وصف الله سبحانه الكافرين بأنّهم أولياء بعض ﴿وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ﴾، وحدثنا القرآن عن عدائهم للإسلام والمسلمين فقال جلّ من قائل: ﴿قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ ‏مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ﴾، يقول ابن كثير في تفسيره للآية أي: قد لاح على صَفَحات وجوههم، وفلتات ‏ألسنتهم من العداوة، مع ما هم مشتملون عليه في صدورهم من البغضاء للإسلام وأهله، ما ‏لا يخفى مثله على لبيب عاقل؛ ولهذا قال تعالى بعدها: ﴿قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الآيَاتِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ﴾.

هذا هو حال الكفّار في كلّ زمان ومكان؛ حقد وعداء صارخ للإسلام والمسلمين، فهم لا يرقبون في مؤمن إلاً ولا ذمة، وهم رغم اختلافهم فيما بينهم على المصالح السياسية والاقتصادية إلا أنّهم متفقون في حربهم على الإسلام والمسلمين، فلا توجد حرب أو مجزرة ارتكبت ضدّ المسلمين قديماً وحديثاً إلا وشاركت فيها الدول الغربية بالأصالة أو بالوكالة أو على الأقل سكتت عنها وتواطأت مع الظالمين المجرمين، وحرب البوسنة التي دارت رحاها ما بين عامي 1992م و1995م شاهدة على ذلك، فقد أشعلت هذه الحرب بحقد دفين على الإسلام والمسلمين، وتواطؤ أوروبي-أمريكي كبير وتشجيعهم للصرب على اقتراف الجرائم والمجازر الوحشية في الحرب، حيث خشيت هذه الدول إقامة البوسنيين لدولة إسلامية في وسط أوروبا، وهي الذريعة ذاتها التي لأجلها يُحارَب المسلمون ويُضيّق عليهم في المجتمعات الغربية خوفاً من أسلمة هذه المجتمعات، ولأجلها قامت الحروب الاستعمارية - ولا تزال - في بلاد المسلمين لمنع عودة الخلافة، فقد أرجع رئيس صرب البوسنة ميلوراد دوديتش أمام محكمة الجزاء الدولية سبب النزاع الذي مزق البوسنة خلال سنوات إلى "رغبة المسلمين في إقامة دولة إسلامية". وجاء تصريح دوديتش في سياق شهادته في محاكمة رادوفان كرادجيتش، المتهم بارتكاب جرائم ضد الإنسانية، بناء على طلب من الأخير. (فرانس برس 2013/04/09).

لقد كانت الدول الغربية وحلفها الأطلسي (الناتو) منحازة إلى صفوف الصرب في حربهم ضد مسلمي البوسنة، وسفكت دماء المسلمين الطاهرة بمساعدة دول هذا الحلف كما سفكت في العراق وأفغانستان وسوريا وغيرها من بلاد المسلمين، فقد قدمت دول الحلف دعماً مادياً وعسكريا للمجرمين الصرب، في حين فرض الغرب حظراً ‏صارماً على الأسلحة ما جعل من المستحيل تقريباً على المسلمين البوسنيين الحصول على الأسلحة. وقد تحدث رئيس مجلس الرئاسة السابق في البوسنة والهرسك الدكتور حارث سيلاذيتش في شهادته السابعة لبرنامج "شاهد على العصر" المذاع على قناة "الجزيرة" في 2015/12/27 عن الدور القذر الذي لعبته هذه الدول في الحرب وعن الانحياز الأممي للجانب الصربي، فقال إنّ الصرب كانوا يحظون بدعم القوة الروسية عسكرياً ومعنوياً. وأنّ المجازر كانت تجرى في البوسنة تحت سمع وبصر الأمم المتحدة وحلف شمال الأطلسي (ناتو)، وقال إنّ الصرب كانوا يتلقون الدعم من القوى الكبرى مثل فرنسا وبريطانيا". بل إنّ مخابرات أمريكا رأس هذا الحلف المجرم قد كانت تعلم عن المجازر التي ترتكب بحق المسلمين هناك لكن الإدارة الأمريكية حجبت هذه التقارير وأبقتها طي الكتمان حسبما نشرت صحيفة الغارديان البريطانية (مجلة الوعي العدد 66 - السنة السادسة، ربيع الآخر 1413هـ، حزيران 1992م).

إنّ الجرائم التي ارتكبت تحت أنظار المجتمع الدولي وأجهزته متمثلة في الأمم المتحدة بحق مسلمي البوسنة لا يستطيع العقل تصورها وتصور بشاعتها، حيث تسببت في إبادة أكثر من 300 ألف شخص، باعتراف الأمم المتحدة والمقابر الجماعية شاهدة على حجم هذه المجازر وفظاعتها، وشرد ما يقارب 2.2 مليوناً آخرون، ، فيما تمّ انتهاك أعراض أكثر من 50.000 امرأة. وهدّم فيها أكثر من 800 مسجد بعضها يعود بناؤه إلى القرن السادس عشر الميلادي، وأحرقت فيها مكتبة سراييفو التاريخية، وجوّع فيها الآلاف تحت الحصار حتى غدوا هياكل عظمية، وارتكبت فيها أكبر مذبحة بعد الحرب العالمية الثانية (مذبحة سربرينيتشا) والتي قتل فيها أكثر من (8 آلاف) مسلم تحت سمع وبصر قوات الأمم المتحدة، بل بتواطؤ منها بعدما أعلنتها مدينة آمنة تحت حماية قوات الأمم المتحدة، وتم فرز كتيبة هولندية مؤلفة من 400 جندي لحماية المدينة، وللأسف الشديد صدّق المسلمون كذب الأمم المتحدة، وقام ثوار المدينة الذين نذروا أنفسهم للدفاع عن حياة السكان وأعراضهم بتسليم أسلحتهم للكتيبة الهولندية، وفي شهر تموز عام 1995م، تحركت قوات الإجرام الصربية ودخلت المدينة تحت سمع وبصر قوات الأمم المتحدة، وتم حينها عزل الرجال عن النساء، وبدأت المجزرة التي استمرت من السادس وحتى الخامس والعشرين من تموز بكل دم بارد، لم تفعل الأمم المتحدة ولا أفراد الكتيبة الهولندية أي شيء لحماية المسلمين، بل قاموا بتسليم كل من استنجد بهم إلى القوات الصربية التي كانت تعدمهم على الفور.

وقد قامت الأمم المتحدة بتطبيق هذا السيناريو في سوريا في حلب وإدلب وغيرها من المناطق، حيث أعلنت عن مناطق آمنة ونزعت سلاح الثوار وحصرت المدنيين في مناطق محددة وسهّلت على النظام المجرم وحلفائه قصف المدنيين واستعادة النظام للمناطق المحررة.

لقد لُدغ المسلمون من جحر الدول الغربية وأدواتها من المؤسسات الدولية عشرات، بل مئات المرات في البوسنة والعراق وفلسطين وأفغانستان وسوريا وغيرها من بلاد المسلمين مع أنّ رسولنا ﷺ حذرنا بأنّه «لَا يُلْدَغُ الْمُؤْمِنُ مِنْ جُحْرٍ وَاحِدٍ مَرَّتَيْنِ»، وقد كانت النتائج في كلّ مرة كارثية، وحلولها التي طرحتها لحل النزاعات وإنهاء الحروب كانت مدمرة لا تخدم سوى مصالحها، وهي لا تخرج في مجملها عن نشر قوات دولية تشكل احتلالاً جديداً للبلاد بحجة حفظ السلام، وهي لم تكن يوماً لحماية المسلمين وحفظ أمنهم، بل إنّ أفرادها قد كانوا كالذئب المؤتمن على الغنم، والانتهاكات والاعتداءات الجنسية وانتهاك أعراض النساء في السودان وأفريقيا الوسطى وغيرها من المناطق، شاهدة على ذلك. أو توقيع هدن واتفاقيات سلام مزعوم تُمكّن عملاءها من السيطرة على البلاد والمقدرات، وتقسم بلاد المسلمين وتمزقها كاتفاقية دايتون التي تمّ توقيعها لإنهاء حرب البوسنة.

إنّه لا يُرجى أي خير من الكافرين وأدواتهم للمسلمين ولقضاياهم، وهذه الحقيقة نطقت بها الآيات والأحاديث، وصدّقها الواقع، وقد حذرنا ربنا سبحانه وتعالى من الركون إلى الظالمين وأنّه سبحانه سيخلينا من نصرته وسيسلط علينا عدوّنا إن نحن فعلنا ذلك ﴿وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُم مِّن دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ ثُمَّ لَا تُنصَرُونَ﴾. فالعون والنصر لا يكون إلا من الله وحده، وولاؤنا لا يكون إلا لله ورسوله والمؤمنين.

كتبته لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
براءة مناصرة