الغربية بما تحمله من مفاهيم وأفكار مريضة لا تقوم على حجة ولا برهان. ومن هذه المفاهيم مفهوم "الوطنية"، الذي يفرض على الشعوب التقوقع في كيانات تكون "أصناماً" تبرر للساسة شن الحروب وسفك الدماء "في سبيل الوطن"، فلا عجب أن شهد القرن التاسع عشر انطلاق موجة الاستعمار الغربي الذي اكتوت بناره الشعوب المغلوبة على أمرها حيثما وصلت جيوشه؛ وقد ذاقت الشعوب الأوروبية بعض وبال صنم الوطنية حين خاضت فيما بينها حروبا لم تهدأ إلا بنهاية الحرب العالمية الثانية!



ومفهوم الوطنية يرتبط مباشرة بمفهوم السيادة الوطنية وسيادة القانون الوضعي؛ هذا القانون الذي يحدد الحقوق والواجبات بحسب أهواء المشرعين في المجالس التشريعية، وعليه فما يكون حقا على هذا الجانب من "الحدود" قد يكون باطلا عبر "الحدود"، وكل ذلك بحسب أمزجة ورغبات وشهوات المشرعين على جانبي الحدود! ومع أن أوروبا زعمت، ولا تزال، أنها حاملة مشعل الحضارة الليبرالية الإنسانية، إلا أنها تتنغص حين تسمع بقدوم بعض الهاربين من جحيم سياساتها الاستعمارية، فتتفنن في تحصين حدودها لصد هؤلاء "البرابرة"، مع أن المبدأ الإنساني، لو كان إنسانيا حقا، لرحّب بمن يستغيث به، فما بالك حين يكون ضحية إجرام السياسات الاستعمارية؟ ولعمري إن هذا ما يسعى إليه الإسلام في التعامل مع الشعوب الأخرى: فالمسلمون يبذلون دماءهم في سبيل تمكين الآخرين من التعرف على رسالة الإسلام الحقة، التي لا تميز بين إنسان وآخر إلا بالتقوى!



أما وزير الأوقاف هذا فكان الأولى به أن يغضب لانتهاك حرمات الله وتعطيل شرعه وموالاة أعدائه من يهود وأمريكان، أو يثور بسبب تدنيس يهود للأقصى الشريف أو بسبب سفك دماء المسلمين في الشام؛ ونحن ننصحه بأن يستذكر الموقف الإيماني لسحرة فرعون الذين آثروا مرضاة الله على ترغيب وترهيب فرعون، وآثروا الحياة الباقية على الحياة الفانية، فصدعوا مجلجلين بالحق في وجه الطاغية فرعون دون تردد. ونحن نقول للدكتور جمعة إن صنم الوطنية الذي تقدسه شريعة الغرب الكافر فإن الإسلام يوجب هدمه، تماما كما يوجب إفراد الله سبحانه بالربوبية والألوهية. ورسالة الإسلام ورحمته وعدله تسع الناس جميعا من دون تمييز من قبل ومن بعد وإلى يوم الدين، وشرع الله هو الحق الذي ليس بعده إلا ضلالات الشرائع الوضعية. فخير لك أن تطلب مرضاة الله وليس مرضاة مؤسسة "راند" ولا الغرب المستعمر، وإلا فنحذرك من قوله تعالى ﴿وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ﴾.



د. عثمان بخاش

مدير المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير