كما هو الحال منذ عقود، فإن لصندوق النقد الدولي التأثير الرئيسي على ميزانية باكستان، على الرغم من مطالبات حكومة حزب "إنصاف" بميزانية محلية، حتى تلبي الاحتياجات المحلية. وقد وقّع كل من الدكتور عبد الحفيظ شيخ، مستشار رئيس الوزراء لشؤون المالية والإيرادات، والدكتور رضا باقر، محافظ بنك الدولة الباكستاني، وثيقة في 8 من نيسان/أبريل 2020، تلتزم باكستان بموجبها بشروط صندوق النقد الدولي الجائرة. أما بالنسبة لسياسة الضرائب التي يتّبعها صندوق النقد الدولي، والتي تشكل العمود الفقري لميزانية باكستان، فهي تتمثل في خنق الاقتصاد المحلي، مع تضخيم أرباح الرأسماليين الغربيين الذين يستثمرون في الاقتصاد والديون الباكستانية. وفي نيسان/أبريل 2020، أصدر صندوق النقد الدولي "التقرير القُطري لصندوق النقد الدولي رقم 20/114"، الذي أشاد فيه بإجراءات الحكومة للإصلاحات المالية لتوسيع القاعدة الضريبية من خلال إلغاء الامتيازات والإعفاءات. وتتمثل خطة صندوق النقد الدولي في مضاعفة العبء الضريبي الرأسمالي، بأكثر من الضعف، على الاقتصاد الباكستاني المتعثر والمتخلف. وفي حين طالب صندوق النقد الدولي بفرض ضرائب أقل بقليل من 4600 مليار دولار لعام 2019/2020، فإنه يطالب باستمرار بزيادة الضرائب لتصل إلى أكثر من 10,000 مليار بحلول عام 2024/2025.

يفرض صندوق النقد الدولي ضرائب كبيرة لضمان "انكماش الطلب" الذي يبطئ الاقتصاد المحلي. ومن خلال "انكماش الطلب"، يخنق صندوق النقد الدولي النشاط الاقتصادي المحلي، مما يقلل من استهلاكه من العملات الأجنبية، وبالتالي يتم دعم سعر الصرف. وبعد ذلك، فإنه من خلال فرض تدابير التقشف "الانضباط المالي" وخفض الدعم والمنح المحلية، يقلل صندوق النقد الدولي من الضغط على سعر الصرف.

إن إصرار صندوق النقد الدولي على دعم سعر الصرف هو لضمان حماية الدائنين الأجانب الذين يجنون المال من خلال تقديم قروض ربوية إلى الاقتصادات النامية مثل باكستان. ويدّعي صندوق النقد الدولي أن هناك حاجة إلى زيادة نسبة الضريبة إلى الناتج المحلي الإجمالي لتحقيق الاستقرار في الاقتصاد والسماح لباكستان بالعيش في حدود إمكانياتها، ولكنه في الواقع يتلاعب في الاقتصاد الباكستاني من أجل الدائنين والمستثمرين الغربيين.

إن وجهة نظر الرأسمالية بشأن الضرائب هي نتيجة سيطرة نخبة صغيرة من فاحشي الثراء والمتحكمين بأنظمة الحكم. وهو نتيجة لحرية الملكية التي أدت إلى التركيز الفاحش للثروة في أيد قليلة من الناس. كما يقوم الممثلون في المجالس التشريعية في الأنظمة الديمقراطية برعاية المصالح التجارية للأغنياء، من خلال صناديق الحملات الانتخابية ووسائل أخرى، حتى يتمكنوا من تأمين إنفاق الميزانية على مصالحهم. وباستخدام أعذار مثل ضمان "توزيع الموارد" أو "خصخصة الموارد" أو "تعزيز مشاريع القطاع الخاص"، يضمن الرأسماليون الكبار زيادة الأعباء الضريبية الثقيلة على عامة الناس، بينما هم يجمعون ثروة ضخمة لأنفسهم من خلال الإعفاءات الضريبية، بما في ذلك تلقي دعم الحكومات الضخم بما يسمى حزم الإنقاذ خلال الأزمات. أما بالنسبة للبلاد الاسلامية، فإن المستعمرين يقومون بإيجاد نخبة رأسمالية محلية للمشاركة في الغنائم معهم، بحيث تكون لهم مصلحة قوية في الحفاظ على النظام الرأسمالي المدمّر للاقتصاد المحلي.

وفي المقابل، تختلف النظرة في الإسلام حول توليد الإيرادات عن الرأسمالية الغربية. حيث يعتبر الإسلام الملكية الخاصة مصونة ومحمية من الآخرين والدولة. وتعتبر الشريعة الإسلامية الضرائب حقاً مستحقاً على ممتلكات الفرد، التي أمر بها الله سبحانه وتعالى وحده. وبالتالي، لا يجوز أخذ مال الناس إلا بالحق ووفق الأحكام الشرعية المستنبطة من القرآن والسنة.

ولبيت المال في الإسلام مصادر ثابتة للإيرادات تلزم المسلمين، والمصادر الثابتة لإيرادات بيت المال هي الزكاة، والخراج، والعشر، والجزية، والفيء. وتُجمع الزكاة على الثروة الحيوانية والمحاصيل الزراعية والنقود وجميع أنواع السلع التجارية والبضائع. والزكاة واجبة على المسلمين إذا امتلكوا نصابها ومضى عليها الحول. وفيما يتعلق بالزراعة، فإن الخراج يؤخذ من الغلة الزراعية المقدرة لمن يملك الأرض، وليس من الشخص الذي يعمل في الأرض. والجزية تؤخذ من رعايا الدولة الإسلامية ذوي القدرات المالية والبالغين من غير المسلمين، والفيء هو غنيمة الحروب، تغنمها الدولة عندما تفتح القوات المجاهدة بلاداً جديدة على الإسلام. بالإضافة إلى مصادر الدخل هذه، تشرف الدولة الإسلامية على الإيرادات من الممتلكات العامة مثل النفط والغاز والكهرباء والمعادن، لأن الإسلام لا يسمح للدولة بخصخصة هذه الموارد، وتلتزم الدولة بالإشراف على الممتلكات العامة مباشرة. كما وتجبي الدولة الإيرادات من خدمات الاتصالات مثل الخدمات البريدية والهاتف وخدمات الإنترنت والاتصالات عبر الأقمار الصناعية. كما وتجني الدولة أيضا عائدات من خدمات النقل العام، مثل الحافلات والقطارات والسفن وشركات الطيران. وعائدات الإنفاق على شؤون الناس تتولد أيضا من المصانع، المرتبطة بالممتلكات العامة، وكذلك الصناعات الثقيلة المملوكة للدولة، مثل تلك التي تصنع المركبات والإلكترونيات المتطورة، كما يمكن أن تفرض الدولة الإسلامية ضرائب على البضائع التي تدخل أراضيها وفقاً للأحكام الشرعية.

حتى لو عجز بيت المال عن جمع ما يكفي من الإيرادات للوفاء بالتزامات الدولة، فإنه يسمح له بفرض الضرائب على أثرياء المسلمين، من الذين يملكون ما يزيد عن احتياجاتهم الأساسية والكماليات، وفقاً لمعايير الحياة الكريمة. ولا يؤخذ شيء على الإطلاق من الذين ليس لديهم فائض ثروة، مثل الفقراء أو المدينين. ومع ذلك، يُسمح لإنفاق هذه الضرائب فقط في ستة مرافق، وكلها واجبات على المسلمين: 1- الجهاد. 2- الصناعة العسكرية وما يتعلق بها. 3- الإنفاق على الفقراء والمحتاجين وابن السبيل. 4- رواتب الجنود وموظفي الخدمات المدنية والقضاة والمدرسين والأطباء، وما شابه ذلك من الذين يقدمون خدمات للأمة. 5- الخدمات والرعاية العامة، التي يتسبب غيابها بضرر على الناس، مثل تعبيد الطرق العامة وبناء المدارس والجامعات والمستشفيات والمساجد وإمدادات المياه والخدمات المماثلة. 6- حالات الطوارئ مثل المجاعات والزلازل والفيضانات وتفشي الأمراض وهجمات العدو.

أيها المسلمون في الباكستان! قال الله سبحانه وتعالى: ﴿وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى﴾، إن سبب وضعنا الاقتصادي البائس هو أن حكومة "إنصاف" تجاهلت أحكام الإسلام، ورهنت سيادتنا الاقتصادية إلى صندوق النقد الدولي. وهي تفرض ضرائب باهظة تتجاهل تماماً القدرة المالية للأفراد وتخنق اقتصادنا. وهي تنفق على ما حرمه الله وأغرقتنا في الديون الربوية. والحقيقة هي أنه لن نكسر صحن الشحاذ ولن نجد الراحة ما لم نطبق الإسلام. وبعد خيبة الأمل الساحقة التي أحدثتها حكومة "إنصاف" فإنه بالتأكيد حان الوقت لأن نعمل جميعاً مع حزب التحرير من أجل إقامة الخلافة على منهاج النبوة.


المكتب الإعلامي لحزب التحرير في ولاية باكستان