منتدى الناقد الإعلامي

السلام عليكم , للمشاركة اختر ( دخول | تسجيل )



ملتيميديا

مقتطفات فيديو من انتاج الشبكة

> أزمة نظام الرأسمالية والعولمة في مأزق, قراءة في كتاب " أزمة نظام: الرأسمالية والعولمة في مأزق" لمؤلفه
امة الله
المشاركة Nov 12 2011, 02:07 PM
مشاركة #1


ناقد متميّز
****

المجموعة: الأعضاء
المشاركات: 224
التسجيل: 22-September 11
رقم العضوية: 28





قراءة في كتاب " أزمة نظام: الرأسمالية والعولمة في مأزق" لمؤلفه: د. عبد الحي زلوم





د. عبدالحي زلوم : أنهى دراسته الابتدائية والثانوية في القدس، والجامعية الأولى والعليا في الهندسة والإدارة والإدارة العليا في جامعات الولايات المتحدة بما فيها جامعة هارفارد. ولقد تعايش وخبر النظام الأمريكي لأكثر من نصف قرن، كما عمل مع العديد من الشركات العبرقطرية في الولايات المتحدة وأوروبا، كما عمل مستشاراً عالمياً في قطاع النفط وله ستة مؤلفات في الاقتصاد السياسي.


في كتابه “نذر العولمة” الذي صدر سنة 1998 بيّن د. عبدالحي زلوم أن النظام الرأسمالي قد ركب ثورة المعلومات فأوجد نظاماً اقتصادياً مالياً موازياً للاقتصاد المنتج، وأصبح عبئاً عليه يعيش على المضاربة فحوّل أسواق المال إلى كازينوهات للمقامرة تصب في جيوب بارونات المال العالميين.

وفي كتابه “امبراطورية الشر الجديدة” أوضح د. عبدالحي زلوم أن عقد التسعينات كان كعقد العشرينات وأن الأسباب نفسها تعطي النتائج نفسها. فكما كانت نتيجة ممارسات العشرينات كساداً كبيراً دام أكثر من عشر سنين، بيّن د. زلوم أن العقد الأول من القرن الواحد والعشرين سيشهد انهياراً اقتصادياً، بحيث كان الفصل الأخير من كتاب

“حروب البترول الصليبية” لسنة 2005 معنوناً : الإمبراطورية الأمريكية: نهايتها سكتة قلبية اقتصادية.

هذا الكتاب “أزمة نظام” يبين أن النظام الرأسمالي قديمه جديد وجديده قديم، يعيش على الحروب واستلاب ثروات الآخرين، وأن “تاريخ صلاحيته” قد قاربت نهايتها.

الحلقة الأولى:

في كتابنا “نذر العولمة” بيّنا أن الرأسمالية المعلومالية قد مزجت بين قوة المال وقوة الإعلام وقوة علوم التسويق للبضائع والسياسيين، وهذه العناصر أسميناها في كتابنا إياه بالإنجليزية The Three Ms لأنها جميعاً تبدأ بالحرف M Money) ، Media،(Marketing .

وحيث تم تغيير مفهوم المال حتى أصبح بدوره سلعة من السلع، صار وهماً ونبضة في كمبيوترات البنوك والشركات المالية، وصار غسل دماغ الجماهير الدعامة الأساسية لهذا الثالوث، وذلك النظام، فأصبح دور الإعلام طاغياً، مما جعل أصحاب البيوتات والمؤسسات المالية وأصحابها يهرعون لاحتكار أجهزة الإعلام المختلفة ليتقلص عدد شركاتها الكبرى من 30 إلى 5 خلال آخر عقدين، تربع على رأس هذه الشركات الخمس أصحاب البنوك أنفسهم. وحين كتابة هذه السطور كان رؤساء هذه الشركات الخمس من ملة واحدة!

عندما زار وفد صحافي من الاتحاد السوفييتي الولايات المتحدة في الثمانينات من القرن الماضي، وقبل مغادرتهم، سأل أحدهم ضيوفه الأمريكان : “كيف تستطيع ماكينة الإعلام الأمريكية أن تتحكم لهذه الدرجة، حيث إننا وجدنا الرسالة نفسها، والنص نفسه في سائر أنحاء الولايات المتحدة ومن مؤسسات الإعلام كافة، وبطريقة لم نستطع نحن في الاتحاد السوفييتي تحقيقها رغم تمركز آلة الإعلام بأيدي حزبنا”.

نقتبس في هذا الكتاب قول البروفيسور كويغلي Quigly من جامعة جورج تاون، والذي علّم طلابه (ومنهم بيل كلينتون) أن برامج الحزبين الأمريكيين في جوهرهما برنامج واحد في خطوطه العريضة، وأن الإدارات التي تأتي للسلطة تأتي لتنفيذ تلك المخططات مع حرية حركة تكتيكية محدودة. وتتحمل الإدارات الأمريكية كل “أوساخ” تلك البرامج باعتبارهم المسؤولين عنها، وذلك بمنأى عن أصحاب النظام الحقيقيين الذين جيّروا تلك البرامج لمصالحهم الضيقة. جاء كلينتون وراح كلينتون، جاء بوش، وراح بوش، وجاء أوباما وسيروح أوباما، وقد علقت بهم كل أوساخ النظام لفترات حكمهم، لكن أصحاب النظام الحقيقيين باقون، يلعنون مع الجمهور “وساخة” هذه الإدارات، وتبدأ ماكينة إعلامهم بالتبشير أنه ما علينا إلا أن ننتظر الإدارة التي ستأتي حتى تصبح كل الأمور على ما يرام! فالمشكلة في هؤلاء (الأوغاد) كما أسماهم البروفيسور غويغلي!. هذا ما يريد أصحاب النظام أن يوحوا به، مع أن المشكلة والأزمة هي أزمة نظام.

سيبين هذا الكتاب أن الرأسمالية منذ نشأتها قبل 500 سنة عاشت على الأكاذيب والحروب والعبودية واستعباد الشعوب، تديرها فئة قليلة جداً من بارونات المال العالميين. ولقد وظف هؤلاء في خدمتهم الإعلام على مدى القرون فملكوه وأداروه، سواء عندما كان يعتمد على الشائعات الكاذبة أو الصحف أو على الإذاعة والتلفزيون. كانت أضخم صفقة نفذها روتشايلد هو بمعرفة نتائج معركة واترلو قبل الآخرين، فادّعى أن انجلترا قد خسرت الحرب وباع بعض أسهمه، ما سبب انهيار البورصة.عندها قام بشراء كميات هائلة من الأسهم بأبخس الأسعار التي ارتفعت إلى سابق عهدها، بعدما تبين أن بريطانيا هي التي ربحت تلك المعركة. يقول روتشايلد مفتخراً: “لقد كانت هذه صفقة عمري”. كان الحمام الزاجل هو من أوصل خبر نتيجة معركة واترلو لورتشايلد. وما إن بدأت التقنية الحديثة بدءاً بالتلغراف حتى قام أصحاب النظام الرأسمالي بتأسيس المؤسسات الإخبارية ووكالات الأنباء وسائر وسائل التأثير الجماعي. كان من أوائل هؤلاء إسرائيل بير جوزيفات (Israel Beer Josephat) والذي اقتضت متطلبات المهنة أن يغير اسمه إلى رويتر، وديانته من اليهودية إلى الكاثوليكية، كما فعل الرئيس البريطاني دزرائيلي ذلك في عهده، وكما فعلت مدلين اولبرايت ووالدها جوزيف كوربل من بعده. وصاحبنا هو مؤسس وكالة رويتر للأنباء. ولقد اهتم هؤلاء بالاستيلاء على مصادر الأخبار ثم أدوات نشرها، فلقد تعلموا من تجاربهم أن ذاكرة الشعوب قصيرة المدى واعتمدوا مقولة اكذب اكذب يصدقك الناس. ولكي يعطوا أكاذيبهم طابع الصدق والعدل بل القداسة، وظفوا كهنة لنظامهم أسموهم “الاقتصاديين”، والذين كانوا وما زالوا يزاولون دور وعاظ السلاطين بإصدار الفتاوى من نوع “ادفع وارفع”.

وفي كل عصر وحقبة من الزمن نجد بأن بارونات المال هؤلاء قد “لمّعوا” أحد هؤلاء ليضفوا عليه هالة القداسة، وأنه إذا “قال فصدقوه”. عند انهيار النظام كما حصل أيام الكساد الكبير، كان هناك جون مينارد كينز John Maynard Keynes ، والذي نظّر بضرورة تدخل الدولة لتقليم أظافر السوق وكذلك بالإنفاق عن طريق العجوزات أثناء الأزمات إلى أن يتم إنقاذ النظام. وما فتئ النظام بعد ذلك إلاّ أن أخرج كبير كهنة جديداً، فجاء ملتون فريدمان يقول: إن تدخل الدولة هو أبو الشرور، فتم فكفكة ما تم وضعه من قوانين معتمدة على الأرذوكسية الكينزية خصوصاً في عهد ريغان، ثم جاء رئيس البنك المركزي بول فاولكر ومن بعده آلان غرينسبان، والذي حكم النظام المالي الأمريكي ومن ثم العالمي 16 سنة ونصف السنة ليقول لنا أمام لجنة تقصي حقائق عن أسباب الأزمة الاقتصادية في الكونغرس في أكتوبر سنة 2008: “إنني مصاب بالذهول... فأنا أعرف بأن هناك خطأ ما في النظام... لكني لا أعرف ما هو...”. لا فُضّ فوه!

لكن السؤال : لماذا علينا أن نصدق فولكر أو غرينسبان أو حتى بن شلومو برنانكي، الذي جاء وول ستريت به لينقذ مؤسساته المالية؟ فشلومو برنانكي كانت رسالة الدكتوراه خاصته عن الكساد الكبير... يا للصدفة جاء قبل أن يُعلن للملأ عن كساد كبير أو تباطؤ كبير... سمه ما شئت! أم هي صدفة إن جيء به هذه الأيام وهو الذي وصل إلى نتيجة في رسالة دكتوراه مؤداها أن أُم المشاكل هي السماح بانهيار البنوك، وعلى الدولة حمايتها بسائر الوسائل، وهكذا انقلبت الدولة الرأسمالية التي كانت تلعن تدخل الدولة وجعلته من المحرمات على دول شرق جنوب آسيا أثناء أزمة التسعينات، مُعلنة أن على البنوك الضعيفة والشركات الضعيفة أن تنهار، حيث ما لبث أن ذهب بارونات المال العالميون لشرائها بأبخس الأثمان. لكن اليوم، أصبحت تلك المحرمات حلالاً، وبدأت الحكومة بشراء الحصص وضخ المليارات لوقف الانهيارات لمؤسسات باروناتها! ورسالة دكتوراه برنانكي كانت من أشهر الجامعات الأمريكيةMIT ، وكان المشرف عليها الأستاذ في تلك الجامعة آنذاك البروفيسور ستانلي فيشرStanley Fisher ، والذي انتقل ليصبح نائب مدير صندوق النقد الدولي وهو اليوم رئيس البنك المركزي ل”إسرائيل”!

إذا كان الأمر بهذا الوضوح فهل علينا أن نبقى كتنابل السلطان نسير من أزمة إلى أزمة... إلى حتفنا... أم أن علينا إصلاح ذات بيننا وتفحص ما يجري حولنا؟

هل أتاك حديث مادوف وبلاغوجيفيتش؟

برنارد مادوف هو ابن وول ستريت البار. أسس سنة 1960 شركة برنارد مادوف للاستثمار عندما كان في الثانية والعشرين من عمره وكان رأسماله حينئذٍ 5000 دولار. بقي مادوف رئيس مجلس إدارة هذه الشركة حتى 11 ديسمبر 2008 حينما ذهب وأخبر أولي الأمر أن شركته كانت تمارس الخداع والغش والكذب خلال سنوات عملها، وكان قد أخبر بعض مديريه الشيء نفسه قبل يوم من افصاحه عن سوء أمره قائلاً : “كان الأمر كله كذبة كبرى”. وصل مادوف إلى أعلى المراكز في وول ستريت بما في ذلك رئاسة مجلس إدارة ناسداك Nasdaq أهم سوق مالي لشركات التكنولوجيا في العالم لعدة سنوات. كان لآخر أيامه ممن يسمون في وول ستريت “صناع السوق”. (خسائر) مادوف كانت 50 مليار دولار أي 000.000.000.50 دولار عداً ونقداً !!!... وما كادت الفضيحة أن تنكشف حتى أفصحت العديد من البنوك العالمية داخل الولايات المتحدة وخارجها في بريطانيا، وإسبانيا، وفرنسا، وايطاليا وهولندا وغيرها انها قد أصابتها خسائر جسيمة لأنها كانت تستثمر مع مادوف. كان مادوف، حسب صحافة وإعلام وول ستريت رجلاً تقياً نقياً طاهراً ورعاً، حيث أنه كان يكثر أعمال الخير خصوصاً للمؤسسات اليهودية و”اسرائيل”.... بل وكان في مجلس امناء إحدى الجامعات اليهودية.

حسب ما نقلته وكالة الصحافة الفرنسية AFP في 18/12/2008 فلقد ظهر على الإنترنت طوفان من الرسائل “المعادية للسامية” (وهنا نضع معادية السامية بين قوسين). قالت وكالة الأنباء هذه بأن “مادوف، ذا السبعين عاماً، يهودي الديانة، وعضو بارز في الجالية اليهودية الأمريكية ذات النفوذ القوي”. ثم تقتبس الوكالة ما قالته “رابطة الدفاع ضد التمييز” اليهودية ADF عن هذا الموضوع : “قام البعض بكتابة تعليقات بالغة الإهانة عن علاقة اليهود والمال حتى أن بعضهم قال إنه لا يستطيع أحد القيام بعملية غش كهذه إلاّ اليهود كما أن آخرين ادعوا (في نظريات مؤامرة) بأن سرقات اليهود هذه انما هي لمساعدة “إسرائيل””. واستطرد الناطق باسم رابطة ADL أنه حتى بعض الجرائد، وليس مواقع الإنترنت فقط، كانت من اولئك الذين انضموا إلى تلك الحملة ومنهم نيويورك بوست، ومجلة “فوربس”. لكن الغريب أن مواقع جريدة “هآرتس” و”الجيروسالم بوست” كانا ضمن تلك المواقع التي ورد فيها مثل هذه الاتهامات “اللاسامية”. إذن مهاجمة الغش والخداع والسرقة هي (لا سامية) و(نظرية مؤامرة) حتى ولو كان على موقع جريدة “إسرائيلية”! أليس هذا هو الابتزاز بعينه؟؟

بينا في هذا الكتاب أن ممارسات أسواق المال منذ كانت هناك أسواق مال هي نفسها، جديدها قديم، وقديمها جديد. بينّا أن الفقاعات الاقتصادية كانت تُمارس حتى قبل 300 سنة، حيث بينا فقاعة شركة بحر الجنوب سنة 1720 والتي يُظّن أنها قد حدثت بالأمس. حتى أن ممارسات مادوف ما هي إلا نسخة طبق الأصل عن ممارسات تشارلز بونزي Charles Ponzi في العشرينات من القرن الماضي.

بدأ بونزي فقيراً معدماً كما كان الحال مع مادوف، إلى أن عمل مع أحد أصحاب البنوك “الفاسدين” في كندا حيث تَعلّم منه آخر علوم النصب، والنصب هو أحد علوم مهنة أسواق المال وأصحابها التي ورثوها أباً عن جد على مدى التاريخ. ما تعلمه هو ما يسمى Pyramid Scams وملخصها الدفع للمستثمرين القدامى من أموال المستثمرين الجدد بناء على مشاريع وهمية. ووَعَد بونزي بدفع فائدة 50% على أي مبلغ استثمار لمدة 90 يوماً فقط. خلال سبعة شهور جمع 30000 مستثمر دفعوا 9 ملايين دولار وهو مبلغ ضخم في تلك الأيام. ذاع صيته في كل مكان. وبعد أن بدأ عملية احتياله وبجيبه دولاران فقط، امتلك قصراً وسيارات فارهة إلى أن تم اكتشاف أمره بعد أن كان ما كان! وهذا ما قام به مادوف... بل هذا ما تقوم به شركات المال وباروناتها العالميون.

إذا كانت أخلاقيات نظام السوق الرأسمالي تسمح ببيع السلع والسياسيين واقتراف الجريمة باعتبارها عمليات سوق لا تخضع لمعايير أخلاقيه، فدعنا نرَ كيف ينطبق ذلك على بيئة شيكاغو وحزبها الديمقراطي الذي أوصلت ماكنته السياسية باراك اوباما إلى أعلى مناصب الدولة.

يقول ديك سمبسون Dick Simpson أستاذ العلوم السياسية بجامعة إلينوي في شيكاغو إن أكثر من ألف شخص قد تم ادانتهم على خلفية جرائم سياسية اقترفت منذ السبعينات من القرن الماضي كان منهم ثلاثون ممن وصلوا إلى مراكزهم عبر صناديق الاقتراع إلى مناصب عامة ومهمة. كان آخر هؤلاء حاكم ولاية إلينوي الحالي (بلاغوجيفيتش Blagojevitch) والذي تم اعتقاله واطلاق سراحه بكفالة في 9/12/2008. وهذا ما نقلته وكالة الأسوشيتيد برس في 24/12/2008: “أوقف بلاغوجيفيتش في التاسع من كانون الأول وأفرج عنه بكفالة. وكشفت نصوص الاتصالات الهاتفية التي نشرها مكتب التحقيقات الفدرالي (اف بي آي) أنه حاول بيع مقعد سناتور إيلينوي الذي بقي شاغراً بعد انتخاب أوباما رئيساً للولايات المتحدة. وكشف التنصت على مكالمات حاكم إيلينوي أنه كان غاضباً لأن فريق أوباما لم يقدم له سوى التقدير مقابل تعيين هذه الشخصية أو تلك... ويعود إلى حكام الولايات المتحدة تعيين أعضاء مجلس الشيوخ الذين تصبح مقاعدهم شاغرة، بانتظار الانتخابات المقبلة لمجلس الشيوخ بعد سنتين.

ويُمكن أن يحكم بالسجن على بلاغوجيفيتش المتهم بالاحتيال والفساد والذي يخضع لتحقيق حول قضية أخرى مما يفسر تمكن مكتب التحقيقات الفدرالي من التنصت على اتصالاته بإذن من القضاء”.

إذن، منصب أوباما السابق والذي وصل إليه أوباما عبر ماكينة الحزب الديمقراطي السياسية والتي أوصلت أوباما إلى البيت الأبيض هو الآن معروض للبيع... عدّاً ونقداً، كما بينته تسجيلات مكتب التحقيقات الفدرالي، ولكن أليست هذه حالة فريدة أردنا أن نعمل بها “من الحبة قبّة”؟ يقول البروفيسور سيمبسون إنه حين إدانة الحاكم الحالي ودخوله السجن سيكون أربعة من أصل آخر ثمانية حكام لهذه الولاية قد دخلوا السجن على خلفية الفساد والاختلاس والابتزاز... أربعة من ثمانية تعني 50% - أي النصف. لكن لماذا علينا نحن “أصحاب نظريات المؤامرة” أن ننظر إلى نصف الكوب الفارغ، فهناك نصف ملآن؟ ثم تفاءلوا بالخير تجدوه عند أوباما... وإلاّ فالذي بعده أو الذي بعد الذي بعده ! أوليس من الأفضل أن نحمد الله كثيراً أن بلاغوجيفيتش لم يكن هو الذي وصل إلى الرئاسة الأمريكية؟ لكن هل كان ذلك ممكنا؟

نطالب بالرأفة ل بلاغوجيفيتش، فهو قد لعب ضمن قواعد اللعبة في الرأسمالية الأمريكية كما وصفها الأستاذ ليستر ثورو وكما وصفتها ال “نيوزويك”، لكنه لسوء حظه قد انكشف أمره.

المحزن أن خسائر الدول العربية وخصوصاً الصناديق السيادية لدول النفط العربية قدرت بحوالي 2600 مليار دولار من جامعة الدول العربية، وهو مبلغ يزيد مرة ونصف المرة على جميع موجودات البنوك العربية مجتمعة من المحيط إلى الخليج، بل ويزيد على مجموع الدخل القومي السنوي للدول العربية مجتمعة من المحيط إلى الخليج، بما في ذلك الموارد من النفط والغاز. أما ما قدرته الأمم المتحدة من الخسائر العربية حتى منتصف ديسمبر / كانون الأول 2008 فكان 650 مليار دولار، خمسة في المائة من هذه الخسائر لو تم استثمارها في الزراعة في بلد كالسودان، لأصبح سلة غذاء للعالم العربي بأجمعه، أو 10% من هذه الخسارة كان يمكن أن يقيم قاعدة صناعية حقيقية في هذا البلد العربي أو ذاك. بل كان يمكن بأقل من عشرين في المائة من هذه الخسائر أن تقوم بسداد كافة الديون عن الدول العربية. هذه الخسائر في وقت تعاني شعوب منطقتنا من الجهالة والفقر وفي وقت سيدخل فيه سوق العمالة العربي 80 مليون طالب عمل جديد خلال السنوات العشر المقبلة.


أخو نابليون كتب إلى أخيه ناصحاً: حذار إذا جاعت الجماهير ! سؤالنا : لماذا على دول النفط أن تنتج من النفط أكثر من احتياجاتها للتنمية فتحول هذه المادة الثمينة من كنز ترتفع أسعاره مع الأيام باقياً آمناً تحت أراضيها، إلى أوراق كسندات خزانة في أمريكا أو كاستثمارات عند مادوف ومن على شاكلته؟ ولماذا لا تستثمر هذه الفوائض في بلدانها و/ أو بلدان أشقائها لتصبح ثروة حقيقية منتجة لا أوراق تتآكل لألف سبب وسبب؟ أم أن سؤالنا قد أخطأ العنوان؟ فالجواب في مكان آخر... هناك...!.

ما قاله مادوف عن شركته “كان الأمر كله كذبة كبرى” يمكننا قوله عن النظام كله.

الإصلاح في عالمنا العربي

ليست المشكلة بالآخرين وحدهم، فنحن ما بين فئة قليلة تطابقت مصالحها مع من هم خارج أوطانها أو ممن شغفهم الغرب حباً، وهؤلاء قال عنهم ابن خلدون قبل بضع مئات من السنين بأن “عبودية العقل هي أقسى أنواع العبوديات”، وبين فئة جمدت حضارتنا العظيمة في ثلاجة الزمن البعيد، دون الأخذ بأدوات التحديث والعصر في حضارة حثت على الأخذ بالعلم حتى ولو في الصين.


هل هناك شرق أوسط جديد؟ الجواب نعم، هناك طفل قد يكون اسمه الشرق الأوسط الجديد وقد لا يكون ! وهو - كما قالت عنه كوندوليزا رايس - في مخاض آلام الولادة. هو لن يكون بمواصفات رايس أو شمعون بيريز. لا أدري مَنْ غيرُ الله يدري كيف سيكون هذا الوليد لأنه من أطفال الأنابيب، وهو قادم من رحم قانون “العواقب غير المحسوبة The Law of Unanticipated consequences لا من واشنطن ولا من أحبائها.


ليس للأباطرة أصدقاء ولا صداقات. مات ماركوس في منفاه، وضاقت الأرض بما رحبت لقبرٍ يوارى به جثمان شاه إيران. جندت الولايات المتحدة ألوف المتطوعين البسطاء ليجاهدوا معها ضد الكفار السوفييت في أفغانستان. وبعد أن قضي الأمر، أين أصبح هؤلاء؟ منهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر في غوانتانامو! ثم أين هو سوهارتو؟ وأما مانويل نورييغا فلقد بدأ حياته مخبراً ثم عميلاً من الدرجة الممتازة لوكالة المخابرات المركزية الأمريكية، حيث أوصلته إلى حكم جمهورية بنما. أما اليوم فهو السجين رقم 41586 في أحد سجون ميامي الفيدرالية بولاية فلوريدا”.

[font="Arial"][/font]

الحلقة الثانية
.
.
.
يتّبع ان شاء الله
Go to the top of the page
 
+Quote Post
 
Start new topic
الردود
امة الله
المشاركة Nov 16 2011, 04:28 PM
مشاركة #2


ناقد متميّز
****

المجموعة: الأعضاء
المشاركات: 224
التسجيل: 22-September 11
رقم العضوية: 28




الحلقة الثالثة:

في الرأسمالية.. العبودية أساس الملك

يقول البروفيسور رونالد ديفيسRonald Davis من جامعة ولاية كاليفورنيا في نورث ريدج North Ridge "لا نبالغ حيث نقول إن الأرباح التي نتجت عن نظام وتجارة الرقيق من 1600 وحتى 1860 قد أسهمت إلى حد كبير في بروز الغرب في غرب أوروبا والولايات المتحدة كالقوى المهيمنة على العالم" .

ويمكن أن نضيف إلى ما كتبه ديفس بأن التطهير العرقي والحروب كالدعامتين الأخيرتين للرأسمالية الغربية التي انطلقت بعد أن حلل "التنويريون" بعد الثورة البروتستانتية الربا، وانطلق بارونات المال بعد حصولهم على هذا التغيير الايديولوجي إلى مزج قوة المال بتغير تكنولوجي انطلق بالرأسمالية إلى ما هي عليه اليوم .


قال ماتير روتشايلد مؤسس العائلة "دعني أسيطر على رأس المال لأي أمة ولا يهمني من الذي سيحكمها بعد ذلك" .

بعد وصول كولومبوس إلى ما ظنه الهند، كتب لأصحاب حملته بإسبانيا "سأرسل لكم ما تحتاجونه من ذهب، وكل ما تتمنونه من عبيد" . وأضاف: "فلينصر الرب اولئك الذين يتبعون طريقه!"، ومن مقره في ما يعرف اليوم بهايتي Haiti، قام كولومبوس بحملة اصطياد للسكان الأصليين، واحتجز 1500 منهم سنة ،1495 واختار منهم 500 من الأقوى بنية حيث حمّلهم بالسفن إلى إسبانيا . مات 200 منهم في الطريق ما جعل تكلفة الشحن باهظة فتفرغ لمحاولة تعدين الذهب . أمر بكل من هو فوق الرابعة عشرة من السكان الأصليين بجمع كمية محددة من الذهب خلال 3 شهور . أعطى الذين نجحوا في جمع الذهب قطعة من النحاس يعلقونها على صدورهم، أما أولئك الذين لم ينجحوا فتم تقطيع أيديهم لينزفوا حتى الموت . وحسب ما كتبه الراهبBartolome dela casa برتالومي دي لاكازا، الذي عايش تلك الحقبة، فيقول إنه بين 1494 و1508 فقد مات أكثر من ثلاثة ملايين من السكان الأصليين الذين قضوا نتيجة الحروب أو العبودية أو الأشغال الشاقة . وأضاف الراهب "من يصدق هذا في المستقبل؟ فأنا الذي عايشته أكاد لا أصدقه" . وكتب المؤرخ في جامعة هارفارد ساميول ديلوت موريسون: "إن السياسة التي بدأها كولومبوس واتبعها الذين خلفوه، قد أدت إلى إبادة جماعية" .


مؤسسة العبودية

مؤسسات العبودية كانت عماد الاقتصاد الأمريكي حتى نهاية الحرب الأهلية الأمريكية ،1865 أي لأكثر من 300 سنة . في العقود الأولى من القرن السابع عشر كان المستعمرون الأمريكيون البيض يستعبدون المواطنين الذين أسموهم الهنود الحمر . وعندما بدأت زراعة القطن بالانتشار السريع منذ 1670 أصبحت أعداد هؤلاء لا تكفي، فانطلقت تجارة العبيد الافريقيين على قدم وساق، كما تم استعباد الرقيق الأبيض ممن لم يستطيعوا سداد ديونهم، فأُرسلوا إلى أمريكا كعبيد لفترة سداد هذا الدين . وكان معدل وفيات العبيد أثناء نقلهم بالبحر لا يقل عن الثلث وإن كانت تصل أحياناً إلى النصف . كان يقذف في البحر المرضى، أما من يصل إلى بر أمريكا، فيباع ويشترى ويصبح ملكاً لصاحبه .

حتى سنة 1800 وصل من عاش من العبيد إلى أمريكا بين 10 - 15 مليون من أصل 50 مليوناً تم نقلهم خلال القرون الماضية مات في الطريق أكثرهم . كان من أُسموا آباء الثورة الأمريكية للاستقلال من أصحاب المزارع وملاك العبيد مثل جورج واشنطن، وتوماس جيفرسون وجيمس ماديسون .

حتى بعد الاستقلال ومناقشة حق الانتخاب، حُرم العبيد من التصويت، ولكن حيث إن غالبيتهم كان في الولايات الجنوبية، أخذ أهل الجنوب بتعدادهم حين احتساب عدد السكان لأمور تقرير عدد أعضاء الكونغرس والذي يخضع لكثافة السكان، عندها قرر المؤتمرون رسمياً اعتبار العبد ثلاثة أخماس رجل . وأخذ أهل الجنوب الحق بمطاردة الهاربين منهم إلى أي مكان لإعادتهم إلى مزارعهم .

أصحاب العبيد لم يعترفوا، وكذلك ولاياتهم بشمول مؤسسات الزواج على العبيد . كان يتم بيع أبنائهم إلى آخرين كما كانوا يُشغلونهم في حقول الزراعة من الثانية عشرة من أعمارهم . ولعل من الطريف أن نبين أنه حتى يومنا هذا، فإن العنصر الإنساني يشار إليه في علم الإدارة بالأصول البشرية، حيث تعرف الإدارة بأنها الاستغلال الأمثل للموارد والأصول (assets) البشرية والمادية .

لم يكن هذا هو حال المستعمرات الأمريكية، بل كان هو حال الحضارة الغربية، فثروات أوروبا الغربية بأكملها قامت على العبودية والاستعمار وعبودية شعوب بأكملها، مما يفقدها أي مبرر أخلاقي بالحديث عن حقوق الإنسان، في وقت كانت حضارتنا تقول إن الناس سواسية، ولا فرق لعربي على أعجمي أو قرشي على حبشي إلاّ بالتقوى قبلهم بقرون عديدة .

إذا كان العدل أساس الملك في الديانات السماوية فالعبودية هي أساس الملك في الرأسمالية .



الثورة الأمريكية: أسبابها وقادتها

في سنة ،1676 أي قبل مائة سنة من الثورة الأمريكية سنة ،1776 ثار الفقراء من البيض والسود وحرقوا الأخضر واليابس في عاصمة فيرجينيا واسمها جيمس تاون Jamestown، وهرب حاكم فيرجينيا من المدينة . كان كثير من أصحاب المزارع الكبرى أمثال جورج واشنطن وتوماس جيفرسون في تلك السنوات المائة قبل الثورة الأمريكية هم من الولايات الجنوبية وفيرجينيا . قامت 18 ثورة على الحكومة كما ثار العبيد من أقصى الجنوب إلى أقصى الشمال .

المؤرخ الأمريكي الشهير بيردBeard قال إن طبقة الأغنياء أصبحت بحاجة إلى حكومة قوية تصون مصالحهم الخاصة ليتمكنوا من السيطرة عليها وإصدار القوانين والتشريعات التي تصون مصالحهم، ولحماية منتوجاتهم الزراعية . كما أن بارونات المال قد أصابهم الاستياء نتيجة قوانين لم تعد تسمح لبنوكهم بإصدارات مالية . أحد من أصبحوا قادة الثورة بنجامين فرانكلين Benjamin Franklin، والذي كان متعهداً لطباعة الأوراق النقدية لأحد أكبر بنوك ذلك الزمان، ذهب إلى بريطانيا في محاولة لإلغاء قانون 1764 الذي أصدره البرلمان البريطاني الذي منع الإصدارات من قبل بنوك المستعمرات الأمريكية، ولكن دون طائل . طبقة التجار استاءت من قرار ملكي يحصر بيع الشاي في شركة الهند الشرقية البريطانية، والتي قامت بتعيين وكلاء لها للبيع المباشر، ما أثار حفيظة التجار وكان سبباً مباشراً للانتفاضة، حيث حرّض التجار والممولون عموم الشعب ضد الإنجليز، وذهب بعضهم ليقذف شاي شركة الهند الشرقية في بوسطن بعرض البحر . المؤرخ الأمريكي المعروف هوارد زينHoward Zinn يقول:

"حوالي 1776 اكتشف الأثرياء في مستعمرات بريطانيا في شمال أمريكا اكتشافاً مهماً بأنه إذا ما حققوا الاستقلال لمستعمراتهم، وأوجدوا أمة جديدة يسمونها الولايات المتحدة، فإنهم سيستولون على الأراضي، وسوف يحلون محل من تحابيهم بريطانيا في مستعمراتهم، كما يمكنهم كبح جماح الثورات المتكررة في المستعمرات وتأمين مصالحهم عبر الاستيلاء على قيادة هذه الأمة الجديدة"، قامت الثورة على جبل من الديون أثلجت صدور بارونات المال العالمي والمحلي . وتمت طباعة عملة محلية دونما غطاء أسموها بالكونتيننتالContinental فقدت قيمتها، بحيث أصبحت تساوي واحداً على الألف من قيمتها السابقة، وبحيث أصبح مثلاً للذي لا يساوي شيئاً إذ قيل عنه "لا يساوي كونتنينتال" .

كان عدد سكان المستعمرات الثلاث عشرة حوالي مليونين، نصفهم من النساء ممن ليس لهم حق بالانتخابات، وكذلك العبيد وسكان البلاد الأصليون من الهنود الحمر، وكذلك الفقراء من البيض، حيث كان حق الانتخاب مقروناً بالملكية . أصبح من لهم حق الانتخاب بضع مئات من الألوف لم يمارس أكثرهم حقهم في الانتخاب على كل حال .

يقول المؤرخ بيرد Beard: إن الثوار المؤسسين كتبوا دستوراً حافظ على مصالح طبقتهم وليس على مصالحهم فقط . ومن الطريف أن جورج واشنطن قد تم تنصيبه رئيساً للولايات المتحدة في وول ستريت، حيث حلف اليمين أمام رئيس المحفل الماسوني في نيويورك، وكان أكثر زملائه من الرعيل الأول من دعاة الاستقلال من الماسونيين أيضاً .



بدايات بورصة نيويورك

نال رأسماليو الشمال الأمريكي مآربهم، فإذا لم يستطيعوا أن يلغوا قانون 1764 بالإقناع فلقد ألغوه بالقوة . بدأوا إصداراتهم المالية من جديد . في سنة 1791 اجتمع 24 من كبار تجار وبارونات المال سراً تحت شجرة البطم، حيث وقعوا اتفاقاً بينهم سمي باسم الشجرة التي عقدوا اجتماعهم تحتها، حيث أصبحت الاتفاقية تعرف باتفاقية بوتم وود Buttomwood Agreement . كان فحوى الاتفاقية أنه لن يسمح بتداول الأوراق المالية إلاّ بين هؤلاء الأربعة والعشرين لا غير . وتطور سوقهم المالي بحيث أصبح يسمى سوق نيويورك المالي New York Stock Exchange، وعندها قرروا أنه لا يمكن انضمام أحد إلى هذا السوق في حال اعترض أي ثلاثة من المؤسسين على الانضمام . قاوم أصحاب البنوك تأسيس بنك مركزي أمريكي . في العام 1816 قال الرئيس الأمريكي توماس جيفرسون "آمل اننا سنتمكن من القضاء على ارستقراطية شركاتنا المالية ووأدها في مهدها . فقد تجرأت على تحدي حكومتنا في استعراض لقوتها واستخفافها بقوانين دولتنا" . وبدلاً من وأدها في مهدها، تنامت البنوك عدداً .



العبودية بعد الاستقلال

كان عدد العبيد سنة 1790 يقارب 700000 إلا أن عددهم أصبح حوالي 4 ملايين بحلول سنة 1860 . وحيث إنهم ممتلكات تباع وتشترى، كانت قيمتهم السوقية عام 1805 تساوي 300 مليون دولار، لكنها ارتفعت لتصبح 3 مليارات دولار سنة 1860 وهي قيمة فلكية في ذلك الحين، كان 90% منها في الجنوب . ثار العبيد 3 مرات في السبعين سنة قبل الاستقلال لكنهم ثاروا سبع مرات في السبعين سنة بعد الاستقلال .

بدأ اقتصادا الشمال والجنوب يتكونان بطرق مختلفة . فالزراعة كانت عماد الجنوب الرئيسية، أما الصناعة فكانت من نصيب الشمال ومموليه . أصبح الشمال بحاجة إلى العبيد كعمال في مصانعه في الشمال، وكمستهلكين لبضائعه، فبدأت دعوات تحرير العبيد لا لوجه الله ولكن لكي تنتقل من الشمال على دعاوى إنسانية أو دينية . لكن سرعان ما تم إنشاء المجمع المعمداني للولايات المتحدة الجنوبية، والذي أفتى سنة 1845 بأن الإنجيل قد حلل العبودية .

في نهاية عقد الخمسينات للقرن التاسع عشر، تعطلت العملية السياسية . أصبح الكونغرس غير قادر على إصدار القوانين المحابية لأصحاب الأموال، ذلك أنهم أرادوا الحماية لمنتجاتهم الصناعية، وعارضها أهل الجنوب لأنه سوف تنتج عنها زيادة في الأسعار، كذلك عارضوا مشاريع القنوات والسكك الحديدية التي تبناها أهل الشمال . وهكذا وصل تضارب المصالح الى حد قرر عنده أهل المصارف والصناعة تغيير الأمر الواقع بالقوة، ولم لا يكون تحرير العبيد (وامتلاكهم جزءاً من قيمتهم السوقية بالمجان) هدفاً نبيلاً يتم الادعاء بأنه سبب رئيسي للحرب؟

كانت الحرب الأهلية الأمريكية هي حرب بين الرأسمالية الزراعية في الجنوب والرأسمالية الصناعية / المالية في الشمال حيث كانت الغلبة للأخيرة، ولكن على أجساد 620000 أمريكي من "الغلابة" أي ما يعادل 3% من مجموع سكان أمريكا حينئذٍ . وبالطبع لم يحارب الأثرياء حيث إن قانون "البدل" كان يعفي من الخدمة من يدفع 300 دولار . ابن الرئيس لينكولن وكذلك البارونات اللصوص الذين جنوا ثمار الحرب لم يحارب أحد منهم .



الفساد سيد الموقف


كانت الأحزاب السياسية والسياسيون، بمختلف رتبهم وأماكنهم، فاسدين مفسدين، تباع القوانين وتشترى في ردهات الكونغرس وعلى قارعة الطريق . كان وكيل آل روتشايلد في أمريكا أوغست بلمونت August Belmont يشغل منصب رئيس اللجنة القومية للحزب الديمقراطي . أما رئيس اللجنة القومية للحزب الجمهوري وليام تشاندلزWilliam Chandler فكان يتلقى الرشى والهبات المالية من أربع شركات مختلفة في قطاع سكك الحديد في الوقت نفسه . أما بعض أعضاء مجلس الشيوخ فكانوا يتلقون أتعابهم مقدماً من الشركات التجارية الكبرى .

في هذه الأثناء طال الفساد أكثر أعضاء إدارة الرئيس غرانت Grant، وكما تقول كاتبة السيرة لمورغان، جين ستراوس، "إنها أكثر الحكومات فساداً في ذلك القرن، حيث لطختها الفضائح المالية التي وصمت كل عضو من أعضاء الوزارة فيها" . كما تورط نائب الرئيس في قضية مع المؤسسة المالية كريدت موبيلييهCredit Mobilier عام 1872 حيث أصدرت اسمها بأسماء أعضاء في الكونغرس لمشروع سكك حديد، مقابل الموافقة على منح قروض اتحادية . وحيث إن جديد الرأسمالية والنظام الأمريكي قديم استقال نائب الرئيس الأمريكي اغنيوAgeniew سنة 1972 على خلفية قصة رشوة من أحد المقاولين . في عقد السبعينات لهذا القرن استعمل البارونات اللصوص كل الأساليب لخلق الاحتكارات . فخلاله سيطر جون روكيفيلر على صناعة النفط بوساطة شركته ستاندرد أويل، فأصبح يملك في سنة 1879 90% من صناعة وتجارة تكرير البترول في الولايات المتحدة، كما سيطر على سبيل المثال أيضاً اندرو كارنجي Andrew Carnegie على قطاع الفولاذ وشركاته الواحدة تلو الأخرى .

وفي المقابل أصبحت الاضطرابات العمالية منتشرة على نطاق واسع، ففي عام 1886 وحده قام العمال بحوالي 1600 إضراب عن العمل، وشهدت الفترة من عام 1889 حتى نهاية ذلك القرن عدداَ كبيراً من الاضرابات والاضطرابات .


حزب الشعب: حلول لا رأسمالية

لعل أحد الأمثلة على أن جديد الرأسمالية قديم وقديمها جديد، أنه حينما نقرأ ما قاله أحد أعضاء حزب الشعب إيغناتيوس دونيللي Ignatius Donnelly في مؤتمر حزب الشعب في الربع الأخير من القرن التاسع عشر تظن أنه يصف حالة اليوم:

"نعيش في زمن وصل إلى حافة الخراب الأخلاقي والسياسي والمادي . لقد أصبحت الشركات هي التي تهيمن على الانتخابات والمشرعين والكونغرس، حتى وصل هذا الخراب الأخلاقي والسياسي إلى المحكمة العليا . أما الجرائد فهي إما مموُلة منهم أو أنها مكتومة الصوت . كما أن الرأي العام قد تم إسكاته . وبينما يزدهر أصحاب الأعمال فإن بيوتنا مرهونة، وعمالنا معدمون وتسرق الأراضي ليتم بناء ثروات خيالية غير مسبوقة في تاريخ العالم من أناس يحتقرون جمهوريتنا، ويعرّضون الحرية للخطر . ومن رحم اللاعدالة الحكومية تولد طبقتان_ المسحوقون وأصحاب الملايين" .


في سانت لويس عام ،1889 كان أن وضع ماكيون وحزب الشعب خطة تدعو إلى المطالبة والمناداة بأن الديمقراطية تستدعي وجود نظام مالي ديمقراطي غير مركزي من حيث السيطرة على القروض والاعتمادات، بحيث يسمح بتدفقها للمنتجين الحقيقيين، بما يضمن انتشار الفرص وتوسيع الدخل أكبر قدر ممكن . ولا يتحقق ذلك إلاّ من خلال الإقراض الحكومي المباشر للمنتجين دون أية وساطة (من البنوك) . وضعوا خطة مفصلة أصبحت تعرف باسم خطة الخزائن الفرعية . وتنص هذه الخطة على أن تقوم وزارة الخزانة الأمريكية في كل مقاطعة ذات منتوج زراعي واسع، ببناء مخزن فيدرالي ومصاعد للحبوب، وبذلك يكون هناك الآلاف من هذه المراكز التي ستسمى الخزائن الفرعية . وبإمكان المزارع أن يودع منتوجه في إحدى هذه الخزائن الفرعية ويقترض بفائدة 1% أو 2% على وديعته . وليصبح بمقدوره أيضا أن يبيع محصوله بالأسعار السائدة أو أن يقترض بضمان قيمة أرضه . ويُدفع للمزارعين حسب هذه الخطة بالأوراق النقدية، أي الدولارات التي ليس لها غطاء ذهبي، بحيث يغطيها الإنتاج الحقيقي . ومن الممكن أيضا أن تكون الدفعات على شكل شهادات إيداع قابلة للتداول بحيث يمكن مقايضتها وتداولها . وتقول الخطة إن هذه الموارد المالية والعرض النقدي قد تُسحب نظريا بعد أن يُسدد المزارعون قروضهم .

كما طالبت الخطة بأنه ينبغي أن يكون للمال غاية اجتماعية، لا أن يكون فقط لمجرد كسب المزيد من المال . ومن الواضح أن هذه الخطة من شأنها أن تخرج أصحاب البنوك من دائرة الإقراض، حيث إن القروض ستذهب مباشرة إلى المستفيدين . ولكن هذا النظام لم يكن ليكتب له الحياة طالما أن لأصحاب البنوك محاسيبهم وعملاءهم المخلصين في واشنطن، وطالما أنهم لا يزالون يُحكمون سيطرتهم على قوة المال .

وبدأ أعضاء حزب الشعب يراقبون وينتقدون تصرفات حكومتهم، فعندما أنقذت وزارة الخزانة الأمريكية البنوك التجارية في التسعينات من القرن التاسع عشر، عن طريق تخفيض الفائدة إلى 1% على دينها لتلك البنوك والبالغ 47 مليون دولار، كتب تريسي قائلاً:

" . . . طالما أن الحكومة تستطيع إقراض المال لأصحاب هذه البنوك بنسبة 1% على ضماناتهم، فلماذا لا تقوم بإقراضه للشعب على ضماناته؟ وما دامت الحكومة تستطيع إنقاذ أصحاب البنوك هؤلاء من خلال الفارق البسيط بين سعري الشراء والبيع، وتجنيبهم التضحية بضماناتهم، فلماذا إذن لا تستطيع أن تفعل الشيء ذاته مع الشعب؟ يا لها من سخرية واستهزاء من هذه الحكومة الديمقراطية أن تمنح مزاياها لأربعة آلاف رجل لأنهم أغنياء، وتنكر هذه المزايا ذاتها على 65 مليون شخص" . كانت أفكار حزب الشعب ثورية وأصيلة وكانت من خارج النظام الرأسمالي الذي أفرز بينهم التعاسة والفقر والحرمان . فكانت لهم آراؤهم في السياسة النقدية للدولة . كان أعضاء الحزب يرون أن السياسة والنظام النقدي الأمريكي وسيلتان للانحياز والاضطهاد . وقد بدأوا أولاً بوضع تعريفهم للمال، حيث يقول أحد أعضاء حزب الشعب المنتخب حديثاً في الكونغرس:

"إننا نُعرّف المال بأي حال على أنه صنيعة القانون، وتمثيل بسيط للقيمة، وأداة للصرف، وهو ليس بأي حال من الأحوال سلعة تباع وتشترى . " لقد وضع هذا النائب يده على إحدى العلات الرئيسية لرأسمالية القرن العشرين، حيث إنها تعتبر المال سلعة تباع وتشترى .

وفي الانتخابات الوطنية لعام ،1890 فاز حزب الشعب بخمسة مقاعد في مجلس الشيوخ، وعشرة مقاعد في مجلس النواب . وظلت انتصاراتهم تتكرر الواحدة تلو الأخرى، في عام ،1894 كانت شعارات حزب الشعب هي "مال الشعب"، "أرض الشعب"، " ثروة الشعب" و"مواصلات يملكها الشعب" .

وبدأ أعضاء ومناصرو حزب الشعب يطالبون بنظام قومي جديد وأموال قومية جديدة تصدرها الحكومة بدلا من البنوك المحلية المخصخصة، كما كان الحال عليه . وتحدثوا عن "رأسمال مركزي متحالف مع قوى الشركات غير المسؤولة" .

وفي خطاب ألقاه في سانت لويس، قال ليونيداس لافاييت بولك: " لقد آن الأوان ليوحد الغرب العظيم والجنوب العظيم والشمال الغربي العظيم قلوبهم وأياديهم معاً، ويمشوا مشية رجل واحد إلى صناديق الاقتراع السرية ويستولوا على الحكومة، ويعيدوا إليها مبادئ آبائنا، ويديروها بما يتماشى ومصالح الشعب" .



بداية عصر الإمبريالية الأمريكية

أصبحت الولايات المتحدة محتاجة لأسواق أجنبية بسبب اقتصادها الراكد وإنتاجها المرتفع . وقال ثيودور روزفيلت، الذي تولى الرئاسة فيما بعد، قال حين كان يشغل منصب مساعد وزير البحرية في إدارة الرئيس ماكينلي "إن هذه البلاد تحتاج حرباً"، وهكذا بدأت الصحافة حملتها الإعلامية المنسقة دوماً بين أصحابها من بارونات لصوص ضد إسبانيا لإعداد الشعب نفسياً لتقبل وخوض الحرب . وزعمت الصحافة أن الوحشية التي تمارسها إسبانيا في كوبا لم تعد تطاق، وطالبت الولايات المتحدة بالتدخل .

وفي منتصف شهر فبراير/شباط من عام ،1898 اندفعت الولايات المتحدة إلى الحرب ضد إسبانيا بعد غرق السفينة الحربية الأمريكية، مين، Maine في ميناء هافانا تحت ادعاء أن الاسبان قد أغرقوها . وتمخضت هذه الحرب عن احتلال أمريكا لكوبا وغيرها من المناطق الاسبانية، بما فيها جزر الفلبين النائية . وسرعان ما اتضح فيما بعد أن غرق السفينة مين كان نتيجة "عطل" داخلي، وليس نتيجة طوربيد إسباني كما زعم آنذاك . وحسب الانسكيلوبيديا بريتانيكا، فهذه الحرب كانت بداية لعهد أمريكا الإمبريالي . حاول الأمريكيون إقناع كولومبيا بإعطائهم امتيازاً لفتح قناة في بنما فلم يوافق برلمانهم على ذلك، عندئذٍ تواطأ الرئيس الأمريكي ثيودور روزفلت عام 1903 مع الشركة الفرنسية في الإعداد لثورة سرية في بنما . وهكذا فقد تم إيجاد جمهورية بنما الجديدة وفصلها عن كولومبيا، خدمة لغرض محدد هو الموافقة على معاهدة مع الولايات المتحدة مكنت من شق قناة بنما لتصل بين المحيطين الأطلسي والهادي، وقد بدئ بتشغيل القناة في الخامس عشر من أغسطس/ آب عام 1914 . وتحت نظام حكم الرئيس الأمريكي ويلسون ثم احتل هايتي حيث أصبحت محمية أمريكية، واحتل الرئيس المذكور جمهورية الدومينيكان عام ،1916 كما جعل نيكاراغوا محمية أمريكية، وابتاع الجزر العذراء الدنماركية بمبلغ 25 مليوناً من الدولارات .
Go to the top of the page
 
+Quote Post



Reply to this topicStart new topic
1 عدد القراء الحاليين لهذا الموضوع (1 الزوار 0 المتخفين)
0 الأعضاء:

 

RSS نسخة خفيفة الوقت الآن: 3rd July 2025 - 04:28 PM