منتدى الناقد الإعلامي

السلام عليكم , للمشاركة اختر ( دخول | تسجيل )



ملتيميديا

مقتطفات فيديو من انتاج الشبكة

> أزمة نظام الرأسمالية والعولمة في مأزق, قراءة في كتاب " أزمة نظام: الرأسمالية والعولمة في مأزق" لمؤلفه
امة الله
المشاركة Nov 12 2011, 02:07 PM
مشاركة #1


ناقد متميّز
****

المجموعة: الأعضاء
المشاركات: 224
التسجيل: 22-September 11
رقم العضوية: 28





قراءة في كتاب " أزمة نظام: الرأسمالية والعولمة في مأزق" لمؤلفه: د. عبد الحي زلوم





د. عبدالحي زلوم : أنهى دراسته الابتدائية والثانوية في القدس، والجامعية الأولى والعليا في الهندسة والإدارة والإدارة العليا في جامعات الولايات المتحدة بما فيها جامعة هارفارد. ولقد تعايش وخبر النظام الأمريكي لأكثر من نصف قرن، كما عمل مع العديد من الشركات العبرقطرية في الولايات المتحدة وأوروبا، كما عمل مستشاراً عالمياً في قطاع النفط وله ستة مؤلفات في الاقتصاد السياسي.


في كتابه “نذر العولمة” الذي صدر سنة 1998 بيّن د. عبدالحي زلوم أن النظام الرأسمالي قد ركب ثورة المعلومات فأوجد نظاماً اقتصادياً مالياً موازياً للاقتصاد المنتج، وأصبح عبئاً عليه يعيش على المضاربة فحوّل أسواق المال إلى كازينوهات للمقامرة تصب في جيوب بارونات المال العالميين.

وفي كتابه “امبراطورية الشر الجديدة” أوضح د. عبدالحي زلوم أن عقد التسعينات كان كعقد العشرينات وأن الأسباب نفسها تعطي النتائج نفسها. فكما كانت نتيجة ممارسات العشرينات كساداً كبيراً دام أكثر من عشر سنين، بيّن د. زلوم أن العقد الأول من القرن الواحد والعشرين سيشهد انهياراً اقتصادياً، بحيث كان الفصل الأخير من كتاب

“حروب البترول الصليبية” لسنة 2005 معنوناً : الإمبراطورية الأمريكية: نهايتها سكتة قلبية اقتصادية.

هذا الكتاب “أزمة نظام” يبين أن النظام الرأسمالي قديمه جديد وجديده قديم، يعيش على الحروب واستلاب ثروات الآخرين، وأن “تاريخ صلاحيته” قد قاربت نهايتها.

الحلقة الأولى:

في كتابنا “نذر العولمة” بيّنا أن الرأسمالية المعلومالية قد مزجت بين قوة المال وقوة الإعلام وقوة علوم التسويق للبضائع والسياسيين، وهذه العناصر أسميناها في كتابنا إياه بالإنجليزية The Three Ms لأنها جميعاً تبدأ بالحرف M Money) ، Media،(Marketing .

وحيث تم تغيير مفهوم المال حتى أصبح بدوره سلعة من السلع، صار وهماً ونبضة في كمبيوترات البنوك والشركات المالية، وصار غسل دماغ الجماهير الدعامة الأساسية لهذا الثالوث، وذلك النظام، فأصبح دور الإعلام طاغياً، مما جعل أصحاب البيوتات والمؤسسات المالية وأصحابها يهرعون لاحتكار أجهزة الإعلام المختلفة ليتقلص عدد شركاتها الكبرى من 30 إلى 5 خلال آخر عقدين، تربع على رأس هذه الشركات الخمس أصحاب البنوك أنفسهم. وحين كتابة هذه السطور كان رؤساء هذه الشركات الخمس من ملة واحدة!

عندما زار وفد صحافي من الاتحاد السوفييتي الولايات المتحدة في الثمانينات من القرن الماضي، وقبل مغادرتهم، سأل أحدهم ضيوفه الأمريكان : “كيف تستطيع ماكينة الإعلام الأمريكية أن تتحكم لهذه الدرجة، حيث إننا وجدنا الرسالة نفسها، والنص نفسه في سائر أنحاء الولايات المتحدة ومن مؤسسات الإعلام كافة، وبطريقة لم نستطع نحن في الاتحاد السوفييتي تحقيقها رغم تمركز آلة الإعلام بأيدي حزبنا”.

نقتبس في هذا الكتاب قول البروفيسور كويغلي Quigly من جامعة جورج تاون، والذي علّم طلابه (ومنهم بيل كلينتون) أن برامج الحزبين الأمريكيين في جوهرهما برنامج واحد في خطوطه العريضة، وأن الإدارات التي تأتي للسلطة تأتي لتنفيذ تلك المخططات مع حرية حركة تكتيكية محدودة. وتتحمل الإدارات الأمريكية كل “أوساخ” تلك البرامج باعتبارهم المسؤولين عنها، وذلك بمنأى عن أصحاب النظام الحقيقيين الذين جيّروا تلك البرامج لمصالحهم الضيقة. جاء كلينتون وراح كلينتون، جاء بوش، وراح بوش، وجاء أوباما وسيروح أوباما، وقد علقت بهم كل أوساخ النظام لفترات حكمهم، لكن أصحاب النظام الحقيقيين باقون، يلعنون مع الجمهور “وساخة” هذه الإدارات، وتبدأ ماكينة إعلامهم بالتبشير أنه ما علينا إلا أن ننتظر الإدارة التي ستأتي حتى تصبح كل الأمور على ما يرام! فالمشكلة في هؤلاء (الأوغاد) كما أسماهم البروفيسور غويغلي!. هذا ما يريد أصحاب النظام أن يوحوا به، مع أن المشكلة والأزمة هي أزمة نظام.

سيبين هذا الكتاب أن الرأسمالية منذ نشأتها قبل 500 سنة عاشت على الأكاذيب والحروب والعبودية واستعباد الشعوب، تديرها فئة قليلة جداً من بارونات المال العالميين. ولقد وظف هؤلاء في خدمتهم الإعلام على مدى القرون فملكوه وأداروه، سواء عندما كان يعتمد على الشائعات الكاذبة أو الصحف أو على الإذاعة والتلفزيون. كانت أضخم صفقة نفذها روتشايلد هو بمعرفة نتائج معركة واترلو قبل الآخرين، فادّعى أن انجلترا قد خسرت الحرب وباع بعض أسهمه، ما سبب انهيار البورصة.عندها قام بشراء كميات هائلة من الأسهم بأبخس الأسعار التي ارتفعت إلى سابق عهدها، بعدما تبين أن بريطانيا هي التي ربحت تلك المعركة. يقول روتشايلد مفتخراً: “لقد كانت هذه صفقة عمري”. كان الحمام الزاجل هو من أوصل خبر نتيجة معركة واترلو لورتشايلد. وما إن بدأت التقنية الحديثة بدءاً بالتلغراف حتى قام أصحاب النظام الرأسمالي بتأسيس المؤسسات الإخبارية ووكالات الأنباء وسائر وسائل التأثير الجماعي. كان من أوائل هؤلاء إسرائيل بير جوزيفات (Israel Beer Josephat) والذي اقتضت متطلبات المهنة أن يغير اسمه إلى رويتر، وديانته من اليهودية إلى الكاثوليكية، كما فعل الرئيس البريطاني دزرائيلي ذلك في عهده، وكما فعلت مدلين اولبرايت ووالدها جوزيف كوربل من بعده. وصاحبنا هو مؤسس وكالة رويتر للأنباء. ولقد اهتم هؤلاء بالاستيلاء على مصادر الأخبار ثم أدوات نشرها، فلقد تعلموا من تجاربهم أن ذاكرة الشعوب قصيرة المدى واعتمدوا مقولة اكذب اكذب يصدقك الناس. ولكي يعطوا أكاذيبهم طابع الصدق والعدل بل القداسة، وظفوا كهنة لنظامهم أسموهم “الاقتصاديين”، والذين كانوا وما زالوا يزاولون دور وعاظ السلاطين بإصدار الفتاوى من نوع “ادفع وارفع”.

وفي كل عصر وحقبة من الزمن نجد بأن بارونات المال هؤلاء قد “لمّعوا” أحد هؤلاء ليضفوا عليه هالة القداسة، وأنه إذا “قال فصدقوه”. عند انهيار النظام كما حصل أيام الكساد الكبير، كان هناك جون مينارد كينز John Maynard Keynes ، والذي نظّر بضرورة تدخل الدولة لتقليم أظافر السوق وكذلك بالإنفاق عن طريق العجوزات أثناء الأزمات إلى أن يتم إنقاذ النظام. وما فتئ النظام بعد ذلك إلاّ أن أخرج كبير كهنة جديداً، فجاء ملتون فريدمان يقول: إن تدخل الدولة هو أبو الشرور، فتم فكفكة ما تم وضعه من قوانين معتمدة على الأرذوكسية الكينزية خصوصاً في عهد ريغان، ثم جاء رئيس البنك المركزي بول فاولكر ومن بعده آلان غرينسبان، والذي حكم النظام المالي الأمريكي ومن ثم العالمي 16 سنة ونصف السنة ليقول لنا أمام لجنة تقصي حقائق عن أسباب الأزمة الاقتصادية في الكونغرس في أكتوبر سنة 2008: “إنني مصاب بالذهول... فأنا أعرف بأن هناك خطأ ما في النظام... لكني لا أعرف ما هو...”. لا فُضّ فوه!

لكن السؤال : لماذا علينا أن نصدق فولكر أو غرينسبان أو حتى بن شلومو برنانكي، الذي جاء وول ستريت به لينقذ مؤسساته المالية؟ فشلومو برنانكي كانت رسالة الدكتوراه خاصته عن الكساد الكبير... يا للصدفة جاء قبل أن يُعلن للملأ عن كساد كبير أو تباطؤ كبير... سمه ما شئت! أم هي صدفة إن جيء به هذه الأيام وهو الذي وصل إلى نتيجة في رسالة دكتوراه مؤداها أن أُم المشاكل هي السماح بانهيار البنوك، وعلى الدولة حمايتها بسائر الوسائل، وهكذا انقلبت الدولة الرأسمالية التي كانت تلعن تدخل الدولة وجعلته من المحرمات على دول شرق جنوب آسيا أثناء أزمة التسعينات، مُعلنة أن على البنوك الضعيفة والشركات الضعيفة أن تنهار، حيث ما لبث أن ذهب بارونات المال العالميون لشرائها بأبخس الأثمان. لكن اليوم، أصبحت تلك المحرمات حلالاً، وبدأت الحكومة بشراء الحصص وضخ المليارات لوقف الانهيارات لمؤسسات باروناتها! ورسالة دكتوراه برنانكي كانت من أشهر الجامعات الأمريكيةMIT ، وكان المشرف عليها الأستاذ في تلك الجامعة آنذاك البروفيسور ستانلي فيشرStanley Fisher ، والذي انتقل ليصبح نائب مدير صندوق النقد الدولي وهو اليوم رئيس البنك المركزي ل”إسرائيل”!

إذا كان الأمر بهذا الوضوح فهل علينا أن نبقى كتنابل السلطان نسير من أزمة إلى أزمة... إلى حتفنا... أم أن علينا إصلاح ذات بيننا وتفحص ما يجري حولنا؟

هل أتاك حديث مادوف وبلاغوجيفيتش؟

برنارد مادوف هو ابن وول ستريت البار. أسس سنة 1960 شركة برنارد مادوف للاستثمار عندما كان في الثانية والعشرين من عمره وكان رأسماله حينئذٍ 5000 دولار. بقي مادوف رئيس مجلس إدارة هذه الشركة حتى 11 ديسمبر 2008 حينما ذهب وأخبر أولي الأمر أن شركته كانت تمارس الخداع والغش والكذب خلال سنوات عملها، وكان قد أخبر بعض مديريه الشيء نفسه قبل يوم من افصاحه عن سوء أمره قائلاً : “كان الأمر كله كذبة كبرى”. وصل مادوف إلى أعلى المراكز في وول ستريت بما في ذلك رئاسة مجلس إدارة ناسداك Nasdaq أهم سوق مالي لشركات التكنولوجيا في العالم لعدة سنوات. كان لآخر أيامه ممن يسمون في وول ستريت “صناع السوق”. (خسائر) مادوف كانت 50 مليار دولار أي 000.000.000.50 دولار عداً ونقداً !!!... وما كادت الفضيحة أن تنكشف حتى أفصحت العديد من البنوك العالمية داخل الولايات المتحدة وخارجها في بريطانيا، وإسبانيا، وفرنسا، وايطاليا وهولندا وغيرها انها قد أصابتها خسائر جسيمة لأنها كانت تستثمر مع مادوف. كان مادوف، حسب صحافة وإعلام وول ستريت رجلاً تقياً نقياً طاهراً ورعاً، حيث أنه كان يكثر أعمال الخير خصوصاً للمؤسسات اليهودية و”اسرائيل”.... بل وكان في مجلس امناء إحدى الجامعات اليهودية.

حسب ما نقلته وكالة الصحافة الفرنسية AFP في 18/12/2008 فلقد ظهر على الإنترنت طوفان من الرسائل “المعادية للسامية” (وهنا نضع معادية السامية بين قوسين). قالت وكالة الأنباء هذه بأن “مادوف، ذا السبعين عاماً، يهودي الديانة، وعضو بارز في الجالية اليهودية الأمريكية ذات النفوذ القوي”. ثم تقتبس الوكالة ما قالته “رابطة الدفاع ضد التمييز” اليهودية ADF عن هذا الموضوع : “قام البعض بكتابة تعليقات بالغة الإهانة عن علاقة اليهود والمال حتى أن بعضهم قال إنه لا يستطيع أحد القيام بعملية غش كهذه إلاّ اليهود كما أن آخرين ادعوا (في نظريات مؤامرة) بأن سرقات اليهود هذه انما هي لمساعدة “إسرائيل””. واستطرد الناطق باسم رابطة ADL أنه حتى بعض الجرائد، وليس مواقع الإنترنت فقط، كانت من اولئك الذين انضموا إلى تلك الحملة ومنهم نيويورك بوست، ومجلة “فوربس”. لكن الغريب أن مواقع جريدة “هآرتس” و”الجيروسالم بوست” كانا ضمن تلك المواقع التي ورد فيها مثل هذه الاتهامات “اللاسامية”. إذن مهاجمة الغش والخداع والسرقة هي (لا سامية) و(نظرية مؤامرة) حتى ولو كان على موقع جريدة “إسرائيلية”! أليس هذا هو الابتزاز بعينه؟؟

بينا في هذا الكتاب أن ممارسات أسواق المال منذ كانت هناك أسواق مال هي نفسها، جديدها قديم، وقديمها جديد. بينّا أن الفقاعات الاقتصادية كانت تُمارس حتى قبل 300 سنة، حيث بينا فقاعة شركة بحر الجنوب سنة 1720 والتي يُظّن أنها قد حدثت بالأمس. حتى أن ممارسات مادوف ما هي إلا نسخة طبق الأصل عن ممارسات تشارلز بونزي Charles Ponzi في العشرينات من القرن الماضي.

بدأ بونزي فقيراً معدماً كما كان الحال مع مادوف، إلى أن عمل مع أحد أصحاب البنوك “الفاسدين” في كندا حيث تَعلّم منه آخر علوم النصب، والنصب هو أحد علوم مهنة أسواق المال وأصحابها التي ورثوها أباً عن جد على مدى التاريخ. ما تعلمه هو ما يسمى Pyramid Scams وملخصها الدفع للمستثمرين القدامى من أموال المستثمرين الجدد بناء على مشاريع وهمية. ووَعَد بونزي بدفع فائدة 50% على أي مبلغ استثمار لمدة 90 يوماً فقط. خلال سبعة شهور جمع 30000 مستثمر دفعوا 9 ملايين دولار وهو مبلغ ضخم في تلك الأيام. ذاع صيته في كل مكان. وبعد أن بدأ عملية احتياله وبجيبه دولاران فقط، امتلك قصراً وسيارات فارهة إلى أن تم اكتشاف أمره بعد أن كان ما كان! وهذا ما قام به مادوف... بل هذا ما تقوم به شركات المال وباروناتها العالميون.

إذا كانت أخلاقيات نظام السوق الرأسمالي تسمح ببيع السلع والسياسيين واقتراف الجريمة باعتبارها عمليات سوق لا تخضع لمعايير أخلاقيه، فدعنا نرَ كيف ينطبق ذلك على بيئة شيكاغو وحزبها الديمقراطي الذي أوصلت ماكنته السياسية باراك اوباما إلى أعلى مناصب الدولة.

يقول ديك سمبسون Dick Simpson أستاذ العلوم السياسية بجامعة إلينوي في شيكاغو إن أكثر من ألف شخص قد تم ادانتهم على خلفية جرائم سياسية اقترفت منذ السبعينات من القرن الماضي كان منهم ثلاثون ممن وصلوا إلى مراكزهم عبر صناديق الاقتراع إلى مناصب عامة ومهمة. كان آخر هؤلاء حاكم ولاية إلينوي الحالي (بلاغوجيفيتش Blagojevitch) والذي تم اعتقاله واطلاق سراحه بكفالة في 9/12/2008. وهذا ما نقلته وكالة الأسوشيتيد برس في 24/12/2008: “أوقف بلاغوجيفيتش في التاسع من كانون الأول وأفرج عنه بكفالة. وكشفت نصوص الاتصالات الهاتفية التي نشرها مكتب التحقيقات الفدرالي (اف بي آي) أنه حاول بيع مقعد سناتور إيلينوي الذي بقي شاغراً بعد انتخاب أوباما رئيساً للولايات المتحدة. وكشف التنصت على مكالمات حاكم إيلينوي أنه كان غاضباً لأن فريق أوباما لم يقدم له سوى التقدير مقابل تعيين هذه الشخصية أو تلك... ويعود إلى حكام الولايات المتحدة تعيين أعضاء مجلس الشيوخ الذين تصبح مقاعدهم شاغرة، بانتظار الانتخابات المقبلة لمجلس الشيوخ بعد سنتين.

ويُمكن أن يحكم بالسجن على بلاغوجيفيتش المتهم بالاحتيال والفساد والذي يخضع لتحقيق حول قضية أخرى مما يفسر تمكن مكتب التحقيقات الفدرالي من التنصت على اتصالاته بإذن من القضاء”.

إذن، منصب أوباما السابق والذي وصل إليه أوباما عبر ماكينة الحزب الديمقراطي السياسية والتي أوصلت أوباما إلى البيت الأبيض هو الآن معروض للبيع... عدّاً ونقداً، كما بينته تسجيلات مكتب التحقيقات الفدرالي، ولكن أليست هذه حالة فريدة أردنا أن نعمل بها “من الحبة قبّة”؟ يقول البروفيسور سيمبسون إنه حين إدانة الحاكم الحالي ودخوله السجن سيكون أربعة من أصل آخر ثمانية حكام لهذه الولاية قد دخلوا السجن على خلفية الفساد والاختلاس والابتزاز... أربعة من ثمانية تعني 50% - أي النصف. لكن لماذا علينا نحن “أصحاب نظريات المؤامرة” أن ننظر إلى نصف الكوب الفارغ، فهناك نصف ملآن؟ ثم تفاءلوا بالخير تجدوه عند أوباما... وإلاّ فالذي بعده أو الذي بعد الذي بعده ! أوليس من الأفضل أن نحمد الله كثيراً أن بلاغوجيفيتش لم يكن هو الذي وصل إلى الرئاسة الأمريكية؟ لكن هل كان ذلك ممكنا؟

نطالب بالرأفة ل بلاغوجيفيتش، فهو قد لعب ضمن قواعد اللعبة في الرأسمالية الأمريكية كما وصفها الأستاذ ليستر ثورو وكما وصفتها ال “نيوزويك”، لكنه لسوء حظه قد انكشف أمره.

المحزن أن خسائر الدول العربية وخصوصاً الصناديق السيادية لدول النفط العربية قدرت بحوالي 2600 مليار دولار من جامعة الدول العربية، وهو مبلغ يزيد مرة ونصف المرة على جميع موجودات البنوك العربية مجتمعة من المحيط إلى الخليج، بل ويزيد على مجموع الدخل القومي السنوي للدول العربية مجتمعة من المحيط إلى الخليج، بما في ذلك الموارد من النفط والغاز. أما ما قدرته الأمم المتحدة من الخسائر العربية حتى منتصف ديسمبر / كانون الأول 2008 فكان 650 مليار دولار، خمسة في المائة من هذه الخسائر لو تم استثمارها في الزراعة في بلد كالسودان، لأصبح سلة غذاء للعالم العربي بأجمعه، أو 10% من هذه الخسارة كان يمكن أن يقيم قاعدة صناعية حقيقية في هذا البلد العربي أو ذاك. بل كان يمكن بأقل من عشرين في المائة من هذه الخسائر أن تقوم بسداد كافة الديون عن الدول العربية. هذه الخسائر في وقت تعاني شعوب منطقتنا من الجهالة والفقر وفي وقت سيدخل فيه سوق العمالة العربي 80 مليون طالب عمل جديد خلال السنوات العشر المقبلة.


أخو نابليون كتب إلى أخيه ناصحاً: حذار إذا جاعت الجماهير ! سؤالنا : لماذا على دول النفط أن تنتج من النفط أكثر من احتياجاتها للتنمية فتحول هذه المادة الثمينة من كنز ترتفع أسعاره مع الأيام باقياً آمناً تحت أراضيها، إلى أوراق كسندات خزانة في أمريكا أو كاستثمارات عند مادوف ومن على شاكلته؟ ولماذا لا تستثمر هذه الفوائض في بلدانها و/ أو بلدان أشقائها لتصبح ثروة حقيقية منتجة لا أوراق تتآكل لألف سبب وسبب؟ أم أن سؤالنا قد أخطأ العنوان؟ فالجواب في مكان آخر... هناك...!.

ما قاله مادوف عن شركته “كان الأمر كله كذبة كبرى” يمكننا قوله عن النظام كله.

الإصلاح في عالمنا العربي

ليست المشكلة بالآخرين وحدهم، فنحن ما بين فئة قليلة تطابقت مصالحها مع من هم خارج أوطانها أو ممن شغفهم الغرب حباً، وهؤلاء قال عنهم ابن خلدون قبل بضع مئات من السنين بأن “عبودية العقل هي أقسى أنواع العبوديات”، وبين فئة جمدت حضارتنا العظيمة في ثلاجة الزمن البعيد، دون الأخذ بأدوات التحديث والعصر في حضارة حثت على الأخذ بالعلم حتى ولو في الصين.


هل هناك شرق أوسط جديد؟ الجواب نعم، هناك طفل قد يكون اسمه الشرق الأوسط الجديد وقد لا يكون ! وهو - كما قالت عنه كوندوليزا رايس - في مخاض آلام الولادة. هو لن يكون بمواصفات رايس أو شمعون بيريز. لا أدري مَنْ غيرُ الله يدري كيف سيكون هذا الوليد لأنه من أطفال الأنابيب، وهو قادم من رحم قانون “العواقب غير المحسوبة The Law of Unanticipated consequences لا من واشنطن ولا من أحبائها.


ليس للأباطرة أصدقاء ولا صداقات. مات ماركوس في منفاه، وضاقت الأرض بما رحبت لقبرٍ يوارى به جثمان شاه إيران. جندت الولايات المتحدة ألوف المتطوعين البسطاء ليجاهدوا معها ضد الكفار السوفييت في أفغانستان. وبعد أن قضي الأمر، أين أصبح هؤلاء؟ منهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر في غوانتانامو! ثم أين هو سوهارتو؟ وأما مانويل نورييغا فلقد بدأ حياته مخبراً ثم عميلاً من الدرجة الممتازة لوكالة المخابرات المركزية الأمريكية، حيث أوصلته إلى حكم جمهورية بنما. أما اليوم فهو السجين رقم 41586 في أحد سجون ميامي الفيدرالية بولاية فلوريدا”.

[font="Arial"][/font]

الحلقة الثانية
.
.
.
يتّبع ان شاء الله
Go to the top of the page
 
+Quote Post
 
Start new topic
الردود
امة الله
المشاركة Nov 13 2011, 10:00 AM
مشاركة #2


ناقد متميّز
****

المجموعة: الأعضاء
المشاركات: 224
التسجيل: 22-September 11
رقم العضوية: 28



الحلقة الثانية


مع أن الناس قد أصبحوا واعين لظاهرة ما أسموه بالعولمة في الربع الأخير من القرن العشرين، إلا أن ذلك كان نتيجة السرعة التي طرأت على عملية وديناميكية العولمة، والتي تسارعت نتيجة تسارع الاكتشافات التكنولوجية في الفضاء، والاتصالات، وتقنية المعلومات. ولقد كانت عملية العولمة بطيئة، تكاد تكون بشكل غير محسوس، إلا أن تسارع الأحداث والاكتشافات قد جعلت ملاحظتها أمراً لا يمكن تجنب رؤيته أو ملاحظة تأثيراته، لأنها قد أصابت دروب الحياة كافة. وما ندعيه هنا أن عملية العولمة كانت عملية تتطور ببطء على مدى التاريخ إلا أنها أخذت وتيرة ثورية في العقود القليلة الماضية.

إن عملية العولمة هي تطور طبيعي، اللهم إلا أن الاختلاف هو في النظم التي تتحكم بها. فهي مثل جهاز الكمبيوتر، المهم ما هو النظام Soft Ware الذي يتم تشغيله على هذا الجهاز. وكما يقال عن الكمبيوتر Garbage in، Garbage out ، أي إذا كانت المدخلات خاطئة، فكذلك ستكون النتائج. وإن مدخلات عولمة الرأسمالية التي تعتمد على الجشع والكذب والمادية المجردة والمضاربات والحروب لا يمكن لمخرجاتها إلا أن تكون ما نرى عالمنا عليه أيامنا هذه.

قبل أكثر من مائة وخمسين سنة، وتحديداً في سنة 1848 نظّر كارل ماركس أن ضرورات الإنتاج الرأسمالي ستدفع بالرأسماليين للذهاب إلى كل مكان، وأن يؤسسوا التجارة في كل مكان، ما حدا ب Paul Lewis بول لويس أن يكتب في ال”نيويورك تايمز” بتاريخ 27 يونيو/ حزيران 1998 “عندما يزور القراء (المانيفستو الشيوعي) في عامه الخامس بعد المائة، يفاجأ القراء سواءٌ كانت ميولهم نحو اليمين أم اليسار بدقة تعريف كارل ماركس للاقتصاد العالمي هذه الأيام”. يبدو أن ماركس عرف الداء لكنه لم يعرف الدواء.

كان الانتقال من الإقطاعية إلى الرأسمالية في أوروبا ناتجاً عن تغيرات إيديولوجية وتكنولوجية. كانت الثورة البروتستانتية، أو ما أسماه البعض “عصر التنوير” هو الغطاء الإيديولوجي الذي حلل الربا، والذي حرمته الشرائع الدينية كافة من الإسلام إلى المسيحية وحتى اليهودية، التي سمحت به فقط على الغوييم من غير اليهود وحرمتهُ بين اليهود أنفسهم.

أما الاختراعات التكنولوجية فكانت استعمال البخار في الصناعة، والقطار، ومحرك الاحتراق الداخلي، والكهرباء، والطاقة النووية وأخيراً الذكاء الاصطناعي والكمبيوتر. نتج عن هذه الاختراعات تطوير الأسواق من محلية إلى إقليمية إلى قومية ثم إلى عالمية، فتم تركيب مبادئ الرأسمالية على أدوات العولمة هذه، مما نتج عن ذلك ما أسلفنا من نتائج هي من طبيعة ذلك النظام من الإنتاج الكمي، ومن حروب واضطرابات ومصائب، فتقدم الوسائل وقوتها جعل من كل حرب أشرس مما قبلها، ومن كل كارثة اقتصادية أشد ضراوة وقسوة من سابقاتها، ومع أن كلمات العولمة قد كثر استعمالها مؤخراً إلا أنها كانت تتطور مع الزمن ابتداء من طريق الحرير وحتى اليوم. لقد ترجم المسلمون علوم وفلسفة اليونان والرومان وأضافوا عليها كعلم الجبر، بل اختراع “الصفر”، ومن دونه فإن علوم الكمبيوتر والتي تعتمد عليه ما كان لها أن تنطلق وتطلق عصر معلوماتنا هذا. كما ترجم الأوروبيون أعمال المسلمين العلمية والأدبية وأضافوا عليها.

كانت سرعة الحركة والانتقال وسرعة تطور العولمة تتطوران تطوراً طردياً. فحتى القرن التاسع عشر كان الحصان هو السرعة القصوى للانتقال، إلى أن جاء القطار فأصبحت سرعته تصل إلى 150 كيلومتراً في الساعة، ثم السيارات فالطائرات والصواريخ. وكان إنتاج النفط بكميات كبيرة وبوسائل حديثة سنة 1859 نقطة حاسمة، بحيث يمكن الادعاء أننا في آخر سنوات القرن التاسع عشر وحتى اليوم نعيش ما يمكن تسميته عصر النفط، وبعد انطلاق الثورة الصناعية أصبح من يسميهم المؤرخون الأمريكيون أنفسهم بالبارونات اللصوص، خلفاً لبارونات الإقطاع، وأصبح هؤلاء هم عماد النظام الرأسمالي الصناعي، فالرأسمالية قد اشتقت اسمها من الرأسمال وسُخر النظام كله لخدمة رأس المال وأصحابه.

تجارة حرة بقوة السلاح

بينما كان التنافس بين الإمبراطوريتين البريطانية والفرنسية يزداد حدة، أبحر نابليون على رأس 40000 جندي تحملهم 300 سفينة لغزو مصر. واحتل القاهرة في 25 يوليو/ تموز 1798 بعد معارك غير ذي شأن. وتماماً كما دخل الأمريكان بغداد في 9 ابريل/ نيسان ،2003 أصاب المماليك وجيشهم وأهل القاهرة “الصدمة والرعب”، وهذا كان اسم عملية احتلال العراق الأمريكية لكنها كانت موديل ،1798 في البداية نزل الجنود الفرنسيون إلى الشوارع في القاهرة دون سلاحهم، وكذلك المارينز الأمريكان في بغداد، فالناس كانوا في حالة ذهول! ولقد اشترى الجنود الفرنسيون كل شيء بأعلى الأسعار ليجذبوا السكان إلى جانبهم، تماماً كما فعل الأمريكيون عند غزوهم بغداد. ولقد أحضر نابليون معه 36 عالماً ليتفهم عقلية المصريين وثقافتهم ولتغيير القانون من الشريعة إلى قانون علماني، وهو هدف واظب عليه الغرب إلى يومنا هذا. وكما أعلن رامسفيلد وزير دفاع الغزو الأمريكي بأن جنوده قد جاءوا ليحرروا العراق، كذلك أعلن نابليون أنه جاء وأحضر معه “التنوير” والتحرير. وكما حكم بريمر أول مندوب سام أمريكي في العراق بمراسيم تحمل قوة القانون، كان هذا ما فعله أيضاً نابليون قبله بأكثر من مائتي سنة.

عندما دخل نابليون القاهرة جمع كبار أهل القاهرة وأبلغهم بأنه يريد أن يحكم بواسطة عشرة ينتقيهم منهم، وهكذا أصبح لنابليون ما يعادل CPA أو السلطة المركزية المؤقتة التي أنشأها الأمريكيون بعد الاحتلال. ولقد جعل نابليون من القصر الجديد لحاكم مصر السابق محمد بيه الألفي قصراً لإدارته، وهكذا أصبح لنابليون “منطقته الخضراء”، كما جعل بريمر من منطقة القصر الجمهوري لنظام صدام حسين منطقته الخضراء.

وعندما أفاق المصريون، كما أفاق العراقيون من صدمتهم، لم يعجبهم الاحتلال.. فقاموا بثورة مسلحة أسماها نابليون، كما سماها الأمريكان تمرداً! ولقد كان رد فعل نابليون بأن وجه مدافعه ضد الأزهر كونه مركزاً للمقاومة، وعلى غرار جورج بوش كان نابليون مصمماً على الاستمرار في سياسته، فبدأ بتغيير جنرال وراء جنرال، فأرسل الجنرال دوبوي General Dupuy لوقف “التمرد” حيث تطورت المظاهرات إلى ثورة في أكتوبر/ تشرين الأول ،1798 ولقد قتل الثوار الجنرال دوبوي مع العديد من جنوده، فرأى نابليون أن يتخذ أشد أنواع العقاب، حيث اعتقل رؤوس المقاومة، بمن فيهم رئيس جمعية المكفوفين والذي تم إعدامه مع أربعة آخرين. صعد الفرنسيون من قمعهم. دسوا السم للكلاب لأنها كانت تعوي وتنذر المقاومين قبل وصول الجنود الفرنسيين إلى معاقلهم، كما دمروا أجزاء من المدينة بأكملها بما فيها المساجد والمنازل والقصور. لا بد أن هذه كانت “فلوجة” نابليون.

لاحظ نابليون أن المماليك والعثمانيين والإنجليز قد كونوا محوراً، لابد أنه كان محور شر، فرأى أن يهرب إلى الأمام فغزا فلسطين، لكنه هُزم في عكا، وهكذا وفي جنح الظلام سافر سراً إلى فرنسا في 22 أغسطس/ آب ،1799 وكما كافأ الأمريكيون جورج بوش على خيبته في العراق بولاية ثانية تم تسمية نابليون بعد رجوعه “القنصل الأول”. ترك نابليون الجنرال كليبر في القاهرة يتدبر الأمر. لكنه قُتل على يد أحد الثوار المسلمين غير المصريين ويدعى سليمان أليبين (Suleiman Alepin) هل هذا أحد الأصوليين أم إنه من القاعدة؟ تم تنفيذ حكم الإعدام بسليمان واثنين آخرين معه، وتم تعيين الجنرال مينو Menou والذي اعتنق الإسلام فيما بعد، حيث أصبح اسمه الجنرال عبدالله جاك مينو، وتزوج من مصرية وأنجب ولداً أسماه سليمان. لكن “محور الشر” الثلاثي من المماليك والعثمانيين والإنجليز قد انتصر أخيراً ورجعت مصر ولاية تابعة للسلطان العثماني سنة 1805.

عمل محمد علي قائداً للجيوش العثمانية وعمل بتوافق مع الإنجليز. ويبدو أن تفاهماً ضمنياً مكنه من المحافظة على مركزه لاحقاً كحاكم ولاية مصر العثمانية. بقي النفوذ البريطاني مؤثراً في مصر إبان فترة حكم محمد علي، إلا أنه حاد عن الطريق كما سنرى فتمت إزاحته.

عندما احتل نابليون مصر، كانت مصر على مفترق طرق استراتيجي. ومع أنه لم يُفصح عن أن هدفه الحقيقي كان الوصول إلى الهند درة التاج البريطاني، إلا أن ذلك كان مفهوماً ضمناً، كما لم يعلن جورج بوش عن هدفه الحقيقي وهو السيطرة على منابع النفط وإن كان أمراً مفروغاً منه عرفه القاصي والداني.

حكم محمد علي مصر 43 سنة (1805 1848) ولعل التدخل السافر للغرب في شؤون العالم الإسلامي كان سبباً رئيسياً للإبقاء على التخلف بهذه الطريقة أو تلك، وضرب كل حركات التحرر أو التقدم الاقتصادي أو الاجتماعي أو العسكري قبل أن تصبح خطراً على مصالح الغرب، فبعد أن تربع محمد علي على كرسي الحكم وقيامه بمركزة السلطة بين يديه، قام بثورة صناعية وزراعية طموحة. وفي الشأن الزراعي، فقد ضاعف المساحات المزروعة وكذلك نوّع المزروعات للأنواع القابلة للتصدير، فأنشأ نظاماً زراعياً مركزياً بحيث حدد مساحة ما يزرعه المزارعون ونوع المحصول لزراعتهم، واشترى محصولهم والذي كان يباع بربح، واستعمل الربح في بناء المشاريع العامة وقنوات الري، والطرق والسدود، بالإضافة إلى تمويل المشاريع الصناعية وتقوية الجيش. وتم بناء مصانع النسيج والسكر والزجاج وتم شراء الماكينات من الغرب والاستعانة بخبرائهم. وكما كان يفعل الاوروبيون فلقد تم حماية الصناعة المصرية خصوصاً في سنوات تكوينها الأولى، مما حسّن من ميزانه التجاري باستمرار. وكون جيشاً قوياً وبحرية قوية، وكانا تحت تصرف السلطان العثماني عند الطلب.

أرسل محمد علي جيوشه إلى الجزيرة العربية، كما أرسل جيوشه وأساطيله لمساعدة السلطان في إخماد الثورة اليونانية. أصاب الأوروبيون القلق من تنامي قوة محمد علي البرية والبحرية، فقام أسطول من تحالف القوى الأوروبية بإغراق أسطول محمد علي في نفارينو Navarino في أكتوبر/ تشرين الأول 24 سنة 1828 جنوب شواطئ اليونان.

بعد أن أثبت قدراته العسكرية شجعت بعض القوى الأوروبية محمد علي على احتلال عاصمة الخلافة العثمانية، وبعد احتلال بلاد الشام بواسطة إبراهيم باشا، استمر نحو الاستانة حيث دحر الجيش العثماني ولم يوقفه سوى القوى الأوروبية التي أنذرت والده بالتوقف وإلا.. محمد علي الألباني الذي لم يتكلم العربية بطلاقة، وابنه إبراهيم (بالتبني من زوجة يونانية) أراد إنشاء دولة تقوم على العروبة والقومية العربية، وتنفصل عن الدولة الإسلامية العثمانية، والتي كانت في حالة وهن وضعف بل “مشروع إمبراطورية جاهزة للسقوط” متى سمحت الجيوبوليتكا بين القوى الأوروبية لذلك. رأى الغرب أن أفضل طريقة لحد قوة محمد علي هي تقنين مصادره المالية. فكما أجبرت بريطانيا الدولة العثمانية على توقيع معاهدة التجارة الحرة بمعاهدة بالتاليمان Balta Liman سنة 1836 بشروط حابت بريطانيا، فلقد طُلب من محمد علي أن يفعل الشيء نفسه. لكنه لم يستجب حيث ان مثل ذلك سيحرمه من عوائد الجمارك، كما سيعرض صناعته وزراعته إلى منافسة غير متكافئة مع أوروبا. عندها هاجمته بريطانيا بالتعاون مع العثمانيين في بلاد الشام وتم إخراجه منها بعد حكم دام عقداً من الزمن، بعد أن قصفت البحرية البريطانية قوات محمد علي في بيروت في سبتمبر/ أيلول ،1840 وفي عكا في أكتوبر، وأخيراً رست قطع بحرية بريطانية في ميناء الاسكندرية وتم إجبار محمد علي على توقيع اتفاقية التجارة الحرة سنة 1841. وبذلك أجبر محمد علي على التخلي عن سائر سياساته الاقتصادية، وأن يخفض الضرائب والجمارك على المنتوجات الأجنبية مما أدى إلى اندثار الصناعة المصرية التي بناها خلال عشرات السنين. وكذلك تم وضع حدود لإعداد وعدة جيشه. وكما كان متوقعاً، فلقد انخفضت إيرادات الدولة ب 80% بعد سنة من هذه الاتفاقية وبدأ الدين يتراكم على مصر، مما سبب انهياراً عصبياً لمحمد علي. وبقيت صحته تتدهور إلى أن تم عزله في يوليو سنة ،1848 كما توفي ابنه إبراهيم في نوفمبر/ تشرين الثاني من السنة نفسها. وبقي الدين على مصر بازدياد بالرغم من وجود المستشارين الأجانب حتى وصل إلى مائة مليون جنيه سنة ،1879 الأمر الذي أدى إلى احتلال مصر تحت دعوى إدارة الاقتصاد المصري لسداد ديونه، الأمر الذي يقوم به هذه الأيام صندوق النقد الدولي، فبعد إغراق البلدان بالديون، يأتي صندوق النقد الدولي بشروطه Conditionalities وخبرائه ليضعوا الشروط وليقبعوا في دوائر الدولة لإدارة الاقتصاد والديون. وكما أن البنك الدولي يُشجع الدول النامية على بناء المشاريع من موانئ ومحطات كهرباء، ثم يأتي الوقت الذي تباع هذه المنشآت نفسها بأبخس الأسعار لسداد الديون تحت برامج الخصخصة، كان الأمر نفسه يتم في السابق، فبعد أن استدانت مصر الملايين لمشاريعها ومنها فتح قناة السويس، اضطرت الحكومة المصرية أن تبيع أسهمها في القناة لقاء 4 ملايين جنيه فقط، أي 4% من حجم ديونها. استدانت الإمبراطورية البريطانية هذه الملايين الأربعة من عائلة المرابين العالميين آل روتشايلد، وكان المستدين رئيس الوزراء البريطاني دزرائيلي.

الاقتصاد الجديد.. قديم

لقد كان الاقتصاد الجديد إحدى أكبر أكاذيب القرن العشرين، فهو لم يكن سوى رخصة “جديدة” لوول ستريت لتبرير سرقاتها. ولم يكن هناك أي شيء جديد في هذا الاقتصاد الجديد، سوى أنه أصبح أكثر شدّة في مضارباته، وزادت طفيليته بشكل أكبر، حيث بقي جوهر النظام الاقتصادي على حاله.

لقد تكيف هذا الاقتصاد الجديد القديم مع وسائل جديدة تعمل على تعاظم ثروات ومنافع البارونات اللصوص. وقد كانت الحواسيب والإنترنت اختراعات تقنية ثورية في النصف الأخير من القرن العشرين. ولكن هذه الصفات تنطبق أيضاً على الاختراعات في النصف الثاني من القرن التاسع عشر، مثل الكهرباء والبترول التي كانت اختراعات ثورية أيضاً، ولكن “عبادة الجديد” هي تقليد أمريكي قديم. فأمريكا هي العالم الجديد، والأمة الجديدة، والقارة الجديدة. أمّا الاقتصاد الجديد فلم يكن سوى إحدى صرعات أصحاب وول ستريت، والذين يستخدمون طرقاً ووسائل جديدة وتقنيات الكمبيوتر، وتسخير علماء الصواريخ لتعظيم نهبهم للاقتصاد المنتج.

لقد سُئل روبرت صامويلسون (Robert J. Samuelson) في تعليق نشر في مجلة نيوزويك في 17/4/2001: “ما هو الاقتصاد الجديد؟ إنه يبدو في معظمه حالة ذهنية، وقناعة، من خلال معجزات التقنية، بأن الاقتصاد قد دخل مرحلة النعيم الدائم الذي يعج بوعود الخير ويخلو من أية مخاطر. وقد قامت هذه الثقة المفرطة بتغيير النمط السلوكي للاقتصاد، مسببة ازدهاراً في سوق الأوراق المالية وفورة في الإنفاق الاستهلاكي. ويبدو المستقبل غاية في الإشراق، حتى أن الناس باتوا لا يخشون أن ينفقوا بسخاء، وقد أظهر انتعاش السوق المالي الأسبوع المنصرم هذه الثقة بصورة واضحة. ولكن هذا الوضع ينطوي كذلك على خطر الهشاشة. فلو هزّ أي شيء هذه الثقة المفرطة، التي وصلت حدودها القصوى، فإن الأسهم ومبيعات التجزئة قد تنهار أو تنخفض، وبذلك فإن الاقتصاد الجديد سيبدو وكأنه الاقتصاد القديم. “ لقد قام مالكو وول ستريت ووسائل الإعلام الناطقة بلسانها بدمج قوتهم المالية مع قوتهم المعلوماتية، ليخلقوا رأسمالية معلومالية أسموها “الاقتصاد الجديد”.

لقد أثبت التاريخ أن مالكي وول ستريت يعتبرون أن القديم جديد والجديد قديم، فاللعبة هي ذاتها دائماً. ولو قمنا بتغيير التاريخ وبعض الأسماء، فلن يعرف أحد ما إذا كانت عملية الاحتيال قد تمت في هذا القرن أو في القرن الذي سبقه. وحتى عمليات الاحتيال والخداع هي ذاتها دائماً. وهذا ما يجعل الانحلال الأخلاقي جزءاً لا يتجزأ، إلى جانب الفضائح، من ثقافة وممارسات وول ستريت وبارونات الأموال اللصوص. وقد كتب غاري وايز (Gary Weiss) قائلاً: “إن فضائح السماسرة الماليين لا تنفك تتكرر مرة تلو الأخرى مع تغير أسماء الأشخاص فقط دون المساس بقانون اللعبة.. إن الفضائح المتكررة هي جزء من نسيج وول ستريت ونتاج لأخلاقياته والقوانين المطاطة التي تحكم عملياته، والتي تبقى دونما رقابة لسنوات طويلة.


الترويج لاحتلال العراق

وفي الوقت نفسه، نجد أن رئيساً أمريكياً هو فرانكلين. د. روزفلت كان السباق في انتقاد النظام النازي لانتهاجه سياسة الحروب الاستباقية، وذلك في خطابه الشهير في أكتوبر/ تشرين الأول ،1937 الذي قال فيه “إن الحروب النازية الاستباقية من شأنها أن تخلق عصراً من الرعب وغياب القانون” من خلال التدخلات غير المبررة في الشؤون الداخلية للدول الأخرى، أو الإقدام على غزو أراض أجنبية”. بالإضافة إلى ذلك، فقد نقل عن المدعي العام الأمريكي في محكمة جرائم الحرب في نوريمبيرغ القول بهذا الشأن: “موقفنا هو أياً كانت المظالم التي تعاني منها دولة ما ومهما بلغ حجم اعتراضنا على واقع معين لديها، فإن الحروب العدوانية تظل وسيلة غير مشروعة لمعالجة هذه المظالم أو العمل على تغيير مثل هذه الظروف”.

في التسعينات شهدت الولايات المتحدة أكبر فقاعة مضاربة في تاريخ السوق المالي الأمريكي. وفي بداية القرن الجديد، ما بين 10 مارس/ اذار 2000 ونهاية الربع الأول من عام ،2001 حيث تهاوت قيمة الأسهم في ناسداك من 7،6 تريليون دولار إلى 3،3 تريليون. وفي ذلك قال ستيف جوبس مؤسس شركة أبل للكمبيوتر أمام المحللين، إنه يعتقد بأن الاقتصاد الأمريكي يعاني من حالة انصهار.

وطبقاً لمفهوم النظام الرأسمالي الأمريكي، فإنه عندما يعاني اقتصاد ما من مصاعب فإن الحرب (سواء جاءت بفعل تخطيط مسبق أو حدثت بشكل عرضي) تساعد دائما على الخروج من الأزمة، خاصة كما اتضح من مشروع القرن الأمريكي الجديد وأن المسرح قد أعد بالفعل للهيمنة الأمريكية على العالم. فمن جانبها عملت “المؤسسة الأمريكية” على إيصال “رئيس حرب” إلى البيت الأبيض، وقدمت له الدعم المطلوب لتجني الشركات النفطية وشركات الصناعات والخدمات العسكرية من ورائه عظيم المكاسب. وفوق ذلك فإن العديد من رموز هذه الشركات ظهروا فجأة في البيت الأبيض، بدءاً من نائب الرئيس ديك تشيني، الذي كان قبلها مباشرة الرئيس التنفيذي لشركة هالبيرتون لخدمات النفط، وكونداليزا رايس التي شغلت منصباً رفيعاً في شركة شيفرون تكسيكو النفطية قبل أن تصبح على رأس مجلس الأمن القومي. وحتى في الخارج نجد بأن الرئيس الأفغاني المعين من قبل الأمريكيين حميد قرضاي والسفير الأمريكي في كابول بعد الإطاحة بطالبان، كانا يعملان مستشارين بشركة أونوكال النفطية (Unicol).

وخلال فترة الإعداد لغزو العراق شكل روبرت جاكسون، أحد كبار المسؤولين في شركة لوكهيد مارتن، ما عرف بلجنة تحرير العراق. وبرز من بين المؤسسين عدد من الأسماء المتنفذة في المجمع الصناعي العسكري الأمريكي، وضمت اللجنة كذلك وزير الخارجية السابق جورج شولتز (يعمل حالياً مع شركة بيكتل)، بالإضافة إلى عدد من رموز المحافظين الجدد.

وعليه فلا عجب أن تخرج الشركات المذكورة بحصة الأسد من مقاولات إعادة إعمار العراق، خاصة وأن عقيدة التجارة الحرة والعادلة تختفي عندما يتعلق الأمر بتعرض المصالح للتجمع الصناعي العسكري الأمريكي للخطر. فبعد الغزو وزعت سلطات الاحتلال الأمريكي الغنائم على الشركات النفطية، حيث أوكلت لشركة شيفرون تكساكو مسؤولية بيع النفط العراقي، بينما منحت شركتي بيكتل وهاليبرتون عقوداً إنشائية سخية، وهذه مجرد قمة الجبل الجليدي الهائل من المكاسب التي حظيت بها الشركات الأمريكية المقربة من إدارة بوش. وطبقاً لصحيفة “الفايننشال تايمز”، فإنه بعد عام واحد من غزو العراق، سجلت عائدات هاليبرتون ارتفاعا بنسبة 80%، بينما قفزت عائدات بيكتل بنسبة 135%. أما شيفرون تيكساكو فحققت زيادة في الأرباح بنسبة 90%، وذلك خلال الفترة من الربع الأول لعام 2003 إلى الربع الأول من العام التالي. وفي الوقت ذاته نجد أن أسهم لوكهيد مارتن لصناعة الأسلحة سجلت خلال الفترة من 2000-2004 (الفترة الأولى من رئاسة بوش) ارتفاعا بنسبة 300%. وطبقاً للسناتور رون وايدن فإن “عملية منح عقود إعمار العراق كانت أقرب إلى حالة الفوضى في مدن الكاوبوي الأمريكي قبل ظهور أمناء شرطة الدولة”.




يتّبع ان شاء الله[font="Arial"][/font]
Go to the top of the page
 
+Quote Post



Reply to this topicStart new topic
1 عدد القراء الحاليين لهذا الموضوع (1 الزوار 0 المتخفين)
0 الأعضاء:

 

RSS نسخة خفيفة الوقت الآن: 9th July 2024 - 09:26 AM